الإعتصام بالكتاب والسنة وأثره في دفع الفتن !! 2024.

اسم المحاضر: أحمد بن عبد العزيز السليمان الحمدان.

جهة العمل: مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة جدة.

عنوان المحاضرة: الاعتصام بالكتاب والسنة وأثره في دفع الفتن.

عناصر المحاضرة:

1- المقدمة.

2-أهمية الاعتصام بالكتاب والسنة.

3-نصوص الوحيين في الاعتصام بالكتاب والسنة.

4-خصائص اعتصام السلف بالكتاب والسنة.

5-الخاتمة.

1- الْمُقَدِّمَةُ:

الْحَمْدُ للهِ مُجِيْبِ مَنْ سَأَلَهُ، وَمُثِيبِ مَنْ عَلَّقَ بِهِ رَجَاهُ وَأَمَلَهُ، الكَرِيْمِ الَّذِي مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ قَبِلَهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ أَرْدَاهُ وَخَذَلَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً خِيْرَةُ أَنْبِيَائِهِ وَرُسِلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ البَرَرَةِ، وَصَحْبِهِ الْخِيَرَةِ، وَمَنْ عَلَى نَهْجِهِ سَارَ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ، أَمَّا بَعْدُ.

فَإِنَّ الاعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الأُمُورِ الْمُقَرَّرَةِ في دِيْنِ اللهِ تَعَالَى، وَلاَ يُمْكِنُنَا تَصَوّرُ مُسْلِمٍ إِلاَّ وَهُوَ مُعْتَصِمٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلاَ يُمْكِنُنَا تَصَوّرُ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَهُوَ مُوْقِنٌ أَنَّّهُ لاَ إِيْمَانَ مَعَ تَرْكِ الاعْتِصَامِ بِهِمَا.

وَلَكِنَّ الوَاقِعَ الْحَاضِرَ يَشْهَدُ خَلَلاً ظَاهِراً في هَذَا الاعْتِصَامِ العَظِيْمِ، مِنْ نَوَاحٍ شَتَّى؛ فَمِنْهَا:

1-تَرْكُ الاعْتِصَامِ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ بِالكُلِّيَّةِ.

2-الدَّعْوَةُ إِلَى تَرْكِ الاعْتِصَامِ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا أَشَدُّ مِنْ سَابِقِهِ.

3-ادِّعَاءُ جَوَازِ الْخُرُوجِ عَنْ الاعْتِصَامِ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ بِسَبَبِ (مُقْتَضَيَاتِ العَصْرِ وَمُتَطَلَّبَاتِهِ !).

4-التَّشْكِيكُ في أَمْرِ التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في بَعْضِ صُوَرِهِ.

5-الاسْتِهْزَاءُ بِالْمُعْتَصِمِيْنَ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ لاعْتِصَامِهِمْ بِهِمَا.

6-الانْحِرَافُ السُّلُوكِيُّ عَنْ الاعْتِصَامِ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ.

2- أَهَمِّيَّةُ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

وَتَظْهَرُ أَهَمِّيَّةُ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في أُمُورٍ عِدَّةٍ، دِيْنِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ؛ فَمِنْهَا:

1-أَنَّ الاعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِطَاعَةٌ لأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَفي ذَلِكَ الفَوْزُ وَالفَلاَحُ في الدَّارَينِ.

قال الله تعالى:

[ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ] [سورة الأحزاب، الآية 71].

2-أَنَّ النَّجَاةَ مِنْ سُبُلِ الغِوَايَةِ وَالضَّلاَلَةِ مَنُوطَةٌ بِالاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمَهْمَا شَهِدَ الْمُسْلِمُ في حَيَاتِهِ مِنْ فِتنٍ وَمِحَنٍ، وَمَهْمَا تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ رُؤْيَةٍ لأَصْحَابِ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ، وَمَهْمَا كَانَ حَالُ هَؤُلاَءِ مِنْ ظُهُورٍ وَتَسَلُّطٍ، فَإِنَّ الْمُعْتَصِمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لاَ تَخْتَلِفُ أُمُورُهُ، وَلاَ تَخْتَلِطُ أَوْرَاقُهُ، وَيَظَلُّ عَلَى طَرِيْقٍ مُسْتَقِيْمَةٍ لاَ يَحِيْدُ عَنْهَا وَلاَ يَمِيْدُ، لأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالأَصْلِ الأَصِيْلِ الَّذِي لاَ تَعْبَثُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تُزَحْزِحُهُ الفِتَنُ، وَهُوَ الاعْتِصَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

3-أَنَّ الاعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَجْعَلُ بَصِيْرَةَ الْمُسْلِمِ نَافِذَةٌ في كُلٍّ مَا يَسْتَجِدُّ مِنْ أُمُورٍ، فَمَهْمَا تَجَدَّدَ مِنْ فِتَنٍ، وَمَهْمَا خَرَجَ أَهْلُ البِدَعِ وَالْمِحَنِ بِبِدَعِهِمْ وَشُبَهِهِمْ، وَمَهْمَا كَثُرَ أَتْبَاعُهُمْ فَإِنَّ الْمُعْتَصِمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَظَلُّ كَالطَّوْدِ الشَّامِخِ الَّذِي لاَ تَهُزُّهُ الرِّيَاحُ مَهْمَا قَوِيَتْ، وَالعَوَاصِفُ مَهْمَا عَصَفَتْ، وَيَكُونُ أَهْلُ الشُّبُهَاتِ وَالْمِحَنِ وَالبِدَعِ وَالفِتَنِ مَعَهُ مَهْمَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَتَمَكَّنُوا مِنْ النَّاسِ كَمَا قَالَ القَائِلُ:

كَنَاطِحِ صَخْرَةٍ يَوْماً لِيُوهِنَهَافَلَمْ يَضِرْهَا وَأَعْيَا قَرنَهُ الوَعِلُ

ثُمَّ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَاذَا تَعْنِي بِالاعْتِصَامِ ؟

فَنَقُولُ: الاعْتِصَامُ: مَأْخُوذٌ مِنَ الفِعْلِ الثُّلاَثِيِّ: عَصَمَ، وَمَعَانِيْهِ تَدُورُ حَوْلَ الإِمْسَاكِ وَالْمَنْعِ وَالْمُلاَزَمَةِ.

فَالْمُعْتَصِمُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: مُتَمَسِّكٌ بِهِمَا تَمَسُّكاً مُلاَزِماً لَهُ في عَقِيْدَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ، مَانِعاً لَهُ مِنْ تَرْكِهِمَا إِلَى غَيْرِهِمَا.

وَهَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ: أَنْ يُؤْمِنَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ مُلاَزِماً لَهُمَا، غَيْرَ خَارِجٍ عَنْهُمَا، وَأَنَّهُ لَنْ يَكُونَ في حِمَايَةٍ مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلاَلِ إِلاَّ بِالتَّمَسُّكِ بِهِمَا.

يتبع بإذن الله…

3- مِنْ نُصُوصِ الوَحْيَينِ في الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

الاعْتِصَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في القُرآنِ الكَرِيْمِ:

*قَالَ اللهُ تَعَالَى:

[ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيْعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ]

[سورة الأعراف، الآية 170].

أَيْ الَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِالوَحِي الَّذِي جَاءَهُمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى إِيْمَاناً وَتَصْدِيْقاً بِهِ، وَتَمَسُّكاً وَعَمَلاً بِهِ، فَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمُتَمَسِّكُونَ حَقاً بِمَا أَرَادَ اللهُ مِنْهُمْ، الْمُعْتَصِمُونَ بِوَحي رَبِّهِمْ، العَامِلُونَ بِمَا اعْتَصَمُوا بِهِ، وَمِنْ أَبْرَزِهِ: إِقَامَةُ الصَّلاَةِ، فَهَؤُلاَءِصَالِحُونَ في نِيَّاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، مُصْلِحُونَ بِدَعْوَتِهِمْ غَيْرَهُمْ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي اعْتَصَمُوا بِهِ.

وَهَذِهِ الآيَةُ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الاعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ صَلاَحٌ لِلْبِلاَدِ وَالعِبَادِ، وَأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الفَسَادِ.

*وَقَالَ تَعَالَى:

[ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوْحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ] [سورة الزخرف، الآية 43].

فَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْتَصِمَ بِمَا جَاءَهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يُوْقِنَ أَنَّهُ حَقٌّ لاَ بَاطِلَ فِيْهِ، وَصِدْقٌ لاَ كَذِبَ فِيْهِ، وَيَقِيْنٌ لاَ شَكَّ يَعْتَرِيْهِ، وَهُدَىً لاَ ضَلاَلَ فِيْهِ، وَعَدْلٌ لاَ جَوْرَ فِيْهِ. وَالعِلْمُ بِخَصَائِصِ مَا نَزَلَ مِنَ الوَحْي يَجْعَلُ العَبْدَ يَزْدَادُ في تَمَسُّكِهِ وَاعْتِصَامِهِ؛ لأَنَّ اعْتِصَامَهُ حِيْنَئِذٍ يَكُونُ اعْتِصَاماً عَلَى هُدَىً وَبَصِيْرَةٍ.

وَمِمَّا وَرَدَ أَيْضاً:

*قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:

[ قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيْعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُونَ ] [سورة البقرة، الآيتان 38و39].

فَرَتَّبَ تَعَالَى عَلَى الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ؛ وَهِيَ:

1-نَفْيُ الْخَوفِ: وَهُوَ تَرَقُّبُ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ، وَالتَّحَسُّسُ مِنْ كُلِّ مَا يُثِيْرُ ذِكْرَهُ في نَفْسِ الْمُتَرَقِّبِ.

2-نَفْيُ الْحُزْنِ: وَهُوَ آثَارُ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ، وَآثَارُ طُولِ انْتِظَارِ وُقُوعِهِ.

3-إِثْبَاتُ الْهُدَى: بِاتِّبَاعِ الْحَبْلِ الْمَعْصُومِ؛ وَهُوَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُمَا فَغَيٌّ وَضَلاَلٌ وَتِيهٌ.

4-إِثْبَاتُ السَّعَادَةِ: وَذَلِكَ أَنَّ مَنِ اعْتَصَمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اعْتَصَمَ بِعَظِيْمٍ، وَتَمَسَّكَ بِحَبْلِ اللهِ الْمَتِيْنِ، فَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ الأَمْنِ وَالطُّمَأْنِيْنَةِ مَا يَجْعَلُهُ يَعِيْشُ في سَعَادَةٍ لاَ يَشْعُرُ بِقَدْرِهَا إِلاَّ مَنْ عَاشَ مَرَارَةَ فَقْدِهَا.

وَرَتَّبَ تَعَالَى ذِكْرُهُ في هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ عَلَى تَرْكِ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ أُخَرَ تُضَادُّ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ وَهِيَ:

1-وُقُوعُ الْخَوْفِ وَسَيْطَرَتُهُ عَلَى قَلْبِ صَاحِبِهِ، فَلاَ يَعْرِفُ قُوَّةَ القَلْبِ وَطُمَأْنِيْنَتَهُ.

2-وُقُوعُ الْحُزْنِ في قَلْبِ صَاحِبِهِ، فَهُوَ دَائِماً في تَرَقُّبٍ وَقَلَقٍ وَتَوَجُّسٍ.

3-وَنَفْيُ الهُدَى: حِيْنَ لاَ يَكُونُ لِلإِنْسَانِ عَاصِمٌ يَعْصِمُهُ مِنَ الضَّلاَلِ، فَتَرَاهُ تَابِعاً كُلَّ نَاعِقٍ، مُتَأَثِّراً بِكُلِّ ضَلاَلَةٍ، لاَ يَسْتَقِرُّ عَلَى أَمْرِ رُشْدٍ إِلاَّ وَيَتْرُكُهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ سُبُلِ الغِوَايَةِ.

فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطّاً بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيماً، قَالَ: ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ، وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلاَّ عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ [ وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ] [سورة الأنعام، الآية 153].

[رواه الإمام أحمد1/435، وسعيد بن منصور 5/112، والدارمي 1/78، والبزار 5/131، والنسائي في السنن الكبرى 6/343، والشاشي 2/48، وابن حبان 1/181، والحاكم 2/261و348، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه].

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنَ الْحَورِ بَعدَ الكَونِ.

[رواه مسلم: كتاب الدعوات/باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره 2/979].

4-وَنَفْيُ السَّعَادَةِ: وَذَلِكَ أَنَّ السَّعَادَةَ لاَ تُطْلَبُ إِلاَّ مِمَّنْ خَلَقَهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْهِيْلِ أَمْرِهَا، وَالتَّعَلُّقُ بِالعَظِيْمِ القَدِيْرِ الْمُهَيْمِنِ ، يُوْرِثُ في النَّفْسِ طُمَأّنِيْنَةً وَفَرَحاً بِاللهِ وَبِدِينِ اللهِ، وَهَذَا أَعْظَمُ أَنْوَاعِ السَّعَادَةِ الْحَقِيْقِيَّةِ، الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ الفَقِيْرُ الزَّاهِدُ الْمُسَافِرُ الَّذِي حَمَلَ عَصَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَدْ لَبِسَ إِزَاراً وَرِدَاءً مُرَقَّعَيْنِ، ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ، جَلَسَ تَحْتَهَا، وَحَلَّ مِنْدِيلاً فِيْهِ مِلْحٌ خَشِنٌ وَكِسْرَةُ خُبْزِ شَعِيْرٍ يَابِسٍ، وَأَكَلَ وَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى، فَقِيْلَ لَهُ: كَيْفَ أَنْتَ ؟ قَالَ: أَنَا في نِعْمَةٍ لَوْ عَلِمَتْ بِهَا مُلُوكُ فَارِسَ وَالرُّومِ لَجَالَدَتْنِي عَلَيْهَا بِالسِّيُوفِ!

