مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين 2024.

مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين

بسم الله الرحمن الرحيم (مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
سئل شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية قدس الله روحه ما قولكم في مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين‏؟‏ ما الصواب منهما‏؟‏ وما تنتحلونه أنتم من المذهبين‏؟‏ وفي أهل الحديث‏:‏ هل هم أولى بالصواب من غيرهم‏؟‏ وهل هم المرادون بالفرقة الناجية‏؟‏ وهل حدث بعدهم علوم جهلوها وعلمها غيرهم‏؟‏‏.‏

فأجاب‏:‏ –
الحمد لله‏.‏ هذه المسائل بسطها يحتمل مجلدات لكن نشير إلى المهم منها والله الموفق‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏115‏]‏ ‏.‏
وقد شهد الله لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان بالإيمان‏.‏ فعلم قطعا أنهم المراد بالآية الكريمة فقال تعالى‏:‏ ‏{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏100‏]‏‏.‏وقال تعالى‏:‏ ‏{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏18‏]‏‏.‏فحيث تقرر أن من اتبع غير سبيلهم ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم‏.‏ فمن سبيلهم في الاعتقاد‏:‏ ‏[‏الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه‏]‏ التي وصف بها نفسه وسمى بها نفسه في كتابه وتنزيله أو على لسان رسوله من غير زيادة عليها ولا نقص منها ولا تجاوز لها ولا تفسير لها ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها ولا تشبيه لها بصفات المخلوقين‏;‏ ولا سمات المحدثين بل أمروها كما جاءت وردوا علمها إلى قائلها؛ ومعناها إلى المتكلم بها‏.‏ وقال بعضهم – ويروى عن الشافعي‏:‏ ‏[‏آمنت بما جاء عن الله وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله‏]‏‏.‏ وعلموا أن المتكلم بها صادق لا شك في صدقه فصدقوه ولم يعلموا حقيقة معناها فسكتوا عما لم يعلموه‏
.‏ وأخذ ذلك الآخر عن الأول ووصى بعضه بعضا بحسن الاتباع والوقوف حيث وقف أولهم وحذروا من التجاوز لهم والعدول عن طريقتهم وبينوا لنا سبيلهم ومذهبهم ونرجو أن يجعلنا الله تعالى ممن اقتدى بهم في بيان ما بينوه؛ وسلوك الطريق الذي سلكوه‏.‏ والدليل على أن مذهبهم ما ذكرناه‏:‏
أنهم نقلوا إلينا القرآن العظيم وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل مصدق لها مؤمن بها قابل لها؛ غير مرتاب فيها؛ ولا شاك في صدق قائلها ولم يفسروا ما يتعلق بالصفات منها ولا تأولوه ولا شبهوه بصفات المخلوقين إذ لو فعلوا شيئا من ذلك لنقل عنهم ولم يجز أن يكتم بالكلية‏.‏ إذ لا يجوز التواطؤ على كتمان ما يحتاج إلى نقله ومعرفته لجريان ذلك في القبح مجرى التواطؤ على نقل الكذب وفعل ما لا يحل‏.‏ بل بلغ من مبالغتهم في السكوت عن هذا‏:‏ أنهم كانوا إذا رأوا من يسأل عن المتشابه بالغوا في كفه تارة بالقول العنيف؛ وتارة بالضرب وتارة بالإعراض الدال على شدة الكراهة لمسألته‏.
‏ ولذلك لما بلغ عمر – رضي الله عنه – أن صبيغا يسأل عن المتشابه أعد له عراجين النخل فبينما عمر يخطب قام فسأله عن‏:‏ ‏{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً‏}‏ ‏[‏الذريات‏:‏1‏]‏‏{فَالْحَامِلاتِ وِقْراً‏}‏ ‏[‏الذريات‏:‏2‏]‏وما بعدها‏.‏ فنزل عمر فقال‏:‏ ‏[‏لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف ‏[‏ثم أمر به فضرب ضربا شديدا وبعث به إلى البصرة وأمرهم أن لا يجالسوه فكان بها كالبعير الأجرب لا يأتي مجلسا إلا قالوا‏:‏ ‏[‏عزمة أمير المؤمنين‏]‏ فتفرقوا عنه حتى تاب وحلف بالله ما بقي يجد مما كان في نفسه شيئا فأذن عمر في مجالسته
فلما خرجت الخوارج أتي فقيل له‏:‏ هذا وقتك فقال‏:‏ لا نفعتني موعظة العبد الصالح‏.‏ ولما سئل ‏[‏مالك بن أنس‏]‏- رحمه الله تعالى – فقيل له‏:‏ يا أبا عبد الله ‏{الرحمن على العرش استوى‏}‏ كيف استوى‏؟‏ فأطرق مالك وعلاه الرحضاء – يعني العرق – وانتظر القوم ما يجيء منه فيه‏.‏ فرفع رأسه إلى السائل وقال‏:‏ ‏[‏الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأحسبك رجل سوء‏]‏‏.‏ وأمر به فأخرج‏.‏ ومن أول الاستواء بالاستيلاء فقد أجاب بغير ما أجاب به مالك وسلك غير سبيله‏.‏ وهذا الجواب من مالك – رحمه الله – في الاستواء شاف كاف في جميع الصفات‏.‏ مثل النزول والمجيء واليد والوجه وغيرها‏.‏ فيقال في مثل النزول‏:‏ النزول معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة‏.‏ وهكذا يقال في سائر الصفات إذ هي بمثابة الاستواء الوارد به الكتاب والسنة‏.‏ وثبت عن محمد بن الحسن – صاحب أبي حنيفة – أنه قال
‏:‏ ‏[‏اتفق الفقهاء كلهم من الشرق والغرب‏:‏ على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة‏.‏ فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا‏.‏ فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة‏]‏ انتهى‏.‏ فانظر – رحمك الله – إلى هذا الإمام كيف حكى الإجماع في هذه المسألة ولا خير فيما خرج عن إجماعهم‏.‏ ولو لزم التجسيم من السكوت عن تأويلها لفروا منه‏.‏ وأولوا ذلك؛ فإنهم أعرف الأمة بما يجوز على الله وما يمتنع عليه‏.‏ وثبت عن إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني أنه قال‏:‏ ‏[‏إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم -تبارك وتعالى- بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله وشهد له بها رسوله؛ على ما وردت به الأخبار الصحاح ونقله العدول الثقات‏.‏ ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه ولا يكيفونها تكييف المشبه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه تحريف المعتزلة والجهمية‏.‏ وقد أعاذ الله ‏[‏أهل السنة‏]‏ من التحريف والتكييف ومن عليهم بالتفهيم والتعريف حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه واكتفوا بنفي النقائص بقوله عز من قائل‏:‏ ‏{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏ وبقوله تعالى‏:‏ ‏{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏4‏]‏‏.‏وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏[‏ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين‏]‏‏.‏ وثبت عن الربيع بن سليمان أنه قال‏:‏ سألت الشافعي – رحمه الله تعالى -عن صفات الله تعالى‏؟‏ فقال‏:‏ ‏[‏حرام على العقول أن تمثل الله تعالى؛ وعلى الأوهام أن تحده وعلى الظنون أن تقطع؛ وعلى النفوس أن تفكر؛ وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط وعلى العقول أن تعقل إلا ما وصف به نفسه أو على لسان نبيه‏]‏ عليه الصلاة والسلام
‏.‏ وثبت عن الحسن البصري أنه قال‏:‏
‏[‏لقد تكلم مطرف على هذه الأعواد بكلام ما قيل قبله ولا يقال بعده‏.‏ قالوا‏:‏ وما هو يا أبا سعيد‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏الحمد لله الذي من الإيمان به‏:‏ الجهل بغير ما وصف به نفسه‏]‏‏.‏ وقال سحنون ‏[‏من العلم بالله السكوت عن غير ما وصف به نفسه‏]‏‏.‏ وثبت عن الحميدي أبي بكر عبد الله بن الزبير – أنه قال‏:‏ ‏[‏أصول السنة‏]‏ – فذكر أشياء – ثم قال‏:‏ وما نطق به القرآن والحديث مثل‏:‏ ‏{وَقَالَتِ اليهود يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏64‏]‏‏.‏ومثل‏:‏ ‏{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ من الآية67‏]‏ وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول‏:‏ ‏{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طـه‏:‏5‏]‏ومن زعم غير هذا فهو جهمي‏.‏ فمذهب السلف رضوان الله عليهم‏:‏ إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها‏.‏ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات وإثبات الذات إثبات وجود؛ لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات‏.‏ وعلى هذا مضى السلف كلهم‏.‏ ولو ذهبنا نذكر ما اطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك لخرجنا عن المقصود في هذا الجواب‏.‏ فمن كان قصده الحق وإظهار الصواب اكتفي بما قدمناه ومن كان قصده الجدال والقيل والقال والمكابرة لم يزده التطويل إلا خروجا عن سواء السبيل والله الموفق‏.‏ وقد ثبت ما ادعيناه من مذهب السلف رضوان الله عليهم بما نقلناه جملة عنهم وتفصيلا واعتراف العلماء من أهل النقل كلهم بذلك‏.‏ ولم أعلم عن أحد منهم خلافا في هذه المسألة بل لقد بلغني عمن ذهب إلى التأويل لهذه الآيات والأخبار من أكابرهم‏:‏ الاعتراف بأن مذهب السلف فيها ما قلناه‏.‏ ورأيته لبعض شيوخهم في كتابه قال‏:‏ ‏[‏اختلف أصحابنا في أخبار الصفات فمنهم من أمرها كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل مع نفي التشبيه عنها‏.‏ وهو مذهب السلف‏]‏ فحصل الإجماع على صحة ما ذكرناه بقول المنازع والحمد لله‏.‏ وما أحسن ما جاء عن ‏[
‏عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة‏]‏ أنه قال‏:‏ ‏[‏عليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة‏.‏ فإن السنة إنما جعلت ليستن بها ويقتصر عليها وإنما سنها من قد علم ما في خلافها من الزلل والخطإ والحمق والتعمق‏.‏ فارض لنفسك بما رضوا به لأنفسهم‏.‏ فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا‏.‏ ولهم كانوا على كشفها أقوى‏.‏ وبتفصيلها لو كان فيها أحرى وإنهم لهم السابقون وقد بلغهم عن نبيهم ما يجري من الاختلاف بعد القرون الثلاثة؛ فلئن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم حدث حدث بعدهم فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم واختار ما نحته فكره على ما تلقوه عن نبيهم؛ وتلقاه عنهم من تبعهم بإحسان‏.‏ ولقد وصفوا منه ما يكفي؛ وتكلموا منه بما يشفي‏.‏ فمن دونهم مقصر؛ ومن فوقهم مفرط‏.‏ لقد قصر دونهم أناس فجفوا؛ وطمح آخرون فغلوا؛ وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم‏]‏‏.‏

