مهام النبوة 2024.

[frame="1 10"]

متي كان التكليف من الله لحَبيبه ومُصطفاة بالنبوَّة؟ سأل سيدنا ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال ، فقال : يا رسول الله متي كنت نبيَّا؟ فقال صلى الله عليه وسلم {وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَ الجَسَدِ}[1]

وهل هناك شئ لا هو روح ولا هو جسد؟ لا , لأن أي كائن لا يخلو أن يكون روحا , أو أن يكون جسدا , أما الذي لا يكون روحا ولا جسدا فهو لاشيء وهذا يعني انه يريد أن يقول أنه كان نبيا قبل خلق آدم , وقد وضح ذلك الحديث الأخر الذي يرويه سيدنا العرباض ابن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول {إنِّى عِنْدَ اللهِ فِى أمِّ الكِتَابِ لخَاتَمُ النَّبِيينَ ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتَه}[2]

وذلك لانه أصل النبيين والمرسلين , وسر أنوارهم , فخطاب التكليف له بالنبوَّة ، هو قول الله تعالي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47} الأحزاب

أما خطاب التكليف بالرسالة ، فقد جاء في قول الله تعالي {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} البقرة151

فلو نظرنا لخطابات التكليف الموجهة للأنبياء السابقين ، نجد أن الله لم يفتتح أيا منها بالنبوة وإنما خاطب الانبياء فيها باسمائهم {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} هود76

{يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}النمل9

{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} المائدة116

{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ص26

ولكن عند خطاب زعيمهم وإمامهم صلوات الله وسلامة عليه ، افتتحه بالتعظيم في قوله عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} وكلمة{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} تفيد معاني كثيرة ، غير ما تفيده عبارة {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ} فهي تدل علي أنه أرسل للإنس والجنَّ , والملائكة , وحملة العرش , والكروبيين , والروحانيين ، بل وجميع مخلوقات الله المكلفة , فقد أرسل صلوات الله وسلامة علية للجميع

ولذا فقد سمعت من رجل من الصالحين أنه صلوات الله وسلامه عليه عند عروجه الي الملاء الأعلي مر علي مَلَك في كوكب الثريا ، يبشر الملائكة ببعثة رسول الله , وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليهم ، فقال المَلَك عندما رآه : هاهو محمد صلى الله عليه وسلم قد دخل عليكم ، وهذه الرواية إن صحت ، تدل علي أن التبشير برسالتة صلى الله عليه وسلم لم يكن في عالم الأرض فقط بل في العوالم العلوية أيضا

ومما يؤكد معرفة الملائكة به قبل بعثته ما ورد أن جبريل عليه السلام عندما نزل لإبراهيم عليه السلام لتنفيذ أمر الله في إبنه إسماعيل وأمه ، أركبه البراق وركب إبنه أمامه ، وزوجته خلفه ,ومشي سيدنا جبريل وهو ممسك بلجام البراق , وكلما رأي سيدنا ابراهيم أرضا بها ماء وخضرة ، يقول له : أننزل ها هنا يا جبريل ؟ فيقول : لا , حتي تأتي مكة

فلما وصل إلي مكة ، قال له : إنزل ها هنا ، فقال إبراهيم : أننزل ها هنا يا جبريل ، ولا زرع ولا ماء ؟ ، فقال جبريل : لابد لك من النزول هنا , لان هنا سيولد النبي الذي يخرج من ولدك هذا , والذي يتم الله به الأمر

فوظائف النبوة التي شملتها الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47} الأحزاب

وهي خمس وظائف :

1. أنه صلى الله عليه وسلم " شاهداً "

2. أنه صلى الله عليه وسلم " مبشرا ونذيراً "

3. أنه صلى الله عليه وسلم " داعياً الي الله عز وجل بإذنه "

4. أنه صلى الله عليه وسلم " سراجاً منيراً "

5. أنه صلى الله عليه وسلم "يبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا "

هذه الوظائف الخمسة كُلِّف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَل الحقِّ للقيام بها ، لجميع طوائف الخلق من قبل آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها

[1] أخرجه البزار والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم عن ابن عباس وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن ميسرة الفجر
[2] أخرجه الحاكم والبيهقي واحمد عن العرباض بن سارية

حديث الحقائق عن قدر سيد الخلائق

منقول من كتاب {حديث الحقائق عن قدر سيد الخلائق}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً

القعدة

[/frame]

رسول الله مع أولاده وقرابته 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



فقد كان النبي r أرحم الناس بولده، وأشدهم بهم شفقة، كان يحبهم، ويفرح بهم ويستبشر بقدومهم ويحنو عليهم، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويذرف الدمع لفراقهم..



وكان r يحسن معاملة بناته، ويسعى في مصالحهن، ويعمل على حلّ مشكلاتهن الزوجية، ويرفع عنهن الحرج والضيق، ويتناولهن بالموعظة الرقيقة والتذكرة البليغة، ويمدحهن ويذكر فضائلهن.


نبذة عن أولاده r

كلُّ أولاده r من ذكر وأنثى فمن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حاشا إبراهيم فإنه من مارية القبطية التي أهداها إليه فالذكور من ولده: القاسم وبه كان يكنى، وعاش أيامًا يسيرة، وإبراهيم ولد بالمدينة وعاش عامين إلا شهرين ومات قبله r بثلاثة أشهر.



وعبد الله وهو الملقب بالطاهر والطيب، وقد مات في حياته r أيضًا، وأما بناته r فهن: زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم رضي الله عنهن وأرضاهن.

أولاد بناته r

أما زينب فقد تزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، وأمه هالة بنت خويلد، فولدت له عليًّا وقد مات صغيرًا، وأمامة وقد بلغت حتى تزوجها على بن أبي طالب t بعد موته فاطمة.



وأما فاطمة فقد تزوجها علي بن أبي طالب t، فولدت له الحسن والحسين ومحسنًا مات صغيرًا، وأم كلثوم، تزوجها عمر بن الخطاب t، وزينب تزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.



وأما رقية فقد تزوجها عثمان بن عفان t وولدت له عبد الله وبه كان يكنى، وماتت عنده رضي الله عنها، ثم تزوج أختها أم كلثوم رضي الله عنها فماتت عنده.


أرحم الناس بالأطفال

عن أنس بن مالك t قال: ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله r، قال: «كان إبراهيم مسترضعًا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت فيأخذ فيقبله ثم يرجع». [رواه مسلم].



وهذا من رحمته r أنه يذهب إلى عوالي المدينة لا لشيء إلا ليقبل ابنه إبراهيم ثم يرجع.


وعن أبي هريرة t قال: قبَّل رسول الله r الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله r ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم». [متفق عليه].


ويحملهم على عاتقه r

فعن البراء t قال: رأيت النبي r والحسن بن علي على عاتقه يقول: «اللهم إني أحبه فأحبه». [رواه البخاري].



وعن أبي قتادة أن رسول الله r كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله r، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها. [متفق عليه].


وهذا يدل على شدة رحمته r بأبنائه، وفي حديث البراء التصريح بحبه r للحسن، والدعاء له بأن يحبه الله عز وجل.

ويعلمهم ويوجههم

وكان r يعلم أبناءه وهم صغار ويذكر لهم الحكم الشرعي لينشأوا على تعظيم أمر الله تعالى.


فعن أبي هريرة t قال: أخذ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي r: «كخ كخ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة». [متفق عليه].



وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي r بيت فاطمة، فلم يدخل عليها، وجاء عليٌّ فذكر له ذلك، فذكره للنبي r قال: «إني رأيت على بابها سِتْرًا مَوْشِيًّا» فقال: «ما لي وللدنيا» فأتاها علي فذكر ذلك لها فقالت: ليأمرني فيه بما شاء. قال «ترسل به إلى فلانٍ؛ أهل بيتٍ بهم حاجة». [رواه البخاري].


ويختار لبناته الأكفاء من الرجال

فقد اختار r لبناته ذوي المروءة والنجدة والشجاعة وهذا من أعظم البر بالبنات، فزوج r زينب لأبي العاص ابن الربيع، وقد مدح r مصاهرته فقال: «حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي». [رواه البخاري]، وزوج فاطمة عليًّا، وزوج رقية وأم كلثوم لعثمان بن عفان، وهما من الخلقاء الراشدين والأئمة المهديين، ومن المبشرين بالجنة، وفضائلهما رضي الله عنها كثيرة معلومة.


ويحتفي ويرحب بهن ويمدحهم

وكان r يحتفي ببناته ويرحب بهن ويلاطفهن ويقبلهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي، كأن مشيتها مشية النبي r، فقال النبي r: «مرحبًا بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه. [رواه البخاري ومسلم].


وفي لفظ الترمذي: «ما رأيتُ أحدًا أشبه سمتًا ودلًّا وهديًا برسول الله r في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله r. قالت: وكانت إذا دخلت على النبي r قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي r إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها» [رواه الترمذي].



وقال r عن زينب: «هي خير بناتي أصيبت فيَّ» [رواه الطبراني والبزار].

ويعظهن ويذكرهن

وكان النبي r يتخول بناته بالموعظة والتذكير، ويحثهن على العمل الصالح والمداومة عليه.


فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : «يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا» [رواه مسلم].


وعن علي t أن فاطمة رضي الله عنها اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن، فبلغها أن رسول الله r أتي بسبيٍ، فأتته تسأله خادمًا، فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي r ، فذكرت ذلك عائشة له. قال: قأتانا وقد دخلنا مضاجعنا. فذهبنا لنقوم فقال: «على مكانكما» حتى وجدن برد قدميه على صدري فقال: «ألا أدلكما على خيرٍ مما سألتماه؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وسبحا ثلاثًا وثلاثين فإن ذلك خير لكما مما سألتماه». [متفق عليه].


ويرق لهن ويحل مشاكلهن

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديحة، أدخلتها بها على أبي العاص. قالت: فلما رآها رسول الله r رقَّ رقةً شديدة وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها قالوا: نعم». [رواه أبو داود].



وأصلح r بين علي وفاطمة، فعن سهل بن سعد t قال: جاء رسول الله r بيت فاطمة فلم يجد عليًّا في البيت فقال: «أين ابن عمك؟» قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يَقِلْ عندي([1]). فقال رسول الله r لإنسان: «انظر أين هو؟» فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله r وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شِقِّه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله r يمسحه عنه ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب» [متفق عليه].


ويغضب لهن ويخطب في الناس لأجلهن

فعن المسور بن مخرمة t قال: إن عليَّ بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل وعنده فاطمة بنت رسول الله r فقالت له: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا عليٌّ ناكحًا ابنة أبي جهل. قال المسور: فقام النبيُّ r فسمعته حين تشهد ثم قال: «أما بعد؛ فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني، وإن فاطمة بنت محمدٍ مضغة مني، وإنما أكره أن يفتنوها، وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحدًا أبدًا» فترك عليُّ الخطبة. [رواه مسلم].



وفي لفظ البخاري: «إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها»، ثم قال: «وإني لست أحرم حلالًا ولا أحل حرامًا، ولكن الله لا تجتمع بنت رسول الله r وبنت عدو الله أبدًا» [رواه البخاري].

ويخفف عنهن مصابهن

فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r أسرَّ إلى فاطمة حديثًا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسرَّ إليها حديثًا فضحكت، فقلت: ما رأيتُ كاليوم فرحًا أقرب من حزنٍ. فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله r. حتى قبض النبي فسألتها، فقالت: أسرَّ إلي أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنةٍ مرة، وإنه يعارضني العام مرتين، ولا أُراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقًا بي، فبكيت فقال: «أنا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين» فضحكت لذلك. [متفق عليه].



وكان r يخفف عن ابنته وهو في مرض الموت، فعن أنس t قال: لمَّا ثقل النبي r جعل يتغشاه. فقالت فاطمة عليها السلام: واكربَ أباه، فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم». [رواه البخاري].


ويذرف الدمع لفقدهم

وها هو r يتأثر بموت إبراهيم عليه السلام، ويبكي رحمة له، فعن أنس بن مالك t قال: دخلنا مع رسول الله r على أبي سيف القين، وكان ظئرًا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله r إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله r تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف t: وأنت يا رسول الله! فقال: يا بن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى فقال r: «العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرْضِي رَبَّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون».



وعن أنس بن مالك t قال: «شهدنا بنتًا لرسول الله r، ورسول الله r جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان». [رواه البخاري].



ولما مات صبيٌّ لأحد بناته قام النبي r، وقام معه سعد ابن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأسامة بن زيد، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع، كأنه في شنةٍ، ففاضت عيناه r، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء». [متفق عليه].


النبي r مع قرابته

أما هدي النبي r مع قرابته، فقد كان r عطوفًا عليهم، حريصًا على هدايتهم، محذرًا لهم من سبل الهلاك وطرق الخران، فعن أبي هريرة t قال: قام رسول الله r حين أنزل الله عز وجل: } وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {[الشعراء: 214]قال: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا. يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا. يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفية عمة رسول الله r لا أغني عنك من الله شيئًا. ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا». [متفق عليه].


وكان r حريصًا على هداية عمه عبد المطلب؛ لقرابته، ومواقفه في الدفاع عن النبي r، فعن سعيد بن المسيب عن أبيه t قال: لمَّا حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله r فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة؛ فقال رسول الله r: «يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله» فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله r يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب (آخر ما كلّمهم): هو على ملَّة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.


فقال رسول الله r: «أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله عز وجل }مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ{[التوبة: 13].


وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله r: }إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{[القصص: 56]. [متفق عليه].


وذكر النبي r فضائل أهل بيته وقرابته، وحثّ على محبتهم وولايتهم. وفضائل علي t، والحسن، والحسين، وحمزة والعباس، وعبد الله بن جعفر، وصفية بنت عبد المطلب وبقية آل البيت وقرابة النبي r كثيرة تزخر بها كتب السنة.


وكان r يحزن إذا أصيب أحد من قرابته المؤمنين بسوء، فلما قُتل حمزة t في أحد حزن النبي r حزنًا شديدًا، وفي حديث ابن عمر، وأنس بن مالك رضي الله عنهما قالا: لما رجع رسول الله r من أُحد، سمع نساء الأنصار يبكين فقال: «لكن حمزة لا بواكي له». [رواه ابن ماجه وقال الألباني: حسن صحيح].

([1]) أي: لم ينم نومة القيلولة.

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بارك الله فيك أخي على هذا الطرح الرائع

أخوك من غزة

القعدة
يعطيك ربى الف عاااافيه على الطرح المفيد
جعله الله فى ميزان حسناتك يوم القيامه
وشفيع لك يوم الحساب ………
شرفنى المرور فى متصفحك العطر
دمت بحفظ الرحمن
القعدة

طبت حياً وميتاً 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد


الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شعارًا ودِثارًا، ولواء أهل التقوى، وأشهد أن حبيبنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، نبي سلم الحجر عليه، ونبع الماء من بين أصبعيه، وحن الجذع إليه، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه، اللهم وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:



فإن المتصدر لتدريس شخصية ما، وذكر أحوالها ومناقبها، وما آلت إليه وما قدمته للناس، يجعل النقد أول معاييره، حتى يضع الناس على بينة من أمرهم، في الصواب والخطأ، والهداية والضلالة والسداد وعدم التوفيق، لكن الذي يريد أن يتحدث عن سيد الأنبياء، وإمام الأتقياء، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم فليس عليه إلا أن يُطأطئ رأسه، ويخشع قلبه، وتسكن جوارحه.



إذ أنه يتحدث عن رحمة مهداة، ونعمة مسداة، عن سيد البشر، وخيرة خلق الله وصفوتهم، عن رسول الهدى، ونبي الرحمة – صلوات الله وسلامه عليه -، وينبغي أن يعلم في أول الأمر أن السيرة واحدة لا تزيد ولا تنقص، ولا يستطيع أحد أن يزيد شيئًا لم يثبت فيها، ولا يستطيع أحد أن ينقص شيئًا مما ثبت فيها.


لكن المسلمين في استسقائهم من سيرته صلى الله عليه وسلم تختلف مواردهم، ومناهلهم، ومصادرهم.


فمن سيرته صلى الله عليه وسلم يستسقي الواعظون وينهل القادة، ويغترف الساسة، وينال العلماء، ويبحث الفقهاء، ويجد كل امرئ له حظًا من سيرته – صلوات الله وسلامه عليه -، والأمر كما قيل:

وكلهم من رسول الله ملتمسٌ

غرفًا من البحر أو رشفًا من الدِيمِ






صلوات الله وسلامه عليه. ثم إنني قلبت الأمور في الوجه الذي أريد أن تخرج به هذه الرسالة على النحو الأتم، والوجه الأكمل، على ما يسعى الإنسان أن ينال به رضوان الله، ثم نفع إخوانه المسلمين، فبدا لي – والإنسان ناقص مهما سعى إلى الكمال – أن أعرض السيرة إجمالاً من الميلاد إلى الوفاة، والوقوف بعد ذلك عند الفضائل والعظات، والعبر أقرب طريق إلى فقه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوجه الأكمل والنحو الأتم.

حفاوة الله والأنبياء به صلى الله عليه وسلم:


نبينا صلى الله عليه وسلم نال الحفاوة الكاملة، والاحتفاء التام من ربه – جل وعلا -، وحفاوة الله بأنبيائه سُنة ماضية، قال الله – جل وعلا في حق نبيه إبراهيم عليه السلام: ]قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا[ [مريم: 47]، وقال الله جل وعلا في حق موسى: ]وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي[ [طه: 41].



وقد نال رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل حفاوة وأتمها من قبل ربه جل وعلا؛ فلقد مهد الله – جل وعلا – لذلك من قبل، يقول صلوات الله وسلامه عليه: «إني عند الله لخاتم النبيين، وإنَّ آدم لمجندل في طينته».


ثم لمَّا بعث الأنبياء، وبُعث المرسلون – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – أخذ الله – جل وعلا – العهد والميثاق أنه إذا بعث رسولنا صلى الله عليه وسلم وهم أحياء يرزقون أن يصدقوه ويؤمنوا به ]وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِين[ [آل عمران: 81].



تبشير الأنبياء به صلى الله عليه وسلم:

ثم كانت دعوة (أبيه) إبراهيم عليه السلام عندما وقف عند البيت: ]رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[
[البقرة: 129]
.



ثم كانت بشارة عيسى عليه السلام: ]وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ[ [الصف: 6].


ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى، ورؤيا أمي حين رأت أن نورًا خرج منها أضاءت له قصور الشام».



وقال صلى الله عليه وسلم كما روى الترمذي وحسنه أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، خلق الله الخلق فجعلني في خير فرقة، ثم قسمهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا، فأنا خيرهم بيتًا، وخيرهم نفسًا».


إرهاصات النبوة بعد مولده صلى الله عليه وسلم:



لما أراد الله – جل وعلا – له أن يولد في العام الذي ولد فيه، كان في هذا العام إرهاصات وأمور عظام تدل على أن شيئًا ما سيقع، وأن حدثًا عظيمًا سيكون، كانت ولادته صلى الله عليه وسلم في نفس العام الذي غزا فيه أبرهة بيت الله العتيق، وعاد من ذلك الغزو خائبًا خاسرًا كما هو معروف لكل أحد.


ولد صلى الله عليه وسلم لأب اختلف العلماء هل مات قبل ولادته أو بعدها، والأرجح الأول.


ثم إن الله – جل وعلا – أراد أن يبين لسائر الناس أن محمد بن عبد الله لم يكن يومًا تلميذًا لشيخ، ولا طالبًا في مدرسة، ولا ربيبًا لأبوين، وإنما تولته عناية الله في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، ثم بعد ولاته إلى يوم وفاته صلى الله عليه وسلم، فتوفيت أمه وهو صغير لم يبلغ ستًّا من الأعوام، وعاش طفولته الأولى بعيدًا عن أسرته في بادية بني سعد، حتى لا يقولن أحدٌ بعد ذلك أن رجلاً أو شخصيةً ما تولت رعايته، وكونت شخصيته، وألهمته الدروس، وأعطته العبر، وألهمته الكتاب: ]وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ[ [العنكبوت: 48، 49].



فكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه كان عناية إلهية، وفضلاً ربانيًّا محضًا ليس لأحد من البشر – كائنًا من كان – فيه حظ ولا نصيب.


نشأته صلى الله عليه وسلم:

عاش صلى الله عليه وسلم بعيدًا عن أسرته ثم عاد إلى مكة، فكفله جده عبد المطلب، ثم ما لبث أن توفي ذلك الجد، ثم كفله عمه أبو طالب، ولم يكن دور أبي طالب أكثر من راع معيشيٍّ له – صلوات الله وسلامه عليه – فلم يكن لدى أبي طالب حظ من علم، أو أثرة من كتاب ينهل من خلالها رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى تكونت شخصيته.


فنشأ بعيدًا عما فيه قومه؛ وكذلك العاقل إذا رأى مجتمعات الفساد، وأودية الضلال، ومنتجعات الغواية نأى بنفسه عنها ولو عاش وحيدًا، قال جل وعلا: ]فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلْنَا نَبِيًّا[ [مريم: 49] وذلك في حق نبيه إبراهيم عليه السلام.


فالبعد عن أهل الهواية والفساد والشرور والآثام أول طرائق الفلاح، وأول طرائق النجاح.

إرهاصات البعثة:


لكنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بعيدًا عن محافل الخير، فشهد حلف الفضول، وشهد غير ذلك من مآثر قومه في الجاهلية، ثم بدأت إرهاصات البعثة تدريجيًا، شيئًا فشيئًا، من غير أن يعلم – صلوات الله وسلامه عليه -، فلم يحدث نفسه ذات يوم أنه سيكون نبيًّا؛ لأنه لا علم له بذلك أصلاً، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يرى رؤى، فلا يرى رؤيا إلا وتأتي مثل فلق الصبح حاضرة ناصعة كما رآها في المنام، حتى دنت البعثة، فكان يمشي في طرقات مكة، فتسلم عليه الحجارة: (السلام عليك يا نبي الله)، فيلتفت يمينًا وشمالاً، فلا يرى شخصًا ولا خيالاً فيسكت، ويبقى على حاله.

نزول الوحي والبعثة:

كان صلى الله عليه وسلم قد حبب إليه الخلاء، فكان يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد، ثم إنه صلى الله عليه وسلم في ليلة الواحدة والعشرين من شهر رمضان – على الأرجح – لما تم له أربعون عامًا – جاءه الملك بالنقلة التاريخية لشخصه والنقلة التاريخية للكون كله، إذ بعثه الله رحمة للعالمين، رحمةً من لدنه كما أخبر جل وعلا.


جاءه الملك، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عهد بالملك أصلاً، فأصابه من الرعب والفزع ما أصابه قال له الملك: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ» (أي لا أجيد القراءة أصلاً) فردد الملك: اقرأ، ورسول الله باق على جوابه: «ما أنا بقارئ»، فيضمه الملك ثم يتركه، ويضمه ثم يتركه، حتى يشعره في تلك اللحظات أن الملك خارج عن حديث النفس، فليست تلك رؤيا يراها، أو حديثًا يتردد في نفسه فكان الملك يضمه ثم يتركه، حتى يبين أن هذا الحدث ظاهرة منفكة عن حديث النفس، منفكة عن رؤيا الأحلام، منفكة عن أحلام اليقظة، ثم قال له: ]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[ [العلق: 1-5].



نزل الرسول صلى الله عليه وسلم خائفًا وجلاً إلى زوجته خديجة، ترك النبي صلى الله عليه وسلم عندها أبناءه وبناته، فلم تحدثه ماذا صنع البنون؟ ولا ماذا أصاب البنات، لم تحدثه عن الجوع الذي قاسته، وإنما نسيت همومها في جانب همه صلى الله عليه وسلم، آوته إلى صدرها، وضمته إليها، ثم قال لها: «لقد خشيت على نفسي»، فطمأنته – رضي الله عنها وأرضاها وجعل الجنة دارها ومثواها – فقالت: «والله لن يخزيك الله أبدًا»، ثم عددت مناقبه: «إنك لتطعم الفقير، وتعين على نوائب الدهر، وتقول الصدق»، وأخذت تسرد له مناقبه، وفضائله صلى الله عليه وسلم، فقدمت بذلك أنموذجًا لما ينبغي أن تكون عليه المرأة مع زوجها.



إنَّ كثيرًا من الناس قد يأتي إليك محمّلاً بالهموم، مثقلاً بالخطايا، فليس من الصواب أن تسرد عليه أنت، ترده وتصده، لكنك ينبغي أن تنسى همومك في جانب همه إذا أردت له النفع والفائدة.



ثم أخذت بيده إلى ورقة بن نوفل، ابن عمها وكان رجلاً له حظ من علم وأثرة من كتاب، فقال له: ذلك الناموس الذي كان يأتي موسى.


انقطاع الوحي:

اشتاق صلى الله عليه وسلم إلى الوحي؛ لأنه سمع القرآن، لكن الوحي انقطع، ولم يأت حتى يذهب الرعب، ويبقى الشوق إلى كلام الله – جل وعلا – تلبيةً من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تلك اللحظات.



قال أكثر أهل العلم أنها بقيت ستة أشهر، وهي مرحلة فتور الوحي، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الحزن ما الله به عليم، حتى نقل الحافظ في الفتح عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما يصعد إلى شواهق الجبال يريد أن يتردى منها مما أصابه من حزن، ومن شك في النفس منذ الحادثة الأولى.


ولكن بعض المحدثين يقولون: إن هذه الرواية على هيئة بلاغ، وهي لا تصح، وتنافي عصمة الأنبياء، والله تعالى أعلم، وإن كان نفيها أقرب إلى الصحة.


أيًّا كان الأمر فقد عاش صلى الله عليه وسلم فترة عصيبة وهي فترة انقطاع الوحي عنه، حتى أصبح يشك في نفسه فيما رآه في السابق، فلما أصبحت نفسه ذات شوق عظيم إلى كلام الله، إذا به صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري من حديث جابر يمشي في طرقات مكة فإذا الملك يناديه فيلتفت، فإذا الملك على كرسيٍّ بين السماء والأرض قد سدَّ ما بين المشرق والمغرب يقول له: ]يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ[ [المدثر: 1-7].


عودة نزول الوحي:


ثم نزل الوحي وتتابع وحمي بأعظم من ذلك، قال الله في آية يبين فيها علو قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه فأقسم الله بمخلوقاته إرضاءً له – صلوات الله وسلامه عليه -: ]وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى[ [الضحى: 1-3].


هذا الإشعار الإلهي الذي جاء على هيئة آية قرآنية فيه من الإثبات للمكانة العظمى لرسولنا صلى الله عليه وسلم مكانة لا يرقى إليها أحد من الخلق كائنًا من كان، إلا أنها في نفس الوقت لا تعطيه صلى الله عليه وسلم أي حظ من الألوهية أو الربوبية، فالألوهية والربوبية كمالها وتمامها لله – جل وعلا – وحده لا شريك له فيها أبدًا.

