. 11. وَلسْنَا إذَا قُلنَا جَرَتْ بِمَشِيئَةِ … مِنْ المُنْكِرِي آيَاتِهِ المُسْتَقِيمَةِ
وإن قلنا أن كل شيء بقضاء وقدر ، فلا ننكر حكمته ، وشريعته ، ولا ننفي مسئولية الإنسان عن فعله ، وأنه مكلف بالشرائع ، وطالب بمراعاة احلال والحرام
13. بَل الحَقُّ أَنَّ الحُكْمَ للهِ وَحْدَهُ … لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ الذِي فِي الشَّرِيعَةِ(5)
إن أردت الحق ، فلا بد إن ترد الحكم الكوني المظهر للقدرة ، والحكم الشرعي
المظهر للحكمة إلى الله وحده ، فبالحكم الكوني خلق وقضى وقدر ، وبالحكم الشرعي أمر وكلف واختبر قال تعالى" ألا له الخلق والأمر تبرك الله رب العالمين"
14. هُوَ المَلكُ المَحْمُودُ فِي كُل حَالةٍ … لهُ المُلكُ مِنْ غَيْرِ انْتِقَاصٍ بِشِرْكَةِ
خلق الأشياء ، وجعل الاختيار في الإنس والجن لا يعني وجود أكثر من خالق ، فلو كان الإنسان يخلق الشر ، لكانوا أربابا مع الله ، ولهم نصيب من الملك يشاركون الله عز وجل فيه قال تعالى " وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا"
15. فَمَا شَاءَ مَوْلانَا الإِلهُ، فَإِنَّهُ … يَكُونُ. وَمَا لا لا يَكُونُ بِحِيلةِ
أي أن مشيئة الله عز وجل عامة ، لأفعال العباد وغيرها ، والعباد ليس لهم مشيئة مستقلة ، بل أن مشيئتهم في الاختيار متوقفة على مشيئة الله سبحانه وتعالى .
16. وَقُدْرَتُهُ لا نَقْصَ فِيهَا، وَحُكْمُهُ … يَعُمُّ. فَلا تَخْصِيصَ فِي ذِي القَضِيَّةِ
قدرة الله عز وجل مطلقة ، وليست كقدرة المخلوق الذي قد يقدر الأمر ولا يقدر على تنفيذه ، والذي يعنيه أن الله سبحانه وتعالى هو خالق العباد وأفعالهم بقدرته سواء كانت أفعالهم خير أو شر ، كذلك حكمه صادر عن حكمة ، وحكمة الله عامة شاملة في كل الخلائق ، ليس فيها تخصيص ، إن عذب الكافر فبعدله وحكمته ، وإن أنعم على المؤمن فبفضله ورحمته .
17. أُرِيدَ بِذَا أَنَّ الحَوَادِثَ كُلهَا … بِقُدْرَتِهِ كَانَتْ، وَمَحْضِ المَشِيئَةِ
أي أن جميع المخلوقات (الحوادث) إنما خلقت بقدرة الله ومشيئته المحضة ( بمراتب القدر) التي لا دخل لغيره فيها
18. وَمَالكُنَا فِي كُل مَا قَدْ أَرَادَهُ … لهُ الحَمْدُ حَمْدًا يَعْتَلي كُل مدحة
فالله عز وجل مالكنا ، وكل ما أراده كونا أو شرعا فله الحمد كله والثناء ، فهو سبحانه الحميد المجيد ، الذي يفعل الخير ، ويأمر به لا لممصلحة تعود عليه ، ولكن لمصلحة تعود على المأمور .
19. فَإِنَّ لهُ فِي الخَلقِ رَحْمَتَهُ سَرَتْ … وَمَنْ حِكَمٍ فَوْقَ العُقُول الحَكِيمَةِ
أي أن رحمة الله عامة في الخلق أجمعين ، وهنا رحمة خاصة بالمؤمنين ،وقوله : وَمَنْ حِكَمٍ فَوْقَ العُقُول الحَكِيمَةِ ، أي أنك إذا نظرت في الأشياء ستجد أمورا تحار فيها العقول ، أبدعها سبحانه بمنتهى الإتقان ، والعلم والحكمة مما يدل على وجود إرادة لله عز وجل في سائر الأشياء ، سواء كانت إرادة كونية ، أو شرعية .
20. أُمُورًا يَحَارُ العَقْلُ فِيهَا إذَا رَأَى … مِنْ الحِكَمِ العُليَا وَكُل عَجِيبَةِ
لله عز وجل أمور إذا تأملتها تحار وهي جارية على أسبابها ، والكل يأخذ بها ، ويعمل بحكم الله الكوني في الأخذ بالأسباب للوصول إلى النتائج ، كذلك اقتضت حكمت الله تعالى أن من أراد الجنة فلا بد أن يأخذ بأسبابها .
21. فَنُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ عَزَّ بِقُدْرَةِ … وَخَلقٍ وَإِبْرَامٍ لحُكْمِ المَشِيئَةِ
22. فَنُثْبِتُ هَذَا كُلهُ لإِلهِنَا … وَنُثْبِتُ مَا فِي ذَاكَ مِنْ كُل حِكْمَةِ
نؤمن بأن كل شيء بقضاء وقدر ، خلق الأشياء بقدرته ، ووقضاها قضاء مبرما موافقا لحكم المشيئة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، له القدرة المطلقة في تنفيد ما قد قضاه وقدره ن وجميع أفعاله لا تخرج عن حكمته ،
فبالقدرة خلق الأشياء واوجدها ، وهذا توحيد الربوبية ، وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وانتلانا واستخلفنا وكلفنا لنأخذ بها تحقيقا لتوحيد الألوهية .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(5) أي الامر الذي في سورة الشريعة ( الشورى) حمله على الأمر الشرعي ، وهو يحتمل الأمرين معا .