*وَقَولُ اللهِ تَعَالَى:

[ اتَّبِعُواْ مَآ أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِنْ دُوْنِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيْلاً مَا تَذَكَّرُونَ] [سورة الأعراف، الآية 3].

أَيْ اتَّبِعُوا الوَحْيَ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ عَلَيْكُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَاعْتَصِمُوا بِهِ، وَلاَ تَتَّبِعُوا غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالانْحِرَافِ، وَلَوْ تَذَكَّرْتُمْ لَعَرَفْتُمْ أَنَّ اتِّبَاعَكُمْ لِهَؤُلاَءِ الأَوْلِيَاءِ لَيْسَ في مَصْلَحَتِكُمْ، بَلْ مَصْلَحَتُكُمْ الدِّيْنِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ تَكْمُنُ في اتِّبَاعِ وَحْي اللهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلِ.

*أَمَّا الاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ فَهُوَ قَرِيْنُ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ، وَاللهَ تَعَالَى جَعَلَ وَحْيَهُ في كِتَابِهِ وَفي سُنَّةِ نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِذَلِكَ جَاءَتِ النُّصُوصُ تَتْرَى في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَأْمُرُ بِالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ كَمَا تَأْمُرُ بِالتَّمَسُّكِ بِالقُرآنِ الكَرِيْمِ.

وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ:

1-مُبَيّنَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِلْقُرْآنِ الكَرِيْمِ.

2-وَالسُّنَّةُ مُفَصِّلَةٌ لِمَا أُجْمِلَ في القُرْآنِ الكَرِيْمِ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى:

[ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواْ ] [سورة الحشر، الآية 7].

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَوَشِّمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ الْمُتَفَلِّجَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَوَشِّمَاتِ، فَقَالَ: أَلاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَتْ: قَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ مَا قُلْتَ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، إِنَّهُ لَفِي كِتَابِ اللهِ، مَا وَجَدْتِ [ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ] فَقَالَتْ: إِنِّي لأُرَاهُ فِي بَعْضِ أَهْلِكَ، قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي، فَإِنْ كَانُوا يَفْعَلُونَ لاَ يَبِيْتُونَ عِنْدِي لَيْلَةً! قَالَ: فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ كَانَ لَهَا مَا جَامَعْنَاهَا.

[رواه الإمام أحمد 1/433، والطبراني في الكبير 9/291، والشاشي 1/339].

*وَقَالَ تَعَالَى:

[ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِّبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، قُلْ أَطِيْعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّواْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ ] [سورة آل عمران، الآيتان 31و32].

وَهَذِهِ الآيَةُ مِيْزَانُ مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ كَانَ مُحِبّاً للهِ تَعَالَى مُحِبّاً لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ دَلِيْلَ صِدْقِهِ: اتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ سَبِيْلَ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ إِلاَّ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللهِ، بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَسَتَرَ عُيُوبَهُ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ وَأَعَلَى مَقَامَهُ، وَمَنْ لاَ فَلاَ، الكُلُّ بِالكُلِّ وَالْحِصَّةُ بِالْحِصَّةِ.

وَحَقِيْقَةُ هَذَا الاتِّبَاعِ الَّذِي أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى بِهِ هُنَا؛ هُوَ: إِطَاعَةُ اللهِ تَعَالَى وَإِطَاعَةُ رَسُولِهِ؛ لِذَلِكَ قَالَ: قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولِ، وَمَنْ تَرَكَ طَاعَةَ اللهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ الكَافِرُ الَّذِي لاَ يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى؛ لِذَلِكَ خَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ تَوَلَّواْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ.

وَفي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ في هَذَا البَابِ؛ وَمِنْهُ:

*عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ أَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالَ: ((أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لاَ يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَاناً عَلَى أَرِيكَتِهِ [يُكَذِّبُنِي] يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ)).

[رواه الإمام أحمد 4/132، وأبو داود: كتاب السنة/باب في لزوم السنة، وابن ماجه: المقدمة/باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدارمي 1/153، وابن حبان 1/188، والطبراني في الكبير20/274، والدارقطني 4/287، والترمذي: كتاب العلم/باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: حديث حسن غريب].

قَالَ السِّنْدِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: هَذَا بَيَانٌ لِبَلاَدَتِهِ وَسُوءِ فَهْمِهِ، أَيْ حَمَاقَتُهُ وَسُوءُ أَدَبِهِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُتَنَعِّمِينَ الْمَغْرُورِينَ بِالْمَالِ وَالْجَاه.

وَقَالَ: أَيْ أَلاَ إِنَّ مَا فِي الْقُرْآن حَقّ وَأَنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ الله، أَيْ عَطْف فِي الْقُرْآنِ وَإِلاَّ فَمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ عَيْنُ مَا حَرَّمَ اللهُ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يُضَافُ إِلَى الرَّسُولِ بِاعْتِبَارِ التَّبْلِيغِ وَإِلاَّ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ للهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الطَّاعَةِ وَلُزُومِ الْعَمَلِ بِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُحَذِّرُ بِذَلِكَ مُخَالَفَةَ السُّنَنِ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَيْسَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ، فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَتَرَكُوا الَّتِي قَدْ ضُمِّنَتْ بَيَان الْكِتَابِ فَتَحَيَّرُوا وَضَلُّوا، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَاجَةَ بِالْحَدِيثِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْكِتَابِ وَأَنَّهُ مَهْمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ حُجَّةً بِنَفْسِهِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِي تَكْرِيرِ كَلِمَةِ التَّنْبِيهِ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ نَشَأَ مِنْ غَضَبٍ عَظِيمٍ عَلَى مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ اِسْتِغْنَاءً بِالْكِتَابِ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَّحَ الرَّأْيَ عَلَى الْحَدِيث.

*وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي)).

[متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير/باب يقاتل من وراء الإمام، ومسلم: كتاب الإمارة/باب وجوب طاعة الأمراء].

قَالَ النَّوَويُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: لأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ هُوَ صلى الله عليه وسلم بِطَاعَةِ الأَمِير, فَتَلاَزَمَتْ الطَّاعَة.

*وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ)).

[رواه مسلم: كتاب الإمارة/باب وجوب طاعة الأمراء].

*وَعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه، قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)). [رواه الإمام أحمد 4/126، وأبو داود: كتاب العلم/باب لزوم السنة، وابن ماجه: المقدمة/باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، والدارمي: المقدمة/باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، وابن حبان 1/178، والطبراني في الكبير 18/245، والحاكم 1/175، والترمذي: كتاب العلم/باب ما جاء في الأخذ بالسنة، وقال: حديث حسن صحيح، ].

قَوْلُهُ: (فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا) أَيْ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُوصِينَا.

(وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) أَيْ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، أَيْ صَارَ أَمِيراً أَدْنَى الْخَلْقِ فَلاَ تَسْتَنْكِفُوا عَنْ طَاعَتِهِ، أَوْ لَوْ اِسْتَوْلَى عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَأَطِيعُوهُ مَخَافَةَ إِثَارَةِ الْفِتَن.

قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ رَجَب-رَحِمَهُ اللهُ-: فِيهِ تَحْذِيرٌ لِلأُمَّةِ مِنْ اِتِّبَاعِ الأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ, وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَا أُحْدِثَ مِمَّا لاَ أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ, وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ شَرْعاً وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لُغَةً، فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ((كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)) مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لاَ يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الدِّين.

(فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنَ الاخْتِلاَفِ الْكَثِيرِ.

(فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي) أَيْ فَلْيَلْزَمْ سُنَّتِي وليتمسك بها ويعتصم.

(وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ) فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلاَّ بِسُنَّتِي فَالإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا، أَوْ لاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا.

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: السُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَلْزَمُوا طَرِيقَتِي وَطَرِيقَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ, وَقَدْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ هِيَ نَفْسُ طَرِيقَتِهِ, فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصاً عَلَيْهَا وَعَمَلاً بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَانُوا يَتَوَقَّوْنَ مُخَالَفَتَهُ فِي أَصْغَرِ الأُمُورِ فَضْلاَ عَنْ أَكْبَرِهَا. وَكَانُوا إِذَا أَعْوَزَهُمْ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم عَمِلُوا بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ الرَّأْيِ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدَبُّرِ, وَهَذَا الرَّأْيُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ هُوَ أَيْضاً مِنْ سُنَّتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بِمَا تَقْضِي؟ قَالَ : بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي. قَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ.

فَأَقَلُّ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ: أَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ الرَّأْيِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَكَثِيراً مَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يُنْسَبُ الْفِعْلُ أَوْ التَّرْكُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لاَ فَائِدَةَ لِنِسْبَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ لأَنَّهُ مَحَلُّ الْقُدْوَةِ وَمَكَانُ الأُسْوَة.

(عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) جَمْعُ نَاجِذَةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الضِّرْسُ الأَخِيرُ, وَقِيلَ هُوَ مُرَادِفُ السِّنِّ وَقِيلَ هُوَ النَّابُ.

وَالْعَضُّ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ مُلاَزَمَةِ السُّنَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِهَا فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئاً أَخْذاً شَدِيداً يَأْخُذُ بِأَسْنَانِهِ، أَوْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ كَمَنْ أَصَابَهُ أَلَمٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَهُ فَيَشْتَدُّ بِأَسْنَانِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْض.

*وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ، فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ، إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَه.

[متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الحج/باب الرمل في الحج والعمرة، ومسلم: كتاب الحج/باب منه].

*وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لاَ تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا))، قَالَ: فَقَالَ بِلاَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ! قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ فَسَبَّهُ سَبّاً سَيِّئاً مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، [وَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ]، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ.

[متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الأذان/باب ، ومسلم: كتاب الصلاة/باب خروج النساء إلى المساجد].

قَالَ النَّوَويُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِيهِ تَعْزِيرُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَّةِ, وَالْمُعَارِضِ لَهَا بِرَأْيِهِ, وَفِيهِ تَعْزِيرُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيراً.

*وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ، وَقَالَ: ((إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلاَ يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ)). ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ، أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ وَأَنْتَ تَخْذِفُ ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا.

زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَأَخَذَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ: عَنْ هَذَا، وَخَذَفَ، فَقَالَ: أَلاَ أُرَانِي أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ وَأَنْتَ تَخْذِفُ ؟ وَاللهِ لاَ أُكَلِّمُكَ عَزْمَةً مَا عِشْتُ.

[رواه الإمام أحمد 5/56، والحديث متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد/باب الخذف والبندقة، ومسلم: كتاب الصيد والذبائح/باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد].

خَذَفْتَ الْحَصَاةَ: رَمَيْتَهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ, وَقِيلَ: فِي حَصَى الْخَذْفِ: أَنْ يَجْعَلَ الْحَصَاةَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ مِنْ الْيُمْنَى وَالإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى ثُمَّ يَقْذِفهَا بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيَمِين.

وَنَكَأََ الْعَدُوَّ نِكَايَةً أَصَابَ مِنْهُ.

قَالَ ابنُ حَجَرٍ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ هِجْرَانِ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَتَرْكِ كَلاَمِهِ, وَلاَ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي النَّهْي عَنْ الْهَجْرِ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَنْ هَجَرَ لِحَظِّ نَفْسِه.

*وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِنْتٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: ((أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا ؟)) قَالَتْ: لاَ. قَالَ: ((أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟)) قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: هُمَا للهِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.

[رواه أبو داود: كتاب الزكاة/باب الكنز ما هو وزكاة الحلي، والنسائي: كتاب الزكاة/باب زكاة الحلي].

*وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: ((يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ)) فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لاَ وَاللهِ لاَ آخُذُهُ أَبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

[رواه مسلم: كتاب اللباس والزينة/باب تحريم خاتم الذهب].

قَالَ النَّوَويُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي اِمْتِثَالِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم, وَاجْتِنَابِ نَهْيهِ, وَعَدَمُ التَّرَخُّصِ فِيهِ بِالتَّأْوِيلاَتِ الضَّعِيفَةِ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ إِنَّمَا تَرَكَ الْخَاتَمَ عَلَى سَبِيلِ الإِبَاحَةِ لِمَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ, وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَخْذُهُ لِمَنْ شَاءَ, فَإِذَا أَخَذَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الأَخْذُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ, وَلَكِنْ تَوَرَّعَ عَنْ أَخْذِهِ وَأَرَادَ الصَّدَقَةَ بِهِ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ وَجْهٍ, وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ لُبْسِهِ, وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ عَلَى الإِبَاحَة.

*وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ: اجْلِسُوا، فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَجَلَسَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((تَعَالَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُود)).

[رواه أبو داود: كتاب الصلاة/باب الإمام يكلم الرجل في خطبته، وقال: مرسل].

*وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ قَالَ: ((مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟)) قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَراً)) أَوْ قَالَ: ((أَذىً)) وَقَالَ: ((إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَراً، أَوْ أَذىً فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا)).

[رواه الإمام أحمد 3/20، وأبو داود: كتاب الصلاة/باب الصلاة في النعل، والدارمي: كتاب الصلاة/باب الصلاة في النعلين، وابن أبي شيبة 2/181، وعبد بن حميد 1/278، وابن حبان 5/560، والبيهقي 2/431، ].

قَالَ الْخَطَّابِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: أَنَّ الإْتِسَاءَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَفْعَالِهِ وَاجِبٌ كَهُوَ فِي أَقْوَالِهِ, وَهُوَ أَنَّهُمْ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَلَعَ نَعْلَيْهِ خَلَعُوا نِعَالَهُم.

*وَمِنَ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: الاعْتِصَامُ بِهِمَا كَمَا كَانَ السَّلَفُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ مُعْتَصِمُونَ بِهِمَا، لاَ أَنْ يَكُونَ تَمَسُّكاً ظَاهِرِيّاً أَجْوَفَ يَتَأَثَّرَ بِالظُّرُوفِ وَالرَّغَبَاتِ وَضُغُوطِ الْمُجْتَمَعَاتِ.

*قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُوبِقَات. يَعْنِي الْمُهْلِكَات.

[رواه البخاري: كتاب الرقاق/باب ما يتقى من محقرات الذنوب].

*وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَت.

[رواه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة/باب تضييع الصلاة عن وقتها].

وَالتَّضْييّعُ الَّذِي رَآهُ أَنَسٌ رضي الله عنه في زَمَنِ الوَلِيْدِ هُوَ تَأْخِيرُ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِيْنَةَ سَأَلُوهُ عَمَّا أَنْكَرَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِيْنَةِ في صَلاَتِهِمْ، قَالَ: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئاً إِلاَّ أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ.

*وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قِيْلَ لِعَائِشَةَ: أَوَمُنِعْنَ ؟ قَالَتْ: نَعَم.

[متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الأذان/باب خروج النساء إلى المساجد، ومسلم: كتاب المساجد/باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية].

يتبع بإذن الله…

4- خَصَائِصُ اعْتِصَامِ السَّلَفِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

1-مَعْرِفَتُهُمْ بِالتَّنْزِيْلِ.

2-أَنَّهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ إِيْمَاناً.

3-أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَمَسُّكاً بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

4-أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَوَرُّعاً وَبُعْداً عَنِ الْمُتَشَابِهَاتِ.

5-غَلَبَةُ الصَّوَابِ في أَقْوَالِهِمْ إِذَا مَا قِيْسَتْ بِمَنْ بَعْدَهُمْ.

6-مَعْرِفَتُهُمْ بِالعَرَبِيَّةِ وَفَهْمُهُمْ لِلنُّصُوصِ.

لِذَلِكَ كَانَ التَّمَسُّكُ بِهَدي السَّلَفِ وَالسَّيْرِ في رِكَابِهِمْ مِنَ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَقَدْ مَرَّتْ بِالْمُسْلِمِينَ عِبْرَ تَأْرِيْخِهُمُ الطَّوِيلِ فِتَنٌ كَثِيْرَةٌ، لَمْ يَثْبُتْ فِيْهَا إِلاَّ أَهْلُ العِلْمِ الَّذِينَ اعْتَصَمُوا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى هُدَىً وَبَصِيرَةٍ.

وَمِنْ أَشْهَرِ تِلْكَ الفِتَنِ: فِتْنَةُ الْمُعْتَزِلَةِ، الَّتِي أَرْهَقَتْ الْمُسْلِمِيْنَ بِسَيْفِ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، وَسُلْطَانٍ جَاهِلٍ، وَوَقَعَ في حَبَائِلِهَا مَنْ وَقَعَ، وَثَبَتَ مَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ وَبِالأُمَّةِ مِنْ وَرَائِهِ خَيْراً؛ وَعَلَى رَأْسِهِمْ: الإِمَامُ الْمُبَجَّلُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- حَيْثُ وَقَفْ كَالطَّودِ الشَّامِخِ الَّذِي لاَ تُؤَثِّرُ فِيْهِ رِيَاحُ وَأَعَاصِيرُ التَّغْييرِ حَتَّى رَدَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ الْمُسْلِمِيْنَ إِلَى دِيْنِهِمْ رَدّاً جَمِيْلاً.

وَفي القَرْنِ الثَّامِنِ كَانَتْ فِتْنَةُ التَّصَوُّفِ وَعِلْمِ الكَلاَمِ قَدْ أَخَذَتْ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا، سَخَّرَ اللهُ شَيْخَ الإِسْلاَمِ أَبَا العَبَّاسِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لِبَيَانِ خَطَرِهَا، وَتَحْذِيرِ النَّاسِ شَرَّهَا، وَمُقَارَعَةِ أَربَابِهَا عُجَرِهَا وَبُجَرِهَا، وَرَدِّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَعَادَ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ مِنَ النَّاسِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَفي القَرْنِ الثَّانِي عَشَرَ، كَانَتْ فِتْنَةُ القُبُورِ وَالتَّعَلُّقِ بِالْمَقْبُورِ قَدْ شَرَّقَتْ وَغَرَّبَتْ، وَأَنْجَدَتْ وَأَسْهَلَتْ، وَعَادَ النَّاسُ إِلَى عِبَادَةِ الأَحْجَارِ وَالقُبُورِ وَالأَشْجَارِ، يَحُجُّونَ إِلَيْهَا، وَيَطُوفُونَ بِهَا، وَيَذْبَحُونَ لأَصْحَابِهَا، وَيَدْعُونَهُمْ لِكَشْفِ الكُرُبَاتِ، وَقَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَهَجَرُوا إِخْلاَصَ العِبَادَةِ إِلَى رَبِّ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ، فَسَخَّرَ اللهُ تَعَالَى الإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَآزَرَهُ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى- فَرَدَّ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ بِهِ إِلَى دِيْنِهِ رَدّاً جَمِيلاً، وَطَهَّرَ الْجَزِيْرَةَ العَرَبِيَّةَ مِنْ أَدْرَانِ الشِّركِ وَالإِلْحَادِ، وَعَادَ النَّاسُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَفي هَذِهِ الأَيَّامِ جَاءَتْنَا فِتْنَةُ التَّكْفِيْرِ وَمَا يَلْحَقُهَا مِنْ غَدرٍ وَخِيَانَةٍ وَقَتْلٍ وَتَفْجِيرٍ، عَلَى أَيْدِي شَبَابٍ أَغْرَارٍ، وَطَلاَئِعَ أَشْرَارٍ، وَتَوجِيهِ فُجَّارٍ؛ لاَ يَعْرِفُونَ مِنَ الكِتَابِ إِلاَّ رَسْمَهُ، وَلاَ مِنَ السُّنَّةِ إِلاَّ مَا أَمْلَى عَلَيْهِمْ مُفْتُوهُمْ الْمَجَاهِيلُ؛ غَرَّرُوا بِهِمْ، وَوَعَدُوهُمْ بِمَعْسُولِ القَوْلِ أَكَاذِيْبَ الرِّوَايَاتِ، فَخَرَجُوا يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَفْتَئِتُونَ عَلَى إِمَامِهِمْ، وَيَنْقُضُونَ عُهُودَهُمْ، وَلاَ يُبَالُونَ بِمَنْ هَلَكَ عَلَى أَيْدِيْهِمْ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، وَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّهُ الْجِهَادُ الْحَقُّ في سَبِيلِ اللهِ، فَأَخْطَأُوا بِجَهْلِهِمْ بِالدِّينِ، وَعَدَمِ اعْتِصَامِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ سَيِّدُ الْمُرسَلِينَ صلى الله عليه وسلم فَأَحْدَثُوا فِتْنَةً عَظِيْمَةً، وَأَدْخَلُوا الْمُسْلِمِينَ في مَضَايقَ كَانُوا في غِنَىً عَنْهَا، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَظِيْمِ.

5- الخاتمة.

وَهَاتَانِ رِسَالَتَانِ مُوْجَزَتَانِ أَخْتِمُ بِهِمَا حَدِيْثِي.

أُوْلَهُمَا: أُوَجِّهُهَا لِهَؤُلاَءِ الشَّبَابِ، وَالأُخْرَى لِعُمُومِ الْمُسْلِمِيْنَ الَّذِينَ آلَمَهُمْ مَا وَقَعَ مِنْ فَجَائِعَ:

رِسَالَةٌ مُوْجَزَةٌ إِلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا العَمَلَ جَائِزٌ:

يَا عَبْدَ اللهِ ! أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى [ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيْهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيْماً ] ؟

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً)) ؟

أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟

هَلْ مِنَ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنْ تَأْخُذَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَتْرُكَ بَعضاً، أَلاَ تَخْشَى مِنْ قَولِ اللهِ تَعَالَى [ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعضٍ فَمَا جَزآءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ] [سورة البقرة، الآية 85]. ؟

وَلاَ تَقُلْ: كُنْتُ أُرِيدُ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّكَ لَوْ أَرَدْتَ هَذَا، لَمْ يَحِلَّ لَكَ.

فَقَدْ قَالَ رَسُولُكَ صلى الله عليه وسلم: ((أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة)).

[رواه أبو داود 3/170].

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((أَلاَ مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهِدةً لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللهِ، فَلاَ يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً)).

[رواه الترمذي 4/20، وقال: حديث حسن صحيح].

بل حتّى في الحربِ لا يجوز الغدرُ ونقض العهد: فَعَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلاَدِهِمْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ عَلَى فَرَسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لاَ غَدْر ! وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ رضي الله عنه فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَحُلَّنَّ عَهْداً، وَلاَ يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء)) قَالَ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه بِالنَّاس.

[رواه أبو داود (عون المعبود 7/312)، والترمذي 4/143، وقال: حديث حسن صحيح].

استمع يا عبد اللهِ إلى قوله تعالى [ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِيْنَ ] [سورة الأنفال، الآية 58].

أَيْ: إِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ وَمِيْثَاقٌ عَلَى تَركِ القِتَالِ، ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِمْ الْخِيَانَةَ، فَارْمِ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ لاَ عَهْدَ بَيْنَنَا حَتَّى يَسْتَوِي عِلْمُكَ وَعِلْمُهُمْ بِانْتِهَاءِ العَهْدِ وَالْمِيْثَاقِ، وَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُعَامِلْهُمْ بِالغَدرِ وَالْخِيَانَةِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُحِبُّ الْخِيَانَةَ وَلاَ أَهْلَهَا، فَلاَبُدَّ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَرمِي إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى أَمْرٍ سَوَاءٍ وَاضِحٍ بَيّنٍ حَتَّى لاَ تَبْدُر مِنْكَ خِيَانَةٌ، فَإِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْخَائِنِينَ.

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: ((اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً)).

[رواه مسلم 3/1357].

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْل)).

[متفق عليه: صحيح البخاري 2/661، ومسلم 2/999].

أخفر: أي نقض عهده، وغدر به.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْه)).

[رواه مسلم 3/1477].

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً: وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر)).

[رواه البخاري 1/21].

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟)) قَالُوا: يَوْمٌ حَرَام. قَالَ: ((فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟)) قَالُوا: بَلَدٌ حَرَام. قَالَ: ((فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)) قَالُوا: شَهْرٌ حَرَام. قَالَ: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا)) فَأَعَادَهَا مِرَاراً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ مِرَاراً، ثُمَّ قَالَ: ((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟)) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ: ((فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض)).

[رواه البخاري 2/619].

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا جَمَعَ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ)).

[متفق عليه: صحيح البخاري 5/2285، ومسلم 3/1359].

وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَة)) وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْراً أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَه.

[رواه البخاري 6/2603].

وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْماً إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَك ! وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْك.

[رواه ابن حبان 13/75، والترمذي 4/378، وقال: حديث حسن غريب].

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَوَاقِبَ الغَدْرِ سَيئَةٌ؛ فَمِنْهَا:

-أَنَّ الغَدْرَ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ.

-وَالغَادِرُ فَاقِدٌ لِلإِيْمَانِ.

-وَالغَدْرُ أَسْوَءُ خِصَالِ يَهُودَ، مَنْ تَحَلَّى بِهَا فَهُوَ مِنْهُمْ.

-وَقَدْ تَبَرَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الغَادِرِ.

-وَالغَادِرُ إِذَا لَقِيَ رَبَّهُ لَقِيَهُ لاَ عَهْدَ لَهُ عِنْدَهُ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ عَمَلاً صَالِحاً مَهْمَا كَانَ.