بدء الدعوة:

أخذ صلى الله عليه وسلم يقوم بواجب الدعوة شيئًا فشيئًا، وهو ما عرف تاريخيًّا بالدعوة في مرحلتها السرية، تغير وجه قريش له، ونالوا منه صلى الله عليه وسلم، وساموه وأصحابه سوء العذاب وهو – عليه الصلاة والسلام – صابر محتسب يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يدعو الناس إلى التوحيد.


إيذاء قريش له صلى الله عليه وسلم:


كان أبو جهل يحمل راية السوء ضده، حتى بلغ من إيذائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أورد البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود: أن جزورًا نحرت بالأمس فلما كان في الغد جاء صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وصلى، فقال أبو جهل وقريش في أنديتها: أيكم يقوم إلى جزور بني فلان فيضع سلا الجزور على كتفي محمد صلى الله عليه وسلم، فانبعث أشقى القوم عقبة بن أبي معيط فحمل سلا الجزور وجاء إلى النبي وهو ساجد فوضع سلا الجزور بين كتفيه الطاهرين صلى الله عليه وسلم.


قال ابن مسعود: (فلو كانت لي منعة لرفعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).


ثم إنه ذهب إنسان إلى فاطمة – رضي الله عنها – وأخبرها الخبر فجاءت وهي جويرية يومئذ فرفعت سلا الجزور عن كتفي نبينا صلى الله عليه وسلم، لما أتم صلاته دعا ثلاثًا، وكان صلى الله عليه وسلم إذا دعا، دعا ثلاثًا، وسأل الله ثلاثًا، ثم قال: «اللهم عليك بأبي جهل، وعتبة بن أبي ربيعة، وشيبة بن أبي ربيعة، والوليد بن عتبة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف»، وسمي سبعة – صلوات الله وسلامه عليه -.



قال ابن مسعود: (فوالله لقد رأيت من سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر) كما وعده الله – صلوات الله وسلامه عليه -.


إن وقفنا عند هذا الحديث، هناك يا أخي أعراف وتقاليد تتغير من مجتمع إلى آخر، والعاقل من يستفيد من تلك التقاليد والأعراف ولا يصادمها.


فابن مسعود كان يعلم أن الأعراف الجاهلية لا تسمح للضعفاء ولا عديمي الظهر أن يكون لهم حظ في الناس، فكان يعلم أنه لا يمكن أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو ميت، فأبقى على نفسه، ولم يأت ليرفع سلا الجزور عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو من الإيمان والتقوى بمكان لا يعلمه إلا الله.


وكانت الأعراف الجاهلية تنص على حفظ المرأة وعدم التعرض لها ولو بدأت بالأذى، فكان موقفًا لفاطمة أنها تقدمت بين صفوف الرجال، وحملت سلا الجزور عن رسولنا صلى الله عليه وسلم دون أن يصيبها أذى.


فالعاقل من الدعاة، والحكيم من أهل الاستقامة من يتعامل مع الأعراف والتقاليد الاجتماعية بما يتوافق معها، وهذه التقاليد والأعراف لا تبقى في كل زمان على هيئة واحدة، وإنما تتغير الأعراف والتقاليد من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، والشاهد والمشهود أن يوظفها الإنسان لصالح الدعوة ولصالح هداية الناس إلى طريق الله المستقيم.


عجزت قريش عن الإيذاء الجسدي الفردي فعمدوا إلى الحصار العام، فقدموا إلى أبي طالب وطلبوا منه أن يسلم لهم ابن أخيه – صلوات الله وسلامه عليه- فأبي، فقرر القرشيون مقاطعة بني هاشم لا يناكحونهم، ولا يبتاعون منهم، فأوى أبو طالب وبنو هاشم وبنو المطلب في شعب لهم يقال له شعب بني هاشم، ومكث الحصار ثلاث سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم وآله مؤمنهم وكافرهم ينالهم من الأذى ما الله – جل وعلا – به عليم.


بقي الحصار ثلاث سنين كان أبو طالب خلال مدة الحصار على كفره، إذا هجع الناس وناموا يعمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذه لينام عنده، ويأمر أحد بنيه أن ينام في مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو همَّ أحد بقتله يقتل ابنه بدلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كله ولله الحكمة البالغة لم يرزق أبو طالب الإيمان بالله – جلا وعلا – ومات على الكفر، ولذلك حكمة لا يعلمه إلا الله – جل وعلا.


بعد أن ينتهي الحصار أو قبل أن ينتهي لا يخلو صراع بين الحق والباطل من نشوء أقوام كما يسمى في عرف السياسيين في هذه الأيام، دول عدم الانحياز، هي في عصرنا هذا على هيئة دول، لكنها في العصر السابق كانت على هيئة أفراد، فينشأ في المجتمع قوم حياديون، ليسوا مع قريش، وليسوا بمؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم.


هؤلاء القوم تشاوروا فيما بينهم وعرفوا بطلان ما دعا إليه رؤساء قريش وزعماؤهم فتعاونوا على نقض المعاهدة، وهنا ينبغي للعاقل من الدعاة وغيرهم أن يرى أهل المروءات الذين لا يخلو منهم زمان ولا مكان، فيتسفيد منهم في عالم الصحوة وعالم الدعوة، ويوظف طاقاتهم وقدراتهم في سبيل الدعوة إلى الله – جل وعلا، ولا يصادمهم حتى لا تخسر الدعوة سندًا وقوة لها، فهؤلاء القوم لم يكونوا من أهل الإيمان، لكن كانت في قلوبهم رحمة، وفي أنفسهم شهامة، وفي خصالهم مروءة وظفوها لنقض المعاهدة، وتم لهم ما أرادوا فنقضت الصحيفة وخرج بنو هاشم من الحصار؟


وبعد الخروج من الشعب – شعب بني هاشم – مات أبو طالب، وماتت خديجة في عام واحد، وقيل: بين موتهما ثلاثة أيام فبدا له صلى الله عليه وسلم أن يغير المكان لعل وعسى.


خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف:

فخرج إلى الطائف وكانت أقرب الحواضر إلى مكة، خرج إلى الطائف فبدأ بسادات ثقيف يدعوهم إلى دين الله – جل وعلا – فلم يكونوا بأحسن حظًّا من كفار قريش، سخروا منه، وأمروا صبيانهم أن يرجموه، فرموه بالحجارة حتى أدميت عقباه صلى الله عليه وسلم، ولجأ إلى حائط في الطائف ولمَّا لجأ إليه – صلوات الله وسلامه عليه – رق له بعض الكبراء وأرسلوا له غلامًا نصرانيًّا يقال له: عداس، ومعه قطف من عنب.


فلمَّا وضع العنب بين يديه، قال صلى الله عليه وسلم: «باسم الله»، فقال الغلام: هذا شيء لا يقوله أهل هذه البلدة! فقال صلى الله عليه وسلم: «من أنت؟ وممن؟» قال: أنا نصراني من أهل نينوى. فقال صلى الله عليه وسلم: «من بلدة النبي الصالح يونس بن متى؟» قال الغلام: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال: «هو نبي وأنا نبي»، فأكب الغلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله حتى لامه سادة ثقيف يومئذ. ثم نزل صلى الله عليه وسلم وحيدًا ليس معه إلا غلامه زيد بن حارثة.



فإذا انقطعت أسباب الأرض، لجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه، فورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم بث إليه شكواه، ورفع إلى الله نجواه، وهو يعلم أنه نبي مرسل، فناجى ربه قائلاً: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت أرحم الراحمين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ سخط فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بي غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبي حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».



فتحت لهذه الدعوات أبواب السماء، فما كاد صلى الله عليه وسلم ينزل من الطائف من وادي نخلة، حتى أرسل الله تعالى له نفرًا من الجن مؤمنين به، حتى تطمئن نفسه، ويسكن قلبه، ويعلم أن العاقبة له: ]وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ[
[الأحقاف: 29]
.



فاطمأنت نفسه صلى الله عليه وسلم شيئًا فشيئًا – صلوات ربي وسلامه عليه -، ثم بعث إلى الملأ من قريش، يخبرهم برغبته في دخول مكة، ويريد أن يدخل في حلف أحدهم، فَردَّه ثلاثة منهم، ثم قبل المطعم بن عدي أن يدخل في جواره، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي، رغم أنه مشرك، استبقاءً للمسلمين حتى لا يتعرضوا للأذى.

رحلة الإسراء والمعراج:


بعد رحلة الطائف، مَنَّ الله عليه برحلة الإسراء والمعراج، فجاءه جبريل، وهو نائم في الحجر، فشق صدره، وغسل قلبه بماء في طست من ذهب ثم أفرغ في قلبه الطاهر إناءً مُلئ إيمانًا وحكمة، ثم قدِّم له البراق، ثم أُسري به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس حيث المسجد الأقصى وربط دابته في مربط للأنبياء هناك.



ثم عرج به إلى سدرة المنتهى، لمَّا صد أهل الأرض أبوابهم أمامه، فتح الله له أبواب السماء، فاستقبله هنالك سادات الأنبياء، بدأ بآدم، ثم ابني الخالة يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، ثم بيوسف بن يعقوب – عليهما السلام -، ثم إدريس، ثم هارون، ثم موسى، ثم أبوه إبراهيم – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم وصل صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، ورأى جبريل مرة أخرى على هيئته التي خلقه الله تعالى عليها.


أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه

والرسل في المسجد الأقصى على قدم


لما رأوك به التفوا بسيدهم

كالشهب بالبدر والجندي بالعلم


صلى وراءك منهم كل ذي خطرٍ

ومن يَفُزْ بحبيب الله يأتممِ


ركوبةٌ لك من عز ومن شرف

لا في الجياد ولا في الأنيق الرُّسُمِ


مشيئة الخالق الباري وصنعته

وقدرة الله فوق الشك والتُّهمِ







ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى مضجعه الشريف، ثم توالت الأحداث فالتقى صلى الله عليه وسلم برهط من الأنصار فكانت بيعة العقبة الأولى، ثم التقى برهط آخرين فكانت بيعة العقبة الثانية، ثم أذن الله بالهجرة إلى المدينة المنورة صلى الله عليه وسلم.

الهجرة إلى المدينة المنورة:


هاجر قبله جمع من أصحابه ثم تآمرت قريش عليه، وقرروا قتله في مؤامرة مشهورة معروفة، ثم أخرجه الله – جل وعلا – من بين أظهرهم، دون أن يروه، وهو يتلو: ]وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ[ [يس: 9] ثم التحق بصاحبه أبي بكر، وأوى إلى غار في جبل ثور عرف بغار ثور، ومكثا في الغار، والطلبُ والرصدُ تبعٌ لهما، مرة بعد المرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار.


أمرغ في حراء أديم خدي

دواما بالغداة وبالعشي


لعلي أن أنال بحر وجهي

ترابًا مسه قدم النبي

مكث صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام، وقريش تبعث الطلب والرصد، فوقفوا على مقربة من الغار، وأبو بكر يقول: يا رسول الله لو أنَّ أحدهم نظر أسفل قدميه لرآنا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بالك باثنين الله ثالثهما» هذا نصر الله جل – وعلا – على هيئة الكتمان آتاه الله – جل وعلا – النبي، فلما سكن الرصد، وقل الطلب، خرج صلى الله عليه وسلم من الغار وصاحبه متوجهًا إلى المدينة المباركة، كانت الأنصار قد بلغهم خروجه صلى الله عليه وسلم فصاروا يخرجون كل يوم ينتظرون أوبته، ينتظرون قدومه، حتى وهج الشمس، ثم يرجعون إلى دورهم.



فلما كان اليوم الذي وصل فيه صلى الله عليه وسلم خرج رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه عرفهم، فنادى بأعلى صوته: يا بني قيلة!! وهو جد تشترك فيه الأوس والخزرج، هذا جدكم الذي تنتظرون، فسمع في المدينة التكبير، وابتدر القوم إلى السيوف، وخرجوا يستقبلون نبيهم صلى الله عليه وسلم.



بالأمس خرج من مكة شريدًا طريدًا، في ظلمة من الليل، ثم ما لبث أن نصره الله، فدخل المدينة كأعظم ما يدخلها الملوك، والأنصار من حوله، كلَّما مر على ملأ قالوا له: هلم إلى العدد والعدة، هلم إلى العزة والمنعة يا رسول الله، وهو يقول: «خلُّوا سبيلها فإنها مأمورɻ، حتى بركت الناقة في موطن مسجده اليوم صلى الله عليه وسلم، على مقربة من بيت أبي أيوب، فعمد أبو أيوب إلى متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخله بيته، فقال – عليه الصلاة والسلام -: «المرء مع رحله» ثم بنى مسجده وبدأ يضع النواة الأولى لدولة الإسلام – صلوات الله وسلامه عليه.

غزوة بدر:


ثم جاءت الغزوات فكانت غزوة بدر وهي حدث عظيم، لكن من أعظم ما يلفت النظر فيها أنه صلى الله عليه وسلم بعد ما أخذ بالأسباب المادية وجهز الجيش وأعد العدة، لجأ إلى ربه، فاللجوء إلى الله – جل وعلا – لا يستغنى عنه أحد كائنًا من كان، مهما عظمت قدراتنا، وبلغ حولنا ما بلغ، وزادت قوتنا، فإن حاجتنا إلى الله جل وعلا حاجة أبدية؛ لأننا فقراء إلى الله – جل وعلا – مهما بلغنا، مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش ينادي ربه حتى سقط رداؤه عن منكبه – صلوات الله وسلامه عليه – وأبو بكر يأتيه من الخلف ويضمه ويقول: بعض مناشدتك ربك يا رسول الله، فأنزل الله: ]إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ[ [الأنفال: 9].



