خُطورَة التَّبَرُّج للشيخ الناصح و العالم الفاضل عبد الرزاق البدر. 2024.

خطبة جمعة بتاريخ / 4-8-1436 هـ

إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، وصفيُّه وخليلُه ، وأمينُه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعدُ أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه. وتقوى الله جل وعلا هي خير الوصايا وأعظمها ، وهي وصية الله تبارك وتعالى للأولين والآخرين من خلْقه كما قال جل وعلا: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ }[النساء:131] .
معاشر المؤمنين : إنَّ نعمة الله جل وعلا علينا بهذا الدين نعمةٌ عظيمة ومنَّةٌ جسيمة ؛ فإن الدين كلُّه محاسن في هداياته العظيمة وتوجيهاته القويمة وإرشاداته السديدة ، ومن ذلك -يا معاشر المؤمنين- ما يختص بالمرأة المؤمنة من حماية فضيلتها ورعاية شرفها والعناية بعفَّتها وإبعادها عن مواقع الردى والفتنة والشرور .
عباد الله : ولهذا جاء الإسلام في جملة هداياته للمرأة بنهيها عن التبرج ومنعها منه وتحذيرها من فعله ، لما يترتب عليه من شرورٍ عظيمة وآفاتٍ جسيمة وأخطارٍ وخيمة على المرأة نفسها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه .
وبادئ ذي بدء -عباد الله- لنتأمل في هذا المقام في آيةٍ كريمةٍ عجيبٌ أمرها في هذا الباب ؛ ألا وهي قول الله عز وجل : {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:60] .
فتأمل رعاك الله ، وتأملي أيتها المرأة المسلمة هداك الله في أمر الله عز وجل للمرأة الكبيرة المسِنَّة التي لا مطمع فيها لا ترجو نكاحًا ولا تطمع فيه ولا يطمع فيها أيضًا الرجال ؛ نهاها الله سبحانه وتعالى أن تتبرج بزينةٍ بأن تُظهِر شيئًا من زينتها أو تضعُ شيئًا يجمِّلها ويحسِّنها فيكون ذلك داعيةً للفتنة وموجبًا لإثارة الشر .
يقول في هذا المقام الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى موضحًا ما تشتمل عليه هذه الآية الكريمة من هداية عظيمة : «وإذا كان العجائز يُلزَمن بالحجاب عند وجود الزينة ولا يُسمح لهن بتركه إلا عند عدمها وهنَّ لا يفتن ولا مطمع فيهن ؛ فكيف بالشابات الفاتنات !! ثم أخبر سبحانه أن استعفاف القواعد بالحجاب خيرٌ لهن ولو لم يتبرجن بزينة ؛ وهذا كلُّه واضحٌ في حث النساء على الحجاب والبُعد عن السفور وأسباب الفتنة» انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
عباد الله : ولقد جاء في القرآن والسنة نصوص كثيرة في هذا الباب مبينةً عظم شأن هذا الأمر ووجوب بُعد المرأة عن التبرج وأن هذا خطرٌ عليها ومضرةٌ لمجتمعها وأنه من خطوات الشيطان وأعمال الجاهلية ، قال الله عز وجل :{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب: ٣٣] ؛ فبيَّن جل في علاه أنَّ تبرج المرأة بالزينة عملٌ قبيحٌ من أعمال الجاهلية القبيحة وشنائع فِعالها .
عباد الله : وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ؛ قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)) ؛ وهذا من أدل ما يكون على أن تبرج المرأة من كبائر الذنوب وعظائم الآثام ومن موجبات دخول النار .
وجاء في سنن البيهقي من حديث أبي أُذَيْنَة الصَّدَفِيّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِلَّاتُ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ ؛ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ)) وهو قليل جدًا في الغربان .
عباد الله : ومما جاء في هذا الباب -باب عدم التبرج والتحذير منه- ما ثبت في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ رضي الله عنها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : ((أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَسْرِقِي، وَلَا تَزْنِي ، وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ ، وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ ، وَلَا تَنُوحِي ، وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) ؛ فعدَّ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في جملة الأمور التي يبايع النساء عليها عند دخولهن في هذا الدين العظيم . وعليه فإن المتبرجة نقضت هذا العهد العظيم والميثاق الكريم والبيعة الشريفة التي أخذها النساء الأوَل وهنَّ يبايعن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
والتبرج -يا معاشر المؤمنين- من خطوات الشيطان الآثمة ودعواته الفاتنة المضرَّة بالنساء وبالمجتمع كله ؛ يقول الله تبارك وتعالى: { يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}[الأعراف:27] .
عباد الله : والتبرج آفةٌ عظيمة ومضرةٌ جسيمة على المجتمعات ؛ فإن المجتمع المسلم إذا وُجد فيه النساء المتبرجات وكثُرن في المجتمع أضررن بالمجتمع ضررًا عظيما ، وأصبحن بهذا التبرج داعياتٍ للرذيلة ، ناشراتٍ للفساد محركاتٍ ومهيجاتٍ للفتنة ومثيراتٍ لمطامع كل من في قلبه مرض ؛ وهذا مبتغى أعداء دين الله من المرأة للفتك بالمجتمعات المسلمة ، ولهذا قال أحد أعداء الدين : "انزعوا الحجاب من المرأة المسلمة وغطوا به القرآن" ؛ أي أنكم إذا وصلتم إلى هذه الدرجة فقد قضيتم على المجتمع المسلم وتمكَّنتم من إشاعة الشرور والرذيلة والفساد فيه ، مما يحقق هلاك المجتمع ودماره .
فالحذر الحذر -يا معاشر المؤمنين- ولنتقِ الله سبحانه وتعالى ولنرعَ هذه الأمانة ، وعلى المرأة أن تتقي الله عز وجل ولتحذر أشد الحذر من أن تكون من هؤلاء النساء أهل هذا الوصف الذميم .
حمى الله نساءنا وبناتنا ونساء المسلمين ، وهداهن إلى كل خير وفضيلة ، وأعاذهن بمنِّه وكرمه من كل شر ورذيلة .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينُه على وحيه ؛ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه .
معاشر المؤمنين : روى النسائي في السنن الكبرى عن عمارة بن خُزيمة بن ثابت قال : كُنَّا مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ ، فَلَمَّا كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ فِي هَوْدَجِهَا وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا ، فَلَمَّا نَزَلَ دَخَلَ الشِّعْبَ وَدَخَلْنَا مَعَهُ فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِغِرْبَانٍ كَثِيرٍ فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا كَقَدْرِ هَذَا الْغُرَابِ مَعَ هَذِهِ الْغِرْبَانِ)) . ورواه الحاكم في مستدركه وقال : ((وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا فِيهَا خَوَاتِيمُ)) . ورواه أبو يعلى في مسنده وقال : ((فِإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ عَلَيْهَا جَبَائِرَ لَهَا – أي أساور في معصمها من ذهب أو فضة – وَخَوَاتِيمَ وَقَدْ بَسَطَتْ يَدَهَا إِلَى الْهَوْدَجِ)) .
لنتأمل يا معاشر المؤمنين في هذه القصة العظيمة والموقف العجيب من هذا الصحابي رضي الله عنه عندما رأى امرأةً على هودجها ، ومن المعلوم أن الهودج لا يكشف من المرأة شيئا إلا أنها أخرجت يدها فقط وعليها بعض الحلي ، فقال رضي الله عنه ما قال وتذكَّرَ كلام النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في شأن النساء ؛ فكيف به رضي الله عنه وأرضاه لو رأى ما تبدَّلت إليه حال كثير من النساء في كثير من المجتمعات من وقوع شنيعٍ في التبرج وإظهار المفاتن وإبداء المحاسن غير مباليات بشرع الله وحدوده جل في علاه ؛ فاتناتٍ مجتمعاتهن مثيراتٍ للفاحشة والرذيلة عياذًا بالله .
فعلى المرأة أن تتأمل في هذه النصوص العظيمة وأن تتذكر وقوفها بين يدي الله جل وعلا ومفارقتها لهذه الحياة وأنَّ الله عز وجل سائلها يوم تلقاه عن هذه الأعمال الشنيعة والجنايات الفظيعة . ألا فلتتقِ الله كل امرأة مسلمة تخاف مقامها بين يدي الله تبارك وتعالى .
وإنَّا لنسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يمنَّ على نسائنا وبناتنا بلباس الحشمة والعفاف والستر والصيانة ، وأن يعيذهن من موجبات الفتنة وأسباب الشرور ودعاة الرذيلة بمنِّه وكرمه سبحانه .
ألا وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما} [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بها عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، علانيته وسره . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

ﺃﺇﺳـ ﻉٍ ـﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺇﺃﻭٍﻗـﺂﺗَﻜُـﻢ ﺑﻜُـﻞ ﺥَ ـﻴﺮٍ
ﺩﺁﺇﺋﻤـﺎَ ﺗَـﺒﻬَـﺮٍﻭٍﻧﺂﺁ ﺑَﻢَ ـﻮٍﺁﺿﻴﻌﻜـ
ﺃﺇﻟﺘﻲ ﺗَﻔُـﻮٍﺡ ﻣِﻨﻬﺂ ﻉَ ـﻄﺮٍ ﺃﺇﻵﺑﺪﺁﻉ
ﻭٍﺃﺇﻟـﺘَﻤـﻴُﺰٍ
ﻟﻚ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﻠﺒﻲ
أحسن الله اليك.
المهم التدبر و العمل بما جاء فيها من النصح الدلالة الى الخير و التحذير من الشر.

