سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسماء: الحي، القيوم، الحيي) 2024.

القعدة

الحيّ(1):

(الحيّ القيّوم)

قال رحمه الله تعالى: "الحيّ القيّوم كامل الحياة والقائم بنفسه.

القيّوم لأهل السماوات والأرض القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم

فالحيّ: الجامع لصفات الذّات،

والقيّوم: الجامع لصفات الأفعال(2)

وجمعهما في غاية المناسبة كما جمعهما الله في عدّة مواضع من كتابه كقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم}(3)، وذلك أنّهما محتويان على جميع صفات الكمال،

فالحيّ هو كامل الحياة، وذلك يتضمّن جميع الصّفات الذّاتية لله كالعلم والعزة والقدرة، والإرادة، والعظمة، والكبرياء، وغيرها من صفات الذّات المقدّسة.

والقيّوم هو كامل القيّوميّة الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقامت به الأرض، والسّماوات، وما فيهما من المخلوقات، فهو الذي أوجدها، وأمدّها، وأعدّها لكلّ ما فيه بقاؤها، وصلاحها، وقيامها،

فهو الغنيّ عنها من كلّ وجه، وهي التي افتقرت إليه من كل وجه،

فالحيّ، والقيّوم من له صفة كل كمال، وهو الفعّال(4) لما يريد الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، وكلّ الصّفات الفعلية، والمجد، والعظمة، والجلال ترجع إلى اسمه القيّوم، ومرجع صفات الكمال كلها ترجع إلى هذين الاسمين الكريمين،

ولذلك ورد الحديث(5) أن إسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}(6)لاشتمالهما على جميع الكمالات.

فصفات الذّات ترجع إلى الحيّ، ومعاني الأفعال ترجع إلى القيّوم"(7).

****************************** ***********

الحييّ:

(الحييّ السّتّير(8) الستّار(9))

قال رحمه الله تعالى:" هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حييّ يستحي من عبده إذا مدّ يده إليه أن يردّها صفراً"(10).

وهذا من رحمته، وكرمه، وكماله، وحلمه أن العبد يجاهر بالمعاصي مع فقره الشّديد إليه، حتى أنه لا يمكنه أن يعصى إلا أن يتقوى عليها بنعم ربِّه، والربّ مع كمال غناه عن الخلق كلّهم من كرمه يستحي من هتكه، وفضيحته، وإحلال العقوبة به، فيستره بما يفيض له من أسباب السّتر، ويعفو عنه، ويغفر له، فهو يتحبّب إلى عباده بالنّعم وهم يتبغّضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم (واصل و نازل) بعدد اللّحظات، وشرّهم إليه صاعد.

ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم المعاصي، وكل قبيح، ويستحي تعالى ممّن شاب في الإسلام أن يعذّبه، وممّن يمدّ يديه إليه أن يردّهما صفراً، ويدعو عباده إلى دعائه، ويعدهم بالإجابة.

وهو الحيَِيّْ السّتيّر: يحب أهل الحياء، والسّتر، ومن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا، والآخرة، ولهذا يكره من عبده إذا فعل معصية أن يذيعها، بل يتوب إليه فيما بينه وبينه ولا يظهرها للناس، وإن من أمقت الناس إليه من بات عاصياً، والله يستره فيصبح يكشف ستر الله عليه(11).

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}(12)

وهذا كلّه من معنى اسمه الحليم الذي وسع حلمه أهل الكفر، والفسوق، والعصيان، ومنع عقوبته أن تحلّ بأهل الظّلم عاجلاً، فهو يمهلهم ليتوبوا، ولا يهملهم إذا أصرّوا، واستمرّوا في طغيانهم، ولم ينيبوا"(13).

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

(1) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} (البقرة: 255).

(2) التفسير (5/627) و (1/313).

(3) البقرة (255).

(4) الحق الواضح المبين (ص87 و 88).

(5) أخرجه أبو داود (2/168) كتاب الصلاة باب الدعاء، والترمذي (5/517) كتاب الدعوات وقال: حديث حسن صحيح.

