أفضل الإيمان الصَّبر والسَّماحة 2024.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :

روى أبو يعلى في مسنده (1854)، وابنُ أبي شيبة في مصنَّفه (11/33) عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أنّ النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِل: أيُّ الإيمان أفضل؟ قال: «الصَّبر والسَّماحة».
وهو حديث حسن ثابت عن النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما له من شواهد.
منها عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في مسنده (22717).
ومنها عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، رواه أيضاً الإمام أحمد (19435).
ومنها عن قتادة الليثي رضي الله عنه، رواه الحاكم في مستدركه (3/626).
وقد يقول قائل: لم كان الصَّبر والسَّماحة بهـذه المنزلة العليَّة من الإيمان وبهذه المكانة الرَّفيعة من الدِّين؟
والجواب أنَّ الصَّبر والسَّماحة خُلُقَان في النَّفس يَحتاج إليهما العبد في مقامَات الدِّين كلِّها وفي جميع مصالحه وأعماله، فلَا غنى له في شيءٍ من ذلك عن الصَّبر والسَّماحة، ولهـذا فإنَّ هذين الخُلُقين الفَاضلين يُحتاج إليهما في جميع مقامَات الدِّين.
ولهـذا يقول العلَّامة ابنُ القيِّم -رحمه الله تعالى- في "مدارج السالكين" (2/160) ـ وقد أورد هـذا الحديث، مُبيِّنًا مكانة هـذا الحديث العظيمة ومبيِّنًا أيضًا مدلوله ومعناه ـ: ((وهـذا من أجمع الكَلام وأعظمه بُرهانًا وأوعبه لمقامات الإيمان من أوّلها إلى آخرها؛ فإنَّ النَّفس يُراد منها شيئان:
* بذْل ما أُمِرت به وإعطاؤه، قالحامل عليه السَّماحة.
* وترك ما نُهيت عنه والبُعد منه فالحامل عليه الصَّبر)). انتهى كلامه رحمه الله.
وقد سُئل الحسن البصري -رحمه الله تعالى- وهو أحد روَّاة هـذا الحديث قيل له: ما الصَّبر وما السَّماحة؟
قال: ((الصبر عن معصية الله، والسماحة بأداء فرائض الله عز وجل)) رواه أبو نعيم في الحلية (2/156).

وإذا تأمَّلت في هـذا الحديث العظيم وفي دلالته العَظيمة تجد أنَّه حديثٌ جامع للدِّين كلِّه؛ لأنَّ المؤمن مأمور بأفعال وطَاعات وعبادات متنوِّعات، وهـذه كلُّها تحتاج إلى سماحة نفس.
والسَّماحة في أصل مدلولها السُّهولة واليُسر والسَّلاسة.
فمن كانت نفسه سلسلةً سهلةً سمحةً انقاد للأوامر وامتثل الطَّاعات ولم يتلكَّأ ويمتنع.
ومأمور أيضاً بالانكفاف عن المعاصي والبُعْد عن المناهي وتجنُّب المحرَّمات، وهـذا يَحتاج إلى صبر.
والصبر حبس النَّفس ومنعها، فإذا كان لا صبر عنده فإنَّ نفسه تنفلت ولا يتمكَّن من الامتناع عمَّا نهاه اللهُ عنه.
وبهذا يُعلم أنَّ من لا صبر عنده لا يستطيع أن يقاوم، ومن لا سماحة لديه لا يستطيع أن يقوم.
نعم من لا صبر عنده لا يستطيع أن يقاوم النَّفس من رعونتها عند حلول البلاء، ولا يستطيع أن يقاوم النَّفس من انفلاتها عند دواعي الشَّهوات والأهواء.
ومن كان لا سماحة لديه لا يستطيع أن يقوم؛ لأنّ نفسه غير السمحة لا تنهض للقيام بالأوامر والاستجابة لداعي الطَّاعات، فإذا دُعيت نفسه إلى طاعة شحَّت، وإذا أُمرت بفضيلة تأبَّت، وبهذا يكون من المحرُومين.
فمن لا صبر عنده ولا سماحة لا يتأتى له النُّهوض بمصالحه والقيام بأعماله والامتناع عمَّا ينبغي عليه الامتناع منه.
فما أحوجنا إلى أن نكون من أهل الصّبر والسّماحة لتنهض نفوسنا قيامًا بطاعة الله جلَّ وعلا، ولتمتنع نفوسنا عمَّا نُهيت عنه من المحارم والآثام، والتَّوفيق بيد الله وحده لا شريك له، فنسأله سبحانه ونلجأ إليه وحده متوسِّلين إليه بأسمائه الحُسنى وصفاته العُليا أن يمنَّ علينا بهـذا الإيمان العظيم: الصّبر والسّماحة.
الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

ان بعد العسر يسر
مشور اخي على طرحك للموضوع المفيد والقيم
موفق وفي ميزان حسناتك

إن الإيمان يخلق كما يخلق الثوب 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الإيمان يخلق كما يخلق الثوب !!

رب اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيرا

عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرو بن العَاص رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّ الإِيمَانَ لَيخلق فِي جَوْفِ أَحَدكُمْ كَمَا يَخلقُ الثَّوْبُ فَاسْأَلُوا الله أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ". أخرجه الحاكم ( 1 / 4 )، وحَسَّنَه الألباني (السلسلة الصحيحة، 4/ 113).