فكان النصر له – صلوات الله وسلامه عليه -، فلما أقر الله عينه بالنصر ووضع القتلى في قليب بدر نظر إليهم – عليه الصلاة والسلام – وأخذ يقول: «يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان – يناديهم بأسمائهم -: هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا» فتعجب أصحابه، قالوا: يا رسول الله، تكلم قومًا قد جيفوا؟ قال: «يا عمر! والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يملكون جوابًا».



كان هذا النصر أعظم ما يكون المسلمون في حاجة إليه، حتى تطمئن أنفسهم، ويثقوا بنصر الله؛ لأنه كان أول نزال بين أهل الكفر وأهل الإيمان بعد أن أذن الله بالقتال.

غزوة أحد:


ثم كانت أحد، وما أدراك ما أحد؟! فيها من العظات الشيء الكثير، لكن فيها أن وجهه صلى الله عليه وسلم كان نورًا يتلألأ، كأنه فلقة قمر، ومع ذلك يريد الله أن يثبت أن الكمال المطلق لله وحده سبحانه، فيشاع في أرض المعركة أنه صلى الله عليه وسلم، قتل ويشج رأسه، وتكسر رباعيته، ويسيل الدم على وجهه الشريف ثم يمسح صلى الله عليه وسلم وجهه الطاهر بيديه، ويقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الإسلام؟» فأنزل الله – جل وعلا – قوله: ]لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ[ [آل عمران: 128]. فالأمر كله لله –جل وعلا– وحده.



وليت بني قومي اليوم إذا سمعوا بهلاك أحد، أو بموت أحد، لا يشغلون أنفسهم هل هو في جنة أو هو في نار؟ فهذه أمور لله تبارك وتعالى وحده، ولم يكلفنا الله تبارك وتعالى بأن ندخل من نشاء الجنة أو أن نحرم من نشاء منها، أو ندخل من نشاء النار، أو نمنع من نشاء منها، الجنة والنار بيد الله العزيز الغفار، والله –جلا وعلا– أعلم بخلقه، وأعلم بما تكنه الصدور، وهو تبارك وتعالى أسرع الحاسبين، وقد قال بعض الصالحين لولده ينصحه: يا بنيَّ! إن الله لن يسألك لم لم تلعن فرعون، مع أن فرعون ملعون في كتاب الله، لكن العاقل من لا يلقي لمثل هذه الأمور بالاً، ولا يشغل بها نفسه، الجنة والنار بيد أسرع الحاسبين، وبيد رب العالمين، وبيد أرحم الراحمين، ولن يسألنا الله من هم أهل الجنة؟ ومن هم أهل النار؟ ولكننا لأنفسنا نسأل الله الجنة ونستجير بالله – جل وعلا – من النار.



وفي مسند البزار: إن لا إله إلا الله كلمة كريمة على الله، من قالها في الدنيا صادقًا دخل الجنة، ومن قالها في الدنيا كاذبًا حقنت دمه وحسابه على الله – جل وعلا – فالعاقل لا يشغل نفسه بما لا يعنيه، لكنه في حوادث الدهر يحكم فيهن ما أمر الله به ورسوله.

أما الحوادث الأخروية فلسنا مسؤولين عنها؛ لأن علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.



وفي غزوة أحد أراد الله – جل وعلا – أن يربي المسلمين على أن القادة العظماء، والزعماء الأفذاذ، لا يربون الناس على التعلق بذواتهم، وعلى حبهم، والمبالغة في الغلو فيهم ولكنهم يربون الناس على التعلق بالله – جل وعلا، فلما أصاب المسلمين ما أصابهم يوم أحد قال الله – جل وعلا – معاتبًا أهل الإيمان: ]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ[ [آل عمران: 144، 145].



فالعاقل لا يربي من حوله على التعلق به، وإنما يربيهم على التعلق بالله – جل وعلا – وحده.



فلا إله إلا الله تعني أن الكمال المطلق، والحب المطلق، والتوحيد المطلق، والتكبير المطلق لا يكون إلا لله – جل وعلا – وحده، فإذا كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وجوده رحمة، وعدمه لا يضر المسلمين شيئًا إذا اعتصموا بما جاء به، كان غيره أولى وأجدر أن تطبق عليه هذه القاعدة فكان صلى الله عليه وسلم حي المبادئ، حي الدين الذي جاء به، أما هو صلى الله عليه وسلم فيجري عليه قلم القضاء: ]إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ[ [الزمر: 30، 31]، فهذا أعظم ما خرج المسلمون به يوم أحد من تربية إلهية لهم.


غزوة الأحزاب:

ثم كانت غزوة الأحزاب، تجمعت قريش، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته، فاستشار الناس، فأشار عليه سلمان الفارسي أن يحفر الخندق، والخندق وسيلة حربية مجوسية، أخذها سلمان من أهل فارس، لم يكن للعرب عهد ولا علم بها آنذاك، وهنا نأتي لما عرف في عصرنا بصراع الحضارات، ينبغي أن يفرق أهل التقوى ما بين التقارب الديني، وما بين التقارب الحضاري.


الدين يا أخي صنع إلهي، لا يملك أحد أن يزيد فيه وينقص، والحضارة صنع إنساني قابلة للزيادة والنقصان، قابلة للأخذ والعطاء، قابلة للتلاقح بين الأمم، إذا تقاربت وتنافست!


فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مشورة سلمان، وعمل الخندق لما رأى فيه مصلحة يقوم به صلاح أمته، ولم يقل صلى الله عليه وسلم حينها: «من تشبه بقوم فهو منهم»، من تشبه بقوم فهو منهم محمول على من تشبه بهم في أمور الدين، أما الصناعات الإنسانية فليست ملكًا لأحد، ولقد كانت العرب لا تأتي المرأة وهي مرضع خوفًا من أن يؤثر الإتيان على الرضيع، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارس والروم تصنع ذلك، ولا يضر أبناءها شيئًا لم ينه أمته عنه كما روى مسلم في الصحيح من حديث جابر t، فالحضارات حق مفتوح، وأمر مشاع، يجوز للأمة أن تأخذ منه إذا رأت في ذلك مصلحتها، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، أما الدين فـ ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[ [المائدة: 3].



ما عندنا من الدين يمنعنا أن نأخذ ولو قطرة من سقاء من أي دين أو ملةٍ على وجه الأرض؛ لأن الله يقول: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[
[آل عمران: 85]
.

صلح الحديبية:


ثم توالت الأمور حتى كانت السنة السادسة فعزم صلى الله عليه وسلم على التوجه إلى مكة معتمرًا وأخذ معه رهطًا من أصحابه معهم السيوف في قُرُبها، فلما دنوا من البيت العتيق منعتهم قريش من أن يدخلوا، فجرى ما جرى من التفاوض وكانت قريش تريد أن تطمئن إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت لقتال، فكان أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان؛ لأنه كان يؤمئذ عزيزًا منيعًا في بني أمية، وكان أكثرهم مشركًا حين ذاك، ثم أشيع أن عثمان قد قتل، فبايع الصحابة – رضي الله عنهم وأرضاهم – نبينا صلى الله عليه وسلم على الموت تحت ظل شجرة سمرة، وكان الذين بايعوه حينئذٍ ألفًا وأربعمائة رجل كلهم إلا الجد بن قيس كان رجلاً منافقًا لم يحضر البيعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء: «أنتم خير أهل الأرض»، وقال لهم: «لا يدخل النار رجل بايع تحت الشجرة».


ثم إنه صلى الله عليه وسلم بسط يمينه وقال: «هذه عن عثمان»، ثم بسط يساره يبايع نفسه بنفسه. قال العلماء: فكانت يد رسول الله لعثمان خيرًا من يد عثمان لعثمان نفسه.


بعد هذه البيعة وبعد مداولات أُقر الصلح بين المسلمين وبين كفار قريش، والصلح ظاهره فيه إجحاف بحق المؤمنين، وباطنه الرحمة، إذ وضعت الحرب، وألقت أوزارها.


وأخذ ذوو العقول يفكرون في الطرائق المثلى للوصول إلى الإيمان، إن هناك أناسًا يرزقهم الله – جل وعلا – عقولاً، ويمنعهم من الاستفادة منها حجب التقليد التي يضعونها أمامهم، أبو جهل كان يعلم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم على الحق، ورأى من الآيات ما يشهد له بذلك، لكن الحسد والتقليد الأعمى منعه وكان سببًا في حرمانه من دخول الإيمان. أمَّا سُراقة بن مالك لما تبع النبي صلى الله عليه وسلم ورأى الآية لما ساخت قوائمُ فرسه آمن أن النبي حق وعرف الآية، وبنذ التقليد وراء ظهره.


خلال هذه الفترة بعد الصلح رجع عقلاء الناس إلى أنفسهم، وأخذوا يناقشونها ويحاسبونها، فدخل كثير من الناس أفواجًا في دين الله، فانقلب ذلك العدد من ألف وأربعمائة رجل إلى عشرة آلاف يوم الفتح، كما سيأتي ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وفي العام الذي بعده كانت عمرة القضاء، ثم إنه صلى الله عليه وسلم غزا خيبر.

فتح مكة:

ثم لما كان العام الثامن كانت من ضمن شروط صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل حلف محمد دخل، ومن شاء أن يدخل في حلف قريش دخل، فدخلت بنو بكر في حلف قريش، ودخلت خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وسلم، فأعانت قريش بكرًا على خزاعة، وقدم عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة يستنصر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: «نصرت يا عمرو بن سالم».


ثم جهز صلى الله عليه وسلم جيشه، وقدم على مكة في عشرة آلاف من أصحابه، ودخلها صلى الله عليه وسلم دخولاً عظيمًا أظهره الله جل وعلا فيه.
دخلها من أعلاها من كداء، وعلى يمينه أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه وأرضاه – يحمل اللواء.


لكنه – عليه الصلاة والسلام – طوال دعوته وجهاده لم يكن يطلب حظًّا لنفسه، وإنما كان يريد أن يبلغ رسالة ربه، فلما أظهره الله، ودخل صلى الله عليه وسلم مكة طأطأ رأسه حتى إن لحيته الشريفة كانت تمس وسط راحلته، تواضعًا لله – جل وعلا – حتى يعلم الخلق أن التواضع لله أعظم أسباب النصر.


فدخل صلى الله عليه وسلم مطاطئًا رأسه متواضعًا لربه، على بغلته، طاف بالبيت سبعًا، وأشار إلى الأصنام بعود في يده وهو يردد: ]وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا[ [الإسراء: 81].

ثم سأل عن عثمان بن أبي طلحة وكانت حجابة البيت عنده يومئذ، وما زالت، ففتح له باب الكعبة، فدخلها صلى الله عليه وسلم، فوجد فيها صورة إبراهيم يستقسم بالأزلام فقال: «ما أكذبهم! والله لقد علموا ما استقسم بها إبراهيم قط!» ثم أمر بالأصنام والأزلام فأخرجت، ثم كبر في نواحي البيت، وصلى ركعتين ثم خرج.


فلما خرج بدره عليٌّ كرم الله وجهه قائلاً: (يا رسول الله! اجمع لنا السقاية والحجابة)، فقال صلى الله عليه وسلم: «أين عثمان بن أبي طلحة»؟ قال: أنا يا رسول الله، فأعطاه ***** الكعبة، وقال: «اليوم يوم برٍّ ووفاء، خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم»، فإلى اليوم ***** الكعبة في يد بني شيبة يفتحون الكعبة متى شاءوا، و]ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[ [الجمعة: 4].


ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر على مكة عتاب بن أسيد، وقبل أن يدخلها أسلم أبو سفيان وجيء به إليه، وقيل: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فقال صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»، الزعماء من الناس والذين تربوا على القيادة، من الصعب أن تسلبهم حقهم بالكلية؛ لأن ذلك يحدث تغيرًا في أنفسهم، ونحن ما بعثنا لنخاصم الناس في دنياهم، وإنما بعثنا كدعاة علماء، لكي ننقذ الناس من الظلام، فاترك للناس دنياهم يتركوا لك دينك، فقال صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»، ومعلوم أن دار أبي سفيان لا تحمل أكثر من عشرة نفر، ولكن عندما يعلن في الملأ وفي بيوت مكة «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» يصيب أبا سفيان من الرضا ما يصيبه وينال من الفخر ما يناله دون أن يضر الإسلام شيئًا.


ثم عرج رسول الله على هوازن وثقيف، فكانت غزوة حنين وغزو الطائف غَرَّ كثير من المسلمين ما هم فيه من كثرة العدد، ثم ثبت الله نبيه، وأعاد الأمر إلى نصابه، وعند منقلبه صلى الله عليه وسلم من الطائف، بدا له أن يقسم الغنائم، فأعطى أربعة من رؤساء الناس يومئذ ممن أسلموا حديثًا، ألف بعير لكل واحد، وقسم الكثير من الغنائم على عدد بلغ الستين عند جمهرة المؤرخين، ولم يعط الأنصار شيئًا – صلوات ربي وسلامه عليه – فحزَّ ذلك في أنفسهم، وتغيرت بعض قلوبهم، فقال حدثاء الأسنان منهم؛ يغفر الله لرسول الله، يعطي قومه وإن سيوفنا لتقطر من دمائهم، فبلغ ذلك القول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان – عليه الصلاة والسلام -، من العلم والقدوة بمكان لا يرقى إليه أحد.