المصدر : مقتطف من كتاب مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين
الجزء الرابع
مجموع فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله

رحم الله شيخنا شيخ الاسلام …حفظكم المولى ورعاك

القعدة
شكرا لك اخي على الموضوع
وجزاك الله خيرا
تحياتي
(:

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام انس السلفية القعدة
القعدة
القعدة

رحم الله شيخنا شيخ الاسلام …حفظكم المولى ورعاك

القعدة القعدة

أمين أحسن الله إليكم

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة l0kmane القعدة
القعدة
القعدة

القعدة

شكرا لك اخي على الموضوع
وجزاك الله خيرا
تحياتي
(:

القعدة القعدة

وأياك أخي حفظك الله ورعاك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

" أخى كمال "
ممتنةٌ بحجم السماء على طرح هذا الموضوع ..
ماأجمل هذه الدرر والفوائد من كلمات شيخ الاسلام ..
جعلها الله في ميزان حسناتك..
وجزاك الله كل الخير ..

خالص التقدير
أختكم في الله

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريحانة الشرق القعدة
القعدة
القعدة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" أخى كمال "
ممتنةٌ بحجم السماء على طرح هذا الموضوع ..
ماأجمل هذه الدرر والفوائد من كلمات شيخ الاسلام ..
جعلها الله في ميزان حسناتك..
وجزاك الله كل الخير ..

خالص التقدير

أختكم في الله

القعدة القعدة

حفظك الله أختي ورعاك
شكرا على مرورك العطر وفقك الله

يرفع للفائدة
وفيكم بارك الله

بطلان قصة الحمامتين والعنكبوت على الغار لتصحيح الاعتقاد 2024.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
بسم الله الرحمن الرحيم

بطلان قصة الحمامتين و العنكبوت على الغار

قال الشيخ الألباني رحمه الله في المجلد الثالث من السلسلة الضعيفة حديث رقم 1128

ليلة الغار أمر الله عز وجل شجرة فخرجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم تستره وإن الله عز وجل لبعث العنكبوت فنسجت ما بينهما فسترت وجه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الله حمامتين وحشيتين فأقبلتا تدفان ( وفي نسخة ترفان ) حتى وقعتا بين العنكبوت وبين الشجرة فأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل معهم عصيهم وقسيهم وهراواتهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على قدر مائتي ذراع قال الدليل سراقة بن مالك المدلج انظروا هذا الحجر ثم لاأدري أين وضع رجله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الفتيان إنك لم تخطر منذ الليلة أثره حتى إذا أصبحنا قال انظروا في الغار فاستقدم القوم حتى إذا كانوا على خمسين ذراعا نظر أولهم فإذا الحمامات فرجع قالوا ما ردك أن تنظر في الغار قال رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فعرف أن الله عز وجل قد درأ عنهما بهما فسمت عليهما فأحرزهما الله تعالى بالحرم فأفرجا كل ما ترون .

( منكر )

====

قال الشيخ العثيمين رحمه الله في لقاء الباب المفتوح عدد229

السؤال

هل عش العنكبوت والحمامتين وارد يوم اختفى الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور؟

الجواب

لا، يذكر المؤرخون: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين اختفى في غار ثور عششت عليه العنكبوت ووقعت الحمامة على غصن شجرة وهذا كذب لا صحة له ، ولا فيه آية للرسول عليه الصلاة والسلام ينقل، أي إنسان تعشش العنكبوت وتكون حوله حمامة إذا رآه من يراه يقول: ما في أحد، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أعمى الله أبصارهم عنهولهذا قال أبو بكر : [ يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا ] لأنه لا يوجد مانع، فالعنكبوت والحمامة لا صحة لذكرهما عند اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور، ولهذا يحترم كثير من الناس العنكبوت، يقول: لا تقتلها؛ لأنها عششت على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الوزغ يُقتل؛ لأنه كان ينفخ في النار على إبراهيم فهذه تكرم فنقول: لا، العنكبوت تقتل إذا آذت مثل غيرها، وهي تؤذي بعض الأحيان تعشش على الكتب وعلى الجدار فتقتل، بل في حديث لكنه ضعيف الأمر بقتل العنكبوت

حكم حرية الاعتقاد 2024.

بسم الله الرحمان الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال:
تقول السائلة من السعودية: نسمع على ألسن كثير من الكُتَّاب بحرية الاعتقاد كما أنَّه موجود في بعض المناهج الجامعية؛ فما توجيهكم في ذلك– حفظكم الله -؟
الجواب:

حرية الاعتقاد معناهُ أنَّه للإنسان أن يدينَ بما شاء؛ إن شاء يهوديًا، أو نصرانيًا، أو مسلمًا، وله أن يترك الإسلام وينتقل إلى ديانةٍ أخرى، فهذا كُفر، وإن وُجِدَ في المناهج الدراسية، وأظنُّ أنَّ الجهات التعليمية لو بُيِّن لها هذا من ناصحٍ يُحْسِنُ الخطاب لا يُقرِّونه. نعم.

الشيخ: عبيد بن عبد الله الجابري

أسئلة في لمعة الاعتقاد 2024.

أسئلة في لمعة الاعتقاد

سؤال: اختلاف الأئمة في مسائل الفقه، وقول القائل:

اختلافهم في الدين رحمة. قد يفسر تفسيرًا صحيحًا أو خاطئًا، هذا الاختلاف ما موقفنا فيه؟

الجواب:

أولاً: نترحم على جميع العلماء، وأن يعذروا في خلافهم، وما أخطئوا فيه من اجتهادهم المخالف للسُّنة لا يُتَّبَعون فيه، فإن العالم لا يُتبع بزلته ولا يُتبع على ما أخطأ من قوله أو فعله، ونُحِب الجميع، ونعتقد أن المجتهد منهم مأجور بأجر واحد إن أخطأ، وبأجرين إن أصاب.

أما مَن تَبِعهم في أقوالهم فإن كان ذلك الاتباع عن تَعَصُّب بعد معرفة الدليل، فهذا مذموم وباطل، فلقد ذم السلف من سار على هذا النحو ؛ لأننا لا نُقَدِّم أقوال الرجال على ما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسُّنة.

أما إن كان اتباعه لا عن تعصب ولكن عن اقتناع باستدلالاتهم وأصولهم، فإن ذلك لا يلام ولا يعاب على صاحبه.