-وَالغَادِرُ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ، وَرَسُولُهُ حَجِيْجَهُ.

-وَالغَادِرُ يَعِيشُ في مَقْتِ اللهِ تَعَالَى وَبُغْضِهِ.

-وَهُوَ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ أَنْبِياءِ اللهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

-وَخَصْلَةُ الغَدْرِ دَلِيلُ خِسَّةِ النَّفْسِ وَحَقَارَتِهَا.

-وَالغَادِرُ لاَ يَتِمُّ لَهُ أَمْرٌ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُ بِخِلاَفِ مَقْصُودِهِ.

الرِّسَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ:

إِلَيْكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ، يَا مَنْ تُشَاهِدُ هَذِهِ الْمَآسِي، وَتَحْتَارُ بِشَأْنِ أَهْلِهَا، وَلاَ تَدْرِي مَا دَهَى القَوْمَ حَتَّى غَدَوا يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي غَيْرِهِمْ.

اعْلَمْ، أَنَّ الزَّمَنَ زَمَنُ فِتَنٍ، وَأَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْكَ في زَمَنِ الفِتَنْ:

*أَنْ تَحْذَرَ الْحُكْمَ عَلَى الْحَوَادِثِ قَبْلَ تَبَيّنُ الْحَقَائِقِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى [ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ اُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ] [سورة الإسراء، الآية 36].

وَالقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقُولُ: "الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوّرِهِ".

أَمَّا أَنْ نَجْهَلَ الْحَقِيقَةَ وَنَحْكُمَ، فَإِنَّا نَكُونُ حِيْنَئِذٍ فَاقِدِينَ البَصَرَ وَالبَصِيرَةَ، وَإِذَا عَرَفْنَا الْحَقِيقَةَ وَحَكَمْنَا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَإِنَّا نَكُونُ حِيْنَئِذٍ جَاهِلِينَ جَهْلاً مُرَكَّباً، وَ"كِلاَ طَرَفي قَصدِ الأُمُورِ ذَمِيمُ".

وَالْحَقُّ إِذَا أَرَدنَا أَنْ نَحْكُمَ عَلَى شَيْءٍ أَنْ نَعرِفَ حَقِيقَتَهُ، وَأَنْ نَعْرِفَ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى في الْحَادِثِ.

*أَنْ تَلْزَمَ الْحِلْمَ وَالتَّأَنِّي، وَتَحْذَرَ العَجَلَةَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَه)).

[رواه مسلم 4/2017].
وعَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَان)).

[رواه الترمذي 4/367، وفي سنده مقال].

***الزْمِ العَدْلَ: فَإِنَّ العَدْلَ قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، حَتَّى مَعَ مَنْ خَالَفَكَ، حَتَّى مَعَ مَنْ ظَلَمَكَ، حَتَّى مَعَ مَنْ تَبْغَضُهُ، يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَلْزَمَ العَدْلَ مَعَهُ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى:

[ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ] [سورة المائدة، الآية 8].

فَلاَ يَحْمِلْنَا حُبُّنَا لِقَومٍ، أَنْ نَنْسَى كُلَّ سَيّئَاتِهِمْ، وَلاَ نَذْكُرُ إِلاَّ حَسَنَاتِهِمْ، وَلاَ يَحْمِلْنَا بُغْضُنَا لِقَومٍ، أَنْ نَنْسَى كُلَّ حَسَنَاتِهِمْ، وَلاَ نَذْكُرَ إِلاَّ سَيّئَاتِهِمْ؛ لأَنَّ مَنْ لَمْ يُرَاعِ هَذِهِ القَاعِدَةَ فَسَيَدْخُلُ في مُتَابَعَةِ هَوَاهُ.

*احْرِصْ عَلَى مَا يَجْمَعُ الصَّفَّ، وَاحْذَرْ أَسْبَابَ الفُرْقَةِ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ خَيْرٌ، وَالفُرقَةَ شَرٌّ، قَالَ تَعَالَى [ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ] [سورة آل عمران، الآية 103].

وقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الاثْنَيْنِ أَبْعَد. مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَة)).

[رواه النسائي في الكبرى 5/388، والترمذي: كتاب النكاح/باب الشروط في النكاح، وقال: حديث حسن صحيح غريب].

*عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ في زَمَنِ الفِتَنِ تُرْفَعُ رَايَاتُ ضَلاَلٍ كَثِيرَةٌ؛ فَمِنْ مُتَطَلِّعٍ إِلَى مَنْصِبٍ وَجَاهٍ، وَمِنْ حَاقِدٍ يُرِيدُ الإِضْرَارَ بِغَيرِهِ، وَمِنْ مُرْتَزِقٍ يَبِيعُ دِيْنَهُ وَأُمَّتَهُ وَوَطَنَهُ مِنْ أَجْلِ دُرَيْهِمَاتٍ، أَوْ وُعُودٍ خَارِجِيَّةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُزَيِّنُ دَعْوَتَهُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ مُصْلِحٌ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى [ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِالدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيْهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ] [سورة البقرة، الآيتان 204و205].

*اعْرِفِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ لاَ بِالرِّجَالِ:

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ نَعْرِفُ الْحَقَّ الآنَ ؟

نَقُولُ: يُعْرَفُ الْحَقُّ بِمِيزَانَينِ: الْمِيزَانُ الأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ الإِسْلاَمِ مِنْ عَدَمِهِ في صَاحِبِ الدَّعْوَى، فَإِنْ كَانَ مُسْلِماً مُلْتَزِماً تَحْقِيقَ التَّوْحِيدِ وَنَبْذَ جَمِيعِ مَظَاهِرِ الشِّركِ، وَمِمَّنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ قَولُ اللهِ تَعَالَى [ الَّذِيْنَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَءَاتَواْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهُواْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ] [سورة الحج، الآية 41].

وَمِمَّنْ أَفْرَدُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُتَابَعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى [ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيْماً ] [سورة النساء، الآية 65].

وَمِمَّنْ يَفْعَلِ الوَاجِبَاتِ وَيَجْتَنِبِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيْمِهَا.

فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ يَبْقَى الْمِيْزَانُ الثَّانِي.

الْمِيْزَانُ الثَّانِي: تَحْقِيْقُ كَمَالِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَدَمِهِ، قَالَ تَعَالَى [ يَآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ ءَامَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ] [سورة البقرة، الآية 208].

فَإِذَا تَبَيَّنَ التِزَامُهُ شَرعَ اللهِ تَعَالَى فَمِثْلُ هَذَا حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ لَيْسَ بِصَاحِبِ رَايَةٍ عُمّيّةٍ.

ثُمَّ لِنَنْظُرْ إِلَى أَصْحَابِ هَذِهِ الرَّايَاتِ، هَلْ التَزَمُوا شَرعَ اللهِ تَعَالَى ؟

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالى [وَأَطِيْعُواْ اللهَ وَأَطِيْعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ] ؟

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً))

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ؛ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْس)) قِيْلَ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِك؟ قَالَ: ((تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيْرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِع)) متفق عليه؟.

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ؛ فَلاَ يُبْدِهِ عَلاَنِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، ثُمَّ لِيَخْلُ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ؛ فَذَاكَ، وَإِلاَّ، فَإِنَّهُ أَدَّى الَّذِي عَلَيْه))؟.

السُّلْطَانُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاصَحُ سِرّاً، أَمَّا أَنْ تَخْرُجَ في قَنَاةٍ فَضَائِيَّةٍ تُنَاصِحُ السُّلْطَانَ، وَتُشَمِّتَ بِدِينِكَ، وَبِلاَدِكَ، وَقَومِكَ الكَفَرَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْمُتَرَبِّصِينَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَنَا مِنَ الْمُصْلِحِينَ. هَذَا مِنَ الْجَهْلِ العَظِيمِ، وَالتَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ وَبِالْمُسْلِمِينَ.

إنتهى

لا تنسونا من صالح دعائكم

أسباب النجاة من الفتن 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
أما بعد : فهذه بعض أسباب النجاة من الفتن ذكَّرت بها نفس أوَّلاً وإخواني ثانياً في خطبة جمعة ثم رأيت كتابتها في رسالة وأضفت فيها ما عساه ينفع ليعم النفع ويعظم الأجر اللهم آمين
على أنَّ هذا الموضوع قد كتب فيه ووعظ من هم خيرٌ مني واجل من علماء ومشائخ وطلبة علم ، لكن كتبت هذا من باب المشاركة والتعاون على الخير اسأل من الله التوفيق والسداد والنجاة يوم المعاد

– مما اقتضته حكمة الله أن يبتلي عباده المؤمنين بأنواع من الابتلاءات والفتن ولكن مما يجب أن نعلمه أن هذه الابتلاءات والفتن لها حِكَم عظيمه اخبرنا الله بشيء منها في كتابه وكذلك رسوله صلى الله وعليه وسلم في سنته
فمن هذه الحِكم ما يلي :
الفتن جعلها الله بديلا لهذه الأمة من العذاب العام في الدنيا وهذا من رحمة الله
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية : ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ، أو من تحت أرجلكم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعوذ بوجه الله » فلما نزلت : ( أو يلبسكم شيعا ، ويذيق بعضكم بأس بعض ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هاتان أهون ، أو هاتان أيسر » أخرجه البخاري
الفتن جعلها الله بديلا لهذه الأمة من العذاب في الآخرة
فعن أبي موسى قال : قال رسول الله وعليه وسلم" أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن و الزلازل و القتل " صححه الألباني في السلسلة الصحيحة
الفتن جعلها الله تمحيص وتميز لهذه الأمة ليُعلم المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب والصابر من الساخط والخبيث من الطيب

قال تعالى: (الَـمَ @ أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوَاْ أَن يَقُولُوَاْ آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ @ وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنّ الْكَاذِبِينَ )
وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْءٍ مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ @الّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ) [سورة: البقرة – الأية: 156]
وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّىَ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [سورة: محمد – الأية: 31]
وقال تعالى: (مّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىَ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [سورة: آل عمران – الأية: 179]
قال تعالى: (كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [سورة: الأنبياء – الأية: 35]
قال تعالى: (لَتُبْلَوُنّ فِيَ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوَاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ) [سورة: آل عمران – الأية: 186]

– لقد اخبرنا رسول الله صلى الله وعليه وسلم بكثرة الفتن التي ستحصل وبالذات في آخر الزمان فقال : ( إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ )أخرجه مسلم في صحيحه عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ ) أخرجه مسلم
فمن هذه الفتن فتنة التصوف والرفض والتح** والنساء و المال و القنوات الإباحية وغيرها وكرة القدم والاختلاف بين أهل الحق والغلاء والأمراض وغيرها من الفتن التي سقط بسببها كثير من المسلمين وزلت أقدام الكثيرين إلا من رحم الله وقليل ما هم

– فإذا علمنا بكثرة الفتن فواجب علينا أن نعمل بالأسباب المنجية من هذه الفتن خشيت أن نقع فيها فنزيغ بسببها والعياذ بالله ولهذا أخبر الله في كتابه عن أقوام حلَّت بهم الفتن فسقطوا فيها بسبب ضعف إيمانهم وقلة تمسكهم بالدين وإفلاسهم من العلم المتين فخسروا الدنيا والآخرة نعوذ بالله من الخسران المبين
قال تعالى: (وَمِنَ النّاسِ مَن يَعْبُدُ اللّهَ عَلَىَ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىَ وَجْهِهِ خَسِرَ الدّنْيَا وَالاَُخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [سورة: الحج – الأية: 11]
وقال تعالى: (وَمِنَ النّاسِ مَن يِقُولُ آمَنّا بِاللّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مّن رّبّكَ لَيَقُولُنّ إِنّا كُنّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ)[العنكبوت – 10]
فمن هذه الأسباب التي اخبرنا الله بها ورسوله صلى الله وعليه وسلم والتي نسأل من الله أن يوفقنا جميعاً للعمل بها حتى ننجوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
تقوى الله
قال تعالى: (يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إَن تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [سورة: الأنفال – الأية: 29]أي فرقانا تفرقون به بين الحق من الباطل فتنجون بذلك من الوقوع في الفتنة
وقال تعالى: ( وَمَن يَتّقِ اللّهَ يَجْعَل لّهُ مَخْرَجاً) [سورة: الطلاق – الأية: 2]أي مخرجا من الفتن وغيرها
وقال تعالى: (وَمَن يَتّقِ اللّهَ يَجْعَل لّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً@ ذَلِكَ أَمْرُ اللّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتّقِ اللّهَ يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [سورة: الطلاق – الأية: 5]

