الإعتصام بالكتاب والسنة وأثره في دفع الفتن !! 2024.

اسم المحاضر: أحمد بن عبد العزيز السليمان الحمدان.

جهة العمل: مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة جدة.

عنوان المحاضرة: الاعتصام بالكتاب والسنة وأثره في دفع الفتن.

عناصر المحاضرة:

1- المقدمة.

2-أهمية الاعتصام بالكتاب والسنة.

3-نصوص الوحيين في الاعتصام بالكتاب والسنة.

4-خصائص اعتصام السلف بالكتاب والسنة.

5-الخاتمة.

1- الْمُقَدِّمَةُ:

الْحَمْدُ للهِ مُجِيْبِ مَنْ سَأَلَهُ، وَمُثِيبِ مَنْ عَلَّقَ بِهِ رَجَاهُ وَأَمَلَهُ، الكَرِيْمِ الَّذِي مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ قَبِلَهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ أَرْدَاهُ وَخَذَلَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً خِيْرَةُ أَنْبِيَائِهِ وَرُسِلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ البَرَرَةِ، وَصَحْبِهِ الْخِيَرَةِ، وَمَنْ عَلَى نَهْجِهِ سَارَ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ، أَمَّا بَعْدُ.

فَإِنَّ الاعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الأُمُورِ الْمُقَرَّرَةِ في دِيْنِ اللهِ تَعَالَى، وَلاَ يُمْكِنُنَا تَصَوّرُ مُسْلِمٍ إِلاَّ وَهُوَ مُعْتَصِمٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلاَ يُمْكِنُنَا تَصَوّرُ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَهُوَ مُوْقِنٌ أَنَّّهُ لاَ إِيْمَانَ مَعَ تَرْكِ الاعْتِصَامِ بِهِمَا.

وَلَكِنَّ الوَاقِعَ الْحَاضِرَ يَشْهَدُ خَلَلاً ظَاهِراً في هَذَا الاعْتِصَامِ العَظِيْمِ، مِنْ نَوَاحٍ شَتَّى؛ فَمِنْهَا:

1-تَرْكُ الاعْتِصَامِ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ بِالكُلِّيَّةِ.

2-الدَّعْوَةُ إِلَى تَرْكِ الاعْتِصَامِ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا أَشَدُّ مِنْ سَابِقِهِ.

3-ادِّعَاءُ جَوَازِ الْخُرُوجِ عَنْ الاعْتِصَامِ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ بِسَبَبِ (مُقْتَضَيَاتِ العَصْرِ وَمُتَطَلَّبَاتِهِ !).

4-التَّشْكِيكُ في أَمْرِ التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في بَعْضِ صُوَرِهِ.

5-الاسْتِهْزَاءُ بِالْمُعْتَصِمِيْنَ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ لاعْتِصَامِهِمْ بِهِمَا.

6-الانْحِرَافُ السُّلُوكِيُّ عَنْ الاعْتِصَامِ بِالكَتِابِ وَالسُّنَّةِ.

2- أَهَمِّيَّةُ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

وَتَظْهَرُ أَهَمِّيَّةُ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في أُمُورٍ عِدَّةٍ، دِيْنِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ؛ فَمِنْهَا:

1-أَنَّ الاعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِطَاعَةٌ لأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَفي ذَلِكَ الفَوْزُ وَالفَلاَحُ في الدَّارَينِ.

قال الله تعالى:

[ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ] [سورة الأحزاب، الآية 71].

2-أَنَّ النَّجَاةَ مِنْ سُبُلِ الغِوَايَةِ وَالضَّلاَلَةِ مَنُوطَةٌ بِالاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمَهْمَا شَهِدَ الْمُسْلِمُ في حَيَاتِهِ مِنْ فِتنٍ وَمِحَنٍ، وَمَهْمَا تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ رُؤْيَةٍ لأَصْحَابِ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ، وَمَهْمَا كَانَ حَالُ هَؤُلاَءِ مِنْ ظُهُورٍ وَتَسَلُّطٍ، فَإِنَّ الْمُعْتَصِمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لاَ تَخْتَلِفُ أُمُورُهُ، وَلاَ تَخْتَلِطُ أَوْرَاقُهُ، وَيَظَلُّ عَلَى طَرِيْقٍ مُسْتَقِيْمَةٍ لاَ يَحِيْدُ عَنْهَا وَلاَ يَمِيْدُ، لأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالأَصْلِ الأَصِيْلِ الَّذِي لاَ تَعْبَثُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تُزَحْزِحُهُ الفِتَنُ، وَهُوَ الاعْتِصَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

3-أَنَّ الاعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَجْعَلُ بَصِيْرَةَ الْمُسْلِمِ نَافِذَةٌ في كُلٍّ مَا يَسْتَجِدُّ مِنْ أُمُورٍ، فَمَهْمَا تَجَدَّدَ مِنْ فِتَنٍ، وَمَهْمَا خَرَجَ أَهْلُ البِدَعِ وَالْمِحَنِ بِبِدَعِهِمْ وَشُبَهِهِمْ، وَمَهْمَا كَثُرَ أَتْبَاعُهُمْ فَإِنَّ الْمُعْتَصِمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَظَلُّ كَالطَّوْدِ الشَّامِخِ الَّذِي لاَ تَهُزُّهُ الرِّيَاحُ مَهْمَا قَوِيَتْ، وَالعَوَاصِفُ مَهْمَا عَصَفَتْ، وَيَكُونُ أَهْلُ الشُّبُهَاتِ وَالْمِحَنِ وَالبِدَعِ وَالفِتَنِ مَعَهُ مَهْمَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَتَمَكَّنُوا مِنْ النَّاسِ كَمَا قَالَ القَائِلُ:

كَنَاطِحِ صَخْرَةٍ يَوْماً لِيُوهِنَهَافَلَمْ يَضِرْهَا وَأَعْيَا قَرنَهُ الوَعِلُ

ثُمَّ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَاذَا تَعْنِي بِالاعْتِصَامِ ؟

فَنَقُولُ: الاعْتِصَامُ: مَأْخُوذٌ مِنَ الفِعْلِ الثُّلاَثِيِّ: عَصَمَ، وَمَعَانِيْهِ تَدُورُ حَوْلَ الإِمْسَاكِ وَالْمَنْعِ وَالْمُلاَزَمَةِ.

فَالْمُعْتَصِمُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: مُتَمَسِّكٌ بِهِمَا تَمَسُّكاً مُلاَزِماً لَهُ في عَقِيْدَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ، مَانِعاً لَهُ مِنْ تَرْكِهِمَا إِلَى غَيْرِهِمَا.

وَهَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ: أَنْ يُؤْمِنَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ مُلاَزِماً لَهُمَا، غَيْرَ خَارِجٍ عَنْهُمَا، وَأَنَّهُ لَنْ يَكُونَ في حِمَايَةٍ مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلاَلِ إِلاَّ بِالتَّمَسُّكِ بِهِمَا.

يتبع بإذن الله…

3- مِنْ نُصُوصِ الوَحْيَينِ في الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

الاعْتِصَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في القُرآنِ الكَرِيْمِ:

*قَالَ اللهُ تَعَالَى:

[ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيْعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ]

[سورة الأعراف، الآية 170].

أَيْ الَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِالوَحِي الَّذِي جَاءَهُمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى إِيْمَاناً وَتَصْدِيْقاً بِهِ، وَتَمَسُّكاً وَعَمَلاً بِهِ، فَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمُتَمَسِّكُونَ حَقاً بِمَا أَرَادَ اللهُ مِنْهُمْ، الْمُعْتَصِمُونَ بِوَحي رَبِّهِمْ، العَامِلُونَ بِمَا اعْتَصَمُوا بِهِ، وَمِنْ أَبْرَزِهِ: إِقَامَةُ الصَّلاَةِ، فَهَؤُلاَءِصَالِحُونَ في نِيَّاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، مُصْلِحُونَ بِدَعْوَتِهِمْ غَيْرَهُمْ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي اعْتَصَمُوا بِهِ.

وَهَذِهِ الآيَةُ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الاعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ صَلاَحٌ لِلْبِلاَدِ وَالعِبَادِ، وَأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الفَسَادِ.

*وَقَالَ تَعَالَى:

[ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوْحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ] [سورة الزخرف، الآية 43].

فَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْتَصِمَ بِمَا جَاءَهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يُوْقِنَ أَنَّهُ حَقٌّ لاَ بَاطِلَ فِيْهِ، وَصِدْقٌ لاَ كَذِبَ فِيْهِ، وَيَقِيْنٌ لاَ شَكَّ يَعْتَرِيْهِ، وَهُدَىً لاَ ضَلاَلَ فِيْهِ، وَعَدْلٌ لاَ جَوْرَ فِيْهِ. وَالعِلْمُ بِخَصَائِصِ مَا نَزَلَ مِنَ الوَحْي يَجْعَلُ العَبْدَ يَزْدَادُ في تَمَسُّكِهِ وَاعْتِصَامِهِ؛ لأَنَّ اعْتِصَامَهُ حِيْنَئِذٍ يَكُونُ اعْتِصَاماً عَلَى هُدَىً وَبَصِيْرَةٍ.

وَمِمَّا وَرَدَ أَيْضاً:

*قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:

[ قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيْعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُونَ ] [سورة البقرة، الآيتان 38و39].

فَرَتَّبَ تَعَالَى عَلَى الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ؛ وَهِيَ:

1-نَفْيُ الْخَوفِ: وَهُوَ تَرَقُّبُ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ، وَالتَّحَسُّسُ مِنْ كُلِّ مَا يُثِيْرُ ذِكْرَهُ في نَفْسِ الْمُتَرَقِّبِ.

2-نَفْيُ الْحُزْنِ: وَهُوَ آثَارُ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ، وَآثَارُ طُولِ انْتِظَارِ وُقُوعِهِ.

3-إِثْبَاتُ الْهُدَى: بِاتِّبَاعِ الْحَبْلِ الْمَعْصُومِ؛ وَهُوَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُمَا فَغَيٌّ وَضَلاَلٌ وَتِيهٌ.

4-إِثْبَاتُ السَّعَادَةِ: وَذَلِكَ أَنَّ مَنِ اعْتَصَمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اعْتَصَمَ بِعَظِيْمٍ، وَتَمَسَّكَ بِحَبْلِ اللهِ الْمَتِيْنِ، فَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ الأَمْنِ وَالطُّمَأْنِيْنَةِ مَا يَجْعَلُهُ يَعِيْشُ في سَعَادَةٍ لاَ يَشْعُرُ بِقَدْرِهَا إِلاَّ مَنْ عَاشَ مَرَارَةَ فَقْدِهَا.

وَرَتَّبَ تَعَالَى ذِكْرُهُ في هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ عَلَى تَرْكِ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ أُخَرَ تُضَادُّ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ وَهِيَ:

1-وُقُوعُ الْخَوْفِ وَسَيْطَرَتُهُ عَلَى قَلْبِ صَاحِبِهِ، فَلاَ يَعْرِفُ قُوَّةَ القَلْبِ وَطُمَأْنِيْنَتَهُ.

2-وُقُوعُ الْحُزْنِ في قَلْبِ صَاحِبِهِ، فَهُوَ دَائِماً في تَرَقُّبٍ وَقَلَقٍ وَتَوَجُّسٍ.

3-وَنَفْيُ الهُدَى: حِيْنَ لاَ يَكُونُ لِلإِنْسَانِ عَاصِمٌ يَعْصِمُهُ مِنَ الضَّلاَلِ، فَتَرَاهُ تَابِعاً كُلَّ نَاعِقٍ، مُتَأَثِّراً بِكُلِّ ضَلاَلَةٍ، لاَ يَسْتَقِرُّ عَلَى أَمْرِ رُشْدٍ إِلاَّ وَيَتْرُكُهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ سُبُلِ الغِوَايَةِ.

فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطّاً بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيماً، قَالَ: ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ، وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلاَّ عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ [ وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ] [سورة الأنعام، الآية 153].

[رواه الإمام أحمد1/435، وسعيد بن منصور 5/112، والدارمي 1/78، والبزار 5/131، والنسائي في السنن الكبرى 6/343، والشاشي 2/48، وابن حبان 1/181، والحاكم 2/261و348، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه].

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنَ الْحَورِ بَعدَ الكَونِ.

[رواه مسلم: كتاب الدعوات/باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره 2/979].

4-وَنَفْيُ السَّعَادَةِ: وَذَلِكَ أَنَّ السَّعَادَةَ لاَ تُطْلَبُ إِلاَّ مِمَّنْ خَلَقَهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْهِيْلِ أَمْرِهَا، وَالتَّعَلُّقُ بِالعَظِيْمِ القَدِيْرِ الْمُهَيْمِنِ ، يُوْرِثُ في النَّفْسِ طُمَأّنِيْنَةً وَفَرَحاً بِاللهِ وَبِدِينِ اللهِ، وَهَذَا أَعْظَمُ أَنْوَاعِ السَّعَادَةِ الْحَقِيْقِيَّةِ، الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ الفَقِيْرُ الزَّاهِدُ الْمُسَافِرُ الَّذِي حَمَلَ عَصَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَدْ لَبِسَ إِزَاراً وَرِدَاءً مُرَقَّعَيْنِ، ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ، جَلَسَ تَحْتَهَا، وَحَلَّ مِنْدِيلاً فِيْهِ مِلْحٌ خَشِنٌ وَكِسْرَةُ خُبْزِ شَعِيْرٍ يَابِسٍ، وَأَكَلَ وَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى، فَقِيْلَ لَهُ: كَيْفَ أَنْتَ ؟ قَالَ: أَنَا في نِعْمَةٍ لَوْ عَلِمَتْ بِهَا مُلُوكُ فَارِسَ وَالرُّومِ لَجَالَدَتْنِي عَلَيْهَا بِالسِّيُوفِ!

*وَقَولُ اللهِ تَعَالَى:

[ اتَّبِعُواْ مَآ أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِنْ دُوْنِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيْلاً مَا تَذَكَّرُونَ] [سورة الأعراف، الآية 3].

أَيْ اتَّبِعُوا الوَحْيَ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ عَلَيْكُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَاعْتَصِمُوا بِهِ، وَلاَ تَتَّبِعُوا غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالانْحِرَافِ، وَلَوْ تَذَكَّرْتُمْ لَعَرَفْتُمْ أَنَّ اتِّبَاعَكُمْ لِهَؤُلاَءِ الأَوْلِيَاءِ لَيْسَ في مَصْلَحَتِكُمْ، بَلْ مَصْلَحَتُكُمْ الدِّيْنِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ تَكْمُنُ في اتِّبَاعِ وَحْي اللهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلِ.

*أَمَّا الاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ فَهُوَ قَرِيْنُ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ، وَاللهَ تَعَالَى جَعَلَ وَحْيَهُ في كِتَابِهِ وَفي سُنَّةِ نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِذَلِكَ جَاءَتِ النُّصُوصُ تَتْرَى في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَأْمُرُ بِالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ كَمَا تَأْمُرُ بِالتَّمَسُّكِ بِالقُرآنِ الكَرِيْمِ.

وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ:

1-مُبَيّنَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِلْقُرْآنِ الكَرِيْمِ.

2-وَالسُّنَّةُ مُفَصِّلَةٌ لِمَا أُجْمِلَ في القُرْآنِ الكَرِيْمِ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى:

[ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواْ ] [سورة الحشر، الآية 7].

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَوَشِّمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ الْمُتَفَلِّجَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَوَشِّمَاتِ، فَقَالَ: أَلاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَتْ: قَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ مَا قُلْتَ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، إِنَّهُ لَفِي كِتَابِ اللهِ، مَا وَجَدْتِ [ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ] فَقَالَتْ: إِنِّي لأُرَاهُ فِي بَعْضِ أَهْلِكَ، قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي، فَإِنْ كَانُوا يَفْعَلُونَ لاَ يَبِيْتُونَ عِنْدِي لَيْلَةً! قَالَ: فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ كَانَ لَهَا مَا جَامَعْنَاهَا.

[رواه الإمام أحمد 1/433، والطبراني في الكبير 9/291، والشاشي 1/339].

*وَقَالَ تَعَالَى:

[ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِّبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، قُلْ أَطِيْعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّواْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ ] [سورة آل عمران، الآيتان 31و32].

وَهَذِهِ الآيَةُ مِيْزَانُ مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ كَانَ مُحِبّاً للهِ تَعَالَى مُحِبّاً لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ دَلِيْلَ صِدْقِهِ: اتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ سَبِيْلَ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ إِلاَّ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللهِ، بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَسَتَرَ عُيُوبَهُ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ وَأَعَلَى مَقَامَهُ، وَمَنْ لاَ فَلاَ، الكُلُّ بِالكُلِّ وَالْحِصَّةُ بِالْحِصَّةِ.

وَحَقِيْقَةُ هَذَا الاتِّبَاعِ الَّذِي أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى بِهِ هُنَا؛ هُوَ: إِطَاعَةُ اللهِ تَعَالَى وَإِطَاعَةُ رَسُولِهِ؛ لِذَلِكَ قَالَ: قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولِ، وَمَنْ تَرَكَ طَاعَةَ اللهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ الكَافِرُ الَّذِي لاَ يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى؛ لِذَلِكَ خَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ تَوَلَّواْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ.

وَفي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ في هَذَا البَابِ؛ وَمِنْهُ:

*عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ أَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالَ: ((أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لاَ يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَاناً عَلَى أَرِيكَتِهِ [يُكَذِّبُنِي] يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ)).