لقد قال المؤلف: نسأل الله أن يعصمنا من البدع وأن يمن علينا بلزوم السنة، ونحن نسأله -جل وعلا- كذلك أن يمن علينا بلزوم السنة والمحافظة عليها، وأن يباعد بيننا وبين الأهواء والفتن والبدع وبين أصحابها، وأن يجعلنا قائمين بالحق رادِّين على الباطل وعلى كل من جاء به، ونسأله -جل وعلا- أن يجعلنا من الهداة المهتدين السائرين على هدي السلف الصالح الآخذين بوصية النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:« إنه من يَعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وَعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة » ([1]). لقد دعا بدعوة عظيمة، ونحن ندعوا بها، ويجب دائمًا أن نحرص على مثل هذه الدعوات ؛ لأن القلب يتقلب، وهذا الزمن زمن أهواء وفتن، فالمرء لا يدري هل يثبت المرء على دينه وعلى السنة حتى يتوفاه الله أم تعصف به الأهواء والفتن؟

سؤال: هل القرآن فيه زيادة كما يقال بزيادة الحروف فيه؟!

الجواب:

ليس فيه زيادة، فالقرآن لم يُزَد فيه على كلام الله شيء، فكله كلام الله، لكن القرآن نزل بلسان عربي، وعلى وَفْق لغة العرب وسننها في كلامها، وهذا يعني أنه تنطبق عليه القواعد العربية كأن يكون فيه لفظ زائد، ونعني بالزيادة الزيادة من جهة الإعراب، لكن الأولى أن نقول: صلة. تَأدُّبًا مع القرآن. لكن هل الزيادة هنا بمعنى أنها ليس لها فائدة؟

لا، بل الزيادة لها أعظم فائدة، وهي التأكيد كما في قوله: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ﴾ [ آل عمران: 159 ].

فمعنى الآية: فبرحمة من الله لنت لهم. ” فما ” في قوله: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ﴾ ليست نافيةً، ولكن المعنى المراد فبرحمة من الله لنت لهم، فـ ” ما ” صلة، ما معنى كونها صلة؟ أنها في مقام تكرير الجملة، كأن الله جل وعلا قال: فبرحمة من الله لنت لهم، فبرحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فَظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك. كذلك قوله: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ﴾. [ النساء: 155 ]. يعني فبنقضهم ميثاقهم، وهكذا، وهذا شيء معروف في لغة العرب.

سؤال: هل الكاف في قوله:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾. [ الشورى: 11 ] بمعنى: مثل؟ فقوله:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾. يورد إشكالاً على مَن جعل الكاف بمعنى: مثل ؛ لأنه إذا كانت الكاف بمعنى ” مثل ” يكون معنى الآية: ليس مثل مثله شيء، وهذا يقتضي إثبات المثل ؛ لأن نَفْي مِثْلِ المثل لا يقتضي نَفْيَ المِثْلِ؟!

الجواب:

نقولهذا يصح، لكن في غير لسان العرب، أما العربي إذا أراد أن يبالغ في نفي المثل نَفَى وُجُودَ مِثْلِ مثله، فإذا نَفَى وُجودَ مِثْل المِثْل فنَفْيُ وُجودِ المثيل عنده من باب أولى، فإذا نَفَى وُجودَ مِثْالمِثْل فنَفْيُ وُجودِ المثيل عنده من باب أولى، فالعرب من لغتها أنها إذا أرادت المبالغة الشديدة في نفي المثل نفت مِثْل مثل المثل ؛ وكأن المثل غير موجود أصلا لا يُلْتَفت إليه، فهو ينفي وجود مثيل المثل ؛ لأن هذا الأول وهو المثل لا يوجد، فذهب إلى مثيل مثله، وليس معنى ذلك أننا إذا نفينا الأدنى فإننا نثبت الأعلى، لا لكننا في العربية إذا أردنا المبالغة في النفي ننفي شبه الشبيه، وننفي مثل المثيل، فهذا أشد المبالغة.

لكن الوجه الذي يرجحه كثير من المحققين من أهل العلم أن الكاف صلة، وهذا ظاهر، ولا نحتاج معه إلى جواب عن هذا الإيراد.

سؤال: هذه الحروف في أوائل السور ما معناها؟

الجواب:

هذه الحروف في أوائل السور تُسمَّى الحروف المقطعة، والراجح في معناها أنها للإشارة إلى أن هذا القرآن كلماته متألفة من جنس هذه الأحرف، وإذا كان كذلك وهذه الأحرف هي التي يتكلم العرب بها ويؤلفون بها كلامهم، فإن ذلك يدل على أن القرآن مُعْجِز، فكأن الله -سبحانه وتعالى- يقول للناس: هذا القرآن مُكَوَّن من هذه الأحرف التي تتكلمون بها وتُنْشِئون بها كلامَكم، وليس من أحرف أُخَر، ومع هذا أنتم لا تستطيعون أن تأتوا بمثله، ولا بمثل عشر سور، ولا بمثل سورة منه، وهذا يدل على عظم الإعجاز، ويدل على هذا التفسير الاستقراء، والاستقراء أحد أوجه الأدلة التي ينبغي العناية بها، فتجد أن معظم السور التي في أولها الأحرف المقطعة يعقبها ذكر القرآن أو الكتاب، قال جل وعلا: ﴿ الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ ﴾. [ البقرة: 1 – 2 ].

وقال تبارك وتعالى:﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾. [ آل عمران: 1 – 3 ].

وقال جل من قائل:﴿ المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾. [ الأعراف: 1 – 2 ].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾. [ هود: 1 ].

وقال أيضا عز وجل:﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ ﴾. [ يونس: 1 ].

وقال: ﴿ الم * تَنزِيلُ الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العَالَمِينَ ﴾. [ السجدة: 1 – 2 ].

وقال أيضا: ﴿ حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾. [ فصلت: 1 – 2 ].

وقال: ﴿ ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ ﴾ [ ق: 1 ].

إذن أكثر السور التي ابتدأت بالأحرف المقطعة يعقبها ذكر الكتاب والقرآن، وهذا يدل على أن كلماته متكونة من هذه الأحرف، فائتوا يا كفار يا مَن لم تصدقوا برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- بمثل هذا القرآن، أو بمثل عشر سور مثله مفتريات، أو بمثل آية، وهذا فيه أبلغ اإعجاز، ولا يوجد في السلف من يقول: لا نعلم معناها. فمن يقول: الله أعلم بمعناها.بمعنى: لا يعلم أحد معناها. فلا.

ومن الأمور التي يشيع فيها الخطأ أن يقال: إن الأحرف المقطعة من المتشابه. هذا من قول الأشاعرة، ويريدون بقولهم: إنها من المتشابه. يعني لا أحد يعلم معناها. وهذا غير صحيح، فليس عندنا شيء في القرآن ولا في السنة لا أحد يعلم معناه، بل لا بد أن يكون هناك طائفة تعلم معناه ؛ لأن العلم بمعاني الكتاب والسنة محفوظ بحفظ الكتاب والسنة، فلا يجوز أن نقول: إن الأحرف المقطعة ليس لها معنى ؛ لأن الله -جل وعلا- أنزل القرآن وأمر بتدبره فقال: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ﴾. [ سورة: 82 ]. ولم يستثن الله -جل وعلا- آية ولا كلمة من القرآن من الأمر بالتدبر، ويدخل في ذلك الحروف المقطعة، وهذا يُبَيِّن لك أن القول الظاهر الصحيح الثابت هو أن الأحرف المقطعة لها معنى على نحو ما أوضحنا لك.

سؤال: ما معنى الحديث: « لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ »؟!.([2])

الجواب:

هذا الحديث: « لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ ».مشهور ثابت في الصحيح وفي غيره، وفي الرواية المشهورة:« قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِى ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ».([3])

معنى ذلك: أن الله -جل وعلا- هو الذي يصرف الدهر، والدهر هو الأيام والليالي، فسبها وهي لا تصنع شيئًا يعود إلى سب مَن يسيرها، فهي لا تملك لنفسها شيئًا، والليل والنهار لا يأتيان باختيارهما ولا يذهبان باختيارهما، وإنما بأمرٍ من الله -جل وعلا- وبتدبيره.

إذن النهي عن سب الدهر إنما لأجل أن الله -جل وعلا- هو الذي يُقَلِّبه كما قال: « وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ». يعني أنا مَالِكُه، ومُصَرِّفُه، ومُدَبِّرُه، ومُجْرِيهِ، ومُبَدِّلُ آياتِه، وهذا التأويل متعين ؛ لأنه من المعلوم أن الليل والنهار الذي هو الدهر ليس هو الله -جل وعلا- ولهذا غلط مَن جعل أن من أسماء الله -جل وعلا- الدهر، كابن حزم ومن شابهه.