وأخرجه ابن ماجه (2/1267) كتاب الدعاء باب اسم الله الأعظم من حديث أسماء بنت يزيد، وحسنه الألباني. انظر: صحيح أبي داود (1/280) كتاب الصلاة باب الدعاء. وفي اسناده شهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد من النقاد.

(6) آل عمران (21)."

(7) توضيح الكافية الشافية (ص29).

(8) قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل حليم حييّ ستّير يحبّ الحياء والسّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر".

أخرجه أبو داود (4/302) كتاب الحمام باب النهي عن التعري، والنسائي في سننه (1/200) كتاب الغسل والتيمم باب الاستتار عند الاغتسال، وأحمد في المسند (4/224) والبيهقي في سننه (1/198) كتاب الطهارة باب الستر في الغسل عند الناس، من حديث يعلي بن أمية رضي الله عنه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (7/367).

(9) أورد الشيخ رحمه الله تعالى "السّتَّار" من أسماء الله تعالى، ولم يرد دليل يدل على ثبوته لله خلافاً لما هو شائع عند كثير من الناس.

(10) أخرجه أبو داود (2/165) كتاب الصلاة باب الدعاء، والترمذي (5/557) كتاب الدعوات، وابن ماجه (2/1271) كتاب الدعاء باب رفع اليدين في الدعاء من حديث سلمان الفارسي، وصححه الألباني. انظر: صحيح الترمذي (3/179 ح 3809).

(11) هذا بمعنى ما أخرجه مسلم في صحيحه (4/2291) كتاب الزهد باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، ولفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافاة إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه".

(12)النور (19).

(13) الحق الواضح المبين (ص54، 55) وانظر: توضيح الكافية الشافية (ص121).

[ الصّفحات: 191 إلى بداية 194 ]

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسمي: الحليم، الحميد ) 2024.

الحــليم(1):

قال رحمه الله تعالى: "الحليم الذي له الحلم الكامل، والذي وسع حلمه أهل الكفر، والفسوق، والعصيان، ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجلاً، فهو يمهلهم ليتوبوا، ولا يهملهم إذا أصروا، واستمروا في طغيانهم، ولم ينيبوا(2).

والحليم الذي يدرّ على خلقه النعم الظاهرة، والباطنة مع معاصيهم، وكثرة زلاّتهم، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم، ويستعتبهم كي يتوبوا، ويمهلهم كي ينيبوا(3).

والله تعالى حليم عفوّ، فله الحلم الكامل، وله العفو الشامل، ومتعلق هذين الوصفين العظيمين معصية العاصين، وظلم المجرمين، فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، وحلمه تعالى يقتضي إمهال العاصين، وعدم معاجلتهم ليتوبوا، وعفوه يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب خصوصاً إذا أتوا بأسباب المغفرة من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة، وحلمه وسع السماوات، والأرض، فلولا عفوه ما ترك على ظهرها من دابة، وهو تعالى عفو ّيحب العفو عن عباده، ويحب منهم أن يسعوا بالأسباب التي ينالون بها عفوه من السّعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه.

ومن كمال عفوه أن المسرفين على أنفسهم إذا تابوا إليه غفر لهم كل جرم صغير، وكبير، وأنه جعل الإسلام يجبّ ما قبله، والتّوبة تجبّ ما قبلها"(4).

ـــــــــــ ـــــــــــ

(1) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (البقرة: 35).

(2) الحق الواضح المبين (ص55-56).

(3) التفسير (5/630).

(4) الحق الواضح المبين (ص56).

[ الصّفحة 189 ]

****************************** *******************


الحميد(1):

قال رحمه الله تعالى: "الحميد في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فله من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أكملها، ومن الأفعال أتمها، وأحسنها، فإن أفعاله تعالى دائرة بين الفضل، والعدل(2).