[رواه الإمام أحمد 4/132، وأبو داود: كتاب السنة/باب في لزوم السنة، وابن ماجه: المقدمة/باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدارمي 1/153، وابن حبان 1/188، والطبراني في الكبير20/274، والدارقطني 4/287، والترمذي: كتاب العلم/باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: حديث حسن غريب].

قَالَ السِّنْدِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: هَذَا بَيَانٌ لِبَلاَدَتِهِ وَسُوءِ فَهْمِهِ، أَيْ حَمَاقَتُهُ وَسُوءُ أَدَبِهِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُتَنَعِّمِينَ الْمَغْرُورِينَ بِالْمَالِ وَالْجَاه.

وَقَالَ: أَيْ أَلاَ إِنَّ مَا فِي الْقُرْآن حَقّ وَأَنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ الله، أَيْ عَطْف فِي الْقُرْآنِ وَإِلاَّ فَمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ عَيْنُ مَا حَرَّمَ اللهُ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يُضَافُ إِلَى الرَّسُولِ بِاعْتِبَارِ التَّبْلِيغِ وَإِلاَّ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ للهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الطَّاعَةِ وَلُزُومِ الْعَمَلِ بِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُحَذِّرُ بِذَلِكَ مُخَالَفَةَ السُّنَنِ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَيْسَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ، فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَتَرَكُوا الَّتِي قَدْ ضُمِّنَتْ بَيَان الْكِتَابِ فَتَحَيَّرُوا وَضَلُّوا، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَاجَةَ بِالْحَدِيثِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْكِتَابِ وَأَنَّهُ مَهْمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ حُجَّةً بِنَفْسِهِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِي تَكْرِيرِ كَلِمَةِ التَّنْبِيهِ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ نَشَأَ مِنْ غَضَبٍ عَظِيمٍ عَلَى مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ اِسْتِغْنَاءً بِالْكِتَابِ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَّحَ الرَّأْيَ عَلَى الْحَدِيث.

*وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي)).

[متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير/باب يقاتل من وراء الإمام، ومسلم: كتاب الإمارة/باب وجوب طاعة الأمراء].

قَالَ النَّوَويُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: لأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ هُوَ صلى الله عليه وسلم بِطَاعَةِ الأَمِير, فَتَلاَزَمَتْ الطَّاعَة.

*وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ)).

[رواه مسلم: كتاب الإمارة/باب وجوب طاعة الأمراء].

*وَعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه، قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)). [رواه الإمام أحمد 4/126، وأبو داود: كتاب العلم/باب لزوم السنة، وابن ماجه: المقدمة/باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، والدارمي: المقدمة/باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، وابن حبان 1/178، والطبراني في الكبير 18/245، والحاكم 1/175، والترمذي: كتاب العلم/باب ما جاء في الأخذ بالسنة، وقال: حديث حسن صحيح، ].

قَوْلُهُ: (فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا) أَيْ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُوصِينَا.

(وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) أَيْ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، أَيْ صَارَ أَمِيراً أَدْنَى الْخَلْقِ فَلاَ تَسْتَنْكِفُوا عَنْ طَاعَتِهِ، أَوْ لَوْ اِسْتَوْلَى عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَأَطِيعُوهُ مَخَافَةَ إِثَارَةِ الْفِتَن.

قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ رَجَب-رَحِمَهُ اللهُ-: فِيهِ تَحْذِيرٌ لِلأُمَّةِ مِنْ اِتِّبَاعِ الأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ, وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَا أُحْدِثَ مِمَّا لاَ أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ, وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ شَرْعاً وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لُغَةً، فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ((كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)) مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لاَ يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الدِّين.

(فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنَ الاخْتِلاَفِ الْكَثِيرِ.

(فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي) أَيْ فَلْيَلْزَمْ سُنَّتِي وليتمسك بها ويعتصم.

(وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ) فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلاَّ بِسُنَّتِي فَالإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا، أَوْ لاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا.

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: السُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَلْزَمُوا طَرِيقَتِي وَطَرِيقَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ, وَقَدْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ هِيَ نَفْسُ طَرِيقَتِهِ, فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصاً عَلَيْهَا وَعَمَلاً بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَانُوا يَتَوَقَّوْنَ مُخَالَفَتَهُ فِي أَصْغَرِ الأُمُورِ فَضْلاَ عَنْ أَكْبَرِهَا. وَكَانُوا إِذَا أَعْوَزَهُمْ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم عَمِلُوا بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ الرَّأْيِ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدَبُّرِ, وَهَذَا الرَّأْيُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ هُوَ أَيْضاً مِنْ سُنَّتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بِمَا تَقْضِي؟ قَالَ : بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي. قَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ.

فَأَقَلُّ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ: أَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ الرَّأْيِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَكَثِيراً مَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يُنْسَبُ الْفِعْلُ أَوْ التَّرْكُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لاَ فَائِدَةَ لِنِسْبَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ لأَنَّهُ مَحَلُّ الْقُدْوَةِ وَمَكَانُ الأُسْوَة.

(عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) جَمْعُ نَاجِذَةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الضِّرْسُ الأَخِيرُ, وَقِيلَ هُوَ مُرَادِفُ السِّنِّ وَقِيلَ هُوَ النَّابُ.

وَالْعَضُّ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ مُلاَزَمَةِ السُّنَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِهَا فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئاً أَخْذاً شَدِيداً يَأْخُذُ بِأَسْنَانِهِ، أَوْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ كَمَنْ أَصَابَهُ أَلَمٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَهُ فَيَشْتَدُّ بِأَسْنَانِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْض.

*وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ، فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ، إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَه.

[متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الحج/باب الرمل في الحج والعمرة، ومسلم: كتاب الحج/باب منه].

*وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لاَ تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا))، قَالَ: فَقَالَ بِلاَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ! قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ فَسَبَّهُ سَبّاً سَيِّئاً مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، [وَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ]، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ.

[متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الأذان/باب ، ومسلم: كتاب الصلاة/باب خروج النساء إلى المساجد].