ضوابط لتجنب الفتن للشيخ الجليل عبد الرزاق البدر. 2024.

ضوابط لتجنب الفتن للشيخ الجليل عبد الرزاق البدر.

لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن " رواه أبو داوود وغيره عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه.

وهاهنا يتساءل كثير من الغيورين والناصحين ، ممن يريدون لأنفسهم السلامة ويريدون لأمتهم أمة الإسلام الرفعة والعلو، عن هذه السعادة بما تُنال ، وكيف يُظفَرُ بها وكيف تُتَقَى الفتُن وكيف يجنَّبُها المرء المسلم، ويسلم من أوضارها وشرورها وأخطارها، لأنَّ كلَّ مسلم ناصح غيور لا يريد لنفسه ولا لأمته الفتنة ، لِمَا قام في قلبه من النصيحة لنفسه ولعباد الله متمثلاً في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم ، إذ مقتضَى النصيحة للنفس وللغير أن يحذر العبد من الفتن وأن يسعَى جاهدا في البعد عنها والتخلص منها وعدم الوقوع فيها أو إيقاع الغير فيها والتعوذ بالله تبارك وتعالى من شرّها ما ظهر منها وما بطن.

وفي هذا المقام أُنَّبهُ على نقاط مهمة وأسس عظيمة وضوابطَ قويمة، يكون للمسلم بمراعاتها والتزامها التخلُّصُ من الفتن بإذن الله تبارك وتعالى، وهي ضوابطُ قويمةٌ مستقاة من كتاب الله العزيز وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

إنَّ أهم ما تُتَقَى به الفتن ويتجنب به شرها وضررها، تقوى الله جلّ وعلا وملازمة ذلك في السر والعلانية والغيب والشهادة، والله تعالى يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يَحتسب) الطلاق: 2 – 3 ، أي: يجعل له مخرجاً من كلِّ فتنة وبلية وشر في الدنيا والآخرة، ويقول الله تعالى: (ومَن يتق الله يجعل له من أمره يُسرًا)الطلاق: 4 ، والعاقبة دائمًا وأبدًا لأهل التقوى.

ولما وقعت الفتنة في زمن التابعين، أتَى نفر من النصحاء إلى طلق بن حبيب رحمه الله وقالوا: قد وقعت الفتنة فكيف نتقيها قال: اتقوها بتقوى الله جلّ وعلا، قالوا له: أجمل لنا التقوى ، فقال: "تقوى الله جلّ وعلا العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله". وبهذا نعلم أن تقوى الله جلّ وعلا ليست كلمة يقولها المرء بلسانه أو دعوى يدعيها، وإنما هي جدٌّ واجتهاد ونصح للنفس بطاعة الله والتقرب إليه جلّ وعلا بما يرضيه، مع لزوم فعل الفرائض والواجبات والبعد عن المعاصي والمحرمات ، فمن كان هذا شأنه وصفه فإنَّ العاقبةَ الحميدةَ والمآل الرشيد يكون له في الدنيا والآخرة.

ومن الضوابط المهمة لاجتناب الفتن لزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما ، فإنَّ الاعتصام بالكتاب والسنة سبيل العزّ والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد قال الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله: "السنة سفينة نوح فمن ركبها نجا ومن تركها هلك وغرق". ومن أَمَّرَ السنة على نفسه نطق بالحكمة وسلِمَ من الفتنة وحصّل خير الدنيا والآخرة، وقد ثبت في حديث العرباض بن سارية المُخَرَّجِ في السنن أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنَّ كلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة "، فالنجاة إنما تكون بالتمسك بالسنة والبعدِ عن البدع والأهواء، وأن يحكم المرء السنة على نفسه، فيما يأتي ويذر في حركاته وسكناته وقيامه وقعوده وجميع شؤونه، ومن كان هذا شأنه فإنه يُعصم ويُوقَى بإذن الله من كلِّ شر وبلاء وفتنة، وأما من يطلق لنفسه العِنان و يرخي لهواه الزِّمام فإنَّه يجر على نفسه و على غيره من عباد الله البلاء والشر.

ومن الضوابط العظيمة لاتقاء الفتن وتجنبها الرفقُ والأناة والبعد عن التسرع وعدم استعجال العواقب والنظر في عواقب الأمور، فإنَّ العجلة لا تأتي بخير والأناة فيها الخير والبركة ، ومن كان عجولاً في أموره فإنَّه لا يأمن على نفسه من الزلل والوقوع في الانحراف ، ومن كان رفيقًا في أموره متأنيًا في سيره بعيدًا عن العجلة والتهور والاندفاع ناظرًا في عواقب الأمور فإنَّه بإذن الله عز وجلّ يصل إلى العاقبة الحميدة التي يسعد بها في الدنيا والآخرة، وقد ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: "إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتُؤَدَة"ـ أي:عليكم بالأناة والبعد عن العجلة ـ "فإنَّك أَن تكون تابعًا في الخير، خيرٌ من أن تكون رأسًا في الشر". فمن يندفع ويتهور في معالجة الأمور ويبتعد عن سبيل الأناة يفتح على نفسه وعلى غيره من عباد الله باباً من الشر والبلاء يتحمل وزره ويبوء بإثمه ويُحَصِّلُ عاقبته الوخيمة ،وفي سنن ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر . وإنَّ من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير ، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه . وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه".

فليتأمل عبدُ الله المؤمن في الأمور ولينظر في العواقب وليكن حليمًا رفيقًا متأنيًا، بعيدًا عن الاندفاع والعجلة والتسرع، فإنَّ العجلة والتسرع والاندفاع لا يجر لصاحبه إلا العواقب الوخيمة والأضرار الأليمة والنتائج السيئة التي تجر عليه وعلى غيره الوبال .

ومن الضوابط المهمة التي يحصل بها اتقاءُ الفتن واجتناب شرها لزومُ جماعة المسلمين، والبعدُ عن التفرق والاختلاف، فإنَّ الجماعة رحمة و الفرقة عذاب ، الجماعة يحصل بها لحمة المسلمين وشدة ارتباطهم وقوة هيبتهم ، ويتحقق بها التعاون بينهم على البر والتقوى وعلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وأما الخلاف فإنَّه يجر عليهم شرورًا كثيرة وأضرارًا عديدة وبلاء لا يحمدون عاقبته في الدنيا والآخرة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، في غير ما حديث الوصيةُ بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة.

ومن الضوابط العظيمة التي يلزمُ مراعاتها لاتقاء الفتنة واجتناب شرها الأخذُ عن العلماء الراسخين والأئمة المحققين وترك الأخذ عن الأصاغر من الناشئين في طلب العلم والمقلّين في التحصيل منه، يقول صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داوود وغيره: " البركة مع أكابركم " والأكابر هم الذين رسخت أقدامهم في العلم وطالت مدتهم في تحصيله وأصبح لهم مكانة في الأمة بما آتاهم الله عز وجلّ من العلم والحكمة والرزانة والأناة والنظر في عواقب الأمور ، فمن كان مُعَوِّلاً على كلمة هؤلاء العلماء المحققين والأئمة الراسخين فإنَّه بإذن الله يحمد العاقبة ، وإلى هذا وجه الله عز وجلّ في محكم تنزيله، قال الله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) النساء: 83.

و من الضوابط المهمة لتجنب الفتن حسنُ الصلة بالله ودعاؤه جلّ وعلا فإنَّ الدعاء مفتاح كلِّ خير في الدنيا والآخرة، ولاسيما سؤال الله تبارك وتعالى أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن والتعوذ به تبارك وتعالى من الفتن كلِّها فإن من استعاذ بالله أعاذه ومن سأل الله أعطاه فإنَّه تبارك وتعالى لا يخيب عبدا دعاه ولا يرد مؤمنًا ناداه وهو القائل عز وجلّ: (وإذا سألك عبادي عني فإنِّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة: 186، وإنا لنسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنب المسلمين الفتنَ ما ظهر منها وما بطنَ وأن يحفظ على المسلمين أمنهم وإيمانهم وأن يقيَهُم الشرور كلّها وأن يُحمِدَهم العواقب وأن يرزقهم المآلات الحميدة والنهايات الرشيدة وأن يهدي ضال المسلمين بمنه وكرمه ولا حول ولا قوة إلا بالله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. أهـ

مقال مقتطع من موقع الشيخ عبد الرزاق البدر تجدر العناية به ونشره لتعم به الفائدة.
و في الأخير، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

شكرا أخي الحببيب على ما قدمت

بارك الله فيك

سلامي

السلام عليكم
نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن
بارك الله فيك على الافادة وجعله في ميزان حسناتك

شرح ثلاثة الأصول وأدلتها كاملاً للشيخ عبد الرزاق العباد 2024.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


———



فهذا شرح ثلاثة الأصول وأدلتها كاملاً للشيخ عبد الرزاق العباد حفظه الله، والتي ألقيت بالمسجد النبوي




———–





















































































وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول من شبكة الامام الأجري.