فالحمد كثرة الصفات والخيرات، فهو الحميد لكثرة صفاته الحميدة(3)، وهو سبحانه حميد من وجهين:

أحدهما:
أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده، فكل حمد وقع من أهل السماوات والأرض الأولين منهم، والآخرين، وكل حمد يقع منهم في الدنيا، والآخرة، وكل حمد لم يقع منهم بل كان مفروضاً، ومقدراً حيثما تسلسلت الأزمان، واتصلت الأوقات حمداً يملأ الوجود كله العالم العلوي، والسفلي، ويملأ نظير الوجود من غير عد، ولا إحصاء فإن الله تعالى مستحقه من وجوه كثيرة:

***منها أن الله هو الذي خلقهم، ورزقهم، وأسدى عليهم النعم الظاهرة، والباطنة الدينية، والدنيوية، وصرف عنهم النقم، والمكاره، فما بالعباد من نعمة فمن الله، ولا يدفع الشرور إلا هو، فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات، وأن يثنوا عليه، ويشكروه بعدد اللحظات.

الوجه الثاني: أنه يحمد على ماله من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والمدائح والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة، فله كل صفة كمال، وله من تلك الصفة أكملها، وأعظمها فكل صفة من صفاته يستحق عليها أكمل الحمد، والثناء، فكيف بجميع الأوصاف المقدسة، فله الحمد لذاته، وله الحمد لصفاته، وله الحمد لأفعاله لأنها دائرة بين أفعال الفضل، والإحسان، وبين أفعال العدل، والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد، وله الحمد على خلقه، وعلى شرعه، وعلى أحكامه القدرية وأحكامه الشرعية، وأحكام الجزاء في الأولى، والآخرة، وتفاصيل حمده، وما يحمد عليه لا تحيط بها الأفكار، ولا تحصيها الأقلام(4).

ـــــــــــ————————

(1) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر: 15).

(2) التفسير (5/624).

(3) توضيح الكافية الشافية (ص118).

(4) الحق الواضح المبين (ص39 و40).

[ الصّفحات : 190، 191 ]

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسم: الرزَّاق) 2024.

القعدة

الرزّاق:

قال رحمه الله تعالى: "الرزّاق لجميع المخلوقات، فما من موجود في العالم العلوي والعالم السّفلي إلا متمتّع برزقه مغمور بكرمه(1).

ورزقه نوعان:

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاق}(2) {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}(3) (4).

***** أحدهما: الرّزق النّافع الذي لا تبعة فيه وهو موصل للعبد إلى أعلى الغايات،وهو الذي على يد الرّسول صلى الله عليه وسلم بهدايته وإرشاده،

وهو نوعان أيضا:

1-رزق القلوب بالعلوم النافعة والإيمان الصحيح، فإنّ القلوب لا تصلح وتفلح ولا تشبع حتى يحصل لها العلم بالحقائق النّافعة والعقائد الصّائبة، ثم التخلّق بالأخلاق الجميلة، والتّنزّه عن الأخلاق الرذيلة، وما جاء به الرّسول كفيل بالأمرين على أكمل وجه بلا طريق لها إلا من طريقه.

2-والنوع الثاني: أن يغني الله عبده بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.

والأول هو المقصود الأعظم وهذا وسيلة إليه ومعين له فإذا رزق الله العبد العلم النافع والإيمان الصحيح والرزق الحلال والقناعة بما أعطاه الله منه، فقد تمت أموره واستقامت أحواله الدينية والبدنية وهذا النّوع من الرّزق هو الذي مدحته النّصوص النّبويّة واشتملت عليه الأدعية النافعة.

*****وأما النوع الثاني، وهو إيصال الباري جميع الأقوات التي تتغذّي بها المخلوقات برّها وفاجرها المكلّفون وغيرهم فهذا قد يكون من الحرام كما يكون من الحلال،

وهذا فصل النّزاع في مسألة هل الحرام يسمّى رزقاً أم لا ؟،

***فإن أريد النّوع الأول وهو الرّزق المطلق الذي لا تبعة فيه فلا يدخل فيه الحرام فإنّ العبد إذا سأل ربّه أن يرزقه فلا يريد به إلا الرّزق النّافع في الدّين، والبدن وهو النوع الأول،

*** وإن أريد به مطلق الرزق – وهو النوع الثاني – فهو داخل فيه، فما من دابة على الأرض إلا على الله رزقها.

ومثل هذا يقال في النّعمة والرّحمة ونحوها"(5).