الصــــــــــــــبر

قال تعالى: (يَآأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصّبْرِ وَالصّلاَةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ) [سورة: البقرة – الأية: 153]
وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْءٍ مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ) [سورة: البقرة – الأية: 155]
وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّىَ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [سورة: محمد – الأية: 31]
وقال تعالى: (وَقَالَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللّهِ خَيْرٌ لّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقّاهَآ إِلاّ الصّابِرُونَ) [سورة: القصص – الأية: 80]
وقال تعالى: (ثُمّ إِنّ رَبّكَ لِلّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنّ رَبّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رّحِيمٌ) [سورة: النحل – الأية: 110]
وقال تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ) [سورة: الأنفال – الأية: 46]
وقال تعالى: (وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىَ مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتّىَ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [سورة: الأنعام – الأية: 34]
قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: آل عمران – الأية: 200]
وقال تعالى: (لَتُبْلَوُنّ فِيَ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوَاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ) [سورة: آل عمران – الأية: 186]
وقال تعالى: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ لاَ يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [سورة: آل عمران – الأية: 120]

وعن المقداد بن الأسود قال : قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم " إن السعيد لمن جنب الفتن و لمن ابتلي فصبر فواها " رواه أبو داود وصححه الألباني.
وعن حذيفة ، قال : « تعودوا الصبر ، فيوشك أن ينزل بكم البلاء مع أنه لا يصيبنكم أشد مما أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ».السنن الواردة في الفتن للداني – (ج 1 / ص 22)

العلم والعمل به
قال تعالى: (أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُو الألْبَابِ) [سورة: الزمر – الأية: 9]
وقال تعالى: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ) [سورة: العنكبوت – الأية: 43]
وقال تعالى: (وَقَالَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللّهِ خَيْرٌ لّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقّاهَآ إِلاّ الصّابِرُونَ) [سورة: القصص – الأية: 80]
وعن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) رواه البخاري ومسلم

الرجوع إلى العلماء الراسخين ولزوم الجماعة

قال تعالى: (وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مّنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدّوهُ إِلَى الرّسُولِ وَإِلَىَ أُوْلِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتّبَعْتُمُ الشّيْطَانَ إِلاّ قَلِيلاً) [سورة: النساء – الأية: 83]
وقال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَىَ وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلّىَ وَنُصْلِهِ جَهَنّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً) [سورة: النساء – الأية: 115]
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( البركة مع أكابركم ) صححه الألباني في صحيح الترغيب
وعن ابن عمر إن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قال : ( إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة و يد الله على الجماعة ) صححه الألباني
وعن ثابت بن قطبة أن عبد الله بن مسعود قال في خطبته : « يا أيها الناس ، عليكم بالطاعة والجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة »
الشريعة للآجري – (ج 1 / ص 20)
قال الأمام السعدي في تفسيره للآية الأولى
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه؟ 0اهـ
وقال الشيخ ربيع إمام الجرح والتعديل في رسالته ( أئمة الجرح والتعديل هم أئمة الدين)
إذا اختلف عالمان من علماء الجرح والتعديل أو غيرهم في أمر ديني فالحكم في القضية لله لا للهوى ، وأهله الذين يأخذون بقول المصيب ويردون قول المخطئ
الانشغال بالأعمال الصالحة

فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا » وفي رواية بعرض من الدنيا قليل ) صحيح الجامع
قال المناوي في فيض القدير – (ج 3 / ص 252)
والمراد الحث على المسارعة بالعمل الصالح قبل تعذره أو تعسره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرة والمتراكمة كتراكم ظلام الليل

وعن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْفِتَنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ ) أخرجه البخاري
البعد عن الفتن وعدم الاستشراف لها
فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ) أخرجه البخاري

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي قالوا فما تأمرنا قال كونوا أحلاس بيوتكم ) رواه أبو داود وصححه الألباني
و أحلاس: جَمْع حِلْس وَهُوَ الْكِسَاء الَّذِي يَلِي ظَهْر الْبَعِير تَحْت الْقَتَب أَيْ اِلْزَمُوا بُيُوتكُمْ

وعن أَبُي الدَّرْدَاءِ قال ( نَعَمْ صَوْمَعَةُ الرَّجُلِ بَيْتُهُ يَكُفُّ بَصَرَهُ وَنَفْسَهُ وَإِيَّاكُمْ وَمَجَالِسَ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا تُلْهِي وَتُلْغِي ) المنتقى – شرح الموطأ – (ج 4 / ص 414)
دعاء الله برفع الفتنة والسلامة منها

فعن زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ : قال رسول الله صلى وعليه وسلم :
( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّار فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ) أخرجه مسلم
قال الحافظ في الفتح ( 20 / 72) عند شرحه لحديث أمَّ سلمة المتقدم
فِي الْحَدِيث النَّدْب إِلَى الدُّعَاء ، وَالتَّضَرُّع عِنْدَ نُزُول الْفِتْنَة وَلَا سِيَّمَا فِي اللَّيْل لِرَجَاءِ وَقْت الْإِجَابَة لِتُكْشَف أَوْ يَسْلَم الدَّاعِي وَمَنْ دَعَا لَهُ

اللهم نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن

الجمعة 30 / شوال /1428هـ

أسباب الفتن و صفات أهلها 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } ، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما }

و بعد :

فإنه عندما كثرت الفتن في هذه الأزمان المتأخرة و أسبابها أحببت أن أبين بعض أسباب هذه الفتن حتى يتجنب الإنسان هذه الأسباب نقلت من ذلك كلاماً لشيخي الإسلام ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله رحمة واسعة ، أسأل الله أن يجنبنا الفتن و أسبابها .
قال شيخ الإسلام : ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به ، فإنه سبحانه أمر بالحق و أمر بالصبر ، فالفتنة إما من ترك الحق و إما من ترك الصبر . كما في الاستقامة (1/39)

قال ابن القيم كما في إغاثة اللهفان ( 2/165) فالفتنة نوعان : فتنة الشبهات و هي أعظم الفتنتين و فتنة الشهوات و قد يجتمعان للعبد و قد ينفرد بإحداهما .
فتنة الشبهات من ضعف البصيرة و قلة العلم و لاسيما إذا اقترن بذلك فساد القصد و حصول الهوى فهنالك الفتنة العظمى و المصيبة الكبرى فقل ما شئت في ضلال سيئ القصد الحاكم عليه الهوى لا الهدى مع ضعف بصيرته و قلة علمه بما بعث الله به رسوله فهو من اللذين قال الله تعالى فيهم ( إن يتبعون إلا الظن و ما تهوى الأنفس ) .
و قد أخبر سبحانه أن إتباع الهوى يضل عن سبيل الله فقال تعالى ( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) و هذه الفتنة مآلها إلى الكفر و إلى النفاق و هي فتنة المنافقين و فتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم ، فجميعهم إما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل و الهدى بالضلال و لا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد إتباع الرسول و تحكيمه في دق الدين و جله ………….
و هذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد

و تارة من نقل كاذب

و تارة من حق ثابت خفي عن الرجل فلم يظفر به

و تارة من غرض فاسد و هو متبع فهي من عمى في البصيرة و فساد في الإرادة .

و أما النوع الثاني من الفتنة : فتنة الشهوات
فتنة الشهوات : قد جمع الله سبحانه و تعالى بين ذكر الفتنتين في قوله عز و جل ( كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة و أموالا و أولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم ) أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا و شهواتها و الخلاق هو النصيب المقدر ، ثم قال ( و خضتم كالذي خاضوا ) فهذا الخوض بالباطل و هو الشبهات ، فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب و الأديان من الاستمتاع بالخلاق و الخوض بالباطل ، لأن فساد الداعين إما أن يكون :
– باعتقاد الباطل و التكلم به

– أو بالعمل بخلاف العمل الصحيح
فالأولى هي البدع و ما والاها
و الثانية هي فسق الأعمال
فالأول : فساد من جهة الشبهات
و الثاني : من جهة الشهوات .
و لهذا كان السلف يقولون : احذروا من الناس صنفين صاحب هوى قد فتنه هواه و صاحب دنيا أعمته دنياه .

و كانوا يقولون : احذروا فتنة العالم الفاجر و فتنة العابد الجاهل فان فتنتهما فتنة لكل مفتون .
و أصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، و الهوى على العقل .

فالأول : أهل فتنة الشبهة .
و الثاني أهل فتنة الشهوة .

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية ( 5/174-175) : و قد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موقع – و هو إمام الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر ، فإن الإنسان عليه – أولا – أن يكون أمره لله و قصده طاعة الله فيما أمر به و هو يحب صلاح المأمور أو إقامة الحجة عليه ، فإن فعل ذلك لطلب الرئاسة لنفسه و لطائفته و تنقيص غيره : كان ذلك حمية لا يقبله الله ، و كذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة و الرياء كان عمله حابطاً ، ثم إذا رد عليه ذلك و أوذي أو نسب إليه أنه مخطئ و غرضه فاسد ، طلبت نفسه الانتصار لنفسه و أتاه الشيطان ، فكان مبدأ عمله لله ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه ، و ربما اعتدى على ذلك المؤذي و هكذا ،،، يصيب أصحاب المقالات المختلفة ، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه و أنه على السنة – فإن أكثرهم صار له في ذلك هوى ، أن ينتصر جاههم أو رياستهم و ما نسب إليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا ، و أن يكون الدين كله لله بل يغضبون على من خالفهم – و إن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه – و يرضون عمن يوافقهم – و إن كان جاهلا سيئ القصد ليس له علم و لا حسن قصد ، فيفضي هذا إلى أن يَحمدوا من لم يحمده الله و رسوله و يذموا من لم يذمه الله و رسوله و تصير موالاتهم و معاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله و رسوله و هذا حال الكفار اللذين لا يطلبون إلا أهوائهم ، و يقولون : هذا صديقنا و هذا عدونا ، و بلغة المغل : هذا بال ، هذا باغي ، لا ينظرون إلى موالاة الله و رسوله و معاداة الله و رسوله ، ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس قال تعالى ( و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله ) فإذا لم يكن الدين كله لله ( كانت فتنة ) .
فبين شيخ الإسلام رحمه الله : أن أسباب الفتن إما من ترك الحق و الصدع به و إما من ترك الصبر على تبليغ ذلك الحق .

و بين ابن القيم : أن أسباب الفتنة إما من ضعف البصيرة و إما من قلة العلم وإما من إتباع الهوى و إما من فهم فاسد و إما من نقل كاذب و قد تجتمع كل هذه الصفات التي نص عليها ابن تيمية و ابن القيم رحمه الله في الشخص خاصة في هذه الأزمان المتأخرة الذين كثرت فيه الفتن و كثر فيه أصحابها من الحدادية و أذنابهم من الذين هم متلبسون بالسلفية .
صفات أصحاب الفتن :
1 – إتباعهم الهوى :
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين : فجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله و رسوله و قد وصف الله المشركين بإتباع الهوى في مواضع من كتابه ، فقال ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) ، و كذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ، و لهذا يسمى أهلها أهل الأهواء ، و كذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله و رسوله و محبة ما يحبه و كذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعاً لما جاء به الرسول صلي الله عليه و سلم…………و المعروف استعمال الهوى عند الإطلاق أنه الميل إلى خلاف الحق .
2- الكذب و الإعلام :

و هذه الصفة الذميمة القبيحة من أعظم صفاتهم فهم قوم بهت و به تنفق بضاعتهم على الناس و يحلفون من أجل أن يصدقهم الناس ، و يلبسون عليهم ببتر الكلام و إتباع المتشابه و إساءة الظن بأهل الخير ، و لو أحسنت الدهر إلى أحدهم لقال ما رأيت منه خيراً قط ، و رميهم للصادقين بالكذب و هم أهله .

قال ابن قدامه : في رده على ابن عقيل الحنبلي ( و كفانا مدحاً و براءة أن خصومنا لا يجدون لنا عيباً يعيبوننا به وهم فيه صادقون نحن به مقرون و إنما يعيبوننا بكذبهم ولو قدروا على عيب لما احتاجوا إلى الكذب ، و كفى بهذه الصفة قبحا أن تنصل منها أبو سفيان في حال كفره .
3- الفجور في الخصومة :
و قد شابهوا فيه المنافقين ، يقول النبي صلى الله عليه و سلم في صفات المنافقين ( و إذا خاصم فجر) فأصحاب الفتن إذا تخاصم معهم أحد تعدوا الحد و تجاوزوا المعقول و المنقول ، و نقلوا عليه و ألزموا ما لم يقل و أظهروا من لازم قوله ما لم يلتزمه ، و أشاعوا عنه كل قبيح مجتهدين في ذلك بكل ما أوتوا من وسائل ، المهم عندهم ( أن تشيع الفاحشة في اللذين آمنوا ) و يتظاهرون بالانتصار للسنة من أجل أن تنفق بضاعتهم عند أشباههم .
4- التعالم :

و بهذه الصفة التي بكى منها العلماء قديما تروج بضاعة هؤلاء عند من لا بصيرة له أو عند حاسد قد طفح الحسد في قلبه فنطق به فمه ، و تصدر الجُهّال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( اتخذ الناس رؤوسا جُهّالا فضلوا و أضلوا ) .