يا أخي: القادة العظماء لا يتركون الحزز في النفوس، لكل إنسان مشاعر وأحاسيس وآراء لو أننا كبتناها لانقلبوا علينا، لكن لا يمكن أن ينجح أمير في بلدته، ولا زعيم في دولته، ولا أب في بيته، ولا معلم في فصله ولا مرب في حلقته، إذا كان لا يستمع إلى مشاعر وأحاسيس، من هم تحته فالله – جلا وعلا – كلم موسى واستمتع إليه وهو مخلوق من المخلوقات ]قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ[ [الشعراء: 12]، ]قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ[ [القصص: 33، 34].


يعلم كل ذلك من قبل أن يخلق موسى، مع ذلك استمع إليه وهو الله – جل وعلا – ولله المثل الأعلى.


فجمع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار في قبة، ثم قال لهم في معالجة تربوية يقصر عنها بيان البلغاء، قال: «ما مقولة بلغتني عنكم، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله؟ ألم تكونوا عالةً فأغناكم الله؟ ألم تكونوا أعداءً فألف الله بين قلوبكم»؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، لله ورسوله المنة والفضل، فقال: «ألا تجيبوني؟» فقالوا: بم نجيب يا رسول الله!


فتولى الإجابة عنهم، قال: «إنكم لو شئتم لقلتم، ولصدقتم، وتصُدِّقْتم: أتيتنا طريدًا فآويناك، وعائلاً فآسيناك، ومخذولاً فنصرناك»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار، أوجدتم في أنفسكم عليًَّ في لعاعةٍ من الدنيا أسلمتها إلى قوم حديثي عهد بالإسلام، وأوكلكتم إلى ما جعل الله في قلوبكم من الإسلام، يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يعود الناس بالشاء والبعير، وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟»، فبكى القوم – رضي الله عنهم وأرضاهم – وقالوا: رضينا بالله ربا وبرسول الله قسمًا وحظًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر للأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار»، وانقلبوا راجعين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.


إن حاجتنا ملحة أن نستمع إلى الغير، وإن من أعظم الأخطاء في التربية والدعوة، أن يجعل الإنسان من نفسه سلطانًا على الغير، يفكر بدلاً منه، ويشعر بدلاً منه، ويرى ما حولهم بدلاً منهم؛ ذلك أسلوب فرعوني نقمه القرآن: ]قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ[ [غافر: 29].
وقد قيل:
زمان الفرد يا فرعون ولى

ودالت دولة المتجبرينا


وأصبحت الرعاة بكل أرض

على حكم الرعية نازلينا

عام الوفود:



قفل صلى الله عليه وسلم عائدًا إلى المدينة؛ وفي ذلك العام كان عام الوفود، فبدأت وفود العرب تقدم عليه – صلوات الله وسلامه عليه -، وكان من الوفود التي قدمت وفد نجران، وكان وفد نجران مسيحيًا، يعبدون المسيح بن مريم، فلما قدموا عليه أخذوا يجادلونه، ويقولون له: كيف نتبعك، وأنت تنتقص صاحبنا، وتقول: إنه عبد الله ورسوله؟ قال: «نعم، عيسى بن مريم، عبد الله ورسوله» فقالوا: كيف يكون عبدًا لله رسوله؟ أرأيت ولدًا ولد من غير أب، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ]إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ[ [آل عمران: 59، 60] فلئن كان عيسى ولد من غير أب، فإن آدم خلق من غير أم ولا أب، فجاءوا بالغريب، فجاءهم الله بما هو أغرب ردًّا على حجتهم، فلما قال لهم صلى الله عليه وسلم ذلك، أبوا أن يسلموا، فدعاهم إلى المباهلة ودعا عليًا والحسن والحسين وفاطمة، وقال: «إن دعوت فأمنوا» فأنزل الله – جل وعلا -: ]فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[ [آل عمرن: 61].



فعرفوا أنه نبي الله حقًا، لكنهم لم يؤمنوا وخشوا من مباهلته، ثم أنهم صالحوه على ألفي حلة تؤدي له صلى الله عليه وسلم مرتين في العام وأشياء أخرى.



وفي عصرنا هذا نشأ ما يعرف بتقارب الأديان، وحوار الأديان، فأما حوار الأديان فلا حرج فيه شرعًا، إذا أراد المحاور المسلم أن يثبت صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله – جل وعلا – رب لا رب غيره، ولا شريك له، أما تقارب الأديان، فأمر مرفوض؛ لأنه لا يمكن أن تلتقي الأديان في شيء واحد، فإن ذلك يعني تنازلاً عقديًا، والمسلمون أمرهم الله أن يقولوا: ]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ[ [الكافرون: 1-3].



فالمسلم على ملة حنيفية بيضاء لا ينبغي له أن يجيد عنها مثقال ذرة، وليس هناك مصلحة ترقى على مصلحة التوحيد ولا مفسدة أعظم من مفسدة الشرك، وما يسمى بتقارب الأديان يفضي إلى ترك التوحيد، وقد قال الله – جل وعلا -: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [آل عمران: 85].


حجة الوداع:


ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان العام العاشر فأعلن على الناس عزمه على الحج، فلما أعلن عزمه على الحج – صلوات الله وسلامه عليه – تسامع الناس بذلك، فقدموا إليه حتى يأتموا به، فخرج صلى الله عليه وسلم، بعد أن أحرم من ذي الحليفة مهللاً ومكبرًا، حتى وصل مكة فطاف بالبيت سبعًا، ثم رقى الصفا وقال: «أبدأ بما بدأ الله به»، ثم أتم نسكه صلى الله عليه وسلم.



حتى كان اليوم الثالث عشر فنزل بعد أن رمى الجمرات الثلاث، ثم نزل في خيف بني كنانة – صلى الله عليه وسلم – فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم اضطجع، ثم لما كانت صلاة الفجر نزل إلى الحرم قبل صلاة الفجر، ثم طاف طواف الوداع، ثم صلى بالناس صلاة الفجر، ثم قفل رجعًا إلى المدينة يُكبر على كل شرف من الأرض، ويقول لما دنا منها: «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» – صلوات ربي وسلامه عليه.


مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم:


ثم اشتكى الوجع فبدأ يشعر بتغير حاله، واشتدت عليه الحمى، فلما شعر بدنو أجله خرج صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فاستغفر لأهله، ثم خرج إلى أحد فشهد للشهداء معه، ثم تصدق صلى الله عليه وسلم بدنانير كانت عنده، وأعتق غلمانه، ثم إنه – صلوات الله وسلامه عليه – مكث ينتظر أجل ربه يومًا بعد يوم، والحمى تشتد عليه حتى كان صبيحة يوم الاثنين الثاني من ربيع الأول على الأظهر والأصح – والله أعلم – فكان في صبيحتها أن أطل من بيته فرأى أصحابه يصلون صلاة الفجر مأتمين بأبي بكر فقرت عينه، وسكنت نفسه، بعد أن رآهم مجتمعين على إمام واحد خاشعين لربهم، وبذلك أرسل، وبذلك بعث صلى الله عليه وسلم.


ثم إنه عاد إلى فراشه واشتدت عليه وطأة الحمى ثم دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي فمه سواك، ثم استاك – صلوات الله وسلامه عليه -، ثم ما زال يردد: بل الرفيق بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، ثلاثًا ثم فاضت روحه وانتقل إلى رحمة خالقه ومولاه، خير من أرسل وأجلّ من بعث – صلوات الله وسلامه عليه – بعد أن أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا مهالك.

الخاتمة


ولا ينبغي لمن يقف على السيرة وينظر في مسيرتها أن يغفل عن شيء مهم، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان له من كريم الصفات وجليل النعوت ما حبّب الناس إليه واجتمعوا عليه – صلوات الله وسلام عليه، وكان في كل حينه منقطعًا إلى ربه دائم الصمت، عليه من السمت والوقار ما عليه، حتى إنه صلى الله عليه وسلم تفقده عائشة ذات ليلة، فإذا هو في المسجد منتصبة قدماه يقول في سجوده: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك».


أيها المؤمنون: هذه قطوف من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم من الله علينا وعليكم، وأبحرنا خلالها وإننا مهما قلنا لمقصرون، ومهما تحدثنا لن نبلغ الصواب كله، ولن نبلغ الكمال كله، لكن إن كان من وصية أختم بها فإن الله – جل علا – شرفنا أن جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي عصرنا هذا من أسباب الفجور، وأسباب البعد عن الله ما لا يخفى على أحد، والبعد عن أسباب الفجور والسلامة منه.


إن السلامة من سلمى وجارتها

ألا تمر على سلمى وواديها







ويحتاج هذا الأمر كله إلى صبر على هدي محمد صلى الله عليه وسلم فليوطن أحدنا نفسه على الصبر، ويوطنها على اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلم أن هذه الفتن التي تتابع شررها وتفاقم خطرها إنما هي بلاء وفتنة، يصرف الله – جل وعلا – بها من يشاء من طريقه، ويهدي الله – جل وعلا – من يشاء.



من أخلص لله النية وصلح قلبه واستقامت سريرته وُفق للصواب، وهدي إلى سبيل الرشاد، هذا والله تعالى أعز وأعلى وأعلم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الشيخ زهير الشاويش رحمة الله عليه 2024.

تناقلت بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الأجتماعي اليوم الاحد 02 جوان 2024 ، نبأ وفات الشيخ العلامة والمحقق محمد زهير مصطفى الشاويش مدير المكتب الاسلامي للطباعة والنشر ، عن عمر يناهز السابعة والثمانين ، والشيخ رحمة الله عليه رجل مجاهد وعالم من المحققين القلائل في هذا العصر ولقد كان للمكتب الاسلامي وللشيخ زهير الشاويش الفضل في نشر كثير من كتب الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني ، بل ربما لو قلنا ان المكتب الاسلامي هو من عرف بالشيخ الالباني لدى طلبة العلم العالم الاسلامي لما جاوزنا حد القول والحقيقة ..

ولقد شارك الشيخ رحمه الله في مقاومة الاحتلال الفرنسي بالبارود والنار سنة 1945، وبعدها في فلسطين من سنة 1946 إلى 1949, وكان عضواً في مجلس النواب السوري عام (1961).

وسأحاول أن اجمع لاحقا بتوفيق الله ترجمة للشيخ وبعض مآثره ، فإن لم أوفق فأرجو ان يقوم بذلك أحد الاخوان وله جزيل الشكر والثناء

والله المستعان

القعدة

صورة الشيخ زهير الشاويش رحمه الله

بوركت

مشاعر أبو بكر الصديق الراقية 2024.

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجهاد القعدة
القعدة
القعدة
A[frame="8 10"]

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطمئناً لسيدنا أبى بكر وهما فى الغار أثناء الهجرة: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" وكان سيدنا أبوبكر رضي الله عنه حزيناً بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له: "لا تحزن إن الله معنا" ، فما السرُّ فى ذلك اللبس ،
لأن المقام هنا مقام خوف وليس مقام حزن

وأجيب هنا :بأن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه لم يكن عندها خائفاً وإنما كان حزيناً من أجل رسول الله لأنه لا يستطيع أن يفعل من أجله شيئاً – والحزن لا يكون إلا على الغير – بدليل إن الأولياء قال الله فى شأنهم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يونس62

فلا يخاف الواحد منهم على نفسه ولا يحزن على محبيه ومريديه الصادقين لأن الله سيُشَفعه فيهم ويأخذ بأيديهم معه إلى المقام الكريم ، إذاً سيدنا أبو بكر لم يكن يخشى على نفسه وإنما كان يخشى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال له الحبيب: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} التوبة40

وهنا الإشارة الراقية التى أودُّ أن إلفت إليها قلوبكم وفيها يظهر المقام الأعظم لرسول الله وعطفه علينا وتنزله لنا وكيف يخفض جناحه للمؤمنين ليأخذهم معه إلى أعلى المقامات ، فسيدنا موسى عليه السلام قال: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} الشعراء62

يقول: {إِنَّ مَعِيَ} من؟ أنا وحدى {رَبِّي سَيَهْدِينِ} معى مقام الربوبية ، لكنه صلى الله عليه وسلم لما خاطب سيدنا أبا بكر رضي الله عنه أدخلنا جميعاً أى أدخل كل الأمة المحمدية فى قوله {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} مقام الألوهية، فنحن جميعاً فى هذا المقام

فهنا تتجلى رحمة الحبيب وشفقة الحبيب وحنانه بنا لأن سيدنا موسى عندما قال: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} أسقط حتى أخاه هارون من حساباته مع أنه كان وزيره وكان نبياً أيضا ، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} وانظر إلى الفرق بين هذا وذاك ، فنحن أمة الحبيب فى مقام المعية الإلهية: {ما ظنك باثنين الله ثالثهما}{1}

فكانت النتيجة: {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة40

فنزلت عليه هو بذاته سكينة الله وتأييده ونصرته ، ثم منه صلى الله عليه وسلم توزعت تلك السكينة وال****ا والهبات إلى من معه فى تلك المعية وكل من هو فى معيته أو إندرج تحت لواء أمته معرضاً نفسه لفضل الله وبركته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها

{1} صحيح البخارى

[/frame]

القعدة القعدة

هذا الموضوع من تخليط و تخريف الصوفية خاصتا و أنه منقول من كتب أحد رؤسهم و منظريهم و الذي لا يألوا جهدا في الدعوة الى الغلو في شخص النبي عليه الصلاة و السلام و جعله شريكا مع الله أحيانا في الربوبية و أحيانا في الألوهية و أحيانا أخرى في التجلي و الظهور و الذي يدخل الكشوفات المزعومة عند الصوفية، و كمثال عن ذلك ليتأمل اللبيب في قوله

فنزلت عليه هو بذاته سكينة الله وتأييده ونصرته ، ثم منه صلى الله عليه وسلم توزعت تلك السكينة وال****ا والهبات إلى من معه فى تلك المعية وكل من هو فى معيته أو إندرج تحت لواء أمته معرضاً نفسه لفضل الله وبركته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
قلت:
ما يجعل وفقا لمفهوم الكلام النبي وسيط في توزيع السكينة الربانية و التي هي من مقتضى الربوبية،
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا هو الضلال بعينه و الشرك بلحمه و شحمه و عظمه لا ينقص منه شيئ.
من ثم كان لزاما التحذير من مثل هذه المواضيع و من مثل هذا المؤلف الذي ضل السبيل هداه الله الى سواء الصراط المستقيم و جنبه الضلال و التضليل.
نحذر العضوة من هكذا مواضيع و سيكون هذا الانذار الأول و الأخير.

بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز

القعدة

هذا الموضوع من تخليط و تخريف الصوفية خاصتا و أنه منقول من كتب أحد رؤسهم و منظريهم و الذي لا يألوا جهدا في الدعوة الى الغلو في شخص النبي عليه الصلاة و السلام و جعله شريكا مع الله أحيانا في الربوبية و أحيانا في الألوهية و أحيانا أخرى في التجلي و الظهور و الذي يدخل الكشوفات المزعومة عند الصوفية، و كمثال عن ذلك ليتأمل اللبيب في قوله

فنزلت عليه هو بذاته سكينة الله وتأييده ونصرته ، ثم منه صلى الله عليه وسلم توزعت تلك السكينة وال****ا والهبات إلى من معه فى تلك المعية وكل من هو فى معيته أو إندرج تحت لواء أمته معرضاً نفسه لفضل الله وبركته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
قلت:
ما يجعل وفقا لمفهوم الكلام النبي وسيط في توزيع السكينة الربانية و التي هي من مقتضى الربوبية،
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا هو الضلال بعينه و الشرك بلحمه و شحمه و عظمه لا ينقص منه شيئ.
من ثم كان لزاما التحذير من مثل هذه المواضيع و من مثل هذا المؤلف الذي ضل السبيل هداه الله الى سواء الصراط المستقيم و جنبه الضلال و التضليل.
نحذر العضوة من هكذا مواضيع و سيكون هذا الانذار الأول و الأخير.

لفضيلة الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري 2024.

مادة صوتية بعنوان:

القعدة
القعدة
حفظه الله تعالى ورعاه، وثبته على الإسلام والسنة، وجزاه عنا خير الجزاء

* * *

جلسة منهجية في عرض ونقد بعض مقالات الداعي محمد حسان المصري
سجلت يوم الخميس 22 جمادى الآخرة عام 1445ه

* * *
القعدةالقعدةالقعدة

لتحميل المادة انقر بزر الماوس اليمين على صورة (للتحميل) واختر (حفظ باسم …) من القائمة

* * *

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
«ليس العلم كثرة النقل والبحث والكلام، ولكن نور يميز به صحيح الأقوال من سقيمها، وحقها من باطلها، وما هو من مشكاة النبوة مما هو من آراء الرجال»
المصدر

يعطيك العافيه على الطرح القيم والرائع
جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان
حسناتك يوم القيمه تسلم
الايادى وبارك الله فيك
دمت بحفظ الرحمن ….

تنبيه جحا من التابعين فاحفظوا عرضه 2024.

القعدة

أُأَأَأًأٌأًأًأٌأِأَأٌأٌأٌأًأُ أُأٌأِأِأَأًأُأًأًأِأُوُ

مُعٌلِوُمَأِتً قًيًمُة مًأِرٌسُيٌ ۶ـلًى أٌلًطًرٌحَ أُلُمِمًيَزِ

بوركت

شيخ المُجاهدين عُمر المُختر / قصّة حياة بطل 2024.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلامُ عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

::

عُمــر المختـــار

أسد بَرقــة ::: شيـخ المجاهديــن

شيـخ المُجاهديــن ::. عُمــر المختــار … قصـة حيـاة بطــل

******


القعدة

خطبة رائعة بمعنى الكلمة

لشيخنا الفاضل أسد المنابر الهصور :: سمير مصطفى العدوى

القعدة


القعدة
https://www.archive.org/download/3omar.almokhtar/bvb.mp3


القعدة

حفــظ الله أرض ليبيا الشقيقة، وسائر بلاد المُسلمين.
__________________

في حِفظ الله.


عاآشت ليبيا حرة اآبية و ربي يحفظها و يحفظ كل بلاد مسلمة من كل شر …

القعدة

شكراآ لكـ على الموضوع …

قصة الشاب التقي والتفاحة وصاحب البستان 2024.

قصة جميلة

التــــــــــفاحـــــــة


القعدة

بسم الله الرحمن الرحيم

يحكى انه في القرن الاول الهجري كان هناك شابا تقيا يطلب العلم ومتفرغ له ولكنه كان فقيرا وفي يوم من الايام خرج من بيته من شدة الجوع ولانه لم يجد ما يأكله فانتهى به الطريق الى احد البساتين والتي كانت مملؤة باشجار التفاح وكان احد اغصان شجرة منها متدليا في الطريق … فحدثته نفسه ان ياكل هذه التفاحة ويسد بها رمقه ولا احد يراه ولن ينقص هذا البستان بسبب تفاحة واحده … فقطف تفاحة واحدة وجلس ياكلها حتى ذهب جوعه ولما رجع الى بيته بدات نفسه تلومه وهذا هو حال المؤمن دائما جلس يفكر ويقول كيف اكلت هذه التفاحة وهي مال لمسلم ولم استأذن منه ولم استسمحه فذهب يبحث عن صاحب البستان حتى وجده فقال له الشاب يا عم بالامس بلغ بي الجوع مبلغا عظيما واكلت تفاحة من بستانك من دون علمك وهئنذا اليوم ستأذنك فيها

فقال له صاحب البستان .. والله لا اسامحك بل انا خصيمك يوم القيامة عند الله

بدأ الشاب المؤمن يبكي ويتوسل اليه ان يسامحه وقال له انا مستعد ان اعمل اي شي بشرط ان تسامحني وتحللني وبدا يتوسل الى صاحب

البستان وصاحب البستان لا يزداد الا اصرارا وذهب وتركه والشاب يلحقه ويتوسل اليه حتى دخل بيته وبقي الشاب عند البيت ينتظر خروجه الى صلاة العصر… فلما خرج صاحب البستان وجد الشاب لا زال واقفا ودموعه التي تحدرت على لحيته فزادت وجهه نورا غير نور الطاعة والعلم فقال الشاب لصاحب البستان يا عم انني مستعد للعمل فلاحا في هذا البستان من دون اجر باقي عمري او اي امر تريد ولكن بشرط ان تسامحني

عندها… اطرق صاحب البستان يفكر ثم قال يا بني انني مستعد ان اسامحك الان لكن بشرط

فرح الشاب وتهلل وجهه بالفرح وقال اشترط ما بدى لك ياعم

فقال صاحب البستان شرطي هو ان تتزوج ابنتي !ا

صدم الشاب من هذا الجواب وذهل ولم يستوعب بعد هذا الشرط ثم اكمل صاحب البستان قوله …. ولكن يا بني اعلم اني ابنتي عمياء وصماء وبكماء وايضا مقعدة لا تمشي ومنذ زمن وانا ابحث لها عن زوج استأمنه عليها ويقبل بها بجميع مواصفاتها التي ذكرتها فان وافقت عليها سامحتك

صدم الشاب مرة اخرى بهذه المصيبة الثانية

وبدأيفكر كيف يعيش مع هذه العلة خصوصا انه لازال في مقتبل العمر؟

وكيف تقوم بشؤنه وترعى بيته وتهتم
به وهي بهذه العاهات ؟

بدأ يحسبها ويقول اصبر عليها في الدنيا ولكن انجو من ورطة التفاحة !!ا

ثم توجه الى صاحب البستان وقال له يا عم لقد قبلت ابنتك واسال الله ان يجازيني على نيتي وان يعوضني خيرا مما اصابني

فقال صاحب البستان …. حسناا يا بني موعدك الخميس القادم عندي في البيت لوليمة زواجك وانا اتكفل لك بمهرها

فلما كان يوم الخميس جاء هذا الشاب متثاقل الخطى… حزين الفؤاد… منكسر الخاطر… ليس كأي زوج ذاهب الى يوم عرسه فلما طرق الباب فتح له ابوها وادخله البيت وبعد ان تجاذبا اطراف الحديث قال له يا بني… تفضل
بالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير واخذه بيده وذهب به الى الغرفة التي تجلس فيها ابنته فلما فتح الباب ورآها …. فتاة بيضاء اجمل من القمر قد انسدل شعركالحرير على كتفيها فقامت ومشت اليه فاذا هي ممشوقة القوام وسلمت عليه وقالت السلام عليك يا زوجي ….اما صاحبنا فهو قد وقف في مكانه يتأملها وكأنه امام حورية من حوريات الجنة نزلت الى الارض وهو لا يصدق ما يرى ولا يعلم مالذي حدث ولماذا قال ابوها ذلك الكلام … ففهمت ما يدور في باله فذهبت اليه وصافحته وقبلت يده وقالت انني عمياء من النظر الى الحرام وبكماء من النظر الى الحرام وصماء من الاستماع الى الحرام ولا تخطو رجلاي خطوة الى الحرام …. وانني وحيدة ابي ومنذعدة سنوات وابي يبحث لي عن زوج صالح فلما اتيته تستاذنه في تفاحة وتبكي من اجلها قال ابي ان من يخاف من اكل تفاحة لا تحل له حري به ان يخاف الله في ابنتي فهنيئا لي بك زوجا وهنيئا لابي بنسبك

وبعد عام انجبت هذا الفتاة من هذا الشاب غلاما كان من القلائل الذين مروا على هذه الأمة

ااتدرون من ذلك الغلام

??

انه الامام ابو حنيفة صاحب المذهب الفقهي المشهور

يا الله … بارك الله فيك على الموضوع الرائع جزيت خيرا وجعله في ميزان حسناتك
وفقك الله.
شكرا على المرور وعلى التقيمك لموضوع جزاك الله الفردوس الأعلى

صفة النبي في التوراة 2024.