———————————————————

(1) توضيح الكافية الشافية (ص128).

(2) الذاريات (58).

(3) هود (6).

(4) الحق الواضح المبين (ص85).

(5) توضيح الكافية الشافية (ص128 و129) وانظر أيضاً: الحق الواضح المبين (ص85) والتفسير (5/626).

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسم: الرفيق، الرقيب ، الشهيد) 2024.


القعدة

الرّشيد(1):

قال رحمه الله تعالى:

"وهو الرّشيد الذي أقواله رشد، وأفعاله رشد، وهو مرشد الحائرين في الطّريق الحسّي، والضّالين في الطّريق المعنوي، فيرشد الخلق بما شرعه على ألسنة رسله من الهداية الكاملة، ويرشد عبده المؤمن، إذا خضع له وأخلص عمله أرشده إلى جميع مصالحه، ويسّره لليسرى وجنّبه العسرى(2)

والرّشد الدّال عليه اسم الرّشيد وصفه تعالى والإرشاد لعباده.

فأقواله القدريّة التي يوجد بها الأشياء ويدبّر بها الأمور كلّها حقّ لاشتمالها على الحكمة، والحسن، والإتقان.

وأقواله الشّرعية الدّينيّة وهي: أقواله الّتي تكلّم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصّدق التّام في الأخبار، والعدل الكامل في الأمر، والنّهي فإنه لا أصدق من الله قيلا ولا أحسن منه حديثاً {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً}(3) في الأمر والنهي.

وهي أعظم وأجلّ ما يرشد بها العباد بل لا حصول إلى الرّشاد بغيرها فمن ابتغى الهدى من غيرها أضلّه الله، ومن لم يسترشد بها فليس برشيد فيحصل بها :

الرّشد العلمي وهو بيان الحقائق والأصول، والفروع والمصالح والمضار، الدّينيّة والدّنيويّة،

– ويحصل بها الرّشد العملي فإنّها تزكّي النّفوس، وتطهّر القلوب، وتدعو إلى أصلح الأعمال، وأحسن الأخلاق، وتحثّ على كلّ جميل، وترهب عن كلّ ذميم رذيل،

فمن استرشد بها فهو المهتدي ومن لم يسترشد بها فهو ضال، ولم يجعل لأحد عليه حجّة بعد بعثته للرّسل وإنزاله الكتب المشتملة على الهدي المطلق، فكم بفضله هدى ضالاً وأرشد حائراً، وخصوصاً من تعلّق به وطلب منه الهدى من صميم قلبه، وعلم أنه المنفرد بالهداية" (4).

———–
(1) أورد المؤلف رحمه الله تعالى هذا الاسم ضمن أسماء الله ولكنه يفتقر إلى دليل يدل على تسمية الله تعالى به.

(2) توضيح الكافية الشافية (ص127).

(3) الأنعام (115).

(4) الحق الواضح المبين (ص78 و79) والتفسير (5/631).

الرّفيق:

قال رحمه الله تعالى: "ومن أسمائه "الرّفيق" في أفعاله وشرعه، وهذا قد أخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن الله رفيق يحبّ أهل الرّفق، وإن الله يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف"(1).

فالله تعالى رفيق في أفعاله خلق المخلوقات كلّها بالتدريج شيئاً فشيئاً بحسب حكمته ورفقه مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة(2).

ومن تدبّر المخلوقات وتدبّر الشّرائع كيف يأتي بها شيئاً بعد شيء شاهد من ذلك العجب العجيب،

فالمتأنِّي الذي يأتي الأمور برفق وسكينة ووقار إتباعاً لسنن الله في الكون وإتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم.

فإن كان هذا هديه وطريقه تتيسّر له الأمور، وبالأخصّ الذي يحتاج إلى أمر النّاس ونهيهم وإرشادهم، فإنه مضطرّ إلى الرّفق واللّين، وكذلك من آذاه الخلق بالأقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم، ودافع عن نفسه برفق ولين، اندفع عنه من أذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم، ومع ذلك فقد كسب الرّاحة، والطّمأنينة والرّزانة والحِلم.