يقول الإمام الشاطبي في الاعتصام : والعالم إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره ، و يعلم من نفسه ما شهد له به و إلا فهو على يقين من عدم العلم )
قال الألباني رحمه الله رحمة واسعة : هذه نصيحة الإمام الشاطبي العالم الذي بإمكانه أن يتقدم إلى الناس بشيء من العلم ينصحه بأن لا يتقدم حتى يشهد له العلماء خشية أن يكون من أهل الأهواء .
5 – الجهل :
فأصحاب الفتن من أبعد الناس عن العلم و حبه فأوقاتهم ضائعة ، و جلساتهم عن العلم عارية ، و إذا ذكروا مسألة اختلفوا فيها ، ربما تهاجروا و أصبح الهجر و التحذير على مصراعيه بدون ضوابط ، و ربما الاختلاف في شيء يسوغ فيه الخلاف ، و إذا فتح الكتاب تراهم يتثاءبون و إلى مضاجعهم ينظرون ، و إذا أراد الله بقوم سوء ألزمهم الجدل ومنعهم العمل .
6- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :

و من صفاتهم أنهم يختلقون المشاكل و يصورون لأنفسهم أن هذا من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصدع بالحق ، و هم لا معروف أقاموا و لا منكر أزالوا ، و ينظرون إلى المصلحة و المفسدة على أنها تمييع و لا يعرفون بأن للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر صفات ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فينبغي أن يكون عليماً بما يأمر به ، عليماً بما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه ، فالعلم قبل الأمر و الرفق مع الأمر و الحلم بعد الأمر .
و قال ابن مفلح في الآداب الشرعية :- (1/191) و ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر متواضعاً ،، رفيقاً فيما يدعوا إليه شفيقاً رحيماً ، غير فظ و لا غليظ القلب و لا متعنتاً ….. عدلاً ……. فقيهاً عالما بالمأمورات و المنهيات شرعاً ، دينا نزيها عفيفا ذا رأي و صرامة و شدة في الدين قاصدا بذلك وجه الله عز وجل و إقامة دينه و نصرة شرعه .
هذه بعض أسباب الفتن و صفات أهلها نسأل الله العظيم أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن .
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً .

م / ن

خمس مثبتات في زمن الفتن 2024.

خمس مثبتات في زمن الفتن:
1-القرآن الكريم تلاوة وتدبرًا وعملاً ( كذلك لنثبت به فؤادك)
2-قراءة السيرة وقصص اﻷنبياء ( كذلك نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك)
3-العمل بالعلم ( ولوأنهم فعلوا مايوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا)
4-الدعاء(إهدنا الصراط المستقيم ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ( يامقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك )
5 – الرفقة الصالحة قوله تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا …)
ما دُمت حياً فلا تأمن على نفسك الفتنه، ولا تعيّب أحداً بمعصيه، ولا تتعجب من ذنب فعله غيرك، ولا تستكثر طاعتك فما تدري بـ ماذا يُختم لك .

اللهم انا نسالك الثبات و حسن الخاتمة
بارك الله فيك عزيزتي

القعدة

و لكي يتحقق كل الدي سبق
علينا بالصبر و المصاااابرة
شكرا على التنبيه المهم

راجيا تغيير لون الموضوع
رجاءا لا أمرا

والله موضوع جا في مكانو هذا وش راني نحوس
ربي يخليكـ حبوبتي
جزاك الله خيرا

ضوابط لتجنب الفتن للشيخ الجليل عبد الرزاق البدر. 2024.

ضوابط لتجنب الفتن للشيخ الجليل عبد الرزاق البدر.

لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن " رواه أبو داوود وغيره عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه.

وهاهنا يتساءل كثير من الغيورين والناصحين ، ممن يريدون لأنفسهم السلامة ويريدون لأمتهم أمة الإسلام الرفعة والعلو، عن هذه السعادة بما تُنال ، وكيف يُظفَرُ بها وكيف تُتَقَى الفتُن وكيف يجنَّبُها المرء المسلم، ويسلم من أوضارها وشرورها وأخطارها، لأنَّ كلَّ مسلم ناصح غيور لا يريد لنفسه ولا لأمته الفتنة ، لِمَا قام في قلبه من النصيحة لنفسه ولعباد الله متمثلاً في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم ، إذ مقتضَى النصيحة للنفس وللغير أن يحذر العبد من الفتن وأن يسعَى جاهدا في البعد عنها والتخلص منها وعدم الوقوع فيها أو إيقاع الغير فيها والتعوذ بالله تبارك وتعالى من شرّها ما ظهر منها وما بطن.

وفي هذا المقام أُنَّبهُ على نقاط مهمة وأسس عظيمة وضوابطَ قويمة، يكون للمسلم بمراعاتها والتزامها التخلُّصُ من الفتن بإذن الله تبارك وتعالى، وهي ضوابطُ قويمةٌ مستقاة من كتاب الله العزيز وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

إنَّ أهم ما تُتَقَى به الفتن ويتجنب به شرها وضررها، تقوى الله جلّ وعلا وملازمة ذلك في السر والعلانية والغيب والشهادة، والله تعالى يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يَحتسب) الطلاق: 2 – 3 ، أي: يجعل له مخرجاً من كلِّ فتنة وبلية وشر في الدنيا والآخرة، ويقول الله تعالى: (ومَن يتق الله يجعل له من أمره يُسرًا)الطلاق: 4 ، والعاقبة دائمًا وأبدًا لأهل التقوى.

ولما وقعت الفتنة في زمن التابعين، أتَى نفر من النصحاء إلى طلق بن حبيب رحمه الله وقالوا: قد وقعت الفتنة فكيف نتقيها قال: اتقوها بتقوى الله جلّ وعلا، قالوا له: أجمل لنا التقوى ، فقال: "تقوى الله جلّ وعلا العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله". وبهذا نعلم أن تقوى الله جلّ وعلا ليست كلمة يقولها المرء بلسانه أو دعوى يدعيها، وإنما هي جدٌّ واجتهاد ونصح للنفس بطاعة الله والتقرب إليه جلّ وعلا بما يرضيه، مع لزوم فعل الفرائض والواجبات والبعد عن المعاصي والمحرمات ، فمن كان هذا شأنه وصفه فإنَّ العاقبةَ الحميدةَ والمآل الرشيد يكون له في الدنيا والآخرة.

ومن الضوابط المهمة لاجتناب الفتن لزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما ، فإنَّ الاعتصام بالكتاب والسنة سبيل العزّ والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد قال الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله: "السنة سفينة نوح فمن ركبها نجا ومن تركها هلك وغرق". ومن أَمَّرَ السنة على نفسه نطق بالحكمة وسلِمَ من الفتنة وحصّل خير الدنيا والآخرة، وقد ثبت في حديث العرباض بن سارية المُخَرَّجِ في السنن أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنَّ كلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة "، فالنجاة إنما تكون بالتمسك بالسنة والبعدِ عن البدع والأهواء، وأن يحكم المرء السنة على نفسه، فيما يأتي ويذر في حركاته وسكناته وقيامه وقعوده وجميع شؤونه، ومن كان هذا شأنه فإنه يُعصم ويُوقَى بإذن الله من كلِّ شر وبلاء وفتنة، وأما من يطلق لنفسه العِنان و يرخي لهواه الزِّمام فإنَّه يجر على نفسه و على غيره من عباد الله البلاء والشر.

ومن الضوابط العظيمة لاتقاء الفتن وتجنبها الرفقُ والأناة والبعد عن التسرع وعدم استعجال العواقب والنظر في عواقب الأمور، فإنَّ العجلة لا تأتي بخير والأناة فيها الخير والبركة ، ومن كان عجولاً في أموره فإنَّه لا يأمن على نفسه من الزلل والوقوع في الانحراف ، ومن كان رفيقًا في أموره متأنيًا في سيره بعيدًا عن العجلة والتهور والاندفاع ناظرًا في عواقب الأمور فإنَّه بإذن الله عز وجلّ يصل إلى العاقبة الحميدة التي يسعد بها في الدنيا والآخرة، وقد ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: "إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتُؤَدَة"ـ أي:عليكم بالأناة والبعد عن العجلة ـ "فإنَّك أَن تكون تابعًا في الخير، خيرٌ من أن تكون رأسًا في الشر". فمن يندفع ويتهور في معالجة الأمور ويبتعد عن سبيل الأناة يفتح على نفسه وعلى غيره من عباد الله باباً من الشر والبلاء يتحمل وزره ويبوء بإثمه ويُحَصِّلُ عاقبته الوخيمة ،وفي سنن ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر . وإنَّ من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير ، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه . وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه".

فليتأمل عبدُ الله المؤمن في الأمور ولينظر في العواقب وليكن حليمًا رفيقًا متأنيًا، بعيدًا عن الاندفاع والعجلة والتسرع، فإنَّ العجلة والتسرع والاندفاع لا يجر لصاحبه إلا العواقب الوخيمة والأضرار الأليمة والنتائج السيئة التي تجر عليه وعلى غيره الوبال .

ومن الضوابط المهمة التي يحصل بها اتقاءُ الفتن واجتناب شرها لزومُ جماعة المسلمين، والبعدُ عن التفرق والاختلاف، فإنَّ الجماعة رحمة و الفرقة عذاب ، الجماعة يحصل بها لحمة المسلمين وشدة ارتباطهم وقوة هيبتهم ، ويتحقق بها التعاون بينهم على البر والتقوى وعلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وأما الخلاف فإنَّه يجر عليهم شرورًا كثيرة وأضرارًا عديدة وبلاء لا يحمدون عاقبته في الدنيا والآخرة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، في غير ما حديث الوصيةُ بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة.

ومن الضوابط العظيمة التي يلزمُ مراعاتها لاتقاء الفتنة واجتناب شرها الأخذُ عن العلماء الراسخين والأئمة المحققين وترك الأخذ عن الأصاغر من الناشئين في طلب العلم والمقلّين في التحصيل منه، يقول صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داوود وغيره: " البركة مع أكابركم " والأكابر هم الذين رسخت أقدامهم في العلم وطالت مدتهم في تحصيله وأصبح لهم مكانة في الأمة بما آتاهم الله عز وجلّ من العلم والحكمة والرزانة والأناة والنظر في عواقب الأمور ، فمن كان مُعَوِّلاً على كلمة هؤلاء العلماء المحققين والأئمة الراسخين فإنَّه بإذن الله يحمد العاقبة ، وإلى هذا وجه الله عز وجلّ في محكم تنزيله، قال الله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) النساء: 83.

و من الضوابط المهمة لتجنب الفتن حسنُ الصلة بالله ودعاؤه جلّ وعلا فإنَّ الدعاء مفتاح كلِّ خير في الدنيا والآخرة، ولاسيما سؤال الله تبارك وتعالى أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن والتعوذ به تبارك وتعالى من الفتن كلِّها فإن من استعاذ بالله أعاذه ومن سأل الله أعطاه فإنَّه تبارك وتعالى لا يخيب عبدا دعاه ولا يرد مؤمنًا ناداه وهو القائل عز وجلّ: (وإذا سألك عبادي عني فإنِّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة: 186، وإنا لنسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنب المسلمين الفتنَ ما ظهر منها وما بطنَ وأن يحفظ على المسلمين أمنهم وإيمانهم وأن يقيَهُم الشرور كلّها وأن يُحمِدَهم العواقب وأن يرزقهم المآلات الحميدة والنهايات الرشيدة وأن يهدي ضال المسلمين بمنه وكرمه ولا حول ولا قوة إلا بالله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. أهـ

مقال مقتطع من موقع الشيخ عبد الرزاق البدر تجدر العناية به ونشره لتعم به الفائدة.
و في الأخير، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

شكرا أخي الحببيب على ما قدمت

بارك الله فيك

سلامي

السلام عليكم
نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن
بارك الله فيك على الافادة وجعله في ميزان حسناتك

انواع الفتن وعلاجها 2024.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

الفتنة نوعان: فتنة الشبهات ، وهي أعظم الفتنتين ، وفتنة الشهوات.وقد يجتمعان للعبد ، وقد ينفرد بإحداهما.

ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة ، وقلة العلم ، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد ، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى،والمصيبة الكبرى،فقل ما شئت في ضلال سيء القصد ، الحاكم عليه الهوى لا الهدى ، مع ضعف بصيرته ، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله ، فهو من الذين قال الله فيهمالقعدةإِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ)(النجم: من الآية23).

هذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق ، وهي فتنة المنافقين ، وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل ، والهدى بالضلال…ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول وتحكيمه في دق الدين وجله ، ظاهره وباطنه ، عقائده وأعماله ، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام.

أما النوع الثاني من الفتنة ففتنة الشهوات.وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ)(التوبة: من الآية69) أي استمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها ، والخلاق هو النصيب المقدر ، ثم قال : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)(التوبة: من الآية69).فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات. فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق والخوض بالباطل؛لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح. فالأول هو البدع وما والاها، والثاني : فسق العمل.

ثم قال : ففتنة الشبهات تدفع باليقين ، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين ، فقال : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24).فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة ، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان — avec

جزاكم الله خير الجزاء

سبيل النجاة الذي يسلكه المسلم حتى يسلم من الفتن 2024.