جزاك الله خير اخي ابو ليث
و اياك أخي عروبي.
للرفع لعموم النفع.

قول الدكتور عبد الرزاق محمد فضل في الحب والايمان 2024.

يقول الدكتور عبد الرازق محمد فضل وكيل كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر:

بسم الله، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
الصلة بين الحب والإيمان هي صلة النتيجة بالمُقدمة، فمَن كان مؤمنًا كان مُحبًّا، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تَدْخُلُوا الجنة حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تَحابُّوا، ألَا أدُلُّكمْ على أمرٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السلامَ بيْنكمْ". بل لعلِّي لا أكون مبالغًا إذا قلت إن الحب والإيمان وجهان لعملةٍ واحدة، فكلاهما مَنْبَعُهُ القلب وأثره ظاهر مُنتشر يتضوَّع بأريحية الحياة والأحياء.

والمُتأمل في كلمة الحب وهي مُكونة مِن حرفينِ، يجد في حَرْفَيْهَا هذينِ: الحاء والباء صدْق ما ذكرتُ، فالحاء حرفٌ مَخْرَجُه الحلْق، والباء حرف مخرجه الشفتينِ. فكأن البداية تنشأ مِن الأعماق، وكأن المجال يشمل كل ما تزخر به حياة الناطق، وربما ذهبت إلى أعمق مِن هذا فقُلت: إن كلمة الحب في اللغة تدلُّ على البياض والصفاء والعُلوِّ والظهور واللزوم والثبات واللُّباب والحفْظ والإمساك. وليست هذه المعاني ببعيدة عن الإيمان.

الحب شيء تمتلئ به النفس وتفيض على ما عداها، أي وبعبارة أخرى هو شيء داخلي المَنشأ في الإنسان فإذا ما جاوز منشأه اتَّجه إلى مَساراتٍ مُتعدِّدة بمعنى أن مَحبوبات الإنسان مُتعددة، وأعلى المحبوبات الإنسانية حبُّ الله ـ عز وجل ـ لأن الإنسان إذا أحب الله أطاعه، وإذا أطاع الله أحبَّ في طاعته كل خيرٍ.

لأن الله ـ عز وجل ـ لا يأمر بالفحشاء، وإنما أمَر ربِّي بالقِسْط وأقيموا وُجوهكم عند كل مسجدٍ يَلِيه حُبّ رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك لأن الرسول هو المبلغ، فحُبُّه مِن حُبِّ الله، وطاعته طاعة لله قال ـ تعالى ـ على لسان نبيِّه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِ يُحْبِبْكُمُ اللهُ).

وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وَجَدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سِواهما، وأنْ يحب المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكُفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يُقذف في النار".

وبحب الله وحب رسوله يحب الإنسان الخير بجميع صُنوفه، يحب أخاه في الله، ويحب أخاه في الإنسانية، يحب بني جِلْدته، ويحب غير بني جلْدته، يحب الخير للناس، ولذلك وجدنا سيدنا رسول الله الذي هو كَنْزُ الحب يقول مُجِيبًا جبريل لمَّا قال الله: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك لو أمرتني أن أُطبق عليهم ـ على المشركين الذين آذوه ـ لو أمرتني أن أُطبق عليهم الأخشبينِ "الجبلين" لفعلتُ فقال النبيُّ: "اللهمْ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون".

إن المؤمن يحب في الله،و يحب لله، وأمارة حبه الله وحبه لله وحبه في الله أن يكون طائعًا لله، والله هو الذي شرع الجهاد في سبيله، يُقاتل المؤمنونَ أعداء الله الذين يَبْغُونَ عليهم ويُريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم. فمَن ناصَبَ المسلمين العَداء كان مُقتضى حبهم لله أن يُقاتلوهم في الله، وأن يَكرهوهم في الله.

أيَحشُد لي جحافل شرِّه وأقول له: تعالَ فإني أُحِبُّك، قال ـ تعالى: (وأَعِدُّوا لهمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِبَاطِ الخيلِ تُرْهِبُونَ بهِ عدوَّ اللهِ وعَدوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعلمُهمْ ومَا تُنْفِقُوا مِن شيءٍ في سبيلِ اللهِ يُوَفَّ إليكمْ وأنتمْ لا تُظلمون).

وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم … أصلح الله حالنا وحالك، وملء قلوبنا بالحب والإيمان…

زروقي الاخضر

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم … أصلح الله حالنا وحالك، وملء قلوبنا بالحب والإيمان…

اللهم امين
ولك بالمثل

اااااامـــــــــــــــــــــــ ــــــيـــــــــــــــــــــــ ـــن
مشكورة اختي بارك الله فيك

مكانة التوحيد في حياة المسلم للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله. 2024.

مكانة التوحيد في حياة المسلم

إنّ أعظم المقاصد و أجلّ الغايات و أنبل الأهداف توحيدُ ربِّ الأرض و السماوات و الإقرار له جلّ و علا بالوحدانية و إفراده جلّ وعلا بالذّل و الخضوع و الانكسار و إسلام الوجه له خضوعاً و تذللاً رغباً ورهباً خوفاً ورجاءً سُجوداً و رُكوعاً، وإخلاصُ الدّين له جلّ و علا و البراءةُ من الشرك كلِّه قليله وكثيره دقيقه وجليله فهذه هي الغاية العظمى التي خُلق الخلق لأجلها وأُوجدوا لتحقيقها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات56] وهي الغاية التي أرسل الله جلّ و علا لأجلها رسله الكرام و أنزل كتبه العظام: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } [النحل36]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء25].
وبالتوحيد يحيا العبد حياة حقيقية ملؤها رضى الرحمن و الفوز بالكرامة و الإنعام وبدون التوحيد يحيا حياة بهيمة الأنعام: { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان44] إنّ فاقد التوحيد ميّت ولو كان يمشي على الأرض ومحقّق التوحيد هو الذي يحيا الحياة الحقيقية يقول الله جلّ و علا: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } [الأنعام122] أي أحييناه بالإيمان والتوحيد ويقول جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال24].

وبالتوحيد أمن الأوطان وراحة الأبدان: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } [الأنعام82]، ويقول جلّ و علا : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } [النور55].
وبالتوحيد سعادة الإنسان وطمأنينته يقول الله جلّ وعلا : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل97]، ويقول جلّ وعلا: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه124]، و يقول جلّ و علا: {طه، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } أي إنما أنزلناه عليك لتسعد به و يسعد به من اتّبعك.
وبالتوحيد تنـزاح عن القلب الأوهام وتنطرد الوساوس و الأفكار الرديئة ويحصل للقلب طمأنينته وراحته وهدوؤه وسكونه يقول الله جل وعلا : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ} وهذا توحيد الله {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ، مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ}.
وبالتوحيد تنطرد الشياطين و لا تطيق البقاء في مكان يصدع فيه بالتوحيد و إذا سمع الشيطان الأذان ولى و له ضراط . و القرآن كلّه توحيد وتمجيد و تعظيم لله جل وعلا وآية الكرسي هي آية التوحيد و بيان براهينه وحججه و دلائله و بيناته، وإذا قرأ المؤمن آية الكرسي إذا آوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ و لا يقربه شيطان حتى يصبح .

وبالتوحيد يسلم العبد بإذن الله من كيد الأشرار من السحرة والمشعوذين {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } [الحج38]، { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم47].
وبالتوحيد ينال العبد الخيرات كلِّها وسعادة الدنيا والآخرة فإن الله جلّ و علا قضى في حكمه العظيم أنّ السعادة و النعيم إنما يكون لأهل الإيمان والتوحيد في دنياهم و في قبورهم و في أخراهم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } [الانفطار13].
فإنَّ توحيد الله جلّ و علا هو أولى أمر و أعظم أمر ينبغي أن يذكّر به الناس قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات55-56 ] .
والعبد يحتاج إلى تقوية إيمانه و تجديد إسلامه و تقوية صلته بربِّه جلّ و علا قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الإيمان ليَخْلَقُ فى جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب )) وفي خضم الفتن الصارفة و الأهواء الجارفة و الفتن العاصفة يحتاج الناس إلى التأكيد على التوحيد و يحتاج الصغار إلى أن ينشأوا عليه تنشئة عظيمة متينة: { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان13].
نسأل الله جلّ و علا أن يحينا موحِّدين لله مخلصين الدّين له مؤمنين به جل في علاه معظمين لجنابه وأن يعيذنا أجمعين من الشّرك كله دقيقه و جليله و قليله و كثيره.