ومن تأمّل ما احتوى عليه شرعه من الرّفق وشرع الأحكام شيئاً بعد شيء وجريانها على وجه السِّعة واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطواراً، ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم واسرار لا تحيط بها العقول.

والرّفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقاً في أموره متأنِّياً، ومع ذلك لا يفوّت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت"(3).

————-

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/2017، 2024) كتاب البر والصلة باب فضل الرفق من حديث عائشة رضي الله عنها بنحوه.

(2) الحق الواضح المبين (ص63).

(3) توضيح الكافية الشافية (ص123).

[ الصّفحات: في آخر 206 إلى بداية 207 ]


الرّقيب: (الرّقيب الشّهيد)

قال رحمه الله: "الرّقيب والشّهيد من أسمائه الحسنى وهما مترادفان، وكلاهما يدلّ على إحاطة سمع الله بالمسموعات وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجليّة والخفيّة، وهو الرّقيب على ما دار في الخواطر، وما تحرّكت به اللّواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظّاهرة بالأركان(1).

والرّقيب المطّلع على ما أكنته الصّدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير(2).

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(3) {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(4)

ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التّعبّد لله باسمه الرّقيب الشّهيد، فمتى علم العبد أنّ حركاته الظّاهرة، والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كلّ فكر وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كلّ قول أو فعل يسخط الله وتعبّد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه"(5).

———

(1) الحق الواضح المبين (ص58).
(2) التفسير (5/625).
(3) النساء (1).
(4) المجادلة (6).
(5) الحق الواضح المبين (ص58-59) وانظر: توضيح الكافية الشافية (ص122).

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسم: الرؤوف، الرب، الرحمان، الرحيم) 2024.


القعدة

ذو الجلال والإكرام(1):

قال رحمه الله تعالى:

"ذو الجلال والإكرام أي: ذو العظمة، والكبرياء، وذو الرّحمة، والجود، والإحسان العام، والخاصّ، المكرم لأوليائه، وأصفيائه الّذين يجلّونه ويعظّمونه ويحبّونه"(2).

****************************** ****

الرّؤوف(3):

قال رحمه الله تعالى: "الرّؤوف أي: شديد الرأفة بعباده فمن رأفته ورحمته بهم أن يتمّ عليهم نعمته الّتي ابتدأهم بها.

ومن رأفته توفيقهم القيام بحقوقه وحقوق عباده.

ومن رأفته ورحمته أنه خوّف العباد، وزجرهم عن الغيّ والفساد كما قال تعالى: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}(4).

فرأفته ورحمته سهّلت لهم الطّرق الّتي ينالون بها الخيرات ، ورأفته ورحمته حذّرتهم من الطّرق الّتي تقضي بهم إلى المكروهات .

فنسأله تعالى أن يتمّم علينا إحسانه بسلوك الصّراط المستقيم، والسّلامة من الطّرق الّتي تفضي بسالكها إلى الجحيم"(5).

****************************** ***********


الربّ(6):

قال المؤلف رحمه الله تعالى: "قد تكرر اسم (الربّ) في آيات كثيرة.

والربّ هو المربّي جميع عباده بالتّدبير وأصناف النّعم.

وأخصّ من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم وبهذا كثر دعاؤهم له بهذا الإسم الجليل لأنهم يطلبون منه هذه التّربية الخاصّة(7).

وهو الّذي له جميع معاني الربوبيّة التي يستحق أن يُؤْلَهَ لأجلها وهي صفات الكمال كلّها والمحامد كلّها له والفضل كلّه والإحسان كلّه، وأنه لا يشارك الله أحد في معنى من معاني الربوبيّة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(8).

لا بشر ولا ملك، بل هم جميعاً عبيد مربوبون لربّهم بكلّ أنواع الربوبيّة

مقهورون خاضعون لجلاله وعظمته، فلا ينبغي أن يكون أحد منهم نداً ولا شريكاً لله في عبادته وألوهيته.