سؤال: قلتم: إن الله يوصف بالعلم ولا يوصف بالمعرفة، لكن جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِى الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِى الشِّدَّةِ ».([4]) فوَصَفَ الله هنا بالمعرفة، فكيف تفسرون هذا؟!

الجواب:

من المقرر في قواعد الأسماء والصفات أن باب الأفعال أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الأخبار أوسع من باب الأفعال والأسماء، وقد يضاف إلى الله -جل وعلا- فعل، ولا يضاف إليه صفة، وقد يوصف الله بشيء ولا يشتق له من الصفة أسماء، ويدخل في هذا كثير، مثاله: ما وصف الله به نفسه في قوله: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾. [ الأنفال: 30 ] وقوله: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ [ البقرة: 15 ]. ونحو ذلك مما جاء هكذا بالفعل، وهذا يطلق مُقَيَّدًاً، ومن هذه الناحية يحمل عليه حديث ابن عباس، فالله -جل وعلا- يَعْرِف في الشدة مَن تَعَرَّف عليه في الرخاء، والله –تعالى- يمكر بالماكر، ولا يقال: إن الله تعالى ماكر أو مخادع.

سؤال: ما الفرق بين الحمد والشكر؟

الجواب:

الحمد هو الثناء باللسان على كل جميل، أما الشكر فمورده اللسان والعمل، فيقال: فلان شكر الله بفعله ؛ لأن الشكر يمكن أن يكون بالفعل واللسان قال تعالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾. [ لقمان: 14 ]. وقال جل من قائل: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾. [ سبأ: 13 ].

فمن حيث المورد يكون الشكر أعم من الحمد ؛ لأنه يشمل الثناء والمدح باللسان والعمل، والحمد أخص ؛ لأنه لا يكون إلا باللسان، ومن حيث ما يُحمد عليه فإن الحمد أعم، أي بينهما عموم وخصوص، يجتمعان في شيء، ويفترقان في شيء آخر.

سؤال: متى يكون التوكل شِرْكًا أكبر، ومتى يكون شِرْكًا أصغر؟!

الجواب:

التوكل عبادة واجبة، ويكون شِرْكًا أكبر إذا فَوَّض إنسان أمره لغير الله، فإذا قام بقلبه التعلق بغير الله، فهذا شرك، ولا يكون التوكل على غير الله شركا أصغر، إنما هو شرك أكبر.

سؤال: هل الكتاب المسمى بـ ” أحكام تمني الموت ” تصح نسبته للشيخ محمد بن عبد الوهاب؟! ففيه كثير من القصص الغريبة والأحاديث الضعيفة؟!

الجواب:

بادئ ذي بدء هذا الكتاب المذكور ليس للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإنما رأت جامعة الإمام أن النسخة التي طبعوا عنها بخط الشيخ، ولقد جُلبت من ليدن بهولندا لا على أنها من تأليف الشيخ، ولكن لأنها بخطه، ولذا لم يَسْعَوْا إلى طبعها أو نشرها، وإنما قام الشيخ بانتخاب بعض الأشياء من كتاب في أسفاره، وهي من كتاب للسيوطي، فلم ينتخبها تأليفًا، إنما انتقاءًا ليستفاد بها في الرد على خصومه من الخرافيين، فينبغي أن يُنتبه إلى أن هناك عدة رسائل ليست للشيخ محمد بن عبد الوهاب وإنما وجدت بخطه، فنسبت إليه، وهو -رحمه الله- كأي طالب علم ربما ينقل أشياء من بعض الكتب، أو يختصر بعض الكتب لنفسه، فليس هذا من قبيل التأليف، فما أنقله أنا من الكتاب الفلاني لنفسي حتى استحضره في وقت الطلب لا يُعَدُّ تأليفًا، من هذه الرسائل رسالة ” أحكام تمني الموت ”، وهي ورقة واحدة، كتب الشيخ عليها أحكام تمني الموت، ونقل الأحكام الفقهية، وبعد هذه الورقة أوراق فيها ذكر أحاديث نقلها من كتاب للسيوطي اسمه ” أحوال القبور ” اختصرها، فلا يعد هذا من قبيل التأليف.

سؤال: هل يُقدم السَّبَبُ على التوكل على الله، وما معنى قوله عليه الصلاة والسلام:« اعْقِلْها وتَوَكَّلْ ».([5])؟

الجواب:

يكون السبب أولاً، فأنت إذا أردت أمرًا قمت بالسبب الذي يحصل به المُسَبَّب عادةً، ويجب أن يقوم بالقلب أمران عند فعل السبب:الأول: تفويض الأمر لله. الثاني: ألا يقوم بالقلب أن هذا السبب وحده محقق للمُسَبَّب.

سؤال: هل قولهم: ” وا معتصماه ”. شرك في الاستغاثة ولماذا؟

الجواب:

هذه القصة ليست ثابتة تاريخيًّا ولها احتمالان: أن يكون من باب الندبة، أو يكون من باب النداء والاستغاثة.

وعلى كُلٍّ فإذا كان هذا الغائب لا يسمع الكلام، وليست هناك مظنة لسماع الكلام فهذا يكون شِرْكًا، وإن كان من باب الندبة فإن بابها فيه سعة، والأصل في الندبة أن تكون لسامع، وكذلك تكون الاستغاثة لحي حاضر قادر عليها، ولا يجوز استعمال الكلمات المحتملة للشرك خَوْفًا من الوقوع فيه.

سؤال: إذا كان الرجل في مجلس وخاف من إنكار المنكر، وقام من هذا المجلس مكتفيًا بإنكار القلب، فهل هذا الخوف يندرج تحت الخوف الْمُحَرَّم؟

الجواب:

إن كان بوسعه أن ينكر بيده وله مقدرة فليغير بيده، وإن لم يستطع ذلك يغير بلسانه، ويفارق المكان إن لم يغير، وإذا لم يستطع بلسانه ينكر بقلبه ويفارق المكان وُجوبًا، أما إذا خَاف الناسَ في الإنكار بيده مع استطاعته، فهذا من الخوف المُحَرَّم، وإذا خاف الناس في الإنكار بلسانه مع قدرته فهذا أيضًا من الخوف المُحَرَّم، وإذا خاف أن يفارق مع إمكانه دون مفسدة راجحة فهذا خوف محرم.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا جميعًا من أهل جنته، وأن يرحمنا برحمته، وأن يغفر لنا خطأنا وزللنا، وأن يقيمنا على السنة قائمين قاعدين، وأن يتوفانا غير خزايا ولا مفتونين، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

([1]) أخرجه أحمد (4 / 126، رقم 17184)، وأبو داود (4 / 200، رقم 4607)، والترمذي (5 / 44، رقم 2676) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (1 / 15، رقم 42). وصححه الألباني في المشكاة 165.

([2]) أخرجه مسلم (4 / 1763، رقم 2246).

([3]) أخرجه البخاري (4 / 1825، رقم 4549)، ومسلم (4 / 1762، رقم 2246).

([4]) أخرجه أحمد (1 / 307، رقم 2804)، والطبراني (11 / 123، رقم 11243). والضياء (10 / 23، رقم 13).

([5]) أخرجه الترمذي (4 / 668، رقم 2517). وقال: غريب.

