السلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد :
فقد قال الله – جل جلاله – (( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )) .
والكلام بغير علمٍ أصلُ الشركِ والكفرانِ وأساسُ البدع والعصيان .
ولقدْ رأيتُ كما رأى غيري من جرأة على التوقيع عن رب العالمين ، وجرأةٍ في الكلام في دينِ الله ، في مُدلهمّ المسائلِ وخطيرِ القضايا ، رأيتُ شيئاً يغيظُ المؤمنين !
فإنكَ تجدُ عجباً من تطاولٍ على الكلامِ في دينِ الله ، ممن – والله ِ – لايُقيمُ نفسَه ! بلْهَ غيره !
تجدهُ يأتيكَ بثقةٍ متحدثاً متمعلماً متعالماً ، ويقولُ في كلّ مسألةٍ رأيهُ دونَ معرفةٍ بكتابِ الله ولاسنة ِ نبيّه – صلى الله عليهِ وسلّم – .
ولا أدري ممَّ استقى هذا المُتكلّم علمَه وكيفَ بنى رأيه ؟!
متفيهقٍ متضلعٍ بالجهل ذو *** ضلعٍ وذو جلحٍ من العرفانِ
مُزجى البضاعة في العلوم وإنه *** زاجٍ من الإيهامِ والهذيانِ
يشكو إلى اللهِ الحقوق تضلماً *** من جهله كشكاية الأبدان
من جاهلٍ متطببٍ يفتي الورى *** ويحيل ذاكَ على قضا الرحمن
ولو سألتُه عن مسألة ٍ من مسائلِ الطهارةِ لتورّع أن يتحدّثَ فيها ! أو حتى لم يعلم مايقول !
ثمّ تجده في مسائل الولاء والبراء ، والجهادِ والبيعة والإمامة ، يتحدّث كأنما قد قرأ السنةَ كلها ، وما – والله – قرأ عُشْر مِعشارِها !
ومن غير سابق علمٍ ولا اطلاعٍ على تفسير الصحابة والسلفِ وفهمهم !
ليتَ يُخبرني هذا الدعيّ الأثيم الصلفُ المُجترئ ! ليتَ يُخبرني كيفَ يتحدّثُ في جليلِ المسائلِ مع اعترافِه بالقصورِ في مسائلِ الديانةِ قصوراً شديداً ظاهراً !
ولا يظننٌَّ أنه لو قرأ حديثاً في مسألة ٍ أنه يتحدثُ فيهِ من فورِه !
فإنه لا يدري هل هذا حديثٌ عامٌ جاءَ ما يخصّصه ، أو مطلقٌ جاءَ ما يُقيّدهُ في قضيّةٍ معيّنة ، وكذا في كلام الله رب العالمين ، فإنَّ النصَّ الشرعيَ لا يؤخذ على حدة ، بل يُجمَعُ بينَ نُصوصِ الشارعِ ويُعرفُ المُرادُ من كلَِّ نصِّ !
وإنَّ بعضاً قد أطاعوا وصيّة إبليس ! في الكلام على الله بغيرِ علم ، وقد حذّر ربنا – تعالى – من ذلِكَ فقال – سبحانه – : (( إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ))
فواعجباً منكَ ياجَهول ! ألاترى تَشعُّبَ مسائل الشريعةِ وعِظَمَها ، فإن كانَ هؤلاءِ توصّلوا لأحكام أصولِ الدينش وأسسِ العقيدةِ وعُضْلِ المسائلِ وكِبارِها دونما جُهدٍ ، فما فائدة ُ العلم !
وهؤلاءِ أخذوا دينهم بـ(واضح ، وأحسه هكذا ، ولاتحتاج إلى كلام !) وهكذا من عِباراتٍ يذكرونها لُخلوّهم من العلم والدليل .
سمعتُ بكلّ داهيةٍ نآدٍ *** ولمْ أسمع بسرّاجٍ أديبِ !
وإن كنا نقول ُ أنه ليسَ مُجرّد قراءتِكَ لآية بمُجيزٍ لكَ أن تتكلّم في العلم ، لجهلِكَ بكثيرٍ من نصوصِ الكتابِ والسنّة ولجهلِكَ بلغة العرب ولجهلِكَ بعُرفِ الشارِع ومرادِه ، فكيفَ بمن لم يقرأ !وإنما يتكلّم بناءً على إحساسِه ! ووسوستِه ، وقد ينقُضُ أصلاً من أصولِ الدينِ ! وهو يهرِف بما لايعرف !
فهم حتى لم يقرؤوا كتبَ السنّة ولامُجرّد قراءةٍ ، بل قد تذكُرُ لأحدهم ممن تجدهُ يتكلّم في خطيرِ المسائلِ مما يتعلّق بالاعتقادِ ، ونحوهِ ، قد تذكر له حديثاً في صحيح البُخاريّ وتجده يسمعه لأول مرةٍ في حياتِه !
ولقد رأينا كثيراً ممن يحتجّونَ بآياتٍ لايعرفونَ عمومها من خصوصها مطلقها من مقيّدِها !
ولايعرفونَ التفريقَ بينَ الصحيح والسقيمِ ، بل وقد يبنونَ قولهم على حكايةٍ تُحكى لايُدرى أصلها !
وليسَ وصف المرء بأنه عامّيٌ ، يعني أنه لايحمِلُ شهادةً أو نحو ذلكَ ، بل قد يكون عامّيّا في علومِ الشريعةِ معَ أنَّه يحمِلُ أعلى الدرجاتِ الجامعيّة في تخصصٍ ما ، ولايجيزُ له ذلكَ الخوضَ في دينِ الله بغير علم !
فكونُه أديبٌ أو شاعرٌ أو واعظٌ أو قصاص أو حتى إمام مسجد أو أستاذٌ في حلقة ! لايُبيحُ له ذلكَ الكلامَ في دينِ اللهِ بغير علم !