مقال للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله.

هل أدرك بعض اخواننا مكانة التوحيد في حياة المسلم ؟
أتمنى ذلك……
بارك الله فيكم ابا الليث نسال الله ان يحينا على التوحيد ويمتنا على ذلك
القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلفي والحمد لله القعدة
القعدة
القعدة
بارك الله فيكم ابا الليث نسال الله ان يحينا على التوحيد ويمتنا على ذلك
القعدة القعدة

اللهم أاامين.

السلام عليكم
بارك الله فيك
و جزاك عنا كل خير
و جعله الله في ميزان حسناتك

و اياك بارك الله فيك.
بارك الله فييييك
موضوع في القمة
و فيك بارك الله.
اللهم احيانا على كلمة التوحيد وامتنا عليها يارب العالمين

اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر 2024.

اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمامالمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :

فإن من المعروفلدى الجميع أن لغة الضمان تجد في أوساط الناس اهتماماً بالغاً وعناية كبيرة فيبيعهم وشرائهم وعموم تجارتهم، فليست السلع المضمونة، والبضائع التي عليها ضمانات،في المكانة لدى الناس، كالسلع التي ليس عليها ضمان، وهذا يؤكد شدة اهتمام الناسبالشيء المضمون، أكثر من غيره مما ليس كذلك على تفاوت كبير فيها من حيث مصداقيتها،ولهذا يشتد اهتمام الناس بهذا الأمر أكثر، إذا كان صاحب الضمان معروفا بالصدق،متحلياً بالوفاء والأمانة، وكانت الأمور التي ينال بها الضمان أموراً يسيرة سهلة،لا تلحق الناس شططاً، ولا تكلفهم عنتاً.

فكيفإذا كان الضامن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عنالهوى إن هو إلا وحي يوحى، وكيف إذا كان المضمون جنة عرضها السماء والأرض ، فيهامالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكيف إذا كانت الأمور التي ينالبها هذا الضمان أمور سهلة وأعمالا يسيرةً لا تتطلب جهداً عظيماً ولا كبير مشقة.

فتأملوا _ رعاكم الله _ نص هذا الضمان العظيم : روى الإمامأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وغيرهم عن عبادة بن الصامت ـرضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال « اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفواأيديكم»
انظر السلسلة الصحيحة للألباني رحمهالله رقم ( 1470) .

إنه ضمان بضمان ووفاء بوفاء

« اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة »

ستاً من الأعمال ما أيسرها ،وأموراً من أ بواب الخير ما أخفها وأسهلها ، من قام بها في حياته ، وحافظ عليها إليمماته ، فالجنة له مضمونة ، وسبيله إليها مؤكدة مأمونة
{ وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم مايشاءون فيها ولدينا مزيد} [ ق : 31-35 ]

فأما الخصلة الأولى·من هذه الخصال فهي :
الصدق في الحديث،
فالمؤمن صادق في حديثه ، لا يعرف الكذب إليه سبيلا ، ولا يزال محافظا على الصدقفي حياته إلي أن يفضي به صدقه إلي الجنة ، وفي الحديث « عليكم بالصدق ، فإن الصدق في يهدي إلي البر، والبر يهدي إليالجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً». رواهمسلم .

وأما الخصلة الثانية فهي·
الوفاء بالوعد والالتزام بالعهد،
وهي سمة من سماتالمؤمنين ، وعلامة من علامات المتقين ، فهم لا يعرفون خلفاً في الوعود ولا نقضاًللعهود , والوفاء صفة أساسية في بنية المجتمع المسلم , حيث تشمل سائر المعاملات , فالمعاملات كلها والعلاقات الاجتماعية والوعود والعهود تتوقف على الوفاء , فإذاأنعدم الوفاء انعدمت الثقة وساء التعامل وساد التنافر .

وأما الخصلة·الثالثة فهي
أداء الأمانة ,
وهي من أعظمالصفات الخلقية التي مدح الله أهلها وأثنى على القائمين بها , وهي من كمال إيمانالمرء وحسن إسلامه , وبالأمانة يحفظ الدين والأعراض والأموال والأجسام والأرواحوالعلوم وغير ذلك ,
وفي الحديث « المؤمن من أمنهالناس على أموالهم وأنفسهم» رواه أحمد . وإذا سادت الأمانة في المجتمع عظمتماسكه , وقوي ترابطه, وعم فيه الخير والبركة .

وأما الخصلة الرابعة·فهي
حفظ الفروج,
أي : من أن تفعل الحرامأو تقع في الباطل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا علىأزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين , فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك همالعادون} [المؤمنون : 5-7 ] . وفي حفظ الفروج حفظ للنسل , ومحافظة علىالأنساب , وطهارة للمجتمع , وسلامة من الآفات والأمراض .

الخصلة·الخامسة من هذه الخصال العظيمة هي
غض البصر
أي من النظر إلي الحرام , والله يقول
{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنالله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} الآية [ النور : 30 ,31 ] .
وغض البصر فوائده عظيمة , فهو يورث العبد حلاوةالإيمان ونور الفؤاد ,وقوة القلب , وزكاء النفس وصلاحها , وفيه وقاية من التطلعللحرام والتشوف للباطل .

وأما الخصلة السادسة فهي·
كف الأيدي ,
أي عن إيذاء الناس أو الاعتداء عليهمأو التعرض لهم بسوء , والمؤذي لعباد الله يمقته الله ويمقته الناس وينبذه المجتمع , وهو دليل علي سوء الأخلاق وانحطاط الآداب , وإذا كف الإنسان أذاه عن الناس دل ذلكعلى نبيل أخلاقه وكريم آدابه وطيب معاملته , وحظي بعظيم موعود الله في ذلك , فكيفإذا سما خلق الإنسان وعظم أدبه ولم يكتف بذلك , حتى أماط الأذى عن سبيل المؤمنينوجادتهم , روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ : « مر رجل بغصن شجرة على ظهرالطريق فقال: والله لأنحيّن هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة» رواهمسلم .

فهذه أبواب الجنة مشرعة , ومنارتهاظاهرة , وسبيلها ميسرة , فلنغتنم ذلك قبل الفوات ولنستكثر لأنفسنا من الخير قبلالممات .أعاننا الله جميعاً على القيام بذلك, ووفقنا لكل الخير , وصلى الله وسلمعلى نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بارك الله فيك موضوع قيم جعله الله في ميزان حسناتك.
بااااااااااااارك الله فيك
بارك الله فيك بنيتي

و فيكم بارك الله
شكرا على مروركم
نسال الله ان ينفعنا جميعا

البركة في البصر – كلام مؤثر للشيخ عبدالرزاق البدر تبكي منه القلوب قبل العيون 2024.

.يبين الشيخ حفظه الله ماهي بركة البصر وحال الناس في شكرهم لهذه النعمة..الله المستعان نسأل الله لنا ولكم العافية

البصر-الشيخ عبدالرزاق البدر.mp3‏

بوركتي حبيبتي ام حمام
جزاكي الله جنة الفردوس
في ميزان حسناتك ان شاء الله

بارك الله فيك جاري التحميل.
و فيكم بارك الله

الْخَوْفُ مِنَ الانْتِكَاسَةِ وَالزَّيْغِ للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى. 2024.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عنوان المادة

الْخَوْفُ مِنَ الانْتِكَاسَةِ وَالزَّيْغِ

من شرح كتاب التوحيد

مقطع صوتي / للشِّيْخِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ البَدر -حَفِظَهُ الله-