23. وَهَذَا مَقَامٌ طَالمَا عَجَزَ الأُولى … نَفَوْهُ وَكَرُّوا رَاجِعِينَ بِحِيرَةِ
العبد في إيمانه بالقدر لابد أن يجمع بين الإيمان بالقدرة ، والحكمة ، وعدم الجمع بينهما هو منشأ ضلال الأُوَل في القضاء والقدر ، إن عجزوا عن فهمه نَفَوه .
24. وَتَحْقِيقُ مَا فِيهِ بِتَبْيِينِ غَوْرِهِ … وَتَحْرِيرِ حَقِّ الحَقِّ فِي ذِي الحَقِيقَةِ
25. هُوَ المَطْلبُ الأَقْصَى لُرُوَّادِ بَحْرِهِ … وَذَا عُسْرٍ فِي نَظْمِ هذي القَصِيدَةِ
26. لحَاجَتِهِ إلى بَيَانٍ مُحَقِّقٍ … لأَوْصَافِ مَوْلانَا الإِلهِ الكَرِيمَةِ
27. وَأَسْمَائِهِ الحُسْنَى، وَأَحْكَامِ دِينِهِ … وَأَفْعَالهِ فِي كُل هذي الخَليقَةِ
تبيين غوره ، وهو التفريق بين الإرادة الكونية ، والشرعية ، والمشيئة والإرادة ، وتؤمن بأن الله له مطلق القدرة ، وله مطلق الحكمة ، لابد من مراعاة ذلك وإلا فستقع في الضلالات .
وتحرير الحق أن تؤصل المسألة أولا في باب الأسماء والصفات فتثبت للله عز وجل ما أثبته لنفسه من أنواع الكمالات في توحيد الاسماء والصفات والأفعال .
وهذا المطلوب الأقصى لمن أراد أن يدخل في هذا البحر العميق ، وهذا عسر بيانه في هذا النظم ، لأنه يحتاج إلى بيان تفصيلي لأسماء وأوصاف وأفعال الإله ،وما ينبغي علينا أن نؤمن به في هذا الجانب من شمولية إفعاله في كل هذه الخليقة ، وما تقتضيه من العمل بأحكام دينه ، وتوحيد العبودية له وحده .
28. وَهَذَا بِحَمْدِ اللهِ قَدْ بَانَ ظَاهِرًا … وَإِلهَامُهُ للخَلقِ أَفْضَلُ نِعْمَةِ
أي أن الأسماء والصفات بينها الله تبارك وتعالى بيانا واضحا شافيا في القرآن والسنة ، ولم يُترك هذا الباب لعقولنا ، وألهمنا في فطرنا أن نتلقى خبره بالتصديق ، فالفطرة مستعدة لتصديق الأخبار في الأسماء والصفات والأفعال .
29. وقد قِيل فِي هَذَا وَخَطُّ كِتَابِهِ … بَيَانُ شِفَاءٍ للنُّفُوسِ السَّقِيمَةِ
يشير إلى ضلالات المتكلمين في كلام رب العالمين ، وقوله : وخط كتابه : يشير إلى عدم تقديم العقل على النقل ، وأنه ينبغي الرجوع إلى كتاب رب العالمين في باب الأسماء والصفات والأفعال ، فمن رجع إليه وجد فيه بيان شفاء .
30. قَوْلُكَ: لمَ قَدْ شَاءَ؟ مِثْلُ سُؤَال مَنْ … يَقُولُ: فَلمَ قَدْ كَانَ فِي الأَزَليَّةِ
أي سؤالك هذا مثل قول من يقول :لماذا هو رب وأنا عبد ؟لما كان رب العالمي إلها
31. وَذَاكَ سُؤَالٌ يُبْطِلُ العَقْلُ وَجْهَهُ … وَتَحْرِيمُهُ قَدْ جَاءَ فِي كُل شِرْعَةِ
فكل الشرائع السابقة تحرم سؤال السائل لم قد شاء؟ لأن هذا اعتراض على وجود الخالق ، وهذا الكلام أيضا يبطله العقل .
. وَفِي الكَوْنِ تَخْصِيصٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ مَنْ … لهُ نَوْعُ عَقْلٍ: أَنَّهُ بِإِرَادَةِ
33. وَإِصْدَارُهُ عَنْ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ … أَوْ القَوْلُ بِالتَّجْوِيزِ رَمْيَةُ حِيرَةِ
تخصيصا : أي اختلاف الناس في خلقتهم ، هذا التنوع يدل على وجود إرادة لمن أوجده، في أن يعطي هذا ويمنع هذا .
ولم نجد المخلوقات تخرج كنموذج واحد ، أو أنها صدرت دفعة واحدة جوَّزها من نظر إلى المخلوقات بمثل هذا الكلام المحير ، بل هناك مشيئة للخالق بها خلق وخصص لكل مخلوق نصيبه تحقيقا لبتلائه بحكمته .