قَالَ النَّوَويُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِيهِ تَعْزِيرُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَّةِ, وَالْمُعَارِضِ لَهَا بِرَأْيِهِ, وَفِيهِ تَعْزِيرُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيراً.

*وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ، وَقَالَ: ((إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلاَ يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ)). ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ، أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ وَأَنْتَ تَخْذِفُ ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا.

زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَأَخَذَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ: عَنْ هَذَا، وَخَذَفَ، فَقَالَ: أَلاَ أُرَانِي أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ وَأَنْتَ تَخْذِفُ ؟ وَاللهِ لاَ أُكَلِّمُكَ عَزْمَةً مَا عِشْتُ.

[رواه الإمام أحمد 5/56، والحديث متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد/باب الخذف والبندقة، ومسلم: كتاب الصيد والذبائح/باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد].

خَذَفْتَ الْحَصَاةَ: رَمَيْتَهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ, وَقِيلَ: فِي حَصَى الْخَذْفِ: أَنْ يَجْعَلَ الْحَصَاةَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ مِنْ الْيُمْنَى وَالإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى ثُمَّ يَقْذِفهَا بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيَمِين.

وَنَكَأََ الْعَدُوَّ نِكَايَةً أَصَابَ مِنْهُ.

قَالَ ابنُ حَجَرٍ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ هِجْرَانِ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَتَرْكِ كَلاَمِهِ, وَلاَ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي النَّهْي عَنْ الْهَجْرِ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَنْ هَجَرَ لِحَظِّ نَفْسِه.

*وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِنْتٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: ((أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا ؟)) قَالَتْ: لاَ. قَالَ: ((أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟)) قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: هُمَا للهِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.

[رواه أبو داود: كتاب الزكاة/باب الكنز ما هو وزكاة الحلي، والنسائي: كتاب الزكاة/باب زكاة الحلي].

*وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: ((يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ)) فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لاَ وَاللهِ لاَ آخُذُهُ أَبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

[رواه مسلم: كتاب اللباس والزينة/باب تحريم خاتم الذهب].

قَالَ النَّوَويُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي اِمْتِثَالِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم, وَاجْتِنَابِ نَهْيهِ, وَعَدَمُ التَّرَخُّصِ فِيهِ بِالتَّأْوِيلاَتِ الضَّعِيفَةِ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ إِنَّمَا تَرَكَ الْخَاتَمَ عَلَى سَبِيلِ الإِبَاحَةِ لِمَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ, وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَخْذُهُ لِمَنْ شَاءَ, فَإِذَا أَخَذَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الأَخْذُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ, وَلَكِنْ تَوَرَّعَ عَنْ أَخْذِهِ وَأَرَادَ الصَّدَقَةَ بِهِ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ وَجْهٍ, وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ لُبْسِهِ, وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ عَلَى الإِبَاحَة.

*وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ: اجْلِسُوا، فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَجَلَسَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((تَعَالَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُود)).

[رواه أبو داود: كتاب الصلاة/باب الإمام يكلم الرجل في خطبته، وقال: مرسل].

*وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ قَالَ: ((مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟)) قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَراً)) أَوْ قَالَ: ((أَذىً)) وَقَالَ: ((إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَراً، أَوْ أَذىً فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا)).

[رواه الإمام أحمد 3/20، وأبو داود: كتاب الصلاة/باب الصلاة في النعل، والدارمي: كتاب الصلاة/باب الصلاة في النعلين، وابن أبي شيبة 2/181، وعبد بن حميد 1/278، وابن حبان 5/560، والبيهقي 2/431، ].

قَالَ الْخَطَّابِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: أَنَّ الإْتِسَاءَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَفْعَالِهِ وَاجِبٌ كَهُوَ فِي أَقْوَالِهِ, وَهُوَ أَنَّهُمْ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَلَعَ نَعْلَيْهِ خَلَعُوا نِعَالَهُم.

*وَمِنَ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: الاعْتِصَامُ بِهِمَا كَمَا كَانَ السَّلَفُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ مُعْتَصِمُونَ بِهِمَا، لاَ أَنْ يَكُونَ تَمَسُّكاً ظَاهِرِيّاً أَجْوَفَ يَتَأَثَّرَ بِالظُّرُوفِ وَالرَّغَبَاتِ وَضُغُوطِ الْمُجْتَمَعَاتِ.

*قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُوبِقَات. يَعْنِي الْمُهْلِكَات.

[رواه البخاري: كتاب الرقاق/باب ما يتقى من محقرات الذنوب].

*وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَت.

[رواه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة/باب تضييع الصلاة عن وقتها].

وَالتَّضْييّعُ الَّذِي رَآهُ أَنَسٌ رضي الله عنه في زَمَنِ الوَلِيْدِ هُوَ تَأْخِيرُ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِيْنَةَ سَأَلُوهُ عَمَّا أَنْكَرَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِيْنَةِ في صَلاَتِهِمْ، قَالَ: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئاً إِلاَّ أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ.

*وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قِيْلَ لِعَائِشَةَ: أَوَمُنِعْنَ ؟ قَالَتْ: نَعَم.

[متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الأذان/باب خروج النساء إلى المساجد، ومسلم: كتاب المساجد/باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية].

يتبع بإذن الله…

4- خَصَائِصُ اعْتِصَامِ السَّلَفِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

1-مَعْرِفَتُهُمْ بِالتَّنْزِيْلِ.

2-أَنَّهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ إِيْمَاناً.

3-أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَمَسُّكاً بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

4-أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَوَرُّعاً وَبُعْداً عَنِ الْمُتَشَابِهَاتِ.

5-غَلَبَةُ الصَّوَابِ في أَقْوَالِهِمْ إِذَا مَا قِيْسَتْ بِمَنْ بَعْدَهُمْ.

6-مَعْرِفَتُهُمْ بِالعَرَبِيَّةِ وَفَهْمُهُمْ لِلنُّصُوصِ.