القعدة
التفريغ

فإن خاف العبد، يخاف أن يتقلب قلبه، ويخاف أن ينتكس على عقبيه، ويخاف أن يُفتن فيُضَيِّع دينه، وهذا الخوف من تمام الإيمان وكماله ، وكلّما قوي الإيمان قوي الخوف ، وإذا ضعُف الإيمان ضعُف الخوف من الله – جل وعلا -، فقوّة الخوف من الله بحسب قوّة الإيمان ، ولهذا يقول عبد الله بن أبي مليكة -وهو أحد التابعين – يقول : ( أدركت أكثر من ثلاثين صحابيا كلهم يخاف النفاق على نفسه) ، فهم مع الإحسان في العبادة وكمال الطاعة، وحسن المراقبة لله ،والجدّ في طاعته، في قلوبهم خوف ، ولهذا أيضا يقول الحسن البصري -رحمه الله- : ( إنّ المؤمن جمع بين إحسان ومخافة ،والمنافق جمع إساءة وأمن ) ، المنافق يُسئ وهو آمن، آمن من مكر الله ( وَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 98]، والمؤمن يبذل وُسعه ونشاطه وجهده في طاعة ربه وهو خائف، كما قال الله تبارك وتعالى في مدحه وثنائه على المؤمنين ،قال: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ ) أي : خائفة ،قال الله -عز وجل- : ( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ) إلى أن قال : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَّبِّهِمْ رَاجِعُونَ )[المؤمنون(61:5القعدة ] ،تقول عائشة -رضي الله عنها- كما في المسند وغيره بسند ثابت، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية ،قلت له: (أهو الرجل يزني ،ويسرق ،ويقتل، ويخاف أن يعذب) هل هذا هو المعنى ،قال: ( لا يا ابنة الصدّيق ،ولكنّه الرجل يصلّي ، ويصوم ويتصدّق،ويخاف أن لا يقبل ) ، لاحظ هنا هذا الحديث ودلالته العظيمة على مكانة الخوف ومنزلته في الدين ، يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف، إذا الخوف ينبغي أن يكون مع المسلم، ماذا؟ في كل طاعة، يكون معه في صلاته ،ويكون معه في صيامه ،ويكون معه في حجه ، ويكون معه في كل طاعاته ،يكون معه هذا الخوف ليكون سببا في الكمال، كمال الطاعة ،وكمال العبادة ،وتمام المراقبة ، وأيضا يكون مع العبد الخوف في جانب المعاصي والبعد عنها، فيبتعد عن المعاصي ،والمحرمات ،والآثام ،لأنه خائف من الله ، يحجزه عن الوقوع في المعصية خوفه من الله ،وكلنا نذكر قصة الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة ، وكان أحدهم شديد الولع ببنت عمّه ،وكانت فقيرة و تتردّد عليه ،تطلب منه المساعدة والعون، فقال لها: لا، لا أساعدك بشيء حتى تمكنيني من نفسك ،فكانت تأبى ، ثم رضخت له في طلبه أمام حاجتها ،فلمّا تمكّن من شعبها الأربع ،قالت له : اتّقّ الله ولا تفضّ الخاتم إلا بحقه، فقام الرجل , فالتذكير بالله ،والتخويف بالله ،يمنع الإنسان من الوقوع في المعصية ، يقول ابن رجب -رحمه الله -في كتابه شرح كلمة الإخلاص يقول :راود أعرابي أعرابية في الصحراء راودها عن نفسها وقال لها نحن في مكان لا يرانا إلا الكواكب ،نحن في مكان لا يرانا إلا النجوم ،لا أحد يرانا ، فمّما تخافين، ممّا تخشين، لا أحد يرانا ، نحن في مكان لا يرانا إلا الكواكب، فقالت المرأة: وأين مكوكبها؟ ،أين مكوكب الكواكب؟ ،ألا يرانا؟! ،فذكرته بالله ،ولهذا إذا تذكّر الإنسان الله وعظمته ،وقدرته ،وكماله، واطلاعه، وعلمه –سبحانه وتعالى- بالكائنات ،وشدة بطشه،وانتقامه،وعقوبته، وسخطه ،وغضبه ،ولعنته، كل هذه الأمور إذا تذكرها العبد ،فإنها تقوي الخوف في قلبه ،وتمنعه من وقوعه في المعصية ، أحد الناس أراد أن يعصي وأن يقع في معصية، فأتى عالما يسترشده ، قال: أريد أن أفعل كذا وكذا ،من المعاصي ، قال :لابأس ، ولكن اذهب في مكان لايراك الله فيه، افعل هذه المعصية ولكن في مكان لايراك الله فيه، قال :ما يمكن ، أينما أكون الله يراني وهو يطلع عليّ، قال: لا بأس اذهب وافعل المعصية ولكن لاتستعمل أي نعمة من نعم الله التي أنعمها عليك في معصية الله قال: لايمكن كل ما عندي هو من نعمة الله ،يدي ،سمعي، بصري، أعضائي، كلّها من نعمة الله علي ،أخذ يعدّد له أشياء يُعرّفه بالله ،ثم قال له :تعصي الله، بنعمة الله، والله يراك ،وعدّد له أمورا من هذا القبيل ،فامتنع الرجل ، إذا تذكر الله وتذكرعظمته ،واطلاعه، ورؤيته -سبحانه وتعالى-وعلمه، وأنه -سبحانه وتعالى- قد أحاط بكل شيء علما ،وأحصى كل شيء عددا ،يعلم ماكان، وما سيكون ،ومالم يكن لو كان كيف يكون، يسمع -تبارك وتعالى- جميع الأصوات ،على اختلاف اللغات ،وتفنن الحاجات، وأنواع الطلبات ،لو أن الناس كلهم وبلغاتهم الشتّى ،تكلموا في لحظة واحدة لسمع الجميع ،دون أن تختلط عليه لغة بلغة ، أو حاجة بحاجة، أو مطلب بمطلب ، لو أنهم كلّهم تكلّموا لسَمِعهم، تقول عائشة -رضي الله عنها- : (سبحان الذي وسع سمعه الأصوات ) ، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى : ( يا عبادي لو أن أولكم ،وآخركم ،وإنسكم، وجِنّكم، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ،ما زاد ذلك في ملكي شيئا ) إلى أن قال: ( يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم ،وجِنّكم ،قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ، مانقص ذلك من ملكي شيئا إلاكما ينقص المخيط إذا غمس في اليمّ ) ، فهو -تبارك وتعالى –يسمع ،وهو-تبارك وتعالى –بصير يرى جميع المخلوقات ،يرى -سبحانه وتعالى- مِن فوق سبع سماوات ، دبيب النملة السوداء ،على الصخرة الصمّاء، في الليلة الظلماء، ويري -تبارك وتعالى- جريان الدم في عروقها، ويرى كل جزء من أجزائها ،فإذا تذكر الإنسان هذه المعاني العظيمة عمَرت قلبه بخوف الله، ولهذا قال الله -تبارك وتعالى-: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:28]، كلما ازدادت معرفة العبد بربّه، زاد خوفه منه، وزاد وتعظيمه له، وعظمت عبادته ورغبته ورهبته بحسب المعرفة، والمعرفة الصحيحة تُوَلّد في القلب الرجاء والخوف والمحبة، تولّد المحبة والرجاء والخوف، وهذه الثلاثة عليها تقوم العبادات، فالعبادات يفعلها المسلم حبّا لله ،ورجاءً لثوابه، وخوفا من عقابه -سبحانه وتعالى-، الخوف عبادة قلبية لايجوز أن تصرف إلا لله، ومن صرفها لغيره فقد أشرك ،واتّخذ مع الله –تبارك وتعالى-شريكا ،والمراد بالخوف الذي هو عبادة، الذي هو ما تحدثنا عنه قبل قليل, خوف الذلّ والخضوع ،الخوف الذي يقتضي الإقبال على الطاعة، والبعد عن المعصية، خوف السرّ، خوف تغيّر القلب، خوف الضّلال ، خوف ألاّ تقبل العبادة ،الخوف الذي يقود لفعل الطاعة، خوف العبد من دخول النار، خوفه من الحرمان من دخول الجنة، خوفه من تغيّر قلبه، خوفه من الزيغ، فالخوف عبادة لاتكون إلا للربّ -جل وعلا-، فهذا الخوف هو عبادة لايجوز صرفها إلا لله ،وهي حق خالص له -سبحانه وتعالى- ومن صرفها لغيره سبحانه فقد أشرك.انتهى

المادة الصّوتية

شبكة الآجريّ

حِجَابُكِ أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَة للشيخ عبد الرزاق البدر 2024.