للشيخ الوالد العلامة
عبيد بن عبد الله الجابري – حفظه الله –

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ،، ظهر لي بما أدركته من نصوص الشارع أمور أضعها أمامكم يا بَنِيَّ وأنتم ولله الحمد طلاب علمٍ تدركون ما ندرك وتعرفون تماماً ما نرمي إليه ..

الأمر الأول: التزود من العلم، علم الشريعة، وأساس ذلك فقه العقيدة فقه التوحيد، ثم بعد ذلك فقه سائر الفرائض العملية، فإنه لا يخفى عليكم ما دَوَّنَه أئمة الإسلام في هذا الباب وجمعوا فيه النصوص ومن ذلكم: “السنة” لابن أبي عاصم، “والسنة” لعبد الله بن أحمد، “والتوحيد” لابن خزيمة، “والتوحيد” لابن مندة ، “والإبانة” لابن بطة العكبري ، “والإبانة” لأبي الحسن الأشعري ، “والأيمان” لابن مندة “والتوحيد” له، ثم بعد ذلك كُتب الأحكام فمن الحديث: الأمهات الست، وسنن الإمام أحمد، وسنن الدارقطني، ومستدرك الحاكم وغيرها من دواوين الإسلام .

والخلاصة: إن طالب العلم في حاجة إلى أن يتتلمذ على كتب السلف التي عُنِيَ مُؤَلِفُوها بنقل أصول الدين وفروعه .

الأمر الثاني:ملازمة أهل العلم، المشهود لهم بالورع والتقوى ورسوخِ القدم في العلم، والصدعِ بالحق، والدعوةِ إلى السنة فإنّ علماء الشرع هم أسعد الناس وأولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلكم لأنهم أهل ميراثه كما في الحديث الصحيح: «وإن العلماءَ ورثةُ الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورَّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر».

الأمر الثالث:البعد عن الكتب الفكرية، وعلى رأسها كتب سيد قطب، وكتب محمد قطب، وكتب القرضاوي، وكتب الغزالي السقَّا وما شابهها، فهذه الكتب وما شابهها مما تسمى: كتب الفكر أو كتب المفكرين:

أولاً: غالبها مبني على الجهل بحقائق الشرع.
وثانياً: ما فيها من حق فهو نزر يسير مغمور بأضعافه من الباطل، وهذا الحق المغمور بأضعاف مضاعفة من الباطل، في كتب السلف ما يغني عنه ولله الحمد، فإنه لا يَنْصَحُ أحدٌ بقراءة كتب هؤلاء إلا جاهل لا يعرف حال القوم، أو هو صاحب هوى يريد أن يجر المسلمين عامة والشباب خاصة إلى الهاوية والبدع والضلالات.

الأمر الرابع: لزوم الصمت والسكوت، وترك الأمر إلى من يحسنون القول ممن هم مُجَرَّبُون في التصدي للمعضلات وحل المشكلات بما آتاهم الله من الفقه والخبرة وحسن السياسة .
وهذا يرشد إليه :

أولاً: آية النساء”وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً” [النساء: 83]،

والأمر الثاني: إشارة في حديث صحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، ولا نبي بعدي»، وقد جعل الله سياسة هذه الأمة في العلماء، وقد مرت أحداثٌ قديماً وحديثاً: ثبت بالتجربة أن أهل العلم الراسخين الأقوياء هم ساسة الأمة، وهم أجدر بالقول في النوازل والحُكْمِ فيها، ومن تلكم الحوادث حادثة قريبة وهي حادثة الخليج فعلماؤنا وعلى رأسهم الإمام الفقيه المجتهد الأثري الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ومعه إخوانه من أهل العلم قالوا كلمتهم مبنيةً على الأدلة من نصوص الشارع، وصاح من صاح، وصرخ من صرخ، وهيّج من هيّج، فبان ولله الحمد أن الحق مع جماعة المسلمين لا مع هؤلاء المستفزين الشاذين، وهذا الموقف يشير إليه حديث حذيفة الطويل والذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «تلزم جماعةَ المسلمين وإمامهم».

انتهى جوابه عن هذا التساؤل حفظه الله تعالى .

وهذا ماتبقى من كلام الشيخ عبيد حفظه الله من تساؤله السابق حيث قال :

الأمر الخامس: حينما تحدث حادثه، وتنزِل نازلة، ويقول فيها بعض أهل العلم قولا، ويسكت آخرون لا يُدْرَى ما عندهم، فالواجب على شباب الإسلام ألا يتسرعوا في الأمر فَيَسُلُّوا سِكِّيْنَ الغضب على إخوانهم، بل عليهم أن ينظروا ماذا يقول أقرانُ هؤلاء المتكلمين وإخوانُهم، فإن أقران المتكلم أو إخوانه لا بد أن يكون لهم كلام ولا بد أن يكون لهم قول ولكن ليس من المصلحة أن يعلنوه فوراً، فإذا أعلنوا ( نحن ننتظر ) قد يعلنون الموافقة قد يعلنون المخالفة ننظر، إِذنْ لماذا التسرع ؟ إلزموا الصمت، فإن كثيراً من الحوادث حينما يتكلم فيها بعض الناس تحمساً للحق ومجالدةً في سبيل الصدع به ، سلوكهم هذا يفرّق الصف السلفي ويجعله متناحراً متنافراً فإذا كنت أنت مع ذلك العالم أو الطائفة من أهل العلم الذين تكلموا في حادثة معينة فإنه من المصلحة ألا تشيع بين إخوانك الفرقة ، فإن الساحة الآن حارّة والساحة أمواج تتلاطم ومن دعاة الباطل من يصطادون في الماء العكر وينتهزون أية فرصة حتى لو تشبثوا بخيط العنكبوت في تفريق الصف السلفي ، حتى نقطع الطريق عليهم ، نلزم الصمت ، وننظر: ماذا تكون النتيجة بين أهل العلم الذين هم أقران للطائفة أو لذلك الشخص الذين تكلموا أو الذي تكلم في حادثة معينة لاسيما إذا كان المتكلم مُجَرَّبٌ عليه الجهاد بالقلم وبالكلمة النافذة في نصرة السنة والذب عنها ودحض البدع ودحر أهلها فإن في سكوتك سلامة ، فإذا تكلم بعد ذلك إخوانه وأقرانه كان في ذلك الوقت الأمر واضحاً لدى الجميع.وإخوانه وأقرانه لن يتكلموا إلا بعد سلوك سبل متعددة:

أولاً: أن إخوانه وأقرانه ليسوا آلة في يده يلف بها يميناً وشمالاً، كيف كانوا أقراناً وإخواناً له إلا وعندهم آلة وأهلية للبت في المسألة.

وثانياً: أنهم إذا وقفوا من هذا المتكلم الذي عرفناه بصدق الجهاد والخبرة والقوة والمجالدة في سبيل السنة سوف يكون لهم به اتصالات ومدارسة معه فقد يرجع هو عن خطأ ظنه صواباً ، أو خطئوه بدليل أو وافقوه بدليل، فنكون بهذه الطريق حافظنا على تماسك الصف السلفي، وقطعنا الطريق على من يصطاد في الماء العكر ويتلمس كل وسيلة يفرق بها الكلمة وينشر بها الفرقة هناك أمور تحدث بين الشباب في أنفسهم فالواجب على الشباب أن يحيلوا ما أشكل عليهم إلى مشايخهم الذين وثقوا من دينهم وأمانتهم وعرفوا رسوخهم في العلم وشهدوا لهم بالنصح أن يرفعوا قضاياهم إليهم متجردين عن العاطفة العمياء والتعصب الأحمق، ليكنْ طُلْبَةٌ الجميع هو الحق ، بهذا سيتبين أن أحدهم مخطئ والأخر مصيب لكن إذا تصافت القلوب وحسنت النية فإنه لن يكون هناك تفرق ولا تشتيت، سيكون اجتماع على الحق ، زميلي أخطأ الحمد لله رجع إلى الحق، كنت مخطئاً رجعت إلى الحق ولله الحمد ما صار شيء.هذا يعني بعض ما يسر الله سبحانه وتعالى من الكلمة في هذا الموقف وقد فاجئني بعض أبنائنا وما كنت معد العدة التي تليق بهذا الاجتماع المبارك الذي أسأل الله عز وجل أن يجعله اجتماعاً مرحوماً وأن يجعل التفرق بعده تفرقاً معصوماً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من حكمة الله تعالى ابتلاء العباد بالمصائب والفتن، منها الزلازل 2024.