لِذَلِكَ كَانَ التَّمَسُّكُ بِهَدي السَّلَفِ وَالسَّيْرِ في رِكَابِهِمْ مِنَ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَقَدْ مَرَّتْ بِالْمُسْلِمِينَ عِبْرَ تَأْرِيْخِهُمُ الطَّوِيلِ فِتَنٌ كَثِيْرَةٌ، لَمْ يَثْبُتْ فِيْهَا إِلاَّ أَهْلُ العِلْمِ الَّذِينَ اعْتَصَمُوا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى هُدَىً وَبَصِيرَةٍ.

وَمِنْ أَشْهَرِ تِلْكَ الفِتَنِ: فِتْنَةُ الْمُعْتَزِلَةِ، الَّتِي أَرْهَقَتْ الْمُسْلِمِيْنَ بِسَيْفِ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، وَسُلْطَانٍ جَاهِلٍ، وَوَقَعَ في حَبَائِلِهَا مَنْ وَقَعَ، وَثَبَتَ مَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ وَبِالأُمَّةِ مِنْ وَرَائِهِ خَيْراً؛ وَعَلَى رَأْسِهِمْ: الإِمَامُ الْمُبَجَّلُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- حَيْثُ وَقَفْ كَالطَّودِ الشَّامِخِ الَّذِي لاَ تُؤَثِّرُ فِيْهِ رِيَاحُ وَأَعَاصِيرُ التَّغْييرِ حَتَّى رَدَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ الْمُسْلِمِيْنَ إِلَى دِيْنِهِمْ رَدّاً جَمِيْلاً.

وَفي القَرْنِ الثَّامِنِ كَانَتْ فِتْنَةُ التَّصَوُّفِ وَعِلْمِ الكَلاَمِ قَدْ أَخَذَتْ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا، سَخَّرَ اللهُ شَيْخَ الإِسْلاَمِ أَبَا العَبَّاسِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لِبَيَانِ خَطَرِهَا، وَتَحْذِيرِ النَّاسِ شَرَّهَا، وَمُقَارَعَةِ أَربَابِهَا عُجَرِهَا وَبُجَرِهَا، وَرَدِّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَعَادَ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ مِنَ النَّاسِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَفي القَرْنِ الثَّانِي عَشَرَ، كَانَتْ فِتْنَةُ القُبُورِ وَالتَّعَلُّقِ بِالْمَقْبُورِ قَدْ شَرَّقَتْ وَغَرَّبَتْ، وَأَنْجَدَتْ وَأَسْهَلَتْ، وَعَادَ النَّاسُ إِلَى عِبَادَةِ الأَحْجَارِ وَالقُبُورِ وَالأَشْجَارِ، يَحُجُّونَ إِلَيْهَا، وَيَطُوفُونَ بِهَا، وَيَذْبَحُونَ لأَصْحَابِهَا، وَيَدْعُونَهُمْ لِكَشْفِ الكُرُبَاتِ، وَقَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَهَجَرُوا إِخْلاَصَ العِبَادَةِ إِلَى رَبِّ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ، فَسَخَّرَ اللهُ تَعَالَى الإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَآزَرَهُ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى- فَرَدَّ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ بِهِ إِلَى دِيْنِهِ رَدّاً جَمِيلاً، وَطَهَّرَ الْجَزِيْرَةَ العَرَبِيَّةَ مِنْ أَدْرَانِ الشِّركِ وَالإِلْحَادِ، وَعَادَ النَّاسُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَفي هَذِهِ الأَيَّامِ جَاءَتْنَا فِتْنَةُ التَّكْفِيْرِ وَمَا يَلْحَقُهَا مِنْ غَدرٍ وَخِيَانَةٍ وَقَتْلٍ وَتَفْجِيرٍ، عَلَى أَيْدِي شَبَابٍ أَغْرَارٍ، وَطَلاَئِعَ أَشْرَارٍ، وَتَوجِيهِ فُجَّارٍ؛ لاَ يَعْرِفُونَ مِنَ الكِتَابِ إِلاَّ رَسْمَهُ، وَلاَ مِنَ السُّنَّةِ إِلاَّ مَا أَمْلَى عَلَيْهِمْ مُفْتُوهُمْ الْمَجَاهِيلُ؛ غَرَّرُوا بِهِمْ، وَوَعَدُوهُمْ بِمَعْسُولِ القَوْلِ أَكَاذِيْبَ الرِّوَايَاتِ، فَخَرَجُوا يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَفْتَئِتُونَ عَلَى إِمَامِهِمْ، وَيَنْقُضُونَ عُهُودَهُمْ، وَلاَ يُبَالُونَ بِمَنْ هَلَكَ عَلَى أَيْدِيْهِمْ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، وَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّهُ الْجِهَادُ الْحَقُّ في سَبِيلِ اللهِ، فَأَخْطَأُوا بِجَهْلِهِمْ بِالدِّينِ، وَعَدَمِ اعْتِصَامِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ سَيِّدُ الْمُرسَلِينَ صلى الله عليه وسلم فَأَحْدَثُوا فِتْنَةً عَظِيْمَةً، وَأَدْخَلُوا الْمُسْلِمِينَ في مَضَايقَ كَانُوا في غِنَىً عَنْهَا، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَظِيْمِ.

5- الخاتمة.

وَهَاتَانِ رِسَالَتَانِ مُوْجَزَتَانِ أَخْتِمُ بِهِمَا حَدِيْثِي.

أُوْلَهُمَا: أُوَجِّهُهَا لِهَؤُلاَءِ الشَّبَابِ، وَالأُخْرَى لِعُمُومِ الْمُسْلِمِيْنَ الَّذِينَ آلَمَهُمْ مَا وَقَعَ مِنْ فَجَائِعَ:

رِسَالَةٌ مُوْجَزَةٌ إِلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا العَمَلَ جَائِزٌ:

يَا عَبْدَ اللهِ ! أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى [ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيْهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيْماً ] ؟

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً)) ؟

أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟

هَلْ مِنَ الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنْ تَأْخُذَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَتْرُكَ بَعضاً، أَلاَ تَخْشَى مِنْ قَولِ اللهِ تَعَالَى [ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعضٍ فَمَا جَزآءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ] [سورة البقرة، الآية 85]. ؟

وَلاَ تَقُلْ: كُنْتُ أُرِيدُ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّكَ لَوْ أَرَدْتَ هَذَا، لَمْ يَحِلَّ لَكَ.