روى الإمامُ البخاري – رحمه الله – في «صحيحه» (2125) عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضي الله عنهما -، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ؛ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ؛ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ؛ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا».لَقَدِ اِشْتَمَلَ هذا الأثَرُ على وَصْفِ النبيِّ محمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في التَّوْرَاةِ، ووَصْفِ دعْوَتِهِ القَوِيمَةِ، وأخْلاقِه المُسْتَقِيمَةِ، وشَرِيعَتِه العَظِيمَةِ.
وجاءَ في الإِنْجِيلِ – أيْضًا – قَرِيبًا من هذا، كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: «مَكْتُوبٌ في الإِنْجِيلِ: لا فَظٌّ ولا غَلِيظٌ ولاَ سَخَّابٌ بِالأَسْوَاقِ، ولا يَجْزِي بالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا؛ بَلْ يَعْفُو ويَصْفَحُ» (1).
والتَّوراةُ هي الكِتَابُ الذي أنْزَلَهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ – على نَبِيِّ الله مُوسَى – عليه السَّلام -، أَحَدِ الأنْبِيَاءِ العِظَامِ مْنْ أُولِي العَزْمِ من الرُّسُل.
وأَحْيَانًا يَكُونُ المقْصُودُ بالتَّوراة أعَمَّ مِنْ ذلك؛ إذْ قال شيخُ الإسلام ابْنُ تيمية – رحمه الله – في «النُّبُوَّات» (ص289): «ويُرَادُ بالتَّوْرَاةِ الكِتَابُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، وما بَعْدَهُ مِنْ نُبُوَّةِ الأَنْبِيَاءِ المُتَّبِعِينَ لِكِتَابِ مُوسَى؛ قَدْ يُسَمَّى هذا كُلُّهُ تَوْرَاةً؛ فَإِنَّ التَّورَاةَ تُفَسَّرُ بالشَّرِيعَةِ، فَكُلُّ مَنْ دَانَ بِشَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ قِيلَ لِنُبُوَّتِهِ: إنَّها مِنَ التَّوْرَاةِ».
ومِنْ خَصَائِصِ التَّوْرَاةِ أنَّهَا الكِتَابُ الذي لَمْ يُنَزَّلْ مِنَ السَّمَاء كِتَابٌ أهْدَى مِنْهُ ومِنَ القُرْآن؛ لهذا قال اللهُ – عزَّ وجلَّ -: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلاَ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ * قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [القصص:48 – 49].
مِنْ أجْلِ ذلك؛ فإنَّ اللهَ تعالى كَثِيرًا ما يَقْرِنُ بيْنَ التَّورَاة والقُرآن، وذلك في مِثْلِ قولِهِ سبحانه:﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [الأنعام: 91 -92]، وقوْلِهِ – عزَّ وجلَّ – حِكَايَةً عن مُؤْمِنِي الْجِنِّ:﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الجن:30]، وَقَوْلِهِ – عزَّ وجلَّ -: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأحقاف:12] (2).
قال ابْنُ تيمية – رحمه الله – في «الجواب الصَّحيح» (1/116): «والقُرآنُ أَصْلٌ كَالتَّوْرَاةِ، وإنْ كانَ أعْظَمَ مِنْها؛ ولهذا عُلَماءُ النَّصارى يَقْرِنُون بَيْنَ موسى ومحمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم -، كَمَا قال النجاشيُّ مَلِكُ النَّصَارى لمَّا سَمِعَ القُرآنَ: «إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ» (3)، وكذلك قَالَ ورَقَةُ بْنُ نَوْفَل – وهو مِنْ أَحْبَارِ نَصَارَى العَرَبِ – لمَّا سَمِعَ كَلامَ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -، فقال له: إنَّه يأتِيكَ النَّامُوسُ (4) الذي يَأْتِي مُوسَى، يا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟!» قَالَ: نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ؛ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ؛ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا (5)» اهـ.
وسَبَبُ اقْتِرَانِ التَّورَاةِ بالقُرآن هو أنَّهُمَا الكِتَابَان اللَّذَان اخْتَصَّا بِتَفْصِيلِ الأحْكَامِ، وذِكْرِ الحَلالِ والحَرَامِ.
وقَدْ جَاءَ في هذه التَّورَاةِ ذِكْرُ البِشَارَةِ بالنَّبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -، كَمَا قَال الله – عزَّ وجلَّ -: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾[الأعراف: 157]، بَلْ ذُكِرَ فِيهَا حتَّى أصْحَابُ نَبيِّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – عليهم من الله الرِّضوان، فقد قال سبحانه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ [الفتح: 29].
وجَاءَ في هذا الخَبَرِ الصَّحِيح – أيْضًا – ذِكْرُ طَرَفٍ مِنْ أوْصَاف النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – الوَارِدَةِ في التَّوْرَاة، وهو من رواية عَبْدِ الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – الإِمَامِ الحَبْرِ، العَابِدِ، صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وَابْنِ صَاحِبِهِ، ومِنَ الأُمُور التي وَرَدَتْ في تَرْجَمَتِه مِمَّا له تَعَلُّقٌ بِرِوايَتِه لهذا الأثَرِ، ما ذَكَرَهُ الإمامُ الذَّهبي – رحمه الله – في «سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاءِ» (81/ 3) مِنْ أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَأَدْمَنَ النَّظَرَ فِي كُتُبِهِم، وَاعْتَنَى بِذَلِكَ.
وأَوَّلُ هذه الأوْصَاف المَذْكُورَةِ في هذا الأَثَرِ هي: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾.
وهذا الوصْفُ وَرَدَ في مَوْضِعَيْن مِنَ القرآن الكريم:
أوَّلُهُما: في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب:45 -46].
والثَّاني: في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الفتح:8 -9].
«وهذه الأشْيَاءُ الَّتِي وَصَفَ اللهُ بها رسُولَه محمَّدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – هي المقْصُود من رِسالَتِه، وزُبْدَتُها وأُصُولُها الَّتِي اخْتَصَّ بها:
الوصْفُ الأوَّلُ: ﴿كوْنُه شَاهِدًا﴾، وهذه الشهادة تَتَضَمَّنُ ثلاثَةَ أُمُورٍ:
أوَّلاً: الشَّهَادَةُ لأُمَته – صلَّى الله عليه وسلَّم – بما فَعَلُوه مِنْ خَيْرٍ وشَرٍّ، كما قال تعالى:﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143]، وقال: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا﴾ [النساء:41]؛ فهو – صلَّى الله عليه وسلَّم – شَاهِدٌ عَدْلٌ مقْبُولٌ.
ثانيًا: الشَّهَادَةُ على المَقَالاَتِ والمَسَائِلِ حَقِّها وبَاطِلِها، فَمَا شهِدَ له الرَّسُولُ – صلَّى الله عليه وسلَّم – مِنَ الأَفْعَالِ والأقْوَال بِمَا ثَبَتَ في سنَّته؛ فهو حَقٌّ، وما سِوَاه فهو بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، كما جاء في «الصَّحيحين» عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم -:«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».
ثالثًا: الشَّهادَةُ لله – جَلَّ وعلا – بالوَحْدَانيَّةِ، والاِنْفِرَادِ بالكَمَال مِنْ كُلِّ وجْهٍ.
الوَصْفُ الثَّاني والثَّالث: كَوْنهُ – صلَّى الله عليه وسلَّم – مبشِّرًا ونذيرًا، ويوَضِّحُ هذا قَوْلُه تعالى: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم:97].
وهذا يسْتَلْزِمُ ذِكْرَ المُبَشَّرِ والمُنْذَرِ، وما يُبَشَّرُ بِهِ ويُنْذَرُ، والأعْمَالَ المُوجِبَةَ لذلك.
فالمُبَشَّرُ هُمُ المؤمنون المُتَّقُون، الذين جَمَعُوا بين الإيمان والعَمَلِ الصَّالِحِ، وترْكِ المعاصي؛ لهم البُشْرَى في الحَيَاةِ الدُّنْيَا بِكُلِّ ثَوَابٍ دُنْيَوِيٍّ ودِينِيٍّ رُتِّبَ على الإيمان والتَّقْوَى، وفي الأُخْرَى بالنَّعِيم المُقِيم.
وذلك كُلُّه يَسْتَلْزِمُ ذِكْرَ تَفْصِيلِ المَذْكُور مِنْ تَفَاصِيلِ الأَعْمَالِ، وخِصَالِ التَّقْوَى، وأنْوَاعِ الثَّوَاب.
والْمُنْذَرُ هم المُجْرِمُون الظَّالمُون، أهْلُ الظُّلْمِ والجَهْلِ؛ لهم النَّذَارَةُ في الدُّنيا من العُقُوبات الدُّنيوية والدِّينيَّة المُتَرَتِّبَة على الجَهْلِ والظُّلْمِ، وفي الأُخْرَى بالعِقَاب الوَبِيلِ، والعَذَابِ الطَّويلِ.
وهذه الجُمْلَةُ تفْصِيلُها، ما جَاءَ بِهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – مِن الكِتَابِ والسُّنَّة المشْتَمِلِ على ذلك» (6).
ومِنَ الشَّمَائِلِ النَّبويَّة الوَارِدَةِ في التَّوراة: كوْنُه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «حِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ»؛ أيْ: حِصْنًا للأُمَيِّين، وهم الذين لا كتاب لهم من العرب وغيرهم.
ومِنْ هذا قَوْلُهُ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:2].
ومعنى كَوْنِه حِصْنًا، أيْ: حافِظًا لهُم مِنْ كُلِّ سُوءٍ وشرٍّ دُنْيَويٍّ وأُخْرَوِيٍّ، ومِصْداقُ ذلك قوْلُه – عز وجل -: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128].
وهكذا الأنبياء – عليهم السلام -، ومَنْ سَارَ على نَهْجِهِم من الدُّعاة إلى الله – عزَّ وجلَّ -؛ فإنَّهم يتحاشَوْن تَعْريضَ أتْبَاعِهِم لأيِّ مَكْروهٍ، ويُجَنِّبونَهُم كُلَّ بَلاءٍ ما اسْتَطَاعوا إلى ذلك سَبِيلاً، خِلاَفًا لِبَعْضِ مَنْ خَالَفَ مَنهجَ الأَنْبِيَاءِ في الدَّعْوَةِ إلى الله – عزَّ وجلَّ -، وتَنَكَّبَ جادَّتَهُم؛ فَإنَّه لا يَرْعَوِي أَنْ يُعَرِّضَ بَلَدًا كَامِلاً للدَّمار والخَرَاب مِنْ أجْلِ الحِفاظ على شَخْصِهِ، ويَوَدُّ لَوْ يَفْتَدِي بِأْتَبَاعِهِ مِن كُلِّ بَلاءٍ يَنْزِلُ بِهِ!
ومن أوْصَافِ النَّبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – المذْكُورَةِ في التَّوْرَاةِ كوْنُه عبْدًا رَسُولاً، وذلك في قَوْلِه: «أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي».
وهذه العُبُوديَّةُ المَذْكُورَةُ هنا، هي عُبُوديَّةٌ اخْتِيَاريَّةٌ خَاصَّةٌ بأنْبِيَائِه وأوْلِيَائِهِ – سبحانه -، وهي تَقْتَضِي التَّشْرِيفَ والتَّكْرِيمَ، وبإِزَائِها العُبُودِيَّةُ العَامَّةُ الاِضْطِرَارِيَّةُ الشَّامِلَةُ لِجَمِيعِ الخَلْقِ، وتَقْتَضِي الهَيْمَنَةَ والقَهْرَ(7).
وقد ذَكَرَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – نَبِيَّهُ محمَّدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – – وهو أكْرَمُ الخَلْقِ عليه، وأحَبُّهم إلَيْهِ – بالعُبُوديَّة في أشْرَفِ مَقَامَاتِه وأفْضَلِ أحْوَالِه؛ وذلك في مَقَامِ الدُّعَاءِ، ومَقَامِ التَّحَدِّي بأنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذا القُرْآنِ، ومَقَامِ الإسْرَاءِ، ومَقَامِ إنْزَالِ القُرآن، ومَقَامِ الإِيحَاءِ:
ففي مَقَامِ الدُّعَاءِ قال سبحانه: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾[الجن:19].
وفي مَقَامِ التَّحَدِّي قال – عزَّ وجلَّ -: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة:23].
وفي مقام الإسْرَاءِ قال سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء:1].
وفي مقام إنْزَال القرآن قال – عزَّ وجلَّ -: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان:1]، وقال أيْضًا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ [الكهف:1].
وفي مَقَامِ الإِيحَاءِ قال سبحانه: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم:10](8).
وقد خُيِّرَ نبيُّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – بيْن أنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولا، أو نَبِيَّا مَلِكًا؛ فاخْتَارَ أنْ يكونَ عَبْدًا رسُولاً، كما جاء ذلك في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا مَلَكٌ مَا نَزَلَ مُنْذُ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ! فَلَمَّا نَزَلَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ؛ أَمَلَكًا أَجْعَلُكَ، أَمْ عَبْدًا رَسُولاً؟ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: «بَلْ عَبْدًا رَسُولاً» (9).
وفي هذا جاء الحديثُ الذي رواه الإمامُ البخاري في «صحيحه» (3445) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما -، أنَّه سَمِعَ عُمَرَ – رضي الله عنه – يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – يَقُولُ: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ؛ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ».
وفي قوله: «أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي» ردٌّ على طَائِفَتَيْن مُنْحَرِفَتَيْن عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل:
الأولى: مُفْرِطَةٌ غَالِيَةٌ، رفَعَتْهُ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، فجَعَلَتْهُ فَوْقَ مَرتَبَةِ العُبُوديَّة، بَلْ في مَرْتَبَةِ الرُّبُوبية والأُلُوهيَّة، حتَّى صَارَ عِنْدَهَا إِلَهًا، ورَبًّا تُطْلَبُ منه الحَوَائِجُ.
الثانية: مُفَرِّطَةٌ مُقَصِّرَةٌ، لَمْ تَعْرِفْ مَنْزِلَةَ النَّبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولا قَدْرَهُ ولا حُقُوقَه؛ فَلَمْ ترْفَعْ بهَدْيِهِ رأْسًا، بَلْ نبَذَتْ ما جاءَ بِهِ وراءَ ظَهْرِهَا، واعْتَمَدَتْ على الآراء المحْدَثَةِ، واتَّبَعَتِ الأهواءَ المُضِلَّةَ.
فوَصْفُهُ بالعُبُوديَّة رَدٌّ على الغُلاةِ، ووَصْفُهُ بالرِّسَالَةِ ردٌّ على الجُفاةِ.
ومِنْ أوْصَافِ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – المَذْكُورَةِ في التَّوراةِ كوْنُه مُتَوَكِّلاً على الله تعالى، بل صَارَ هذا الوصْفُ اسْمًا له، وعَلَمًا عليه؛ لِشِدَّة اقْتِرَانِه به، ولُزومِ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – لهذه العِبَادَة العَظِيمَة، كما جاء في هذا الأثَر: «سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ».
والتَّوكُّلُ لُغَةً هو التَّفْويضُ والاِعْتِمَادُ، أمَّا شَرْعًا فقد قال الحافظُ ابنُ رَجَبٍ – رحمه الله – في «جامِعِ العُلُوم والحِكَمِ» (356/ 2 – ط: دار الخير): «وحقيقةُ التوكُّلِ هو: صِدْقُ اعْتِمَادِ القَلْبِ علَى اللهِ – عز وجل – في اِسْتِجْلاب المَنَافِعِ، ودَفْعِ المَضَارِّ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا والآخرة كُلِّهَا ووكِّلت الأمور كلُّها إليه، وتَحْقِيقُ الإيمَانِ بِأَنَّه لا يُعْطِي ولا يَمْنَعُ ولا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ سِوَاهُ» اهـ.
وقَدِ امْتَثَلَ رَسُولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمْرَ ربِّهِ – عزَّ وجلَّ – بالتَّوكُّل عليه؛ إذْ أَمَرَهُ بذلك في مَوَاضِعَ عِدَّةٍ من القُرآن الكريم، وذلك في مِثْلِ قوْلِه – عزَّ وجلَّ -: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران:159]، وقوْلِه تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ [الفرقان: 58]، وقولِه – عزَّ وجلَّ -: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل:79]، وقولِه – عزَّ وجلَّ -: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾[الأحزاب:3].
ومن الشَّمائل النَّبَويَّة المذْكُورة في هذا الأثرَ كَوْنُه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ».
فَبَعْدَ ذِكْرِ حُسْنِ مُعامَلَته مع الحقِّ – تبارك وتعالى – بتَوَكُّلِه عليه، جاءَ ذِكْرُ حُسْنِ معامَلَتِه مع الخَلْقِ، وكَمالِ أخْلاقِه في عِشْرَتِهِم وخِلْطَتِهِم.
والفَظَاظَةُ والغِلْظةُ مُتَقَارِبَتَان في المعْنَى، وهُمَا ضِدُّ اللِّين والرِّفْقِ اللَّذَيْن كانا خُلُقَ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – كما قال – عزَّ وجلَّ -: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
وهذا اللِّينُ يَنْجُمُ عنه حُسْنُ مُعَاشَرَةِ النَّاس، والانْبِساطُ إلَيْهِم والتبَسُّمُ في وجُوهِهِم، وهكذا كان خُلُقُ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -؛ ففي «الصَّحيحيْن» عَنْ جَرِيرِ بْن عبد الله البَجَليِّ قَالَ: «مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي»؛ ولهذا تَرْجَمَ الإمامُ البخاريُّ في «الأدب المفرد» (ص 95) لهذا الأثَرِ الَّذي فيه صِفَةُ النَّبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في التَّوْرَاةِ بقوله: «بابُ الانْبِسَاطِ إلى النَّاسِ».
وبَعْدَ أنْ وَرَدَ في هذا الأثَرِ ذِكْرُ اسْتِقَامَةِ جَوَارِحِ النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – المُبَارَكَةِ، جَاءَ ذِكْرُ اسْتِقَامَةِ لِسَانِه الشَّريف، وذلك بِوَصْفِه: «وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ».
والسَّخَبُ – ويُقالُ أيضا: الصَّخَبُ – هو رَفْعُ الصَّوْتِ بالخِصَامِ كَحَالِ مَنْ لا حِلْمَ له وَلاَ وَقَارَ، وخُصَّتِ الأسْواقُ بالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ ما يَجْرِي فيها مِنَ الصَّخَبِ واللَّغَطِ؛ ولهذا تَرْجَمَ الإمامُ البخاريُّ لِهَذَا الأثَرِ في «صحيحه» بقوْله: «بَابُ كَرَاهِيَةِ السَّخَبِ فِي السُّوقِ».
ومِنَ الأخْلاَقِ النَّبَويَّةِ المذْكُورَةِ في هذا الأثرَ كوْنُه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ؛ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ».
والنَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في هذا مُتَخَلِّقٌ بأخْلاَقِ القُرْآن؛ إذْ قال اللهُ – عزَّ وجلَّ – مخاطِبًا نَبِيَّهُ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون:96]، وقال – عزَّ وجلَّ -: ﴿وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت:34]، وقال – عزَّ وجلَّ -: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة:13]، وقال سبحانه: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [آل عمران: 159].
ثُمَّ جاء في وَصْفِه – صلَّى الله عليه وسلَّم – في التَّوراة: «وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ».
أي: لَنْ يُمِيتَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – هذا النبيَّ الكريمَ – صلَّى الله عليه وسلَّم – حتَّى يُقيمَ به المِلَّة العَوْجَاء، وفُسِّرَتْ بتفسيرَيْن:
الأوَّل: ما ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاض – رحمه الله – في «مشارق الأنْوَار» (2/104) حيث قال: «يعني مِلَّةَ إبْرَاهيمَ – مِلَّةَ الإسْلاَمِ – التِي غَيَّرَتْهَا الجاهليَّةُ عَنْ اِسْتِقَامَتِهَا، وأماَلَتْهَا بَعْدَ قَوَامِهَا» اهـ.
وَوَجْهُ ذلك أنَّ الحَنِيفِيَّةَ الَّتي هي مِلَّةُ إبراهيمَ – عليه السَّلام -، مَأْخُوذةٌ مِنَ الحَنَفِ وهو المَيْلُ؛ لأنَّها مَالَتْ عن جميعِ طُرُقِ الضَّلال إلى الطَّرِيقِ الذي رَضِيَهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ -، فَقِيلَ لَهَا: «المِلَّةُ العَوْجَاءُ»؛ لأنَّ فيها مَيْلاً واعْوِجَاجًا عن طريق الشِّرْكِ إلى طريق التوحيد، وعن أهْلِ الشِّرْكِ إلى أهْلِ التَّوحيد(10).
الثَّاني: ما ذكَرَهُ ابْنُ بطال في «شرح صحيح البخاري» (6/ 254)، حَيْثُ قال: «الْمِلَّةُ الْعَوْجَاءُ: المُعْوَجَّةُ، وهِيَ مِلَّةُ الكُفْرِ؛ فَأَقَامَ اللهُ بِنَبِيِّهِ عِوَجَ الكُفْرِ حَتَّى ظَهَرَ دِينُ الإِسْلاَمِ، وَوَضَحَتْ أَعْلاَمُهُ» اهـ.
وفي هذا الصَّدَدِ قال الإمامُ ابنُ القيِّم – رحمه الله – في «الصَّوَاعِقِ المُرْسَلَةِ» (1/ 148 – 149) وَاصِفًا حَالَ النَّاسِ قَبْلَ البِعْثَةِ: «وكَانَتِ الأُمَمُ – إِذْ ذَاكَ – ما بَيْنَ مُشْرِكٍ بِالرَّحْمَن؛ عَابِدٍ لِلأَوْثَان، وعَابِدٍ للنِّيرَاِن، وعَابِدٍ للصُّلْبَانِ أوْ عَابِدٍ للشَّمْسِ والقَمَرِ والنُّجُومِ، كَافِرٍ باللهِ الحَيِّ القَيُّوم، أوْ تَائِهٍ في بَيْدَاءِ ضَلاَلَتِهِ حَيْرَان، قَدِ اِسْتَهْوَاهُ الشَّيْطَان، وَسَدَّ عَلَيْهِ طَرِيقَ الهُدَى والإِيمَان» اهـ.
ثُمَّ جاء في هذا الأَثَرِ: «بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ».
وهذه الكَلِمَةُ الطيِّبَةُ – كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ – هي الَّتِي بَعَثَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – بها رَسُولَهُ مُحَمَّدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم -، وهي أصْلُ دِينِ الإسْلامِ الذي أنْزَلَ اللهُ بِهِ كُتبَهُ، وأرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ.
وبها ابْتَدَأَ النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – دعوَتَهُ؛ فعَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في سُوقِ ذِي الْمَجَازِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُهَّا النَّاسُ، قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ تُفْلِحُوا … » الحديث(11).
فتبيَّنَ من هذا أنَّ حقيقَةَ دَعْوَةِ النَّبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأُسَّهَا الذي قامَتْ عليه هو تَقْرِيرُ التَّوحيد، وتَحْقِيقُ مَعْنَى «لا إلَهَ إلاَّ اللهُ»، وذلك امْتِثَالاً لأمْرِ الله – عزَّ وجلَّ – نَبِيَّهُ – صلَّى الله عليه وسلَّم -، ومِنْ وَرَائِهِ أُمَّتَهُ بقوْلِه: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [المدثر: 19].
ثُمَّ جاءَ بَعْدَ ذلك وَصْفُ دَعْوَةِ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في التَّوْرَاة بأنَّه: «يَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا».
قال المُلاَّ عَلِي القاري في «مرقاة المفاتيح» (16/ 420): ««وَقُلُوبًا غُلْفًا» بِضَمِّ أَوَّلِهِ: جَمْعُ أغْلَفُ، وهو الَّذِي لا يَفْهَمُ، كَأَنَّ قَلْبَهُ في غِلاَفٍ.
وإنَّما ذَكَرَ هذه الأَعْضَاءَ؛ لأنَّهَا آلاَتٌ لِلْعُلُومِ والمَعَارِفِ، قال تعالى في حَقِّ الكُفَّارِ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ [البقرة: 7]، وقال: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171]، ولَعَلَّه لَمْ يَذْكُرِ اللِّسَانَ في مَعْرِضِ هذا البَيَان؛ لأنَّه تَرْجُمَانُ الجَنَان، والإِنَاءُ يَتَرَشَّحُ بِمَا فِيهِ مِنَ الأَعْيَان» اهـ.
وفي هذه الجملة – كما قال الإمام ابن القيم – في «هِدَايَة الحَيَارَى» (ص 76): «إِشَارَةٌ إلى تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ العِلْمِ والهُدَى الحَاصِلِ بِدَعْوَتِهِ في القُلُوبِ والأَبْصَارِ والأَسْمَاعِ، فَبَايَنُوا بِذَلِكَ أَحْوَالَ الصُّمِّ البُكْمِ العُمْيِ الَّذِينَ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَعْقِلُونَ بِهَا، فَإِنَّ الهُدَى يَصِلُ إلى العَبْدِ مِنْ هَذِهِ الأَبْوَابِ الثَّلاَثَةِ، وهِيَ مُغْلَقَةٌ عَنْ كُلِّ أحَدٍ، لا تُفْتَحُ إلاَّ على أيْدِي الرُّسُل، ففَتَحَ الله بِمُحَمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم – الأعْيُنَ العُمْيَ فَأَبْصَرَتْ بِالله، والآذَانَ الصُّمَّ فَسَمِعَتْ عَنِ الله، والقُلُوبَ الغُلْفَ فَعَقِلَتْ عَنِ الله؛ فانْقَادَتْ لِطَاعَتِهِ عَقْلاً وقَوْلاً وعَمَلاً، وسَلَكَتْ سُبُلَ مَرْضَاتِهِ ذُلُلاً» اهـ.
ومِنْ فَرَائِدِ الفَوَائِد، ما ذَكَرَهُ شَيْخُ الإسلام ابْنُ تيمية – رحمه الله – من الفُرُوق بين الأنْبِيَاءِ – عليهم السَّلام – والسَّحَرَةِ، وتَأْثيِر ِكُلِّ مِنْ هَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ على القُلُوبِ والأَبْصَارِ والأَسْمَاعِ، فقال في «النبوَّات» (ص 289 – 290): «فالسَّاحِرُ يُفْسِدُ الإِدْرَاكَ، حتَّى يَسْمَعَ الإنْسَانُ الشَّيْءَ، ويَرَاهُ، ويَتَصَوَّرَهُ خِلاَفَ ما هو عليه، والأنْبِيَاءُ يُصَحِّحُون سَمْعَ الإنْسانِ وبَصَرَهُ وعَقْلَهُ، والَّذين خَالَفُوهُمْ ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:171]؛ فالسَّحَرَةُ يَزِيدُون النَّاسَ عَمًى وصَمَمًا وبَكَمًا، والأَنْبِيَاءُ يَرْفَعُونَ عَمَاهُمْ وصَمَمَهُمْ وبَكَمَهُم».
إلى أَنْ قَالَ – رحمه الله -: «والمقْصُودُ هُنَا أنَّ الأنْبِيَاءَ يَفْتَحُون الأعْيُنَ العُمْيَ، والآذان الصُّمَّ، والقُلُوبَ الغُلْفَ، والسَّحَرَةُ يُفْسِدُون السَّمْعَ والبَصَرَ والعَقْلَ حتَّى يُخَيَّلَ للإنْسَانِ الأشْيَاءُ بِخِلاَفِ ما هي عَلَيْهِ؛ فَيَتَغَيَّرَ حِسُّهُ وعَقْلُهُ، قال في قِصَّةِ موسى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة:116]؛ وهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أعْيُنَ النَّاسِ قَدْ حَصَلَ فِيها تَغَيُّرٌ؛ ولِهَذَا قال تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر:14-15]؛ فَقَدْ عَلِمُوا أنَّ السِّحْرَ يغيِّرُ الإحْسَاسَ، كَمَا يُوجِبُ المَرَضَ والقَتْلَ» اهـ.
وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِين.