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى كافة إخواني المسلمين وفقني الله وإياهم لفعل ما يرضيه وجنبني وإياهم أسباب سخطه وعقابه، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فلقد أنعم الله علينا معشر المسلمين بنعم كثيرة وخيرات وفيرة، أهمها وأعظمها نعمة الإسلام، تلكم النعمة الكبرى التي لا يعادلها شيء، من عقلها وشكرها واستقام عليها قولاً وعملاً فاز بسعادة الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ[1]، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ[2]؛ فالواجب على الجميع شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعم والحذر من عدم الشكر، قال تعالى ممتنا على عباده: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[3]؛ فشكر الله على نعمه جملة وتفصيلاً قيد لها، ووسيلة لدوامها وسبب للمزيد منها، قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[4]، وقال تعالى: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[5]، وقال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ[6]، وقال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[7].
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يدعو بهذا الدعاء في دبر كل صلاة: ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))[8]، وبشكر الله على نعمه واستعمالها فيما يرضيه تستقيم الأمور وتقل الشرور.
وإن من خير ما تحلى به أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم من الصفات الفاضلة هو شكرهم للنعمة وطلبهم التوفيق لذلك، قال الله تعالى عن نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[9]، وقال مثنياً على نبيه نوح عليه الصلاة والسلام: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا[10].
ومن علامات شكر النعمة استعمالها في طاعة الله سبحانه وتعالى، وعدم الاستعانة بها على شيء من معاصيه، وكذا التحدث بها على وجه الاعتراف بها لله والثناء عليه، لا تطاولاً وفخراً على من حرمها، ولا رياءً وسمعة، وعلى العكس من ذلك كفران النعمة وعدم شكرها فهو نكران للجميل وجحد لفضل المنعم وعامل من عوامل زوالها عمن أنعم الله بها عليه، وهو ظلم للنفس يجر عليها أسوأ العواقب، قال الله سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[11] أي دنسها بالمعاصي. وبتقوى الله سبحانه وتعالى وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه تحصل الخيرات وتندفع الشرور والمكروهات وتدوم النعم، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[12]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[13].
ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أنه يختبر عباده فيبتليهم بالخير تارة وبالشر أخرى، فيزداد المؤمنون إيماناً على إيمانهم وتعلقاً بالله ولجوءاً إليه سبحانه وتعالى، ويصبرون على ما قدره الله وقضاه ليتضاعف لهم الأجر والثواب من الله، وليخافوا من سوء عاقبة الذنوب فيكفوا عنها، قال الله سبحانه وتعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ[14]، وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[15]، وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ[16]، وقال سبحانه وتعالى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[17]، وقال تعالى: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ[18]، وقال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[19].
وكل هذه الآيات يبين الله سبحانه وتعالى فيها أنه لا بد أن يبتلي عباده ويمتحنهم كما فعل بالذين من قبلهم من الأمم، فإذا صبروا على هذا الابتلاء وأنابوا إلى الله ورجعوا إليه في كل ما يصيبهم عند ذلك يثيبهم الله رضاه ومغفرته، ويسكنهم جنته، ويعوضهم خيراً مما فاتهم، وما يحصل في هذا الكون من آيات تهز المشاعر والأبدان كالصواعق والرياح الشديدة والفيضانات المهلكة للحرث والنسل والزلازل، وما يسقط بسببها من شامخ البنيان وكبار الشجر، وما يهلك بسببها من الأنفس والأموال، وما يقع في بعض الأماكن من البراكين التي تتسبب في هلاك ما حولها ودماره، وما يقع من خسوف وكسوف في الشمس والقمر ونحو ذلك مما يبتلي الله به عباده هو تخويف منه سبحانه وتعالى وتحذير لعباده من التمادي في الطغيان، وحث لهم على الرجوع والإنابة إليه واختبار لمدى صبرهم على قضاء الله وقدره ولعذاب الآخرة أكبر ولأمر الله أعظم.
ولما كذبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر الله نبيه أنه قد أهلك الأمم المكذبة للأنبياء والمرسلين السابقين عليه في قوله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ[20]. وأنزل بعدها قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[21]؛ فعلى المؤمنين جميعاً أن يتقوا الله ويراقبوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وإذا ما حلت بهم نازلة من النوازل فعليهم أن ينيبوا إلى الله ويرجعوا إليه ويفتشوا في أنفسهم عن أسباب ما حصل؛ لأن الله يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[22]، وعليهم أن يتوبوا إلى الله مما حصل منهم من نقص في الطاعات أو اقتراف للسيئات، فإن التوبة من أسباب رفع المصائب، وعليهم أن يصبروا ويحتسبوا أجر ما حصل لهم من مصائب عند الله، قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ[23]، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[24]، المعنى من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويؤمن أن الله سيعوضه عما فاته في الدنيا هدى في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيراً منه، وكون بعض الحقائق قد تبين أن شيئاً من الكسوف أو الخسوف وما أشبههما يعرف بالحساب أو ببعض الأمارات قد يحصل، فهذا لا ينافي قدرة الله سبحانه وتعالى وتخويف عباده فهو يوقعها متى شاء، قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[25].
وحينما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بأصحابه صلاة الكسوف، خطب فيهم خطبة بليغة أخبرهم فيها أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده، وأمرهم بالصلاة والصدقة والتكبير والذكر والاستغفار والعتق، وقال في خطبته: ((يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته, يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))[26] الحديث، وإن واقع أكثر المسلمين اليوم يدل على استخفافهم بحق الله وما يجب من طاعته وتقواه، والمتأمل يسمع ويرى كثيرا من العقوبات للأمم والشعوب، تارة بالفيضانات وتارة بالأعاصير، وتارة بالهزات الأرضية، وتارة بالمجاعات، وتارة بالحروب الطاحنة التي تأكل الرطب واليابس، كما بين سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بعض أنواع العقوبات التي أنزلها بالعاصين والمنحرفين عن الصراط المستقيم من الأمم السابقة المكذبين لرسلهم ليتعظ الناس ويحذروا أعمالهم، قال تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[27].
وإن للمعاصي والذنوب من الآثار القبيحة المضرة بالقلب والبدن والمجتمع والمسببة لغضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة ما لا يعلم تفاصيله إلا الله تعالى، فهي تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في الماء والهواء والثمار والمساكن، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[28]، وقال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ[29]، وإن فيما يقع من هذه الكوارث عظة وعبرة، والسعيد من وعظ بغيره، وبالجملة فإن جميع الشرور والعقوبات التي يتعرض لها العباد في الدنيا والآخرة أسبابها الذنوب والمعاصي، وإن من علامات قساوة القلوب وطمسها والعياذ بالله أن يسمع الناس قوارع الآيات وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت؛ ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم، مغترين بإمهال ربهم لهم، عاكفين على اتباع أهوائهم وشهواتهم، غير عابئين بوعيد ولا منصاعين لتهديد، قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[30].
كما أن الاستمرار على معاصي الله مع حدوث بعض العقوبات عليها دليل على ضعف الإيمان أو عدمه، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ[31]، وقال تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ[32]، وقال تعالى: كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ[33].
أيها الإخوة في الله لقد حدث في الأيام القريبة الماضية حدث عظيم فيه عظة وعبرة لمن اعتبر، ومن واجب المؤمنين أن يعتبروا بما يحدث في هذا الكون، قال تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ[34]، ما حدث هو ما سمعنا عنه في الإذاعة وقرأنا عنه في الصحف والمجلات، وما شاهده الناس على شاشة التلفاز، وتحدث به القريب والبعيد، ذلك هو ما تعرض له اليمن الشمالي من الزلازل والهزات التي اجتاحت كثيراً من مدنه وقراه، وما نتج عن ذلك من ذهاب كثير من الأنفس والأموال والممتلكات، وخراب الكثير من المساكن، وجرح الكثير ،وبقاء أسر كثيرة فاقدة أموالها ومساكنها، وأبناءها وأزواجها، فترمل الكثير من النساء، وتيتم الكثير من الأطفال، وكل هذا حصل في وقت قصير، وهو دليل على عظمة الله وقدرته، وأن العباد مهما تمكنوا في هذه الدنيا وكانت لهم قدرة وقوة وعظمة ضعفاء أمام قدرة الله تبارك وتعالى..
وإن من الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا العظة والعبرة مما حصل، وأن يتوبوا إلى الله وينيبوا إليه ويحذروا أسباب غضبه ونقمته، وندعو الله لموتى إخواننا اليمنيين بالمغفرة والرحمة، ولأحيائهم بالسكينة وحسن العزاء، وأن يجعل الله ما حصل لهم مكفراً لسيئاتهم ورافعاً لدرجاتهم وموقظاً لقلوب الغافلين منا ومنهم، كما يجب علينا أن نواسيهم بالتعاون معهم والعطف عليهم ببذل ما ينفعهم من أموالنا إحساناً إليهم وصدقة عليهم جبراً لمصيبتهم وتخفيفاً من عظمها عليهم، قال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا[35]، وقال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[36]، وقال سبحانه: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[37]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[38] رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته))[39]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)) وشبك بين أصابعه[40]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[41] متفق عليه، فعلينا جميعاً المبادرة إلى مد يد العون لإخواننا في اليمن وبذل ما نستطيع ليتحقق معنى الأخوة الإسلامية التي أشار إليها الرسول في هذه الأحاديث الصحيحة، ولنحصل على الأجر العظيم الذي وعد الله به المنفقين والمحسنين، وفق الله المسلمين عموماً وإخواننا في اليمن خصوصاً للصبر والاحتساب، وضاعف لنا ولهم الأجر والثواب، وأنزل على المصابين السكينة والطمأنينة وحسن العزاء، ومن على الجميع بالتوبة النصوح والاستقامة على الحق والحذر من أسباب غضب الله وعقابه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد [1] سورة إبراهيم الآية 34.

[2] سورة النحل الآية 53.

[3] سورة النحل الآية 78.

[4] سورة إبراهيم الآية 7.

[5] سورة الزمر الآية 66.

[6] سورة البقرة الآية 152.

[7] سورة سبأ من الآية 13.

[8] رواه النسائي في السهو برقم 1286، وأبو داود في الصلاة برقم 1301.

[9] سورة النمل من الآية 19.

[10] سورة الإسراء من الآية 3.

[11] سورة الشمس الآيتان 9 – 10.

[12] سورة الأعراف الآية 96.

[13] سورة الرعد الآية 11.

[14] سورة البقرة الآيات 155 – 157.

[15] سورة البقرة الآية 214.

[16] سورة آل عمران الآية 142.

[17] سورة العنكبوت الايات 1 – 3.

[18] سورة العنكبوت الآية 11.

[19] سورة الأنبياء الآية 35.

[20] سورة ق الآية 36.

[21] سورة ق الآية 37.

[22] سورة الشورى الآية 30.

[23] سورة البقرة الآيات 155 – 157.

[24] سورة التغابن الآية 11.

[25] سورة الحديد الآيتان 22 – 23.

[26] رواه البخاري في الجمعة برقم 986، ومسلم في الكسوف برقم 1499.

[27] سورة العنكبوت الآية 40.

[28] سورة الروم الآية 41.

[29] سورة الأعراف الآية 13.

[30] سورة الجاثية الآيتان 7 – 8.

[31] سورة يونس الآيتان 96 – 97.

[32] سورة يونس الآية 101.

[33] سورة المطففين الآيات 14 – 17.

[34] سورة الحشر من الآية 2.

[35] سورة المزمل من الآية 20.

[36] سورة سبأ من الآية 39.

[37] سورة البقرة من الآية 195.

[38] رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة برقم 4867، والترمذي في البر والصلة برقم 1853.

[39] رواه البخاري في المظالم والغصب برقم 2262، ومسلم في البر والصلة والآداب برقم 4677 واللفظ متفق عليه.

[40] رواه البخاري في الصلاة برقم 459، ومسلم في البر والصلة والآداب برقم 4684 وأحمد في مسند الكوفيين برقم 18799.

[41] رواه البخاري في الأدب برقم 5552، ومسلم في البر والصلة والآداب برقم 4685 واللفظ له.
المصدر ..موقع الشيخ ابن باز رحمه الله

موضوع رائع يعطيك الصحا
العفو ..بارك الله فيكم
(بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم ياسامع كل شكوى، وياشاهد كل نجوى، وياعالم كل خفية، وياكاشف كل كرب وبلية، ويامنجي نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، أدعوك يا الهي دعاء من اشتدت به فاقته وضعفت قوته وقلت حيلته، دعاء الغريق الملهوف المكروب المشغوف الذي لايجد كشف مانزل به الا منك، لااله الا أنت فارحمنا ياأرحم الراحمين، واكشف عنا مانزل بنا من عدونا وعدوك الشيطان الرجيم، ومن هؤلاء القوم الظالمين الباغين أو من (فلان) الظالم الباغي (ان كان العدو واحدا) يا رب العالمين يا باريء لا باريء لك، يادائم لا نفاذ لك، وياحي يامحيي الموتى، ويا قائم على كل نفس بما كسبت).

بارك الله فيك موضوع اكثر من رائع

ثبتنا الله واياكم على الطريق المستقيم ..بارك الله فيكم
بارك الله فيك
وفيكم بارك الله

أحب الاعمال الى الله في عصر الفتن حسب رأيي 2024.

أحب الاعمال الى الله في عصر الفتن
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
من خلال حياتي اليومية المليئة بالفتن حسب ما اراها لكن لا ادري لما لا يراها غيري كذلك ؟
ارتأيت ان نناقش موضوع احب الاعمال الى الله
من المعلوم ان احبها هو
*الصلاة لما فيها من صلة تربط العبد بخالقه لانه لو قطع هذه الصلة مع اشتداد الفتن كانت الهلكة
* بعددها ذكر الله لما في الذكر من فائدة لاته اذا كانت الصلاة محددة بأوقات وحركات فالذكر المتواصل اشمل واوسع فهو صلاة دائمة متواصلة وقد نجد في الذكر من الخشوع ما لا نجده في الصلاة .
*اما الامر الآخر الذي اردت توضيحه من خلال الموضوع هو انتهاء العبد عند المحرم والمكروه بمعنى عبادة الورع والخشية اراها والله اعلم من اشد الامور على العبد فمع كثرة الفتن من فضائيات وانترنات وموسيقى في كل مكان واعراس بلا قيود وموضات للالبسة والسياحة والاستجمام والحلي والجواهر و……………………….. ……………….. ………………………… ………………
فتن بلا حدود والعقل البشري محدود والنفس امارة بالسوء والرفقة الصالحة تكاد تكون معدومة ان لم تكن حقا فالمؤمن الذي يواجه كل هذا بخشية مستمرة وورع خير من الذي يقوم الليل ولا ينام لكنه لا يمسك فمه عن الكلام في اعراض الناس وخير من الذي يصوم ولا يكاد يفطر لكنه يطلق بصره يمنة ويسرى ………….
بمعنى ان الايمان الحقيقي ان لم ترافقه اعمالا كبيرة اي النوافل والسنن رافقته الخشية من الوقوع في الفتن السابق ذكرها فأنهكت قواه من الانتهاء عند المحضور وضعف جسده فاكتفى بالفرائض لانني شخصيا ارى ان اعمال التطوع من العبادات يلزمها وسط مناسب ورفقة معينة .

ارجوا منكم مشاركتي هذه الفكرة لعلي لم اوصل المعنى الذي اردته

بارك الله فيك اختى حبيبة
جزاك الله خير

بارك الله فيكم
مشكورررررررررررررررر على المرور الطيب
وعليكم السلام
والله نحن في عصر الفتن :القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر خاصة مع دخول هذا الفصل فصل الصيف، تهاجمنا فتنتة عمياء فمن المستحب غض البصر فهو يورث القلب انشراحا وسرورا.
بورك فيك حبيبة على المواضيع المميزة .

بارك الله فيك وجزاك عنا خير الجزاء

بارك الله فيكم جميعا على مروركم واضافتكم القيمة

ترك الفتن 2024.

ترك الفتن والفرار منها

لقد شهدت التأريخ أن من دخل الفتن فانه لا يخرج سالما ، وأن السلامة لا تكون الا في الابتعاد من الفتن

عن المقداد ابن الأسود رضي الله عنه أنه قال: أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان السعيد لمن جنب الفتن ، ان السعيد لمن جنب الفتن، ان السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فوهن )رواه أبو داود.

فالسعادة في اجتناب الفتن ، ولذلك جاء في حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي اليها، ألا فاذا نزلت أو وقعت فمن كان له ابل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه فقال رجل: يا رسول الله: أرأيت من لم يكن له ابل ولا غنم ولا أرض قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينجو ان استطاع النجاة اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت فقال رجل: يا رسول الله :أرأيت لو أكرهت حتى ينطلق بي الى أحد الصفين أو احدى الطائفتين تحت تهديد السلاح فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار ) رواه مسلم.

تأمل هذا البيان وهذا التفصيل من الرسول عليه الصلاة والسلام وانظر في حال أكثر أهل زمانك ، كم من الناس يخوض في الفتن ويسارعون فيها وعلى هذا مشى سلف الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم(فعن حذيفة أنه قيل له: يا أبا عبد الله ماذا تأمرنا اذا اقتتل المصلون؟ فقال : آمرك أن تنظر أقصى بيت في دارك أو من دارك فتلج فيه فان دخل عليك فتقول: هاه بؤ بإثمي وإثمك فتكون كابن آدم)وفي رواية قال قل(إني لن أقتلك، يأتيك بالسيف إني أخاف الله رب العالمين) .

قال ابن تيميه: ( ومن استقرأ أحوال الفتن التي تجري بين المسلمين، تبيّن له أنه ما دخل فيها أحد فحمد عاقبة دخوله، لما يحصل له من الضرر في دينه ودنياه ) ولهذا كانت من المنهي عنه، الدخول في الفتن.