حِجَابُكِ أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَة

الحمدُ لله ربِّ العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، أتمَّ سبحانه لنا الدين وجعل أمتنا أمة الإسلام خير أمة ؛ فله الحمد تبارك وتعالى أولاً وآخرا وله الشكر ظاهراً وباطنا على نعمه العظيمة ومنَنه التي لا تعد ولا تحصى ، ثم أمَّا بعدُ :
فيا طالبة العلم : طيَّب الله حياتك بالعلم والإيمان ، وطيَّب أوقاتكِ بالطاعة والإحسان ، وطيَّب بدنك بالستر والاحتشام ؛ هذه وصية أهديها لك راجياً من الله سبحانه وتعالى أن ينفعكِ بها ولاسيما أنك في موضعٍ أنت فيه قدوة في الخير والاستقامة والطاعة لله تبارك وتعالى .
والوصية حول الحجاب ، وبين يدي الحديث عن الحجاب وثماره وآثاره لابد من مقدِّمةٍ هي من الأهمية بمكان ألا وهي : أن نستشعر – أيتها الفاضلة – أن نعمة الله سبحانه وتعالى علينا بهذا الدين عظيمة ومنَّته علينا بالهداية إليه كبيرة ؛ فهو الدين الذي ارتضاه لعباده وكمَّله لهم ولا يقبل جل وعلا منهم ديناً سواه ، قال الله تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }[آل عمران:19] ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[آل عمران :85] ، وقال تعالى : 5[المائدة:3] نعم إنه الدين الذي أصلح الله به العقائد والأخلاق ، وأصلح به الحياة الدنيا والآخرة ، وزيَّن به ظاهر المرء وباطنه ، وخلَّص به كل من اعتنقه وتمسك به من براثن الباطل ومهاوي الرذيلة ومنزلقات الانحراف والضلال ، إنه الدين العظيم الدين المبارك الدين المثمر للخيرات والبركات والثمار النافعات التي تعود على المستمسك به في دنياه وأخراه .
ولابدَّ في هذا المقام – أيتها الأخت الفاضلة – من تذكُّر واستحضار جملةٍ من الضوابط تعِين متأمِّلها على لزوم هدايات الدين وتوجيهاته العظيمة وتلقِّيها بالقَبول وانشراح الصدر والرضا ، ولعلي أنبِّه على أهم هذه الضوابط وأعظمها وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعا بها :
% أولاً : عليك أن تعلمي علم اليقين أن أحسن الأحكام وأقومها وأكملها وأجملها أحكام رب العالمين وخالق الخلق أجمعين تبارك وتعالى{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }[المائدة:50] ، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ }[التين:8] ، {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }[الأعراف:87] فإذا أيقن المسلم بذلك لم يتردد في قَبول أي حكم يصِله ويرِدُ إليه ويبلغه مما حكم الله به وأمَرَ به جل وعلا .
% الأمر الثاني : عليكِ يا طالبة العلم أن تدركي أن سعادتكِ وكرامتكِ مرتبطةٌ تمام الارتباط بهذا الدين وبالطاعة لرب العالمين والتزام أحكامه وشرعه ، وأن حظَّكِ ونصيبكِ من السعادة بحسب حظكِ ونصيبكِ من الطاعة والالتزام ، قد قال الله تعالى :{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا }[النساء:31] ، وقال الله تعالى :{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }[الشمس:9-10] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
% الأمر الثالث : عليك التنبه – وفَّقكِ الله – إلى أن المسلمة لها في هذه الحياة أعداء كُثُر يسْعَون للإطاحة بكرامتها وخلخلة سبيل عزِّها وفلاحها وسعادتها وإيقاعها في حمأة الرذيلة والفساد ، ويقدِّمون في سبيل ذلك كل ما يستطيعون ، ويأتي في مقدمة هؤلاء الأعداء الشيطان عدو الله وعدو الدين وعدو عباده المؤمنين ، قد قال الله تعالى : {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }[فاطر:6] فالواجب الحذر كل الحذر من هؤلاء الأعداء الذين غايتهم وأكبر مُنْيَتهم أن تتحلل المرأة المسلمة من أخلاقها وآداب دينها وأسباب عزِّها وفلاحها في الدنيا والآخرة .
% الأمر الرابع : عليكِ أيتها الموفقة أن تؤْمِني إيماناً جازماً أن التوفيق والصلاح والاستقامة وتحقُّق الخير والبركة والكرامة بيد الله جل وعلا ، فهو الذي بيده أزمة الأمور ومقاليد السماوات والأرض ؛ فمن أعزَّه الله فهو العزيز ، ومن أذله الله تبارك وتعالى فهو المهان ، وقد قال الله تعالى {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }[الحج:18] ؛ ولهذا عليك في هذا المقام أن تقوِّي صلتكِ بالله ، وأن تلجئي إلى الله سبحانه وتعالى دوماً وأبداً سائلةً الهداية والتوفيق والثبات على الدين ، ومن عظيم الدعاء (( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي ، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ )) .
% الأمر الخامس : أن يكون اهتمامكِ أيتها الموفقة بأن تحظي بنيل الكرامة عند الله وأن تفوزي بالسعادة برضا الله سبحانه وتعالى ؛ فتلك هي الكرامة الحقيقية ، وقد قال الله تعالى : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }[الحجرات:13] ، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ ؟ قَالَ أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ )) ، فمن ابتغى الكرامة من غير هذا السبيل فإنما يركض في سراب ويسعى في سبيل خيبةٍ وخسرانٍ وتباب .
% الأمر السادس : عليك أن تعلمي أيتها الموفَّقة أن أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة شأنها كشأن أحكام الدين كلها ؛ محكمةٌ غاية الإحكام ، متقنةٌ غاية الإتقان لا نقص فيها ولا خَلَل ، ولا ظلم فيها ولا زلل ، كيف لا! وهي أحكام خير الحاكمين ، وتنزيل رب العالمين ، الحكيم في تدبيره ، البصير بعباده ، العليم بما فيه سعادتهم وفلاحهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ؛ ولهذا فإن من أعظم العدوان وأشد الإثم والهوان أن يقال في شيء من أحكام الله المتعلقة بالمرأة أو غيرها إن فيها ظلماً أو هضماً أو إجحافاً أو زللاً ، ومن قال ذلك أو شيئاً منه فما قدَرَ ربه حق قدره ولا وقَّره سبحانه وتعالى حق توقيره ، فلنتقِ الله ولنعظِّم أحكام الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج:32] .
هذه بعض التأصيلات المهمة والضوابط العظيمة والأسس المتينة التي نحتاج فعلاً دائما أن نتذكرها لتلين قلوبنا وترتاض نفوسنا ولنقبَل أحكام الله سبحانه وتعالى كلها بانشراح صدرٍ وطمأنينة نفسٍ وإقبالٍ على أحكامه جل في علاه التي هي سبب السعادة وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة .
ثم أيتها الموفقة : دين الإسلام عندما جاء بتلك الأحكام المختصة في المرأة في الحجاب والحشمة والقرار في البيوت والحذر من الاختلاط إلى غير ذلكم مما سيأتي الإشارة إليه جاء بها صيانةً للمرأة ، وحفظاً لها ، ووقايةً لشرفها ومكانتها وحمايةً لها من الشر والفساد ، ولتُكْسى بتلك الضوابط حُلَل الطُّهر والعفاف ، فالمرأة في ميزان الإسلام درةٌ ثمينة وجوهرةٌ كريمة تُصان من كلِّ أذى وتُحمى من كل رذيلة ؛ فما أعظم أحكام ديننا وما أجلَّ شأنها وما أعظم بركتها وما أحسن عوائدها لمن وفقه الله سبحانه وتعالى للالتزام بها ، وأما من تخلى عن ضوابط الدين وتوجيهاته الحكيمة زعماً منه أنها تعوِّق عن المصالح أو أنه يترتب عليها – والعياذ بالله – مفاسد أو أضرار أو أنها جناية على المرأة أو أو إلى غير ذلك مما يقال ويقال فهذا كله من التجنِّي العظيم والقول على الله وعلى كلامه وعلى حيه وحكمه بغير علم ، ومن أعظم المحرمات وأكبر الآثام القول على الله سبحانه وتعالى بلا علم ، قال الله تعالى : {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }[الأعراف:33]
أيتها الأخت الموفقة الكريمة الفاضلة : عندما تقرئين آية من كتاب الله وحديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتملاً على توجيهٍ يختص بالمرأة فاسمعي الآية بتدبر وطمأنينة وتقبُّل وانشراح صدر ؛ لأن الكلام الذي تسمعينه هو كلام من خلقك وأوجدك وأمدَّك بالسمع والبصر والحواس والقوى والنعم ،كلامه سبحانه وتعالى ، والفرق بين كلامه وكلام خلقه كالفرق بينه وبين خلقه سبحانه وتعالى ؛ فإياكِ ثم أياك أن يكون في صدرك وحشةً أو نُفْرةً أو انقباضاً من توجيهات رب العالمين ، وهكذا الشأن في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد قال الله تعالى{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65] ، أحاديثه عليه الصلاة والسلام العمل بها عملٌ بالقرآن لأن الله جل وعلا قال في القرآن : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:7] روى البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : ((لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَقَالَ وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ قَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }قَالَتْ بَلَى قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ)) . إذاً الأحاديث الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام العمل بها عملٌ بالقرآن لأن الله أمَرَنا في القرآن بالأخذ عما جاء عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ، وقد قال الله لأمهات المؤمنين :{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ }[الأحزاب:34] ؛ والحكمة : هي السنة والمأثور عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه .

أيتها الأخت الكريمة الفاضلة : إنَّ سعادتكِ مرتبطةٌ بهذا الدين وبالتزام توجيهاته الحكيمة وآدابه الكريمة وإرشاداته السديدة التي هي عزُّ المرأة وفلاحها ، إن كان البحث عن الجمال والزينة والمظهر الحسن فاعلمي أن الله سبحانه وتعالى يقول :{ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ }[الأعراف:26] ويقول جل وعلا :{ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ }[الحجرات:7] ، وفي الدعاء المأثور : ((اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ)) ، فالإيمان والتقوى والالتزام بشرع الله سبحانه وتعالى وأحكامه وتوجيهاته هو الزينة الحقيقية وهو الجمال الحقيقي وهو السعادة الحقيقية وهو فلاح المرء في دنياه وأخراه .

أيتها الفاضلة : إليكِ إشارة إلى بعض التوجيهات المختصة بالمرأة مما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه :
% جاء الإسلام بالحجاب ، والحجاب ستر للمرأة وصيانة لها ؛ وذلك بأن تستر جميع بدنها وجميع زينتها عن الرجال الأجانب ، واقرئي في ذلك قول الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الأحزاب:59] ، وقال الله تعالى :{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا }[الأحزاب:53] .
% من الضوابط : أن لا تخرج المرأة من بيتها إلا لحاجة تضطرها إلى الخروج ، قد قال الله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى }[الأحزاب:33] وفي قراءة{ وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}الأولى من القَرار والثانية من الوقار ؛ فيؤخذ من القراءتين : أن وقار المرأة في قرارها في بيتها ، بخلاف ما إذا كانت المرأة خرَّاجة ولاجة فإن هذا فيه خطورته على وقارها ، قد جاء في الحديث الذي خرَّجه الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ )) أي جعلها غرضاً له يثير من خلالها الباطل والفتنة وينشر الشر والفساد .
% كذلكم من التوجيهات في هذا الباب : أن لا تخضع المرأة بالقول إن تحدَّثت مع أحدٍ لحاجة ، قد قال الله تعالى : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا }[الأحزاب:32] .
% كذلك من الضوابط : أن لا تجلس في خلوةٍ مع رجل أجنبيٍ عنها ، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ )) ، فركوب المرأة مع السائق الأجنبي وحدها وتنقلاتها معه هذا مما يتناوله هذا الحديث .
% كذلكم من الضوابط : أن تحذر من الاختلاط بالرجال ، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في أشرف البقاع وأحبِّها المساجد قال : ((خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا)) فكيف بغير المساجد !! وللاختلاط أضراره العظيمة وأخطاره العديدة التي بيَّنها أهل العلم .
% كذلكم من الضوابط : أن لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا)) .
% كذلكم : أن لا تضع شيئاً من الطِّيب على ملابسها عند خروجها ، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا )) ، وروى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)) .
% كذلكم أيتها الموفقة من الضوابط : أن لا تحاول عند خروجها لفت أنظار الرجال الأجانب إليها بأيّ وسيلة وبأي طريقة ، ومن الشواهد على ذلك قول الله تعالى : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ }[النور:31] .
% ومن الضوابط أيضا : أن تغض بصرها عن النظر إلى الرجال الأجانب ، قال الله تعالى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ }[النور:31] .
% كذلكم أيتها الموفقة : عليها أن تحافظ على طاعة ربها وعبادته ، وقد قال الله : { وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }[الأحزاب:33] .

أيتها الأخت الكريمة : جميع هذه الضوابط وغيرها مما جاء في الكتاب والسنة المختصة بالمرأة تُعَدُّ في الحقيقة صِمام أمانٍ لها وحارساً لشرفها وفضيلتها وكرامتها ؛ ولهذا عليكِ أن تعلمي أن نعمة الله على المرأة المسلمة عظيمة ومنَّته عليها كبيرةٌ جسيمة ، حيث هيَّأ لها في هذا الدين الحنيف بتوجيهاته العظيمة وإرشاداته السديدة أسباب سعادتها وصيانة فضيلتها وحراسة عفتها وتثبيت كرامتها ودرء المفاسد والشرور عنها ، لتبقى زكية النفس ، طاهرة الخُلق ، منيعة الجانب ، مصونةً عن موارد التهتك والابتذال ، محميةً عن أسباب الزيغ والانحراف والانحلال .

أيتها الموفقة : لقد أكرم الإسلام المرأة المسلمة أعظم إكرام وصانها أحسن صيانة وتكفَّل لها بحياة كريمة شعارها الستر والعفة ، ودثارها الطهر والزكاء ، ورايتها إشاعة الأدب وتثبيت الأخلاق ، وغايتها صيانة الشرف وحماية الفضيلة ، وستبقى المرأة المسلمة عزيزة الجانب رفيعة المنال صيِّنة الأخلاق مادامت متمسكة بدينها محافظة على أوامر ربها مطيعةً لنبيها صلى الله عليه وسلم مْسْلِمَةً وجهها لله مذعنةً لشرعه وحُكمه بكل راحةٍ وثقةٍ واطمئنان فتنال بذلك السعادة والراحة في الدنيا والآخرة وتنال الثواب العظيم والأجر الجزيل يوم لقاء الله تبارك وتعالى .
وتأملي رعاكِ الله هذا الحديث العظيم الذي رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا ؛ دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ)) ، وروى الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ )) .
هنيئا لمن وفَّقها الله وأكرمها بلزوم هذه التوجيهات العظيمة ، هنيئاً لها هذا الموعود الكريم وهذا الفضل العظيم إذا عاشت حياتها ممتثلةً هذه التوجيهات الكريمة غير ملتفتةٍ إلى الهمَل من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة ، قد قال الله تعالى :{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}[النساء:27] .
وعليكِ أن تعلمي أن المرأة المسلمة في هذا الزمان تتعرض لهجماتٍ شرسة ومؤامراتٍ حاقدة ومخططاتٍ آثمة تستهدف الإطاحة بعفَّتها وهتك شرفها ودكَّ كرامتها ووأد فضيلتها وخلخلة دينها وإيمانها وإلحاقها بركب الفاجرات الفاسقات ؛ وذلك من خلال قنواتٍ فضائيةٍ مدمرة ، ومجلاتٍ خليعةٍ هابطة ، وشَغْلها بأنواعٍ من الألبسة الكاسية العارية ، وتهييج قلبها إلى حبِّ التشبه بغير المسلمات ممن يمشين على الأرض دون إيمانٍ يردع أو خُلقٍ يزع أو أدبٍ يمنع ، وجرِّها من وراء ذلك إلى منابذة الشريعة وجرِّ أذيال الرذيلة والبُعد عن منابع العفة والفضيلة – لا مكَّنهم الله مما يريدون – .
أسأل الله الكريم أن يوفقك لهداه ، وأن يعينك على طاعته ، وأن يثبتك على الحق والهدى ، وأن يعيذَكِ من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يحفظ عليك دينك وأمْنك وإيمانك ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن يهديك إليه صراطاً مستقيما ، وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين ؛ إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل . والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أَرْبَعُ رَكَائِز لِلتَّاجِرِ الْمُسْلِم للشيخ عبد الرزاق البدر 2024.

بســـــم اللــه الـــــرحمن الــــــــــرحيم

و بــــــــــه عـــلـــى كـــــل خـــيـــر و فــــــــــــلاح نــســتـــعيــــن

أما بعد :

روى الإمام أحمد في «مسنده» من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال:

((أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا : حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ))؛

هذا حديث عظيم جدير بكلِّ تاجر مسلم أن يتأمله وأن يكون نصب عينه، بل ينبغي أن يُشاع بين التجار وفي المحلات التجارية وبين الشركات حتى يُصَحِّحَ لمن اشتغل بالتجارة مساره وطريقته في البيع والشراء والتعامل، وذلك بأن تكون هذه الأمور الأربعة أسسًا ثابتةً عنده لا يساوم فيها مهما كان الربح، ففي الحديث معالجة حكيمة وعظيمة جداً للفساد الكبير الذي يحصل لأخلاق الناس عند الإقبال على الدنيا وحطامها والتجارة واكتساب المال وطلب الأرباح؛ وأنَّه لا سلامة من ذلك إلا بأن يحافظ التاجر على هذه الأسس الأربعة المذكورة في الحديث، ويحرص على أن لا يخرم منها شيئا، ويجعلها بمثابة الركائز التي لا يقبل أن تضيع، ثم هو لا يبالي إن فاته شيء من الدنيا في سبيل محافظته على هذه الركائز، حتى وإن كان بين يديه مكاسب كبيرة وأرباح كثيرة، فإنها لا تحطّم شيئا من هذه الأسس؛ مستحضرًا دومًا قول النبي صلى الله عليه وسلم:

((فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا))،

فهو غير مبال بما يفوته من الدنيا في سبيل محافظته وتمسكه بهذه الخلال الجليلة والخصال العظيمة المذكورة في الحديث.