المصدر الشيخ صالح ال الشيخ

بدع الاعتقاد النشأة والتاريخ 2024.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

القعدة

إن المتطلع إلى أحوال المسلمين اليوم ، يرى الفرق الشاسع بين جيلنا والجيل الأول الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم – ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) رواه البخاري و مسلم ، وما بلغنا هذه الحالة من التردي إلا بسبب بعدنا عن هدى ربنا جلّ وعلا ، ثم بسبب الانحرافات الدينية والأخلاقية والسلوكية في جميع جوانب الحياة ، وكان من جملة تلك الانحرافات ما دخل على الأمة من بدع في الاعتقاد الذي هو قوام الأمة وأساس بنائها ، فوهن صرحها العظيم ، وابتعدت عن الطريق القويم ، وهل ننتظر من شجر الغرقد أن يثمر الزيتون؟

وإذا أردنا أن نضع يدنا على الجرح ونعرف كيف تسللت البدع الاعتقادية ، فما علينا إلا أن نستعرض التاريخ الإسلامي ، والذي يبدأ في العهد النبوي ، فنتأمل حال ذلك الجيل الفريد الذي رباه النبي – صلى الله عليه وسلم – فكان خير هذه الأمة قلوبًا ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفًا ، لقد تلقوا العقيدة من النبي – صلى الله عليه وسلم – صافيةً نقيةً ، فاستنارت بها نفوسهم ، وازداد بها إيمانهم ، فكانوا كما قال الله عزوجل : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } ( الأنعام:122 ) ، وكان منهج الصحابة – رضوان الله عليهم – واضحا في تلقي العقيدة ، والتسليم والانقياد لكل ما جاء به الشرع ، ، كيف لا يكونوا كذلك ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين لهم طريق العصمة من الضلال فقال : ( وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ) رواه مسلم ، وزاد مالك في الموطأ: ( وسنتي ) ، ووضّح لهم خطر الابتداع في الدين فقال: ( وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) رواه أحمد و أبو داود ، فلذلك لم يكونوا ليخوضوا فيما ليس لهم به علم ، بل كانوا يبادرون إلى سؤال النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما استشكل عليهم ، كما سأل ذلك الصحابي النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: " يا رسول الله أخبرنا عن ثياب أهل الجنة خلقاً تُخلق أم نسجاً تُنسج ؟ " فرد عليه قائلاً : ( لا بل تشقّق عنها ثمر الجنة ) رواه أحمد ، فبهذا المنهج الواضح ، وبهذه العقيدة الراسخة مكّن الله لهم في الأرض ، ورضي عنهم .

وقضى الله بحكمته أن يزرع الشيطان بذرته في نفسٍ خبيثةٍ حملت أولى نوازع الهوى والبدعة ، ألا وهو "ذو الخويصرة" الذي اعترض على قسمة النبي – صلى الله عليه وسلم – في المال الذي بعث به علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – إليه من اليمن فقال هذا الرجل : " إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله " فلما انصرف الرجل قال النبي – صلى الله عليه وسلم – محذراً أمته من فتنته : ( دعوه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) رواه البخاري و مسلم ، فكان هذا الرجل أول بذور الفتنة ، وسلف الخوارج الذين اقتفوا أثره ، وترسموا خطاه .

أما في عصر الخلافة الراشدة فكانت العقيدة الصحيحة سائدة بين المسلمين ، لم تشُبها شائبةٌ ، سوى مواقف فردية من بعض الجهلة تصدى لها عمر بحزم ، كموقفه مع صبيغ ذلك الفتى الذي قدم المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر وقد أعد له أعواد النخل ، فقال من أنت ؟ قال أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ عمر يضربه حتى تاب من مقولته ، وكان موقف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حازما ، لأنه يعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حذّر أمته من هذا المسلك فقال: ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم ) رواه البخاري و مسلم .

ثم ظهرت الخوارج في زمن علي – رضي الله عنه – واستفحل خطرهم ، حيث أخرجوا من دائرة الدين كل من ارتكب كبيرة من الكبائر ، وخرجوا على إمام المسلمين وجماعتهم واستحلوا قتالهم ، فقام علي -رضي الله عنه – ومن معه من الصحابة فحاربوا هذا الفكر الهدّام .

وبينما انشغل المسلمون بهذه المصيبة ظهرت بدعة التشيع ، والذي تولّى كِبرها :"عبدالله بن سبأ اليهودي" ، فقال بعصمة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه – وآل البيت ، بل تعدى ذلك إلى تأليهه ، وسب الصحابة علناً ، فتصدى لهذه الظاهرة علي -رضي الله عنه – وقمعها فظلت مغمورة.

وفي أواخر عهد الصحابة ظهرت بدعة القدرية ، الذين يكذبون بالقدر ، وبما سبق في اللوح المحفوظ ، فأنكروا أن يكون الله تعالى قد قدّر أفعال العباد ، أو شاء وقوعها منهم ، وجاء التابعون يسألون عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما – عن هؤلاء القوم فقال عبد الله :" إذا لقيتم أولئك فأخبروهم أني بريء منهم وأنهم مني براء ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر ، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبله الله عز وجل منه حتى يؤمن بالقدر كله خيره وشره " رواه مسلم ، فاستبان الحق ، وزهق الباطل ، واستبصرت الأمة.

أما فتنة المرجئة ، فقد ظهرت في نهايات القرن الأول ، حيث خرجوا على الناس بفكرهم الباطل ، فقالوا : " إن الإيمان هو التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، وبالتالي فإن إيمان المسلم العاصي كإيمان أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – " ، فجعلوا التصديق القلبي مجرداً من عمل الأركان ، وبالتالي فإن العمل ليس له تأثير في زيادة الإيمان ونقصه ، فكان من آثار هذا الفكر الخطير تزهيد الناس في العمل والتقليل من أهميته ، ولا يزال لهذا الانحراف آثار عميقة الجذور امتدت إلى عصرنا هذا .

وفي القرن الثاني اتسعت رقعة البدع ، وانفرط العقد ، فظهرت عدة أفكار ملوّثة ابتعدت كل البعد عن المنهج الربّاني ، فظهرت الجهميّة الذين نفوا ما وصف الله به نفسه ، ووصفه به رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وقالت : إن العاصي مجبور على فعل معصيته ، وظهر من يقول بقول المعتزلة ، وهم الذين يجعلون مرتكب الكبيرة في منزلة بين الكفر والإيمان ، فلا يُطلق عليه أنه مسلم أو كافر ، بل هو في منزلةٍ بينهما ، فتصدّى سلفنا الصالح ، وأئمة الهدى لهذا الزحف الخبيث ، حتى انبلج الحق لكل ذي بصيرة .

وفي القرن الثالث الهجري ، تطورت تلك الفرق واتسعت ، وكثر أتباعها ومنظروها ، وزاد الأمر سوءا ما انفتح على الأمة من باب فتنة عظيمة ، تولّى كبرها الخليفة المأمون ، وكان ذلك لما قام بمهادنة بعض ملوك النصارى ، فطلب منهم خزانة كتب اليونان والفلاسفة التي عندهم ، فاستشار ملك اليونان من عنده من أحبار النصارى فقال أحدهم : " جهّزها إليهم ، فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها " وصدق فيما قال ، فما إن استلم الخليفة المأمون تلك الكتب ، وعمل على ترجمتها وتعريبها ، حتى دخل على الناس شر مستطير ، وانشغل الناس بها عن الوحي ، ولم يكتف المأمون بما فعل فامتحن الناس في قضيّة خلق القرآن ، وتلاه الخليفة المعتصم في ذلك ، وحدثت الفتن بين المسلمين ، وتطاول الخلفاء على أئمة الدين ، وظهر الاختلاف في الآراء ، ومال أهل الزيغ إلى البدع والأهواء .

ولا تزال الفتن تتوالى على مر العصور ، والمعركة محتدمة بين الحق والباطل ، لكن الله سبحانه وتعالى يهيء في كل زمان علماء ربانيّين يقفون أمام هذا السيل العارم ، فيستبين بهم الحق ، ويهتدي بهم الخلق ، وما ذاك إلا لتبقى العقيدة صافية نقية كما كانت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم – ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا من الضلال بعد الهدى ، وأن يميتنا على الحق المبين .

لاحول ولا قوة الا بالله

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا من الضلال بوركتم على الطرح القيم

شكراااااااااااااااااالك
merçi
————–

لا شكر على واجب…بارك الله فيكم

القعدة

منهج أهل السُّنة في الاعتقاد والعبادة 2024.

السلام عليكم

اقدم لكم اخواني الكرام منهج أهل السُّنة في الاعتقاد والعبادة
للشيخ الدكتور : محمد سعيد رسلان
هاد هو الربط

https://www.rslan.com/vad/items.php?chain_id=266

شكرا ليك اخي وجزاك الله كل خير

دمت متميز ومبدع

تقبل مروري

zehor

mchkour akhi
جزاكم الله خيرا

مظاهر الغلو في الاعتقاد والعمل والحكم على الناس 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم


مظاهر الغلو في الاعتقاد والعمل والحكم على الناس

كلمة للشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله تعالى ضمن بحوث ندوة أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله .. أما بعد : فإن من مظاهر الغلو : الغلو في الاعتقاد، والعمل، والحكم على الناس.