34. وَلا رَيْبَ فِي تَعْليقِ كُل مُسَبَّبٍ … بِمَا قَبْلهُ مِنْ عِلةٍ موجبية
35بَل الشَّأْنُ فِي الأَسْبَابِ، أَسْبَابُ مَا تَرَى … وَإِصْدَارُهَا عَنْ الحُكْمِ مَحْضُ المَشِيئَةِ
أي أن العلل والأسباب سواء ترابطت أو انفصلت لا يوثر ذلك في تعلقها بمشيئة الله وخلقه ، ولكن العلل ، والاسباب ترابطها ، وانفصالها ظاهر عن كمال حكمته ، ولا ريب في تعلق كل مسبب بما قبله فالله عز وجل جعل الحياة مبنية على ترابط الأسباب بحيث لا يخلق النتيجة إلا إذا خلق السبب أولا ،
وأهل اليقين ينظرون إلى الأسباب ويعلمون أن الله عز وجل خلقها بمراتب القدر ، ولا ريب أن الله عز وجل قدر مقادير الخلائق قبل خلقهم ، وشاء أنها ستقع في أوقاتها المعلومة عنده ، فهي تقع على حسب ما قدرها ، وفي المقابل لابد للعبد أن يؤمن بأن المقادير مقدرة بأسبابها فالسبب ، والمسبب واقع بقدر الله تعالى .
36. وَقَوْلُكَ: لمَ شَاءَ الإِلهُ؟ هُوَ الذِي … أَزَل عُقُول الخَلقِ فِي قَعْرِ حُفْرَةِ
أي أن هذا الذمي وقع في قعر حفرة من الضلال لأنه أراد أن يحاكم الرب جل وعلى ، ويحاسبه على أفعاله .
37. فَإِنَّ المَجُوسَ القَائِلينَ بِخَالقِ … لنَفْعِ، وَرَبٍّ مُبْدِعٍ للمَضَرَّةِ
38. سُؤَالُهُمْ عَنْ عِلةِ السِّرِّ، أَوْقَعَتْ … أَوَائِلهُمْ فِي شُبْهَةِ الثنوية
المعتزلة الذين قالوا بأن الله لا يخلق إلا الخير ، وأن الإنسان هو الذي خلق الشر وأوجده ،أطلق عليهم أهل السنة مجوس هذه الأمة ، لأن عقيدة المجوس أنهم جعلوا إلها لخير ، وإلها للشر .
وسؤال السائل على وجه الاعتراض لم شاء كذا ؟ ما العلة في أن يفعل كذا ؟ هذا الذي أوقع المجوس في شبهة الثانوية أي الثنائية في وجود الإله .
39. وَإِنّ َ ملاحيد الفَلاسِفَةِ الأُولى … يَقُولُونَ بِالفِعْل القَدِيمِ لعِلةِ
40. بَغَوْا عِلةً للكَوْنِ بَعْدَ انْعِدَامِهِ … فَلمْ يَجِدُوا ذَاكُمْ، فَضَلُّوا بِضَلةِ
أي أن الفلاسفة يقيسوا أفعال الخالق على نظام الأسباب التي نعرفها فجعلوا ذات الله علة يصدر عنها معلول كسائر الأسباب في تولدها عن بعضها ، جعلوا ذات الإله والدة للكون بما فيه .
وفرق بين وجود الشيء ، وفعل الله الذي أوجده ، ففعل الله صفة من صفاته ، وليست الذات علة لمفعولات ، والفرق واضح بين ذات الله وصفاته من ناحية ، وبين مفعولاته ومخلوقاته من ناحية أخرى
41. وَإِنَّ مبادي الشَّرِّ فِي كُل أُمَّةٍ … ذَوِي مِلةٍ مَيْمُونَةٍ نَبَوِيَّةِ
42. بخوضهم فِي ذَاكُمو، صَارَ شِرْكُهُمْ … وَجَاءَ دُرُوسُ البَيِّنَاتِ بِفَتْرَةِ
أي أن بداية الشر الذي يظهر في أي أمة لها وحي وشرائع ، تقديم عقولهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم . ، فيبتدعون في العقائد والعبادات ، وب فترة من انتشار البدع وقيام الناس عليها يدرس الحق ويختفي 32
62. وَإِلا فَكُلُّ الخَلقِ فِي كُل لفْظَةٍ … وَلحْظَةِ عَيْنٍ، أَوْ تَحَرُّكِ شَعْرَةِ
63. وَبَطْشَةِ كَفٍّ، أَوْ تَخَطِّي قُدِيمَةٍ … وَكُل حَرَاكٍ، بَل وَكُل سَكِينَةِ
64. همو تَحْتَ أَقْدَارِ الإِلهِ وَحُكْمِهِ … كَمَا أَنْتَ فِيمَا قَدْ أَتَيْتَ بِحُجَّةِ
وإلا فكل الخلق في كل لحظة ، في كل حركة جفن أو حركة شعرة ، أو بطسشة كفٍ أو خطوة قدم ، وكل حركة أو سكنة هم تحت مشيئة الله عز وجل وحكمه، سواء كانت طاعة أو معصية ، وهي حجة لهم كما هي حجة لك ، والحجة في الإجرام إن كانت القضاء والقدر ، فهي الحجة في المعاقبة عليه ، فمن سرق بقدر الله قطعت يده بقدر الله ،
وأتباع الرسل يعملون بالأمر الشرعي ، ويؤمنون بالقضاء الكوني ، أما أعداء الله عز وجل فيعصون أمر الله ، ويحتجون بقضائه وقدره على معصيته
65. وَهَبْكَ رَفَعْتَ اللوْمَ عَنْ كُل فَاعِلٍ … فِعَالا رَدًى، طَرْدًا لهذي المَقِيسَةِ
66. فَهَل يُمْكِنُ رَفْعُ المَلامِ جَمِيعِهِ … عَنْ النَّاسِ طَرًّا عِنْدَ كُل قَبِيحَةِ؟
لو فرضنا أننا لا نلوم أحداً في الدنيا على عصيانه ،وأفعاله الردية قياسا على احتجاجك بالقدر على معصيتك فهل يمكن أن نرفع الملام عن الناس جميعا في عصيانهم ، وإجرامهم ؟! .