فبربوبيته سبحانه يربّي الجميع من ملائكة وأنبياء وغيرهم خلقاً ورزقاً وتدبيراً وإحياءً وإماتةً.

وهم يشكرونه على ذلك بإخلاص العبادة كلّها له وحده، فيؤلهونه ولا يتّخذون من دونه وليًّا ولا شفيعاً، فالإلهية حق له سبحانه على عباده بصفة ربوبيّته"(9).

****************************** ******

الرّحمن الرّحيم(10):

قال رحمه الله تعالى:

"الرّحمن الرّحيم: إسمان دالاّن على أنه تعالى ذو الرّحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كلّ شيء، وعمّت كلّ مخلوق، وكتب الرّحمة الكاملة للمتّقين المتّبعين لأنبيائه ورسله،

فهؤلاء لهم الرّحمة المطلقة المتّصلة بالسّعادة الأبدية، ومن عداهم محروم من هذه الرّحمة الكاملة، لأنه الذي دفع هذه الرّحمة وأباها بتكذيبه للخبر وتولّيه عن الأمر فلا يلومنّ إلاّ نفسه.

واعلم أن من القواعد المتّفق عليها بين سلف الأمّة وأئمّتها ما دلّ عليه الكتاب والسُّنَّة من الإيمان بأسماء الله كلّها وصفاته جميعها وبأحكام تلك الصّفات.

فيؤمنون مثلاً بأنّه رحمن رحيم ذو الرّحمة العظيمة التي اتّصف بها المتعلّقة بالمرحوم، فالنّعم كلّها من آثار رحمته، وهكذا يقال في سائر الأسماء الحسنى.

فيقال: عليم: ذو علم عظيم يعلم به كلّ شيء.

ـــــــــــ

(1)هذا الإسم من أسماء الله المضافة وقد تقدم في الدراسة أنها لا تدخل ضمن أسماء الله الحسنى.

(2) التفسير (5/626).

(3) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران:30).

(4) الزمر (66).

(5) التفسير (1/162 و374 و 7/337).

(6)ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْء} (الأنعام: 164).
(7) التفسير (5/620).
(8) الشورى (11).

(9) الخلاصة (ص17).
(10) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى {
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة: 2، 3).

[ الصّفحات: من 198 إلى 200 ]

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسم: القدوس، السلام ، السميع، الشاكر، الشكور) 2024.

السّلام: (القدّوس- السّلام)(1)

قال رحمه الله تعالى: " ومن أسمائه القدّوس السّلام، أي: المعظم المنزّه عن صفات النّقص كلّها وأن يماثله أحد من الخلق، فهو المتنزّه عن جميع العيوب، والمتنزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(2) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}(3) {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}(4) {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً}(5) .

فالقدّوس كالسّلام، ينفيان كلّ نقص من جميع الوجوه، ويتضمّنان الكمال المطلق من جميع الوجوه، لأن النّقص إذا انتفى ثبت الكمال كلّه(6) فهو المقدّس المعظّم المنزّه عن كلّ سوء، السّالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النّقصان ومن كلّ ما ينافي كماله.

فهذا ضابط ما ينزّه عنه، ينزه عن كلّ نقص بوجه من الوجوه، وينزّه ويعظم أن يكون له مثيل أو شبيه أو كفو أو سميّ أو ندّ أو مضاد، وينزّه عن نقص صفة من صفاته الّتي هى أكمل الصّفات وأعظمها وأوسعها.

ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له فإن التّنزيه مراد لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظّنون السّيّئة كظنّ الجاهلية الذين يظنّون به ظنّ السّوء، ظنّ غير ما يليق بجلاله وإذا قال العبد مثنياً على ربّه "سبحان الله" أو "تقدّس الله" أو "تعالى الله" ونحوها كان مثنياً عليه بالسّلامة من كلّ نقص وإثبات كلّ كمال "(7).

————————

(1) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلام} (الحشر: 23).

(2) الشورى (11).

(3) الإخلاص (4).

(4) مريم (65).