1- الغلو من الاعتقاد

أما الغلو في الاعتقاد: فهو مجاوزة الحد فيما شرع الله تعالى من الأمور الاعتقادية فإن الله تعالى إنما أنزل الكتاب وبعث المصطفى ليكون الدين كله لله، والغالي لا يكتفي بما أنزل تعالى من الشريعة الكاملة، بل يسعى إلى الزيادة على ما شرع الله، ومخالفة ما قصده الشارع من التيسير على المكلفين إلى التشديد على نفسه وعلى غيره، ونسبة ذلك إلى شرع الله تعالى . والغلو في الاعتقاد أخطر أنواع الغلو؟ ذلك بأن الاعتقاد درجة عالية من جزم القلب بما فيه من رأي أو فكر أو شرع، فأصعب ما يكون انتزاعها؛ لأن صاحبها يدافع عنها كما يدافع عن دمه وماله وعرضه، ومعلوم أن الغالي إنما يعتقد ما يتوهم أنه شرع الله وليس كذلك، بل إنما يعتقد فكرا أو رأيا مصدره الهوى . ومن هنا كان تحذير علماء المسلمين من أهل ال بدع والأهواء أكثر من تحذيرهم من أهل المعاصي والفسوق فالضرر الحاصل بالغلو في الاعتقاد أعظم من الضرر الحاصل بالغلو في العمل .

ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع من الغلو : غلو الخوارج وهم الفرقة المعروفة في جسم الأمة الإسلامية منذ العصر الأول : إﻧﻬم فئة قادهم الغل و في الحكم على صاحب المعصية إلى إلحاقه بمن وقع في الكفر بالله تعالى فكان هذا الغلو الاعتقادي دافعا لهم إلى سلسلة من الجرائم الكبرى بحق الأمة الإسلامية:

(أ)- حيث دفعهم إلى تكفير حكام المسلمين بمجرد الوقوع في المعاصي.

(ب)- ثم تكفير عامة من لم يقنع بقولهم هذا من المسلمين، فكفروا اﻟﻤﺠتمعات المسلمة

(ج)- فقاتلوا المسلمين، وخرجوا على حكامهم . وهكذا صور كثيرة من الظلم والاعتداء وإيهان قوة المسلمين، ارتكبها هؤلاء لأجل غلوهم في دين الله تعالى

وقد كشف الحديث النبوي الشريف هذا الجانب السيئ في هذا الاتجاه، ففي صحيح ابن حبان( 1) عن جندب البجلي أن حذيفة حدثه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إِنَّ مَا َأتَخَوَّفُ عََليْ ُ كمْ رَجُل َقرََأ اْلُقرْآن َ حَتَّى إَِذا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عََليْهِ وَكَان رِدْءًا لِلْإِسَْلامِ، َ غيَّرَهُ إَِلى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسََلخَ مِنْهُ، وَنَبَذهُ وَرَاءَ َ ظهْرِهِ، وَسَعَى عََلى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ " قَال: ُقلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، َأيُّهُمَا َأوَْلى بِالشِّرْكِ، الرَّامِي َأمِ الْمَرْمِيُّ؟ قَال: " بَلِ الرَّامِي ].

فهذه الصورة تكشف الغلو الاعتقادي، كيف يبدأ صاحبه؟ ومن أين يأتيه الشيطان؟ وما يترتب على غلوه من المفاسد العظيمة : حيث قتل النفس التي حرم الله، وخيانة الجار، وزعزعة أمن الدولة المسلمة . كل ذلك يشرح نظريا شؤم الغلو الاعتقادي، ويب ين عموم ضرره. ومن هنا جاء كتاب الله تعالى وجاءت السنة النبوية بالتحذير الشديد من الغلو، وبيان عواقبه الوخيمة في أمور الدين وأمور الدنيا . ففي مسند الإمام أحمد( 2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع : هَُلمَّ اْلُقط ْ لِي، َفَلَقطْتُ َلهُ حَصَيَاتٍ، هُنَّ حَصَى اْلخَ ْ ذفِ، َفَلمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ، قَا َ ل : ” نَعَمْ، بَِأمَْثالِ هَؤَُلاءِ . وَإِيَّاكمْ وَالْغُُلوَّ فِي الدِّينِ، َفإِنَّمَا هََلكَ مَنْ كَا َ ن َقبَْل ُ كمْ بِالْغُُلوِّ فِي الدِّينِ { (3 ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ” اقتضاء الصراط المستقيم ” ((4 ) : هذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، وسبب هذا اللفظ العام : رمي الجمار، وهو داخل فيه مثل : الرمي بالحجارة الكبار، بناء على أنه أبلغ من الصغار، ثم علله بما يقتضي مجانبة هدي من كان قبلنا، إبعادا عن الوقوع فيما هلكوا به . وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلاك . اهـ

وغلو أهل الكتاب من النصارى في دينهم واضح حيث نص الله تعالى عليه في قوله : ” يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه "( 5).

فهنا غلو منهم في الاعتقاد، ساقهم إليه الشيطان، حيث زين لهم عبادة المسيح من دون الله تعالى في هيئة محبة الأنبياء وتعظيمهم، وقد أبطل الله هذه الشبهة بأدلة متعددة، كقوله تعالى : ” ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام "( 6)

ومثل فعل النصارى هذا؛ فعل اليهود مع العزير، وفعل بعض فرق هذه الأمة مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ولهذا حرقهم علي رضي الله عنه واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم، واختار ابن عباس أن يقتلوا بالسيف من غير تحريق، وهو قول أكثر العلماء( 7)

وقد قاد الغلو النصارى إلى ابتداع البدع في دينهم، والتعبد لله تعالى ﺑﻬا، كما قال تعالى : ” رهبانية إبتدعوها ما كتبناها عليهم إلا إبتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها "(القعدة.

فكل من غلا من هذه الأمة، واتبع هواه وحكمه في دين الله، أو زاد على ما شرعه الله ففيه شبه من أهل الكتاب، ومن تشبه بقوم فهو منهم . ومآله إلى الهلاك في الدنيا والآخرة؛ لأن الغلو هو سبب هلاك من مضى من أهل الكتاب باختلافهم وتقاتلهم وتباغضهم، وفي الآخرة هم الأخسرون . ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ” هلك المتنطعون قالها ثلاثا "(9 ) رواه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود( 10)

قال الخطابي في ” معالم السنن "(11 )المتنطع : المتعمق في الشيء، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم. اهـ

فهذا خبر عن هلاك من وقع في التنطع الذي هو ضرب من الغلو في الكلام ونحوه، فدل على أن عقوبة الغالين من المتقدمين والمتأخرين هو : الهلاك، ولهذا لا يقوم لأهل الغلو دولة، ولا تجتمع الأمة عليهم، كما قال الإمام وهب بن منبه – رحمه الله تعالى – في الخوارج كنموذج للغلو، عند مناصحته لمن وقع في رأيهم القعدة فوالله ما كانت للخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاﺗﻬم، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه، وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج . ولو أمكن الله الخوارج من رأيهم لفسدت الأرض، وقطعت السبل، وقطع الحج إلى بيت الله الحرام، وإذن لعاد أمر الإسلام جاهلية، حتى يعود الناس يستعينون برءوس الجبال كما كانوا في الجاهلية، وإذن لقام أكثر من عشرة أو عشرين رجلا ليس منهم رجل إلا وهو يدعو إلى نفسه بالخلافة، ومع كل رجل منهم أكثر من عشرة آلاف يقاتل بعضهم بعضا، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر حتى يصبح الرجل المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري أين يسلك أو مع من يكون. غير أن الله بحكمه وعلمه ورحمته نظر لهذه الأمة فأحسن النظر لهم، فجمعهم وألف بين قلوﺑﻬم على رجل واحد ليس من الخوارج…)الخ( 12) وكل ما ذكره هذا الإمام واقع ملموس في هذه الفئة ومن نحا نحوها في الغلو، ذلك بأن كل خير يحصل للأمة إنما هو بسبب اجتماعها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن هنا فسر حبل الله تعالى الوارد قي قوله جل وعلا: ” وإعتصموا بحل الله جميعا ولا تفرقوا "(13 ) بالجماعة في قول ابن مسعود رضي الله عنه عنه وغيره( 14)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله” : وأهل الإثبات من المتكلمين مثل الكلابية والكرامية والأشعرية أكثر اتفاقا وائتلافا من المعتزلة، فإن في المعتزلة من ا لاختلافات وتكفير بعضهم بعضا، حتى ليكفر التلميذ أستاذه، من جنس ما بين الخوارج، وقد ذكر من صنف في فضائح المعتزلة من ذلك ما يطول وصفه . ولست تجد اتفاقا وائتلافا إلا بسبب اتباع آثار الأنبياء من القرآن والحديث وما تبع ذلك، ولا تجد افتراقا واختلافا إلا عند من ترك ذلك، وقدم غيره عليه، قال تعالى :” ولا يزالون مختلفين إلا ما رحم ربك ولذلك خلقهم”( 15) فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، وأهل الرحمة هم أتباع الأ نبياء قولا وفعلا، وهم أهل القرآن والحديث من هذه الأمة، فمن خالفهم في شيء فاته من الرحمة بقدر ذلك…”( 16)