67. وَتَرْكُ عُقُوبَاتِ الذِينَ قَدْ اعْتَدَوْا … وَتَرْكُ الوَرَى الإِنْصَافَ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ
68. فَلا تُضْمَنَنْ نَفْسٌ وَمَالٌ بِمِثْلهِ … وَلا يُعْقَبَنْ عَادٌ بِمِثْل الجَرِيمَةِ
وأن لا يُعاقَب المعتدي ، وترك الحُكام ، والأُمراء العدل بين الرعية ، فلا يلزم القصاص في قتل النفس عمدا ، ولا يضمن المال التالف بمثله إذا فرط من كان بيده هذا المال ، ولا يعاقب المجرم على جريمته .
69. وَهَل فِي عُقُول النَّاسِ، أَوْ فِي طِبَاعِهِمْ … قَبُولٌ لقَوْل النَّذْل: مَا وَجْهُ حِيلتِي؟
ولو قال قائل بقول هذا الذمي في مطالبته بعدم محاسبته على جُرمه محتجا بأنه مجبور ولا حيلة له في نذالته ، هل عقول الناس وطباعهم تقبل هذا ؟!
70. وَيَكْفِيكَ نَقْضًا مَا بِجِسْمِ ابْنِ آدَمَ … صَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ، وَكُل بَهِيمَةِ
71. مِنْ الأَلمِ المَقْضِيِّ فِي غَيْرِ حِيلةٍ … وَفِيمَا يَشَاءُ اللهُ أَكْمَلُ حِكْمَةِ
ويكفي لنقض سؤالك في تبرير الكفر بالقضاء والقدر، أن حكمة الله عز وجل ومشيئته اقتضت أن الصبي أو المجنون أو البهيمة إذا أصابها وجع وألم تَوَ جَّعت وتألمت ، ولو أردت أن تضرب الطفل الصغير أو المجنون سعى مباشرة لضربك ، وسعت البهيمة لنطحك، ودفع الشر عن نفسها ، فكيف تريد أن تكف اللَّوم عن المجرمين ، والكافرين ، والمشركين ، وتطاب برفع العقوبات وتحتج بالمشيئة .
72. إذَا كَانَ فِي هَذَا لهُ حِكْمَةٌ … فَمَا يُظَنُّ بِخَلقِ الفِعْل، ثُمَّ العُقُوبَةِ؟
إن كانت حكمت الدفع بمعاقبة المعتدي ، ورد الأذى ، ودفع الشر هي في أفعال غير المكلفين ألا يكون ذلك في أفعال الإنسان أولى ، أليس الكمال في وجود الشرائع والأحكام ، وتمييز الحلال والحرام ، ووجود الثواب والعقاب .
73. وَكَيْفَ، وَمِنْ هَذَا عَذَابٌ مُوَلَّدٌ … عَنْ الفِعْل، فِعْل العَبْدِ عِنْدَ الطَّبِيعَةِ؟
74. كَآكِل سُمٍّ، أَوْجَبَ المَوْتَ أَكْلُهُ … وَكُلٌّ بِتَقْدِيرِ لرَبِّ البَرِيَّةِ
اقتضت حكمة الله عز وجل أن الأسباب الطبيعية نفسها يتولد عنها نتائج سوآء كانت مؤلمة أو مُبهجة فلكل فعل رد فعل فمن أكل سما كانت النتيجة الحتمية الموت ، فمن أكل السم أكله بقدر الله ، ومات أيضا بقدر الله ، لكنه مات مخالفا لشرع الله وأمره ، واحتجاجه بالقدر لا يعافيه من العقوبة لأنه خالف شرع اللع ، وكما أن مخالفة شرع الله يؤدي إلى النار فإن موافقة شرع الله يؤدي إلى الجنة ، وجميع الأسباب بتقدير الله عز وجل
75. فَكُفْرُكَ يَا هَذَا؛ كَسُمِّ أَكَلتَهُ … وَتَعْذِيبُ نَارٍ. مِثْلُ جَرْعَةِ غُصَّةِ
أي أن العقوبات مبنية على أسباب يباشرها الإنسان ويأخذ بها ، شأنها شأن من مات بأكله السم ، وكمن وقف الماء في حلقه حال شربه ، فعذاب النار ناشئ ايضا عن سبب أخذ به الإنسان ، وهذا السبب هو كفره برب العزة والجلال ، وممخالفة الإرادة الشرعية .