فَقَدْ قَالَ رَسُولُكَ صلى الله عليه وسلم: ((أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة)).

[رواه أبو داود 3/170].

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((أَلاَ مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهِدةً لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللهِ، فَلاَ يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً)).

[رواه الترمذي 4/20، وقال: حديث حسن صحيح].

بل حتّى في الحربِ لا يجوز الغدرُ ونقض العهد: فَعَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلاَدِهِمْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ عَلَى فَرَسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لاَ غَدْر ! وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ رضي الله عنه فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَحُلَّنَّ عَهْداً، وَلاَ يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء)) قَالَ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه بِالنَّاس.

[رواه أبو داود (عون المعبود 7/312)، والترمذي 4/143، وقال: حديث حسن صحيح].

استمع يا عبد اللهِ إلى قوله تعالى [ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِيْنَ ] [سورة الأنفال، الآية 58].

أَيْ: إِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ وَمِيْثَاقٌ عَلَى تَركِ القِتَالِ، ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِمْ الْخِيَانَةَ، فَارْمِ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ لاَ عَهْدَ بَيْنَنَا حَتَّى يَسْتَوِي عِلْمُكَ وَعِلْمُهُمْ بِانْتِهَاءِ العَهْدِ وَالْمِيْثَاقِ، وَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُعَامِلْهُمْ بِالغَدرِ وَالْخِيَانَةِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُحِبُّ الْخِيَانَةَ وَلاَ أَهْلَهَا، فَلاَبُدَّ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَرمِي إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى أَمْرٍ سَوَاءٍ وَاضِحٍ بَيّنٍ حَتَّى لاَ تَبْدُر مِنْكَ خِيَانَةٌ، فَإِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْخَائِنِينَ.

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: ((اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً)).

[رواه مسلم 3/1357].

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْل)).

[متفق عليه: صحيح البخاري 2/661، ومسلم 2/999].

أخفر: أي نقض عهده، وغدر به.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْه)).

[رواه مسلم 3/1477].

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً: وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر)).

[رواه البخاري 1/21].

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟)) قَالُوا: يَوْمٌ حَرَام. قَالَ: ((فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟)) قَالُوا: بَلَدٌ حَرَام. قَالَ: ((فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)) قَالُوا: شَهْرٌ حَرَام. قَالَ: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا)) فَأَعَادَهَا مِرَاراً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ مِرَاراً، ثُمَّ قَالَ: ((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟)) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ: ((فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض)).

[رواه البخاري 2/619].

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا جَمَعَ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ)).

[متفق عليه: صحيح البخاري 5/2285، ومسلم 3/1359].

وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَة)) وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْراً أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَه.

[رواه البخاري 6/2603].

وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْماً إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَك ! وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْك.

[رواه ابن حبان 13/75، والترمذي 4/378، وقال: حديث حسن غريب].

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَوَاقِبَ الغَدْرِ سَيئَةٌ؛ فَمِنْهَا:

-أَنَّ الغَدْرَ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ.

-وَالغَادِرُ فَاقِدٌ لِلإِيْمَانِ.

-وَالغَدْرُ أَسْوَءُ خِصَالِ يَهُودَ، مَنْ تَحَلَّى بِهَا فَهُوَ مِنْهُمْ.

-وَقَدْ تَبَرَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الغَادِرِ.

-وَالغَادِرُ إِذَا لَقِيَ رَبَّهُ لَقِيَهُ لاَ عَهْدَ لَهُ عِنْدَهُ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ عَمَلاً صَالِحاً مَهْمَا كَانَ.

-وَالغَادِرُ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ، وَرَسُولُهُ حَجِيْجَهُ.

-وَالغَادِرُ يَعِيشُ في مَقْتِ اللهِ تَعَالَى وَبُغْضِهِ.

-وَهُوَ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ أَنْبِياءِ اللهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

-وَخَصْلَةُ الغَدْرِ دَلِيلُ خِسَّةِ النَّفْسِ وَحَقَارَتِهَا.

-وَالغَادِرُ لاَ يَتِمُّ لَهُ أَمْرٌ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُ بِخِلاَفِ مَقْصُودِهِ.

الرِّسَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ:

إِلَيْكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ، يَا مَنْ تُشَاهِدُ هَذِهِ الْمَآسِي، وَتَحْتَارُ بِشَأْنِ أَهْلِهَا، وَلاَ تَدْرِي مَا دَهَى القَوْمَ حَتَّى غَدَوا يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي غَيْرِهِمْ.

اعْلَمْ، أَنَّ الزَّمَنَ زَمَنُ فِتَنٍ، وَأَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْكَ في زَمَنِ الفِتَنْ:

*أَنْ تَحْذَرَ الْحُكْمَ عَلَى الْحَوَادِثِ قَبْلَ تَبَيّنُ الْحَقَائِقِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى [ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ اُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ] [سورة الإسراء، الآية 36].

وَالقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقُولُ: "الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوّرِهِ".

أَمَّا أَنْ نَجْهَلَ الْحَقِيقَةَ وَنَحْكُمَ، فَإِنَّا نَكُونُ حِيْنَئِذٍ فَاقِدِينَ البَصَرَ وَالبَصِيرَةَ، وَإِذَا عَرَفْنَا الْحَقِيقَةَ وَحَكَمْنَا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَإِنَّا نَكُونُ حِيْنَئِذٍ جَاهِلِينَ جَهْلاً مُرَكَّباً، وَ"كِلاَ طَرَفي قَصدِ الأُمُورِ ذَمِيمُ".