(1) حسن: رواه الحاكم وابن عساكر، انظر: «الصحيحة» (2458).

(2) انظر: «مجموع فتاوى ابن تيمية» (16/ 202).

(3) أثَرٌ صَحِيحُ الإسناد: رواه أحمد (1740) عن أُمِّ سلمة – رضي الله عنها -، انظر: تخريج أحاديث «فقه السيرة» (ص 115).

(4) أيْ: صَاحِبُ السِّرِّ، وهو جِبْرِيلُ الأمينُ – عليه السلام -. «نهاية».

(5) رواه البخاري (4)، ومسلم (160) عن عائشة – رضي الله عنها – بلفْظٍ مُقَارِبٍ.

(6) عن «تفسير السعدي» (ص 614 وص 736ـ ط: مؤسسة الرسالة) بتصَرُّف وزيادات يسيرة.

(7) انظر لبيان ذلك «فتاوى ابن تيمية» (1/ 43 – 44)، و «القول المفيد» للشيخ ابن عثيمين (1/ 33 – ط: ابن الجوزي).

(8) انظر: «فتاوى ابن تيمية» (10/ 152)، و «الجواب الكافي» لابن القيم (ص 132).

(9) صحيح: رواه أحمد، وابن حبان، انظر: «الصحيحة» (1002).

(10) هذا الكلامُ مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرِيطٍ مَسْمُوعٍ لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، فيه شَرْحُ كِتَابِ «فَضْل الإسلام».

(11) صحيح: رواه ابن حبان، انظر: «صحيح موارد الظمآن» (1401).

* منقول من (مجلة «الإصلاح» – العدد 20)

السلام عليكم ورحمة الله

القعدة

اللهم صلي وسلم عليه وعلى اله وصحبه