76. أَلسْتَ تَرَى فِي هَذِهِ الدَّارِ مَنْ جَنَى … يُعَاقَبُ. إمَّا بالقضا. أَوْ بِشِرْعَةِ؟
77. وَلا عُذْرَ للجَانِي بِتَقْدِيرِ خَالقٍ … كَذَلكَ فِي الأُخْرَى بِلا مَثْنَوِيَّةِ
أي أننا نرى في دار الدنيا أن الجاني يُعاقب عند القاضي بالقوانين الوضعية أو الشرعية ، ولا يقبل القاضي عذراً من الجاني أنه فعل الجرم بقضاء الله وقدره ،فإن كان هذا في الدنيا ففي الآخرة من باب أولى ، ولا نقول بوجود إلهين إله يحاسب على الخير ، وإله يحاسب على الشر بلأ هو سبحانه إله واحد .
78. وَتَقْدِيرُ رَبِّ الخَلقِ للذَّنْبِ مُوجِبٌ … لتَقْدِيرِ عُقْبَى الذَّنْبِ إلا بِتَوْبَةِ
أي أن الله عز وجل قدَّر الذنب ، فهو واقع بخلق الله وتقديره ، وقدر الله عز وجل عقبى الذنب النار فكما قدر السبب ، قدر النتيجة إلا أن يتوب هذا الذي أساء .
79. وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ المَتَابِ لرَفْعِهِ … عَوَاقِبَ أَفْعَال العِبَادِ الخَبِيثَةِ
التوبة ترفع الذنب ، والتوبة من تقدير الله عز وجل قال تعالى " ثم تاب عليهم ليتوبوا " وأيضا ما كان من جنس التوبة يمح عواقب أعمال العباد السيئة .
80. كَخَيْرِ بِهِ تُمْحَى الذُّنُوبُ. وَدَعْوَةٍ … تُجَابُ مِنْ الجَانِي. وَرَبِّ شَفَاعَةِ
يضرب أمثلة لما تمح به الذنوب : كفعل الخير ، دعاء الله عز وجل أن يغفر ذنوبه ، أو بالشفاعة .
81. وَقَوْلُ حَليفِ الشَّرِّ: إنِّي مُقَدَّرٌ … عَليَّ. كَقَوْل الذِّئْبِ: هذي طَبِيعَتِي
وقول حليف الشر أي هذا الذمي السائل ( سماه كذلك لزعمه أن الشر مقدر عليه ) يشبه قول الذئب هذه طبيعتي ، أي الافتراس ، وأكل حقوق الآخرين بالباطل ، وفي المقابل يطالب الآخرين بأن يكونوا حملا وديعا ولا يكونوا ذئابا ليفترسهم هو .
82. وَتَقْدِيرُهُ للفِعْل يَجْلبُ نِقْمَةً … كَتَقْدِيرِهِ الأَشْيَاءَ طُرًّا بِعِلةِ
وتقدير الله لأفعال الإنسان سبب في تقدير الله عز وجل لنتائج فعله كما هو الحال في سائر الأسباب والنتائج ، فتقدير الله عز وجل للأفعال وما يترتب عليها من النعم والنقم ، لا ينافي الحكمة في معاقبة الجاني ، وإكرام الطائع ، وذلك شأنه شأن الأسباب والنتائج التي يخلقها على الدوام ، ولم يمنع تقديره لها أن تكون أسبابا نأخذ بها في حياتنا ونحقق الحكمة من وجودنا .
83. فَهَل يَنْفَعَنْ عُذْرُ المَلُومِ. بِأَنَّهُ … كَذَا طَبْعُهُ. أَمْ هَل يُقَالُ لعَثْرَةِ؟
84. أَمْ الذَّمُّ وَالتَّعْذِيبُ أَوْكَدُ للذِي … طَبِيعَتُهُ فِعْلُ الشُّرُورِ الشَّنِيعَةِ؟
فهل ينفع الظالم أن يبرر ظلمه بأن الظلم طبع فيه ويجب عذره على جُرمه،أم أن هذا يحتم علينا ذمَّه ، وتعذيره ، وتعذيبه حتى يرجع عن أفعاله هذه ؟!
85. فَإِنْ كُنْتَ تَرْجُو أَنْ تُجَابَ بِمَا عَسَى … يُنْجِيكَ مِنْ نَارِ الإِلهِ العَظِيمَةِ
إن كنت ترجو يستجيب الله لك وينجيك من ناره العظيمة .
86. فَدُونَكَ رَبُّ الخَلقِ، فَاقْصِدْهُ ضَارِعًا … مُرِيدًا لأَنْ يَهْدِيَكَ نَحْو الحَقِيقَةِ
فاقصد الله عز وجل بالتضرع إليه ، بإرادة صادقة أن يهديك إلى الحق
87. وَذَلل قِيَادَ النَّفْسِ للحَقِّ، وَاسْمَعَنْ … وَلا تُعْرِضَنْ عَنْ فِكْرَةٍ مُسْتَقِيمَةِ
واجعل نفسك ذيلة لربك مستجيبة له ، ولا تعرضن عن خواطر الخير، والأفكار المستقيمة الداعية إلى العمل بشرع الله عز وجل ، والإيمان بقضائه وقدره .
88. وَمَا بَانَ مِنْ حَقٍّ فَلا تَتْرُكَنَّهُ … وَلا تَعْصِ مَنْ يَدْعُو لأَقْوَمِ شِرْعَةِ
89. وَدَعْ دِينَ ذَا العَادَاتِ، لا تَتْبَعَنَّهُ … وَعُجْ عَنْ سَبِيل الأُمَّةِ الغَضَبِيَّةِ
وإذا بان لك الحق فاتبعه ، ولا تتركه ومن دعال إلى الإسلام الذي هو أقوم شريعة فلا تعصي الداعي ، واترك دين العادات والموروثات الباطلة ، وابتعد عن الأمة الغضبية ، أي : اليهودية التي غضب الله عز وجل على أبنائها وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت .
90. وَمَنْ ضَل عَنْ حَقٍّ فَلا تَقْفُوَنَّهُ … وَزِنْ مَا عَليْهِ النَّاسُ بالمَعْدلية
ومن ضل عن الحق فلا تخطو ، ولا تقف خلفه ، واجعل ميزان العدل والحق الذي ورد به النقل هو الحاكم على أقوال الناس وأفعالهم
91. هُنَالكَ تَبْدُو طَالعَاتٌ مِنْ الهُدَى … تُبَشِّرُ مَنْ قَدْ جَاءَ بِالحَنِيفِيَّةِ
92. بِمِلةِ إبْرَاهِيمَ. ذَاكَ إمَامُنَا … وَدِينِ رَسُول اللهِ خَيْرِ البَرِيَّةِ
93. فَلا يَقْبَلُ الرَّحْمَنُ دِينًا سِوَى الذِي … بِهِ جَاءَتْ الرسل الكِرَامُ السَّجِيَّةِ
أي إذا التزمت أيها الذمي بالنصيحة التي قُدِّمت لك فسوف تجد نور الهدى ، والحق يقذفه الله في قلبك ، وتجد البشرى عند نجاتك من النار لأنك تلقى الله بالحنفية السمحة ، دين إبراهيم عليه السلام إمام الحُنفاء ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، ذلك الدين الذي لن يقبل الله عز وجل سواه ، وهو دين الفطرة الذي دعا إليه جميع ارسل .
94. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الحَاشِرُ الخَاتَمُ الذِي … حَوَى كُل خَيْرٍ فِي عُمُومِ الرِّسَالةِ
95. وَأَخْبَرَ عَنْ رَبِّ العِبَادِ بِأَنَّ مَنْ … غَدَا عَنْهُ فِي الأُخْرَى بِأَقْبَحِ خَيْبَةِ
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم قد جاء في رسالته بكل أنواع الخيرات ، والطاعات ، وحذر من كل أنواع الشرور والمعاصي ، وأخبر عن ربه أنه من لم يدخل في دينه ، أو اتبع دين غيره فسينال الخيبة والخُسران في الآخرة كما قال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )(آل عمران 85)
وقال صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار } رواه مسلم
96. فهذي دِلالاتُ العِبَادِ لحَائِرِ … وَأَمَّا هُدَاهُ فَهُوَ فِعْلُ الرُّبُوبِيَّةِ
أي أن ما ذُكر من الدعوة إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، هي هداية الدلالة والإرشاد ، وهي بيان الصراط المستقيم الذي يؤدي اتباعه إلى الجنة ، ويؤدي مخالفته إلى النار ، أما هُداه ، أي الهداية الكونية فهي فعل الربوبية ، فالله عز وجل يختص برحمته وهدايته الكونية من يشاء
وقوله : للعباد الحائر: هذا رداً على قول الذمي : فقد حِرت دلوني بأوضح حجة .
97. وَفَقْدُ الهُدَى عِنْدَ الوَرَى لا يُفِيدُ مَنْ … غَدَا عَنْهُ، بَل يَجْرِي بِلا وَجْهِ حُجَّةِ
أي أن الله عز وجل لو لم يهد العباد كونا فيما قدره في اللوح المحفوظ ، فليس ذلك بحجة على عصيانه ، لأننا لا نعلم شيئاً عما في اللوح المحفوظ ، فهو سر الله في خلقه لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل
ومن ثم بالاحتجاج بالقدر وعدم حصول الهداية الكونية لا يفيد من ابتعد عن شرع الله عز وجل ، عن هداية الدينية التكليفية ، ولا تكون له حجة .
98. وَحُجَّةُ مُحْتَجٍّ بِتَقْدِيرِ رَبِّهِ … تَزِيدُ عَذَابًا، كَاحْتِجَاجِ مَرِيضَةِ
أي أن من يفعل المعصية ، ويحتج بالقضاء والقدر ، فهذا يزيد عذابه ، كاحتجاج المريض بأن المرض أصابه بقدر الله عز وجل ولا يبحث عن أسباب الدواء ، لأن الله لو شاء شفاه كما جرى به التقدير في سابق القضاء .
99. وَأَمَّا رِضَانَا بِالقَضَاءِ فَإِنَّمَا … أُمِرْنَا بِأَنْ نَرْضَى بِمِثْل المُصِيبَةِ
100. كَسَقَمِ، وَفَقْرٍ، ثُمَّ ذُلٍّ، وَغُرْبَةِ … وَمَا كَانَ مِنْ مُؤْذٍ، بِدُونِ جَرِيمَةِ
وما أمرنا به من الرضا بالقضا ، فهو ما وقع علينا من المصائب والإبتلاءات ، فيحتج يالقضاء والقدر عند المصائب لا عند المعائب
ومثَّل بذلك كالمرض ، والفقر والذل والغربة ، وغيرها من الأشياء المؤذية التي ليست هي ليس للعبد فيها اختيار
101. فَأَمَّا الأَفَاعِيلُ التِي كُرِهَتْ لنَا … فَلا تُرْتَضَى، مَسْخُوطَةً لمَشِيئَةِ
أي أن أفعال العباد التي كُرهت لنا شرعا كالمعاصي ، والذنوب ، والكفر، والشرك لا أحد يرضى بها ويقول هذا قضاء وقدر بل هي مسخوطة عند لله عز وجل ، ونحن نسخطها ، ونغضب من فاعلها ولا نرضاها .