(5) البقرة (22).

(6) التفسير (5/623).

(7) الحق الواضح المبين (ص81 و82) وانظر: توضيح الكافية الشافية (ص127).



القعدة


السّميع(1):

قال رحمه الله تعالى:"ومن أسمائه الحسنى السّميع الذي يسمع جميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فالسّرّ عنده علانية و البعيد عنده قريب(2).

وسمعه تعالى نوعان:

أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظّاهرة والباطنة، الخفيّة والجليّة، وإحاطته التّامة بها.

والثّاني: سمع الإجابة منه للسّائلين والدّاعين والعابدين فيصيبهم ويثيبهم، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}(3) وقول المصلّي سمع الله لمن حمده أي استجاب"(4).

(الشّاكر (5)- الشّكور)(6)

قال رحمه الله تعالى: "ومن أسمائه تعالى الشّاكر الشّكور وهو الذي يشكر القليل من العمل الخالص النّقيّ النّافع، ويعفو عن الكثير من الزّلل ولا يضيع أجر من أحسن عملا بل يضاعفه أضعافاً مضاعفة بغير عدٍ ولا حساب، ومن شكره أنه يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة،

وقد يجزئ الله العبد على العمل بأنواع من الثّواب العاجل قبل الآجل، وليس عليه حق واجب بمقتضى أعمال العباد وإنّما هو الذي أوجب الحقّ على نفسه كرماً منه وجوداً، والله لا يضيع أجر العاملين به إذا أحسنوا في أعمالهم وأخلصوها لله تعالى(7).

فإذا قام عبده بأوامره، وامتثل طاعته أعانه على ذلك، وأثنى عليه، ومدحه، وجازاه في قلبه نوراً وإيماناً وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطاً وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق.

ثم بعد ذلك يقدم على الثّواب الآجل عند ربّه كاملاً موفوراً، لم تنقصه هذه الأمور.

ومن شكره لعبده، أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن تقرّب منه شبراً تقرّب منه ذراعاً، ومن تقرّب منه ذراعاً تقرّب منه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، ومن عامله ربح عليه أضعافاً مضاعفة "(8).

———
(1) سبق زيادة إيضاح لهذا الاسم مع اسمه تعالى البصير.

(2) توضيح الكافية الشافية (ص118).

(3) إبراهيم (39).

(4) الحق الواضح المبين (ص35) انظر: التفسير (5/622).

(5) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} (النساء:147).

(6) ودليل هذا الاسم قال سبحانه: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} (التغابن: 17).

(7) توضيح الكافية الشافية (ص125-126) الحق الواضح المبين (ص70).

(8) التفسير (1/185 و 5/630).

[ الصّفحات: من 209 إلى 211 ]



سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسمي: الخبير، العليم) 2024.

الخبير(1):

(العليم الخبير)

قال رحمه الله تعالى: "الخبير العليم: هو الذي أحاط علمه بالظواهر، والبواطن، والإسرار، والإعلان، والواجبات، والمستحيلات، والممكنات. وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء(2).

وهو العليم المحيط علمه بكلّ شيء: بالواجبات، والممتنعات، والممكنات، فيعلم تعالى نفسه الكريمة، ونعوته المقدسة، وأوصافه العظيمة، وهى الواجبات التي لا يمكن إلا وجودها، ويعلم الممتنعات حال امتناعها، ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}(3) وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}(4).

فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها، واخباره بما ينشأ منها لو وجدت على وجه الفرض، والتقدير، ويعلم تعالى الممكنات، وهى التي يجوز وجودها وعدمها ما وجد منها، وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده، فهو العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي، والسّفلي لا يخلو عن علمه مكان، ولا زمان ويعلم الغيب، والشهادة، والظواهر، والبواطن، والجلي، والخفي، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(5).

والنصوص في ذكر إحاطة علم الله، وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جداً لا يمكن حصرها، وإحصاؤها، وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك، ولا أكبر، وإنه لا يغفل، ولا ينسى(6) {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(7) {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}(8)(9).