ومن هذا المنطلق جعل أهل العلم : من علامات المبتدعة : الغلو، فليس مع من ركبه أي حجة، ومن عباراﺗﻬم في ذلك، ما سطره العلامة الشيخ سليمان بن سحمان في كتابه الذي رفض فيه الغلو، وأنكر على أهله، وفند ما يظنونه حجة لهم، وهو كتاب : ” منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع ” قال رحمه الله” : ومن علامات صاحب البدعة: التشديد، والغلظة، والغلو في الدين، ومجاوزة الحد في الأوامر والنواهي، وطلب ما يعنت الأمة ويشق عليهم ويحرجهم ويضيق عليهم في أمر دينهم، وتكفيرهم بالذنوب والمعاصي إلى غير ذلك مما هو مشهود مذكور من أحوال أهل البدع ". اه. وقد كشف الشيخ ابن سحمان ضلال طائفة من الغالين في كتابه هذا بما يحسن تلخيصه، إذ البلية تتكرر بمثل هذه الطائفة في كل زمن . وقد قام الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله بمنع هؤلاء الغالين من الذهاب إلى البادية للدعوة مما أثار حفيظة بعضهم، فذم الولاية، وذم العلماء، قال الشيخ ابن سحمان رحمه الله( 17)قد كان من المعلوم عند الخاصة والعامة أن الذي منع هؤلاء من الذهاب إلى هذه الأما كن المذكورة في السؤال هو الإمام – أعزه الله بطاعته وأحاطه بحياطته – لأمرين :

أحدهما: أﻧﻬم افتاتوا على منصب الإمامة، فذهبوا إلى البادية من رعيته ومن تحت يده وفي ولايته، من غير إذن منه، ولا أمر لهم بذلك . وقد كان من المعلوم أن الإمام هو الذي يبعث العمال والدعاة إلى دين الله .

الثاني: ما بلغه عنهم من الغلو واﻟﻤﺠازفة والتجاوز للحد في المأمورات والمنهيات وإحداثهم في دين الله ما لم يشرعه الله ولا رسوله، فمن ذلك : أﻧﻬم كفروا البادية بالعموم .. ومنها: أﻧﻬم يلزمون من دخل في هذا الدين أن يلبس عصابة على رأسه، ويسموﻧﻬا : العمامة، وأﻧﻬا من السنة . ومنها: أﻧﻬم لا يسلمون إلا على من يعرفون وتميز بالعمامة . وهم مع ذلك يزعمون أﻧﻬم هم على السنة، وأن المشايخ يميتون السنن . ومنها: أﻧﻬم لا يدعون أحدا صلى معهم صلاة الصبح أن يخرج من المسجد إلا بعد طلوع الشمس . ومنها: أﻧﻬم أدخلوا في دين الله ما ليس منه، فزعموا أن تدوية البدو للإبل عند ورودها وصدورها بدعة . ومنهم من تجاوز الحد في التأديب عند فوات بعض الصلاة، فضربوا رجلا منهم حتى مات …. فلما اشتهر هذا الأمر عنهم، وهذا الغلو والتجاوز للحد، خاف الإمام أن يسيروا بسيرة الخوارج، فيمرقون من الدين بعد أن دخلوا فيه، كما مرق منه من غلا في الدين وتجاوز الحد ممن كانوا من أعبد الناس وأزهدهم وأكثرهم ﺗﻬليلا، حتى إن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة… إلى أن قال الشيخ: وأما سبهم المشايخ وثلبهم إياهم وإساءة الظن ﺑﻬم، وكذلك ما نسبوه إلى و لي الأمر من الأقوال التي لا تروج على عاقل، ويغتر ﺑﻬا كل مغرور جاهل، فهذا كله مما يرفع الله به درجات الإمام، والمشايخ، وحساﺑﻬم على الله، وسيجازيهم بما جازى به المفترين؛ لأن الإمام والمشايخ لم يمنعوهم إلا خوفا على من دخل هذا الدين أن يسلك مسلك الخوارج، الذين مرقوا من دين الإسلام وهم يحسبون أﻧﻬم يحسنون صنعا.

وأما قول بعضهم : ما فعل المشايخ ذلك إلا حسدا منهم للإخوان في دعوﺗﻬم . فنقول: وهل يدور في عقل عاقل أن المشايخ يحسدوﻧﻬم على ما أحدثوه من البدع والغلو واﻟﻤﺠازفة والتجاوز للحد !!

وأما قولهم : إن المشايخ داهنوا في دين الله، والإخوان أمروا وأنكروا . فنقول: ما أشبه

الليلة بالبارحة، فلا جرم قد قالها الذين من قبلهم لما ﻧﻬاهم أهل الحق عن الغلو في الدين،

قالوا لمن ﻧﻬاهم : يا أعداء الله قد داهنتم في الدين( 1القعدة وهم يزعمون أﻧﻬم ما فعلوا ذلك إلا من أجل أﻧﻬم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، تشاﺑﻬت قلوﺑﻬم.

وأما قولهم : الإخوان علمونا ملة إبراهيم وبينوها، والمشايخ كتموها ودفنوها . فنقول: إن كان هذا حقا فسيجازيهم الله على ذلك . لكنهم مع ذلك قد سلكوا ﺑﻬم مسلك أهل البـدع، وتجاوزوا ﺑﻬم الحد في الأقوال والأفعال، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، فإن كان هذا هو ملة إبراهيم فقد أعظموا على الله الفرية وعلى ملة إبراهيم.

وأما قولهم : ما أطاع الإمام المشايخ إلا لسكوﺗﻬم عنه للمآكل والأغراض . فنقول: هذا

– أيضا – من جنس ما قبله من الطعن على الإمام وعلى المشايخ بالزور والبهتان )اهـ.

2- فصل في الغلو في العمل

والغلو في العمل : تشديد المسلم على نفسه في عمل طاعة من غير ورود الشرع بذلك: كالذي يجعل حبلا يتعلق به إذا فتر عن قيام الليل، ونحوه، فإن هذا العمل غير ناتج عن عقيدة فاسدة، وإنما قد يظن المكلف أن ذلك زيادة خير . فإن صاحب هذا العمل عقيدة فاسدة فهو الغلو الاعتقادي الذي تقدم ذكره، كحالة بعض المنتسبين إلى التصوف، ممن يعتقد أن تعذيب النفس في الطاعة مطلقا من أفعال الخير والهدى . ولما كان هذا النوع من الغلو قد يدخل في نفس بعض اﻟﻤﺠتهدين في العبادة، عالجه صلى الله عليه وسلم بأساليب متعددة، تارة بالعموم، وتارة بتوجيه من وقع فيه إلى خطأ فعله، وما كان من الصحابة رضي الله عنهم إلا التسليم المطلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففي سنن الترمذي( 19)عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” إِنَّ رَجًُلا َأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي إَِذا َأصَبْتُ اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ لِلنِّسَاءِ، وََأخَ َ ذتْنِي شَهْوَتِي، َفحَرَّمْتُ عََليَّ اللَّحْمَ، َفَأنْزَل اللَّهُ ” يا أيها الذين آمنوا لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم "( 20) قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ..اهـ. وحسنه الشاطبي في ” الاعتصام "(21 )

ومثل هذه الحادثة كثير، فيوجه النبي صلى الله عليه وسلم من وقع منه ذلك إلى البعد عنه، والحذر منه . وقد روى ا بن جرير الطبري في ” تفسيره "( 22) عن أبي قلابة قال : َأرَادَ ُأنَاسٌ مِنْ َأصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َأن يَرْفُضُوا الدُّنْيَا، وَيَتْرُكُوا النِّسَاءَ وَيَتَرَهَّبُوا. َفقَامَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َفغَلَّظ فِيهِمُ الْمََقاَلةَ، ُثمَّ قَال : إِنَّمَا هََلكَ مَنْ كَان َقبَْلكمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عََلى َأنْفُسِهِمْ َفشَدَّدَ اللَّهُ عََليْهِمْ، ُأوَلئِكَ بََقايَاهُمْ فِي الدِّيَارِ وَالصَّوَامِعِ، اعْبُدُوا اللَّهَ وَ َلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيًْئا، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ َلكمْ ” قال: ونزلت فيهم :” يأيها الذين آمنوا لما تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ” ( 23) قال الشاطبي رحمه الله في ” الاعتصام (24 )” الاقتصار على الشبع في المأكول من غير عذر تنطع والاقتصار في الملبوس على الخشن من غير ضرورة، من قبيل التشديد والتنطع المذموم، وفيه أيضا من قصد الشهرة ما فيه . وقد روي عن الربيع بن زياد الحارثي: أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ا عدني على أخي عاصم .قال: ما باله؟ قال : لبس العباء يريد النسك . فقال على رضي الله عنه علي به فأتى به مؤتزرا بعباءة، مرتديا بالأخرى، شعث الرأس واللحية . فعبس في وجهه، وقال : ويحك ! أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى الله أباح لك الطيبات، وهو يكره أن تنال منها شيئا؟ بل أنت أهون على الله من ذلك، أما سمعت الله يقول في كتابه : ” والأرض وضعها للأنام ” ( 25) إلى قوله : ” يخرج منهما الؤلؤ والمرجان ” ( 26) أفترى الله أباح لعباده إلا ليبتذلوه، ويحمدوا الله عليه، فيثيبهم عليه؟ وإن ابتذالك نعم الله بالفعل خير منه بالقول. اهـ.

