سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى( تفسير اسم السميع،البصير، التواب، الجبار) 2024.

البصــير:(1)
قال المؤلف رحمه الله:
"البصير الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسّماوات، حتى أخفى ما يكون فيها فيرى دبيب النّملة السوداء على الصّخرة الصّمّاء في اللّيلة الظّلماء، وجميع أعضائها الباطنة، والظّاهرة، وسريان القوت في أعضائها الدّقيقة، ويرى سريان الميــاه في أغصان الأشجار، وعروقها وجميع النّباتات على اختلاف أنواعها، وصغرها، ودقّتها، ويرى نياط(2) عروق النّملة، والنّحلة، والبعوضة، وأصغر من ذلك،

فسبحان من تحدث العقول في عظمته، وسعة متعلقات صفاته، وكمال عظمته، ولطفه، وخبره بالغيب، والشهادة والحاضر، والغائب، ويرى خيانات الأعين، وتقّلبات الأجفان، وحركات الجنان،

قال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(3) {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(4) {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(5) أي مطّلع، ومحيط علمه، وبصره، وسمعه بجميع الكائنات(6).

يبصر ما تحت الأراضين السّبع، كما يبصر ما فوق السّماوات السّبع وأيضاً سميع بصير بمن يستحقّ الجزاء بحسب حكمته، والمعنى الأخير يرجع إلى حكمته.

وكثيراً ما يقرن الله بين (السّميع البصير) مثل قوله {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً}(7).

فكل من السّمع، والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة، والباطنة .

فالسّميع الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات، فكلّ ما في العالم العلوي، والسُّفلي من الأصوات يسمعها سرّها وعلنها وكأنّها لديه صوت واحد، لا تختلف عليه الأصوات، ولا تخفى عليه جميع اللّغات، والقريب منها، والبعيد، والسّرّ، والعلانية عنده سواء {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}(8).

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(9).

قالت عائشة رضي الله عنها: "تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة وإنه ليخفي عليَّ بعض كلامها فأنزل الله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}الآية6.(10).

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

(1) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء: 1).

(2) النياط: أي العرق المستبطن. انظر: القاموس المحيط (ص892).

(3) الشعراء (218-220).

(4) غافر (19).

(5) البروج (9).

(6) الحق الواضح المبين (ص35 و36).

(7)سورة النّساء:الآية:134

(8)سورة الرّعد الآية:10

(9)سورة المجادلة1

(10)المجادلة.

[الصفحة: 174، 175 ]

****************************** ******************** *

التّوّاب

قال رحمه الله تعالى: التواب الذي لم يزل يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المنيبين فكل من تاب إلى الله توبة نصوحا تاب الله عليه(1).

وتوبته على عبده نوعان:

أحدهما:أنه يوقع في قلب عبده التوبة إليه، والإنابة إليه، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع عن المعاصي، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، وإستبدالها بعمل صالح.

والثاني: توبته على عبده بقبولها وإجابتها، ومحو الذنوب بها فإن التوبة النصوح تجب ما قبلها"(2).

جامع الناس: (3)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: "جامع النّاس ليوم لا ريب فيه، وجامع أعمالهم، وأرزاقهم، فلا يترك منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

وجامع ما تفرق واستحال من الأموات الأولين، والآخرين، بكمال قدرته، وسعة علمه"(4).

****************************** ********************

الجبـــّار(5):

قال رحمه الله تعالى: "الجبّار بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف، الجبّار للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به، ولجأ إليه"(6).

وله ثلاثة معان كلها داخلة باسمه الجبّار :

-فهو الذي يجير الضعيف، وكل قلب منكسر لأجله، فيجبر الكسير ويغني الفقير ويُيّسر على المعسر كل عسير، ويجبر المصاب بتوفيقه للثبات، والصبر، ويعيضه على مصابه أعظم الأجر إذا قام بواجبها،

ويجبر جبراً خاصاً قلوب الخاضعين لعظمته وجلاله، وقلوب المحبين بما يفيض عليها من أنواع كراماته، وأصناف المعارف والأحوال الإيمانية .

فقلوب المنكسرين لأجله جبرها دان قريب وإذا دعا الداعي فقال: "الّلهمّ أجبرني، فإنه يريد هذا الجبر الذي حقيقته اصلاح العبد ودفع جميع المكاره عنه".

المعنى الثاني: أنه القهّار لكلّ شيء، الذي دان له كل شيء، وخضع له كل شيء.

والمعنى الثالث: أنه العلي على كل شيء، فصار الجبار متضمناً لمعنى الرؤوف القهار العلي، وقد يراد به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء، ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفؤ أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه، وحقوقه"(7).

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(1) التفسير (5/623).

(2) الحق الواضح المبين (ص73) وتوضيح الكافية الشافية (ص126).