وإن علوم الخلائق على سعتها، وتنوّعها إذا نسبت إلى علم الله اضمحلت، وتلاشت، كما أن قدرتهم إذا نسبت إلى قدرة الله لم يكن لها نسبة إليها بوجه من الوجوه، فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون وأقدرهم على ما لم يكونوا عليه قادرين.

وكما أن علمه محيط بجميع العالم العلوي، والسفلي، وما فيه من المخلوقات ذواتها، وأوصافها، وأفعالها، وجميع أمورها.

فهو يعلم ما كان، وما يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ويعلم أحوال المكلفين منذ أنشأهم، وبعد ما يميتهم، وبعد ما يحييهم، قد أحاط علمه بأعمالهم كلها خيرها، وشرها، وجزاء تلك الأعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار(10).

فينبغي للمؤمن النّاصح لنفسه أن يبذل ما استطاع من مقدوره في معرفة أسماء الله، وصفاته، وتقديسه، ويجعل هذه المسألة أهمّ المسائل عنده، وأولاها بالإيثار، وأحقّها بالتّحقيق ليفوز من الخير بأوفر نصيب.

فيتدبر مثلاً اسم :

العليم: فيعلم أن العلم كله بجميع وجوهه، واعتباراته لله تعالى فيعلم تعالى الأمور المتأخرة أزلاً وأبداً ويعلم جليل الأمور، وحقيرها، وصغيرها، وكبيرها، ويعلم تعالى ظواهر الأشياء، وبواطنها غيبها، وشهادتها ما يعلم الخلق منها، وما لا يعلمون، ويعلم تعالى الواجبات أو المستحيلات، والجائزات، ويعلم تعالى ما تحت الأرض السفلى كما يعلم ما فوق السماوات العلى، ويعلم تعالى جزئيات الأمور وخبايا الصدور، وخفايا ما وقع، ويقع في أرجاء العالم، وأنحاء المملكة،

فهو الذي أحاط علمه جميع الأشياء في كل الأوقات، ولا يعرض تعالى لعلمه خفاء، ولا نسيان، ويتلو على هذه الآيات المقررة له كقوله في غير موضع: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(11) {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(12) {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(13) {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}(14) {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}(15)

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(16) {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(17)

{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(18)

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(19)

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}(20)

{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(21)

{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(22) {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}(23).

وغير ذلك من النّّصوص الكثيرة على هذا المعنى فإن تدبّر بعض ذلك يكفي المؤمن البصير معرفته باحاطة علم الله تعالى وكمال عظمته وجليل قدره أنّه الربّ العظيم المالك(24).

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

(1) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (لقمان: 34).
(2) التفسير (5/621).
(3) الأنبياء (22).

(4) المؤمنون (91).
(5) البقرة (231).
(6) الحق الواضح المبين (ص36 و37).
(7) الأنعام (59).
(8) طه (7).
(9) توضيح الكافية الشافية (ص118).
(10) الحق الواضح المبين (ص37، 38).
(11) البقرة (282).

(12) آل عمران (119).
(13) التغابن (4).
(14) طه (7).
(15) الرعد (10).
(16) الحج (70).
(17) آل عمران (6).
(18) لقمان (34).
(19) الأنعام (59).
(20) الحج (63).
(21) لقمان (27).

(22) المجادلة (7).
(23) السجدة (17).
(24) المواهب الربانية من الآيات القرآنية (ص63، 64).
[ الصّفحات: من 194 إلى 198 ]


بـآركـ الله فيكم استـآذي
سنحـآول تداركـ السلسلة
وفقكم الله
سلامي

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة °أم عبد الله ° القعدة
القعدة
القعدة

بـآركـ الله فيكم استـآذي
سنحـآول تداركـ السلسلة
وفقكم الله
سلامي

القعدة القعدة

و فيكم بارك الله.
يوفقكم الله تعالى لتدراك كل الحلقات، سيما هذه لكونها تتعلق بأسماء الله و صفاته، و لا أشرف من معرفة المرء أسماء و صفات ربه و معبوده جلَّ شأنه و عز ثنائه.