وأدلة الشرع في النهي عن الغلو العملي كثيرة جدا، فالوقوع فيه : ارتكاب للنهي، ومعارضة لمقاصد الشريعة التي بنيت على التيسير والتخفيف . وإذا تأمل المسلم ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج من فرضية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعته ربه جل وعلا في تخفيف عدد الصلوات من خمسين إلى أن بلغ خمس صلوات؛ علم يقينا أن الشارع الحكيم لا يقصد في تكاليفه المشقة على العباد وإلحاق العنت ﺑﻬم . فلم يبق لمن ألزم نفسه بالغلو في جزئيات الشريعة حجة . وكل ما تقدم في ذم من غلا في جزئية أو جزئيتين، أما من كثر غلوه في الجزئيات فلا ريب أن غلوه هذا يلحق بالغلو الاعتقادي.

وقد جرت سنة الله تعالى في هؤلاء الغالية في العمل : أن ينقطعوا عن العمل بالكلية، إلا من أراد هدايته فوفقه للرجوع إلى الطريق المستقيم . وهذا بينه صلى الله عليه وصلم فيما أخرجه البخاري( 27) عن أبى هريرة رضي الله عنه :” إِنَّ هَذا الدِّينَ يُسْرٌ، وََلنْ يُشَادَّ الدِّينَ َأحَدٌ إِلَّا َغَل بَهُ، َفسَدِّدُوا وََقارِبُوا وََأبْشِرُوا” ( 2القعدة

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في ” الفتح ” ( 29)المشادة بالتشديد المغالبة، والمعنى :لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع؛ فيغلب . قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، ف قد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع.. اه. وتلافيا للوقوع في هذا المزلق الخطير : أمر الشارع الحكيم بالقصد وهو الوسط في العمل . فقد بوب البخاري – رحمه الله – في صحيحه( 30) باب القصد والمداومة على العمل، في كتاب الرقاق . وذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها أﻧﻬا قالت :” سُئِل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َأيُّ الْأَعْمَالِ َأحَبُّ إَِلى اللَّهِ؟ قَال : ” َأدْوَمُهَا وَإِنْ َقلَّ ” وَقَال: ” اكَلُفوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيُقون” ( 31)

3- فصل في الغلو في الحكم على الناس

وأما الغلو في الحكم على الناس : فهو مجاوزة الحد في إلحاق الحكم عليهم بالكفر أو البدعة أو الفسوق . فإن الحكم ﺑﻬذه الأمور على أحد من الناس إنما هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن دل الدليل القاطع على إلحاق هذه الأ حكام به؛ ألحقت به، ومن لم يدل الدليل على لحوقها به؛ فإن تتريلها عليه من تعدي حدود الله تعالى، والقول عليه بغير علم، وهو الغلو الفاحش الذي أردى الأمة ونخر في جسمها، وفرق جماعتها . بل إن أول الغلو في الأمة إنما هو هذا، يوم غلا الخوارج في الحكم على المسلمين، وحكام المسلمين بالكفر والخروج من الإسلام، فترتب على فعلهم هذا : إراقة دماء طاهرة مسلمة، وتمزق الجماعة، وانتشار التباغض والشحناء بين أهل الإسلام.

ومثل هذا يقال في التبديع بغير حق، والتفسيق بغير حق، فإنه يقود إلى التقاطع والتباغض، وهو سبيل إلى التكفير بغير حق. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري – منع من تتريل الحكم العام على شارب الخمر بأن تحل عليه لعنة الله، على الشخص المعين لما قام به من إيمان بالله ورسوله، فكيف يتسارع الغالون إلى تتريل أحكام الكفر والفسق العامة على الأشخاص المعينين دونما روية وتؤدة؟ ! ونص الحديث كما في صحيح البخاري( 32) عن عمر بن الخطاب :” َأنَّ رَجًُلا كَان عََلى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كان اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَان يَُلقَّبُ حِمَارًا وَكَان يُضْحِكُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جََلدَهُ فِي الشَّرَابِ، َفأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، َفَأمَرَ بِه، َفجُلِد . فَقَال رَجُل مِنَ الَْقوْمِ : اللَّهُمَّ اْلعَنْهُ، مَا َأكَْثرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ! فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َلا تَْلعَنُوهُ َفوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ َأنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُوَلهُ "(33 )

فتتريل هذه الأحكام على الشخص المعين لا بد لها من شروط تتوفر، وموانع تنتفي، كما أجمع على ذلك علماء أهل السنة والجماعة . ومن هذا المنطلق تتابعت نصوص العلماء على أن المتصدي للأحكام على الن اس في عقائدهم أو عدالتهم لا بد أن يكون من العلماء وأهل الورع : من ذلك قول الحافظ الذهبي – رحمه الله تعالى -: ” والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع "اهـ.( 34)

وقد بلينا في هذه الأزمان ببعض المنتسبين إلى السلفية ممن يغلون في الحكم على الناس بالبدعة، حتى بلغ الأمر إلى التعميم في التبديع على كل اﻟﻤﺠتمع، وأن الأصل في غيرهم البدعة حتى يتبينوا في شأﻧﻬم . وهؤلاء جهال بالشريعة، جهال بفهم عبارات العلماء في البدع وأهلها، فلا عبرة بقولهم، بل هو هباء لا وزن له . وقد أجاد العلامة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد في نصحهم والتحذير من منهجهم في كتابه : رفقا يا أهل السنة بأهل السنة. نسأل الله تعالى السلامة من الغلو كله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

1 – الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان [1/ 282] .

2 – [ 1/ 215-347] وصححه شيخ الإسلام في ” اقتضاء الصراط المستقيم ” [1/289]

3 – النسائي مناسك الحج [3057] ابن ماجه المناسك [3029] أحمد [1/215].

4 – [1/279] ونقله عنه الشيخ سليمان في تيسير العزيز الحميد [ص 275] والنقل بواسطته.

5 – سورة النساء 187.

6 – سورة المائدة 75.

7 – ينظر منهاج السنة لإبن تيمية [1/28].

8 – سورة الحديد آية 27.

9 – مسلم العلم[2670] , أبو داوود[4608] ,أحمد[1/376] .

10- صحيح مسلم [2670].

-11 [7 /12-13].

12- رسالة مناصحة وهب بن منبه لرجل تأثر بمنهج الخوارج ص 17.

13- سورة آل عمران آية 103.

14- المحرر الوجيز لابن عطية [3/182].

15- سورة هود الآيتان 118-119.

16- مجموع الفتاوى [4/52] .

17- [87/88] .

18- مقولة الخوارج لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

19- أبواب التفسير باب في تفسير سورة المائدة [5/255] .

20- سورة المائدة 87.

21- [2/ 196] .

22 – 8/608 دار هجر.

23 – سورة المائدة آية 87 .

24 – 2/228.

25 – سورة الرحمن آية 10.

26 – سورة الرحمن آية 22.

27 – صحيح البخاري كتاب الإيمان ، باب الدين يسر[1 /15]

28 – النسائي الإيمان وشرائعه (5034).

29 – الفتتح [1/94].

30 -[8/114].

31 – البخاري الرقاق (6100) مسلم صلاة المسافرين وقصرها(783) النسائي القبلة(762) أحمد(6/273).

32 – كتاب الحدود ، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة [12/75] فتح

33 – البخاري الحدود (639القعدة.

34- ميزان الإعتدال [3/46].

جزيت كل خير على الموضوع
اصبح الناس يعملون اكثر مما شرع الله لدرجة خلق البدع
نسأل الله العافية
تقبل مروري

بارك الله فيك
كلام طيب للشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم رحمه الله
لا تفريط ولا افراط ، بارك الله فيك أخي الفاضل.