102. وَقَدْ قَال قَوْمٌ مِنْ أُولي العِلمِ لا رِضًا … بِفِعْل المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ الكَبِيرَةِ
103. وَقَال فَرِيقٌ: نَرْتَضِي بِقَضَائِهِ … وَلا نَرْتَضِي المَقْضِيَّ أَقْبَحَ خَصْلةِ
أي وقال قوم من علماء المسلمين ، أنه لا أحد يرضى بفعل المعصية ، ويحتج بقدر الله ، وهم يفرقون بين الفعل والمفعول ، فمن جانب فعل الله عز وجل ، فنحن نرضى بما في اللوح المحفوظ ، وإن كنا لا نعلم عنه شيئاً ، أما الذي وقع منا فحيث ما يكون قبيحا فلا نرضاه ، والذي يحدد لنا القُبح والحسن هو الشرع .
104. وَقَال فَرِيقٌ نَرْتَضِي بِإِضَافَةِ … إليْهِ. وَمَا فِينَا فَنُلقِي بِسَخْطَةِ
أي تضاف إلى الله تعالى خلق الأسباب ، والنتائج ، ولكن اكتساب السبب الذي يؤدي إلى أن يخلق الله عز وجل نتيجته هو دور العبد وكسبه ولا نرضاه إن كان مخالفا للشرع بل نسخطه .
وهذه الأقوال ليست آراء مختلفة في فهم العلاقة بين فعل العبد ، وفعل الرب ، ولكنها تعبير عن العلاقة بين فدرة الله وحكمتهفي ضرورة الإيمان بهما جميعا
105. كَمَا أَنَّهَا للرَّبِّ خَلقٌ، وَأَنَّهَا … لمَخْلُوقِهِ، ليْسَتْ كَفِعْل الغَرِيزَةِ
أي أن الله عز وجل خلق الدنيا بأسباب تؤدي إلى نتائج ، والسبب والنتيجة مخلوقان بمراتب القدر ، سواء ارتبط السبب بالنتيجة أو انفصل عنها ، فلا يؤثر ذلك في تعلقها بالقضاء والقدر ، ولكن الأسباب والنتائج في ترابطها أوانفصالها تُظهر كمال الحكمة فلا يخلق النتيجة إلا إذا خلق السبب أولا
والأمر في الأخذ بالأسباب مرتبط بالحساب والمسئولية ، ولا يجوز الاحتجاج بالغزيزة والطبع في استمرار الشخص على الظلم بل هي أسباب اكتسبها ويتحمل المسئولية عليها.
106. فَنَرْضَى مِنْ الوَجْهِ الذِي هُوَ خَلقُهُ … وَنَسْخَطُ مِنْ وَجْهِ اكْتِسَابِ الخَطِيئَةِ
أي أن الوجه الذي هوخلق وتقدير نرضى به لأن الله عز وجل هو خالق كل شئ وهو الذي قدر كل شئ لكن من جهة اكتساب الفعل فالإنسان مسئول عن أفعاله .
107. وَمَعْصِيَةُ العَبْدِ المُكَلفِ تَرْكُهُ … لمَا أَمَرَ المَوْلى، وَإِنْ بِمَشِيئَةِ
أي أن العصان سببه مخالفة الأمر الشرعي ، وليس مخالفة الأمر الكوني ، وإن كان معصيته وقعة بمشيئة الله عز وجل قال تعالى "وما تشاءون إلا أن يشاء الله" ، والإنسان إذا أراد الاستقامة ، فعليه أن يأخذ بأسبابها .
108. فَإِنَّ إلهَ الخَلقِ حَقٌّ مَقَالُهُ … بِأَنَّ العِبَادَ فِي جَحِيمٍ وَجَنَّةِ
أي أن أفعال العباد التي اكتسبوها عن طريق الأسباب لابد أن تٌؤدي إلى جنة ، أو إلى نار .
109. كَمَا أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ هَكَذَا … بَل البُهْمُ فِي الآلامِ أَيْضًا وَنِعْمَةِ
أي أن مسألة الثواب والعقاب هي واقعة في الدنيا بين الناس ، بل أن البهائم عندما تصاب بالتعب نتيجة العمل فإن صاحبها يحضر لها الطعام والشراب وكل وسائل الراحة ، ، وعندما تنفر ولا يستطيع السيطرة عليها يقوم بضربها .
110. وَحِكْمَتُهُ العُليَا اقْتَضَتْ مَا اقْتَضَتْ مِنْ ال … فُرُوقِ بِعِلمِ ثُمَّ أَيْدٍ وَرَحْمَةِ
أي أن حكمة الله عز وجل اقتضت أن يكون هناك فروق بين الناس ، لابتلاء العباد ، حتى تكون النتيجة في هذا الابتلاء النجاح أو الخيبة
فالقضية ليست قضية فقير ، وغني ، ولكن ولكن قضية نجاح في الكسب ، وهو أن الفقير يصبر ، والغني يشكر ، فهذه كلها أسباب يُحدث الله بها الفوارق بين الطبقات ، والهدف طاعة اله عز وجل في السراء والضراء ، قال تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .
.111. يَسُوقُ أُولي التَّعْذِيبِ بِالسَّبَبِ الذِي … يُقَدِّرُهُ نَحْوَ العَذَابِ بِعِزَّةِ
112. وَيَهْدِي أُولي التَّنْعِيمِ نَحْوَ نَعِيمِهِمْ … بِأَعْمَال صِدْقٍ، فِي رَجَاءٍ وَخَشْيَةِ
أي أن هناك أسباب خلقها الله عز وجل من أخذ بها ستؤدي به إلي التعذيب ، وهناك أسباب قدرها الله عز وجل من أخذ بها ستؤدي يهديه الله عز وجل بها نحو النعيم بتوفيقه ، وهدايته الكونية وييسر لهم أعمال البر .
113. وَأَمْرُ إلهِ الخَلقِ بَين مَا بِهِ … يَسُوقُ أُولي التَّنْعِيمِ نَحْوَ السَّعَادَةِ
114. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل السَّعَادَةِ أَثَّرَتْ … أَوَامِرُهُ فِيهِ بِتَيْسِيرِ صَنْعَةِ
115. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الشَّقَاوَةِ لمْ يَنَل … بِأَمْرِ وَلا نَهْيٍ بِتَقْدِيرِ شِقْوَةِ
أي أن الله عز وجل بَيَّن من خلال أوامره الشرعية التكليفية الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى السعادة ، فمن كان من أهل السعادة أثرت أوامر الله عز وجل فيه ، واستجاب لها بتيسير الله عز وجل للاسباب التي صنهعا ، ومن كان من أهل الشقاوة عاند ربه ، ولم يستجب لأنبيائه ورسله ، ولم يمتثل لأوامر الله .
116. وَلا مَخْرَجٌ للعَبْدِ عَمَّا بِهِ قُضِي … وَلكِنَّهُ مُخْتَارُ حُسْنٍ وَسَوْأَةِ
أي أنه مع ذلك لا مخرج له عما قدره الله في ملكه من خلقه لأهل الجنة والنار ،
لكن الإنسان تتمثل إرادته في اختياره العمل الحسن ، أو السيئ .
117. فَليْسَ بِمَجْبُورِ عَدِيمِ الإِرَادَةِ … وَلكِنَّهُ شَاءَ بِخَلقِ الإِرَادَةِ
أي أن الإنسان ليس بمجبور ولا عديم ال إرادة ، ولكن الله عز وج خلق له إرادة يختار بها بين طريقين طريق الخير ، وطريق الشر ، واختياره بينهما هو كسبه .
118. وَمِنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ خَلقُ مَشِيئَةٍ … بِهَا صَارَ مُخْتَارَ الهُدَى بِالضَّلالةِ
أي أن الله عز وجل خلق للإنسان إرادة يكون بها مختار بين الهدى والضلال .
119. فَقَوْلُكَ: هَل اخْتَارُ تَرْكًا لحِكْمَةِ؟ … كَقَوْلكَ: هَل اخْتَارُ تَرْكَ المَشِيئَةِ؟
أي قولك أيها السائل : هل لي اختيار أن أُخالف حكمه ، كقوللك هل لي اختيار ألاَّ يكون لي مشيئة ؟! فالشرع للإنسان فيه اختيار ، وإن قلت ليس لي اختيار كأنك تنفي الشرائع والأحكام .
120. وَأَخْتَارُ أَنْ لا اخْتَارُ فِعْلَ ضَلالةٍ … وَلوْ نِلت هَذَا التَّرْكَ فُزْتُ بِتَوْبَةِ
أي أن اختيار إسقاط الإرادة بادعاء أنك مجبر على العصيان ، لو تركت هذا الادعاء الباطل ، وتركت الضلالة نلت بذلك الفوز بالتوبة .
121. وَذَا مُمْكِنٌ، لكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ … عَلى مَا يَشَاءُ اللهُ مِنْ ذِي المَشِيئَةِ
وهذا ممكن لكن يتطلب استعانة بالله ، لأن التوفيق بيده وحده يؤتيه من يشاء من عباده .
122. فَدُونَك فَافْهَمْ مَا بِهِ قَدْ أُجَبْتَ مِنْ … مَعَانٍ إذَا انْحَلتْ بِفَهْمِ غَرِيزَةٍ
أي أن هذا الجواب حمل من المعاني ما لو أدركته انحلت العقد الشيطانية، والشبهات الإبليسية التي ربط بها الشيطان على قلبك ، وجعلك تخالف الفطرة ، والواقع ، والعقل ، والغريزة ، وجميع الشرائع التي نزلت على جميع الإنبياء حين زعمت أنك مجبور على معصيتك ، ولا تريد من أحد مؤاخذتك على العصيان .
123. أَشَارَتْ إلى أَصْلٍ يُشِيرُ إلى الهُدَى … وَللهِ رَبُّ الخَلقِ أَكْمَلُ مِدْحَةٍ
أشارت إلى أصل الهدى ، وهو العمل بشرع الله عز وجل ، والإيمان بقضائه وقدره ، وهذه نعمة من الله يمن بها على من يشاء من عباده .
124. وَصَلى إلهُ الخَلقِ جَل جَلالُهُ … عَلى المُصْطَفَى المُخْتَارِ خَيْرِ البَرِيَّةِ
قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (الأحزاب 56)