وَالْحَقُّ إِذَا أَرَدنَا أَنْ نَحْكُمَ عَلَى شَيْءٍ أَنْ نَعرِفَ حَقِيقَتَهُ، وَأَنْ نَعْرِفَ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى في الْحَادِثِ.

*أَنْ تَلْزَمَ الْحِلْمَ وَالتَّأَنِّي، وَتَحْذَرَ العَجَلَةَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَه)).

[رواه مسلم 4/2017].
وعَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَان)).

[رواه الترمذي 4/367، وفي سنده مقال].

***الزْمِ العَدْلَ: فَإِنَّ العَدْلَ قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، حَتَّى مَعَ مَنْ خَالَفَكَ، حَتَّى مَعَ مَنْ ظَلَمَكَ، حَتَّى مَعَ مَنْ تَبْغَضُهُ، يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَلْزَمَ العَدْلَ مَعَهُ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى:

[ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ] [سورة المائدة، الآية 8].

فَلاَ يَحْمِلْنَا حُبُّنَا لِقَومٍ، أَنْ نَنْسَى كُلَّ سَيّئَاتِهِمْ، وَلاَ نَذْكُرُ إِلاَّ حَسَنَاتِهِمْ، وَلاَ يَحْمِلْنَا بُغْضُنَا لِقَومٍ، أَنْ نَنْسَى كُلَّ حَسَنَاتِهِمْ، وَلاَ نَذْكُرَ إِلاَّ سَيّئَاتِهِمْ؛ لأَنَّ مَنْ لَمْ يُرَاعِ هَذِهِ القَاعِدَةَ فَسَيَدْخُلُ في مُتَابَعَةِ هَوَاهُ.

*احْرِصْ عَلَى مَا يَجْمَعُ الصَّفَّ، وَاحْذَرْ أَسْبَابَ الفُرْقَةِ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ خَيْرٌ، وَالفُرقَةَ شَرٌّ، قَالَ تَعَالَى [ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ] [سورة آل عمران، الآية 103].

وقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الاثْنَيْنِ أَبْعَد. مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَة)).

[رواه النسائي في الكبرى 5/388، والترمذي: كتاب النكاح/باب الشروط في النكاح، وقال: حديث حسن صحيح غريب].

*عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ في زَمَنِ الفِتَنِ تُرْفَعُ رَايَاتُ ضَلاَلٍ كَثِيرَةٌ؛ فَمِنْ مُتَطَلِّعٍ إِلَى مَنْصِبٍ وَجَاهٍ، وَمِنْ حَاقِدٍ يُرِيدُ الإِضْرَارَ بِغَيرِهِ، وَمِنْ مُرْتَزِقٍ يَبِيعُ دِيْنَهُ وَأُمَّتَهُ وَوَطَنَهُ مِنْ أَجْلِ دُرَيْهِمَاتٍ، أَوْ وُعُودٍ خَارِجِيَّةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُزَيِّنُ دَعْوَتَهُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ مُصْلِحٌ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى [ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِالدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيْهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ] [سورة البقرة، الآيتان 204و205].

*اعْرِفِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ لاَ بِالرِّجَالِ:

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ نَعْرِفُ الْحَقَّ الآنَ ؟

نَقُولُ: يُعْرَفُ الْحَقُّ بِمِيزَانَينِ: الْمِيزَانُ الأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ الإِسْلاَمِ مِنْ عَدَمِهِ في صَاحِبِ الدَّعْوَى، فَإِنْ كَانَ مُسْلِماً مُلْتَزِماً تَحْقِيقَ التَّوْحِيدِ وَنَبْذَ جَمِيعِ مَظَاهِرِ الشِّركِ، وَمِمَّنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ قَولُ اللهِ تَعَالَى [ الَّذِيْنَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَءَاتَواْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهُواْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ] [سورة الحج، الآية 41].

وَمِمَّنْ أَفْرَدُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُتَابَعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى [ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيْماً ] [سورة النساء، الآية 65].

وَمِمَّنْ يَفْعَلِ الوَاجِبَاتِ وَيَجْتَنِبِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيْمِهَا.

فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ يَبْقَى الْمِيْزَانُ الثَّانِي.

الْمِيْزَانُ الثَّانِي: تَحْقِيْقُ كَمَالِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَدَمِهِ، قَالَ تَعَالَى [ يَآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ ءَامَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ] [سورة البقرة، الآية 208].

فَإِذَا تَبَيَّنَ التِزَامُهُ شَرعَ اللهِ تَعَالَى فَمِثْلُ هَذَا حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ لَيْسَ بِصَاحِبِ رَايَةٍ عُمّيّةٍ.

ثُمَّ لِنَنْظُرْ إِلَى أَصْحَابِ هَذِهِ الرَّايَاتِ، هَلْ التَزَمُوا شَرعَ اللهِ تَعَالَى ؟

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالى [وَأَطِيْعُواْ اللهَ وَأَطِيْعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ] ؟

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً))

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ؛ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْس)) قِيْلَ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِك؟ قَالَ: ((تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيْرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِع)) متفق عليه؟.

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ؛ فَلاَ يُبْدِهِ عَلاَنِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، ثُمَّ لِيَخْلُ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ؛ فَذَاكَ، وَإِلاَّ، فَإِنَّهُ أَدَّى الَّذِي عَلَيْه))؟.

السُّلْطَانُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاصَحُ سِرّاً، أَمَّا أَنْ تَخْرُجَ في قَنَاةٍ فَضَائِيَّةٍ تُنَاصِحُ السُّلْطَانَ، وَتُشَمِّتَ بِدِينِكَ، وَبِلاَدِكَ، وَقَومِكَ الكَفَرَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْمُتَرَبِّصِينَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَنَا مِنَ الْمُصْلِحِينَ. هَذَا مِنَ الْجَهْلِ العَظِيمِ، وَالتَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ وَبِالْمُسْلِمِينَ.

إنتهى

لا تنسونا من صالح دعائكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.