فإن كانَ عنده علمٌ فمرحباً بهِ ، ولو كانَ لايُعرف ! ولو كانَ خادماً .
وإن لم يكن عندهُ علم فليصمت ولو كانَ شهيراً مشهورا !
وما أحسنَ والله ، أن ترى من لايتكلّم إلا فيما يعلَم ! ولايخوضُ إلا فيما يُحسن !
قالَ ابن مسعود – رضي الله عنه – (( من عَلِمَ فليقلْ ، ومَنْ لمْ يعلمْ فليقلِ : الله أعلم ؛ فإن من العلمِ أن يقولَ لما لايَعلمُ : لا أعلم )) أخرجه البخاريّ ، قالَ ابن حجر (( أي أن تمييز المعلومِ من المجهولِ نوعٌ من العلمِ )) ! . وقد صدق !
وما أسوأ أن ترى خوّاضاً مُنازلاً في حلائبِ العلمِ وهو غفل من العلم ! جاهل بالكتاب والسنّة !
ولايظنّ ظانٌ أن مجرّد الحماسِ للدين يجيز له الكلام بغيرِ علم !
بل هو حرامٌ عليهِ وحرامٌ على كلّ امرئٍ أن يتحدّث في دينِ الله بغير علمٍ ولو زعمَ أنّه يُدافعُ عن الدين !
والغريب مافي هؤلاءِ من البرودِ وموتِ القلبِ ، فتجدُ أحدهم يتحدّث ولايرى عواقِبَ قولِه ، يتحدّث ولايخاف أنه قال على الله بغير عِلم !
فبُعداً لهؤلاءِ الأموات ! فـ إنما المَيْتُ ميِّتُ الأحياءِ !
وإني أعظ هؤلاء ! فإنهم موقوفونَ ليومٍ عظيم ! ورُبّ كلمةٍ يقولها أحدهم تهوي بهِ في النار سبعينَ خريفاً !
قدِّر لرجلكَ قبلَ الخطْوِ موضعها *** فمن علا زَلَقاً عن غِرَّةٍ زَلَجا
كلّ من سلكَ هذا المسلك نذكره أن العلم جليل القدر عظيم المنزلة فيه من الأصول والضوابط والمُقيِّداتِ مالابُدّ فيه من القراءة والبحث والطلب !
والعُذرُ مما في الكلامِ من التكرار ، والتداخلِ فإني كتبتُه وأنا غاضبٌ لشناعة مارأيتُ من الجرأة , !!
وصلى الله على مُحمّد وعلى آلهِ وصحبِه ومن تبعهم إلى يوم الدين
وسئل سماحة الشيخ بن باز رحمه الله عن حكم الفتوى بغير علم
فاجاب
[center]الحمد لله
لما كانت الفتوى بيانا لحكم الله عز وجل في الوقائع والأحداث ، وهناك من الناس من سيتبع هذا المفتي فيما قاله من أحكام، كان المفتي بغير علم واقعاً في كبيرتين عظيمتين:
الكبيرة الأولى :
الجرأة على الكذب والافتراء على الله .
قال الله عز وجل : (قُُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33.
والمفتي بغير علم يقول على الله ما لا يعلم ،
وقد قرن الله تعالى تحريم ذلك بتحريم الإشراك به ،
مما يدل عل عظم ذنب من قال على الله ما لا يعلم .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء ، وجعله من أعظم المحرمات ، بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى : ( قُُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33.
فرتب المحرمات أربع مراتب :
وبدأ بأسهلها وهو الفواحش .
ثم ثَنَّى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم .
ثم ثَلَّث بما هو أعظم تحريما منها وهو الشرك به سبحانه .
ثم ربَّع ما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه .
ومما يدل أيضا على أنه من كبائر الإثم قول الله تعالى : ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النحل/116-117.
فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه ، وقولهم لما لم يحرمه : هذا حرام ، ولما لم يحله : هذا حلال ، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه وتعالى أحله وحرمه " انتهى.
" إعلام الموقعين " (1/38) .
..**..**..**..**..**..**..**..
الكبيرة الثانية :
إغواء الناس وإضلالهم .
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) رواه البخاري (100) ومسلم (2673) .
فالمفتي بغير علم ضلَّ عن الحق ، وأضل غيره ممن اتبعه في فتواه .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (32/24) :
" الإفتاء بغير علم حرام , لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله , ويتضمن إضلال الناس , وهو من الكبائر , لقوله تعالى : (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) , فقرنه بالفواحش والبغي والشرك , ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء , ولكن يقبض العلم بقبض العلماء , حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا , فسئلوا , فأفتوا بغير علم , فضلوا وأضلوا) .
من أجل ذلك كثر النقل عن السلف إذا سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول للسائل : لا أدري . نقل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما والقاسم بن محمد والشعبي ومالك وغيرهم , وينبغي للمفتي أن يستعمل ذلك في موضعه ويعود نفسه عليه , ثم إن فَعَل المستفتي بناءً على الفتوى أمراً محرماً أو أَدَّى العبادة المفروضة على وجه فاسد , حمل المفتي بغير علم إثمَه , إن لم يكن المستفتي قَصَّر في البحث عمن هو أهل للفتيا , وإلا فالإثم عليهما" انتهى.
وقال ابن مسعود : ( من كان عنده علم فليقل به ، ومن لم يكن عنده علم فليقل : الله أعلم ،
فإن الله قال لنبيه : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص/86 .
" إعلام الموقعين " (2/185)
بارك الله فيك اخي على الاضافة والفائدة الطيبة .وفقنا الله لكل خير ونجانا من الحديث في شرعه بغير علم .