(3)أورده الشيخ رحمه الله تعالى ضمن أسماء الله الحسنى، وهذا الإسم من أسمائه المضافة إلى أفعاله، وقد بينت في الدراسة من أقوال أهل العلم أنه لا يشتق من الأفعال أسماء، ولا تدخل الأسماء المضافة في الأسماء الحسنى والله أعلم.

(4)التفسير (5/627).

(5) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} (الحشر: 23).

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى(شرح اسم: القدوس، السلام ، السميع، الشاكر، الشكور) 2024.

السّلام: (القدّوس- السّلام)(1)

قال رحمه الله تعالى: " ومن أسمائه القدّوس السّلام، أي: المعظم المنزّه عن صفات النّقص كلّها وأن يماثله أحد من الخلق، فهو المتنزّه عن جميع العيوب، والمتنزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(2) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}(3) {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}(4) {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً}(5) .

فالقدّوس كالسّلام، ينفيان كلّ نقص من جميع الوجوه، ويتضمّنان الكمال المطلق من جميع الوجوه، لأن النّقص إذا انتفى ثبت الكمال كلّه(6) فهو المقدّس المعظّم المنزّه عن كلّ سوء، السّالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النّقصان ومن كلّ ما ينافي كماله.

فهذا ضابط ما ينزّه عنه، ينزه عن كلّ نقص بوجه من الوجوه، وينزّه ويعظم أن يكون له مثيل أو شبيه أو كفو أو سميّ أو ندّ أو مضاد، وينزّه عن نقص صفة من صفاته الّتي هى أكمل الصّفات وأعظمها وأوسعها.

ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له فإن التّنزيه مراد لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظّنون السّيّئة كظنّ الجاهلية الذين يظنّون به ظنّ السّوء، ظنّ غير ما يليق بجلاله وإذا قال العبد مثنياً على ربّه "سبحان الله" أو "تقدّس الله" أو "تعالى الله" ونحوها كان مثنياً عليه بالسّلامة من كلّ نقص وإثبات كلّ كمال "(7).

————————

(1) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلام} (الحشر: 23).

(2) الشورى (11).

(3) الإخلاص (4).

(4) مريم (65).

(5) البقرة (22).

(6) التفسير (5/623).

(7) الحق الواضح المبين (ص81 و82) وانظر: توضيح الكافية الشافية (ص127).



القعدة


السّميع(1):

قال رحمه الله تعالى:"ومن أسمائه الحسنى السّميع الذي يسمع جميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فالسّرّ عنده علانية و البعيد عنده قريب(2).

وسمعه تعالى نوعان:

أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظّاهرة والباطنة، الخفيّة والجليّة، وإحاطته التّامة بها.

والثّاني: سمع الإجابة منه للسّائلين والدّاعين والعابدين فيصيبهم ويثيبهم، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}(3) وقول المصلّي سمع الله لمن حمده أي استجاب"(4).

(الشّاكر (5)- الشّكور)(6)

قال رحمه الله تعالى: "ومن أسمائه تعالى الشّاكر الشّكور وهو الذي يشكر القليل من العمل الخالص النّقيّ النّافع، ويعفو عن الكثير من الزّلل ولا يضيع أجر من أحسن عملا بل يضاعفه أضعافاً مضاعفة بغير عدٍ ولا حساب، ومن شكره أنه يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة،

وقد يجزئ الله العبد على العمل بأنواع من الثّواب العاجل قبل الآجل، وليس عليه حق واجب بمقتضى أعمال العباد وإنّما هو الذي أوجب الحقّ على نفسه كرماً منه وجوداً، والله لا يضيع أجر العاملين به إذا أحسنوا في أعمالهم وأخلصوها لله تعالى(7).

فإذا قام عبده بأوامره، وامتثل طاعته أعانه على ذلك، وأثنى عليه، ومدحه، وجازاه في قلبه نوراً وإيماناً وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطاً وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق.

ثم بعد ذلك يقدم على الثّواب الآجل عند ربّه كاملاً موفوراً، لم تنقصه هذه الأمور.

ومن شكره لعبده، أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن تقرّب منه شبراً تقرّب منه ذراعاً، ومن تقرّب منه ذراعاً تقرّب منه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، ومن عامله ربح عليه أضعافاً مضاعفة "(8).

———
(1) سبق زيادة إيضاح لهذا الاسم مع اسمه تعالى البصير.

(2) توضيح الكافية الشافية (ص118).

(3) إبراهيم (39).

(4) الحق الواضح المبين (ص35) انظر: التفسير (5/622).

(5) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} (النساء:147).

(6) ودليل هذا الاسم قال سبحانه: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} (التغابن: 17).

(7) توضيح الكافية الشافية (ص125-126) الحق الواضح المبين (ص70).

(8) التفسير (1/185 و 5/630).

[ الصّفحات: من 209 إلى 211 ]