والإنسان يُمتَحن امتحانا شديدا في هذه الأمور الأربعة عندما يدخل مجال التجارة؛ فأحيانًا تعرض له أرباح كثيرة مغرية جداً لكنها تحتاج منه إلى أن يكذب أو أن يغش ونحو ذلك، فيدخل في مساومة مع نفسه، هل يُحصِّل هذا الربح بمثل هذه المسالك ؟ أم يقول كما دلَّ الحديث: لا عليَّ ما فاتني من الدنيا، ولْتبقَ لي هذه الأسس؟ حتى لو كان في ظاهر الأمر أنه لن يربح، وأنه يخسر الصفقة أو التجارة أو يفوته شيء من الأرباح والمكاسب،
فإنَّ الله سبحانه تعالى يعوِّضه خيراً؛ لأن الرزق والفضل بيده سبحانه وتعالى.

فقول النبي عليه الصلاة والسلام ((فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا))

يعدُّ ضمانًا للتاجر؛ أي فلا تأسَ على ما فات من الربح وإن كبر ولا تأسف، فإنك في خير وغنيمة حتى وإن فاتك هذا المال. ولك العوض المبارك من الله، ولهذا ينبغي على كل مَنْ يُقدِم على تجارة أن يتنبه لهذه الأسس الأربعة العظيمة، وأن تكون ثابتة عنده:

الأول ((حِفْظُ أَمَانَةٍ))؛

أي هو أمين في تعاملاته؛ لا يغش، ولا يخدع، ولا يمكر، أمينٌ في حفظ حقوق الناس، وفي إعادة أموالهم، فلا يضيع حقوق الناس بل يرعى للأمانة حقّها . وقد يبتلى الإنسان عندما يدخل باب التجارة ويمتحن؛ هل يحافظ على الأمانة ؟ أو يضيِّعها في سبيل أن يُحصّل مالاً أو يُحصّل شيئًا من حطام الدنيا ؟ فكثير من الناس يسقط في هذا الامتحان ويضيِّع الأمانة في سبيل أن يكسب مالًا أو عرضاً من عرض الدنيا ومتاعها الزائل. ومن الناس من يتعامل بالأمانة في حدودٍ ضيقةٍ وفي مصالحَ محدودةٍ، فهو يتعامل بالأمانة في حدود من يعاملُه بها جزاءً له من جنسِ عملهِ، فإذا وجد أمينا عامَلَه بالأمانة، وإذا وجد خائِناً عاملَه بالخيانَة، وليس هذا شأنُ المؤمن، ففي «المسند» وغيره بإسناد صحيح من حديث أنس بن مالك ? أن النبي ? قال :

((أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ )) ،

فالأمانة مطلوبة في كل وقتٍ وحين وفي جميع الأحوال وهي ممدوحة في جميع أحوالها، والخيانةُ مذمومة وقبيحةٌ في جميع أحوالها، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (( وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ )) ؛

نعم طالِبْهُ بحقِّك لكن لا تعامِلْه بالخيانة فإن الخيانة مذمومةٌ في كل وقت وحين.

الثاني ((صِدْقُ حَدِيثٍ))؛

أي أنه لا يكذب بل يحافظ على الصدق، وعندما يُحدِّث الناس في بيعه وشرائه دائماً يكون صادقاً، إذا قال لهم "هذه البضاعة جديدة" فهو صادق في كلامه، إذا قال "هذا النوع أصيل " يكون صادقاً في كلامه، إذا قال "هذا من اليوم ليس من الأمس" يكون صادقا في كلامه، وهو في نفسه يقول: "ماذا يغنيني إذا كسبت من هذا ريـالا ومن ذاك ريالين أو عشرة أو ألفا أو أكثر وضاع مني خُلق الصدق وأصبحتُ كذّاباً ؟! "، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّار )) ؛ مؤمنًا بأن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وليست الريالات أو الدراهم بالتي تضيِّع خُلق الصدق عنده، لأن الصدق أصل ثابت وأساس لا يساوم فيه ولا يضيِّعه.

بينما بعض الناس أخلاقياته تَفسُد مع ممارسة البيع والحرص على الدنيا والمكاسب فيُبتَلى بصفقات معيّنة يجد نفسه منساقاً إلى الكذب فيها، بل ربما يحلف أيمانا مغلّظة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) وذكر منهم:

(( المنفق سلعته بالحلف الكاذب ))

فيبيع الصدقَ ويصبح كذابًا من أجل اكتساب شيء من الدنيا ومتاعها الزائل – والعياذ بالله-.

الثالث ((حُسْنُ خَلِيقَةٍ))

أي يعامل الناس بالأخلاق الحسنة وبالآداب الكريمة، والمشتغل بالتجارة والبيع والشراء يشاهد من أصناف أخلاقيات الناس واختلاف طبائعهم بل سيئي المعاملة منهم شيئاً كثيراً، ودوام الاحتكاك بالناس في البيع والشراء والمعاملات تؤثر على الأخلاق تأثيراً سلبياً إن لم يُحافظ على هذه الركيزة المبيَّنة في هذا الحديث «حُسْنُ الخَلِيقَة»؛ فيصبح التاجر حينئذ في صراع مع نفسه للمحافظة على حُسن خلقه، لا أن يبيع أخلاقه في السوق باحتكاكه بسيئي الأخلاق من الناس، إذ إنّ بعض الناس بسبب معايشته لأصنافٍ من الناس وحاجته للبيع والتجارة أصبح لعّاناً طعّاناً بذيئاً سيء الخلق، اكتسب هذا في تجارته وفي معاملته للناس، فضيّع هذه الخصلة بسبب اقتحامه التجارة ودخوله فيها دون محافظةٍ على هذه الركيزة العظيمة.

والتاجر المسلم الناصح لنفسه لا يجعل التجارة واحتكاكه بالناس سببًا لضياع الأخلاق، وماذا يربح الإنسان إذا حصَّل مالاً وفسدت أخلاقه ؟! وماذا تغني عنه أمواله وماذا تنفعه إذا فسدت الأخلاق ؟!

الرابع قال: ((عِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ))؛

أي أن يتعفف في طعامه وذلك بالحرص على اكتساب الحلال والبُعد عن الحرام والمتشابه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ)).

فهو حريص على عفّة مطعمه؛ أي الطعام العفيف الذي ليس فيه حرام وليس فيه شائبة حرام، فإذا كان البيع فيه ربا، أو غش، أو تدليس، أو صورة من صور البيوع المحرمة في الشريعة ابتعد عنه تمامًا ؟ لأن من الأصول الثابتة عنده عفّة المطعم، لا يفرط فيه، ويبحث عن الربح بحثًا لا ينخرم فيه هذا الأمر.

بينما بعض الناس يدخل التجارة وميدان اكتساب الربح ولا يبالي في قضية عفة المطعم، ولا يبالي بالمال الذي اكتسبه هل هو من حلال أو من حرام ؟ بل بعضهم قاعدته في هذا الباب: « الحلال ما حلَّ بيدك، والحرام ما حُرِمتَ منه»، فالذي حلّ بيده وصار في حيازته من أي طريق كان هو الحلال، والحرام ما لم تَطَله يده ولم ينله، فلا يبالي بحلال أو حرام، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ)) ،

وذكر عليه الصلاة والسلام (( الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ))

أي: كيف يستجاب لمن كانت هذه حاله ؟! ولهذا قال بعض السلف: «من سرَّه أنْ يستجيب الله دعوته، فليُطِب طُعمته».فهذا باب حري بالتاجر المسلم أن يعنى به تفقهًا وفهمًا فلا يُدخل على نفسه من الطعام والشراب شيئًا إلا بعد تفقه فإذا كان طيِّباً طَعِمَهُ وشَرِبَه، وإذا كان حراماً أو مشتبهًا تركه وابتعد عنه، لأن من الأصول الثابتة عنده: طيب المطعم، لا يُساوَم في هذا الأمر بل هو من الأمور الثابتة الراسخة عنده.

فلتحافظ أخي التاجر المسلم على هذه الركائز الأربعة ولا تُضيِّع منها شيئاً ولتحذر من الشيطان و النفس الأمّارة بالسوء كأن يقال " دخلت السوق بالصدق وبضاعتي كسدت، ولا تنفق إلا بضاعةُ الكذّابين أو الغشاشين من حولي، الذين يكذبون على الناس ويقولون والله هذا جديد ويحلفون "، فهو ميدان تمحيص للأخلاق ، ولا يضرُّك ما فاتك من الدنيا،

نصيحةً لك من نبيك عليه الصلاة والسلام، وسترى ذلك عند صبرك على السُّنة ومحافظتك على وصايا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام. والعاقبة الحميدة لك في الدنيا والآخرة.

أعاذك الله ـ أخي الكريم ـ من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، ورزقك المال الحلال والعيش الهنيء إنه سميع مجيب، والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الشيخ عبد الرزاق البدر – نفع الله بعلمه –

بارك الله فيك

بارك الله فيك و جزاك الله خيرا على هذا الموضوع