هكذا جعل الله العبد المؤمن، لكي يظل في جهاد مستمر، قال بعض السلف: جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، فبلغت بعضهم فقال: طوبى له! أوقد استقامت؟ ما زلت أجاهدها ولم تستقم بعد أربعين سنة! وهم في أفضل جيل وأفضل بيئة، فكيف بنا اليوم ونحن في عصر المغريات وفي عصر الشهوات؟! فمن أعظم أسباب قسوة القلب: طول الأمد عن ذكر الله، وعن تقوى الله، وعن مجالس وحلق الذكر والخير، وعدم التفكر في ملكوت السماوات والأرض وعدم التفكر في الموت،

وقراءة القرآن وتدبره والعمل به، هي من أعظم ما يزيد الإيمان؛ لأن الإنسان إذا قرأ كتاب رب العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يجد فيه الشفاء والحق والمواعظ والحث على التفكر وعلى التدبر، ومع ذلك أيضاً يدعو الإنسان ربه عز وجل، فندعو الله أن يمنَّ علينا بالإيمان، وأن يمنَّ علينا بالهداية، وأن تلين قلوبنا لذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يخيب من دعاه.

سارعو الى مغفرة من ربكم

بارك الله فيك
جزاك الله الجنة ان شاء الله

جزيت خيرا .. وبورك فيك ..

وجعلني الله واياك من الاحياء .. ونور قلوبنا بذكره ..

فعلي وعليك .. بالقرآن .. والذكر .. حتى لا يكون هذا الكلام حجة علينا ..

تحياتي لك بالعافية ..

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رائد السوفي القعدة
القعدة
القعدة

بارك الله فيك
جزاك الله الجنة ان شاء الله

القعدة القعدة
القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عالي الحمدي القعدة
القعدة
القعدة
جزيت خيرا .. وبورك فيك ..

وجعلني الله واياك من الاحياء .. ونور قلوبنا بذكره ..

فعلي وعليك .. بالقرآن .. والذكر .. حتى لا يكون هذا الكلام حجة علينا ..

تحياتي لك بالعافية ..

القعدة القعدة


طيب الله ريحكم بريح الجنة

بــــــــــــــارك الله فيك

اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا و نور صدورنا، اللهم ثبتنا على الحق .
اللهم اجعل قلوبنا عامرة بذكرك …..

باركك الله و جزاك خيرا ……..في ميزان حسناتك

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة takwa القعدة
القعدة
القعدة

اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا و نور صدورنا، اللهم ثبتنا على الحق .
اللهم اجعل قلوبنا عامرة بذكرك …..

باركك الله و جزاك خيرا ……..في ميزان حسناتك

القعدة القعدة

ان شاء الله يا رب… لله ما احفظنا يا رب.

وصف الإيمان 2024.

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم و به على كل خير نستعين

أما بعد :

إنَّ أجلّ النعم وأعظمها ، وأكبر المنن وأفخمها نعمةُ الإيمان ؛ فهوأجلّ المقاصد وأنبلها، وأعظم الأهداف وأرفعها، وبه ينال العبد سعادة الدنيا والآخرة، ويظفر بنيل الجنَّة ورضى الله عزَّ وجلَّ، وينجو من النار وسخط الجبار سبحانه، وثمار الإيمان وفوائده لا حصر لها ولا حدّ، ولا نهاية لها ولا عدّ، فكم للإيمان مِنَ الثمار اليانعة، والجنى الدائم، والأُكل المستمر، والخير المتوالي في الدنيا والآخرة ، وهو منة الله على من يشاء من عباده قال الله تعالى: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين } [الحجرات:17] ،

ويقول الله تبارك وتعالى : { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ(7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[الحجرات:7-8] ، ويقول الله تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:21]والآيات في هذا المعنى كثيرة .

والإيمان هو الغاية التي خُلقنا لأجلها وأُوجدنا لتحقيقها ، وفي ضوء تحقيق ذلك أو عدمه تكون السعادة في الدنيا والآخرة أو عدمها؛ فأهل الإيمان هم أهل السعادة ، والناكلون عن الإيمان هم أهل الشقاء قال الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97] ، والخيرات كلها في الدنيا والآخرة ثمرة من ثمار الإيمان ونتيجة من نتائجه .

والإيمان شجرة مباركة ؛ لها أصل ثابت وفرع قائم وثمار متنوعات يقول الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:24-25]. ألا ما أزكاها من شجرة ! وما أجل شأنها ! وما أعظم خيراتها وبركاتها !!

وشجرة الإيمان أصلها ثابت في قلب المؤمن بالعقائد الصحيحة والإيمانيـّات القويمة المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد جمعها الله في قوله : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ }[البقرة:177] ، وفي قوله: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة:285]

وفي قوله جل شأنه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:136].

فهذه أصول الإيمان وقواعده العظام ؛ فلا قيام للدين ولا انتفاع بطاعة ولا نيل لسعادة إلا إذا كانت أعمال الإنسان وطاعاته قائمة على هذه الأصول العظام والأعمدة المِتان ، وقد جمعها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل عندما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإيمان قال : ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) .

ثم إن الإيمان له شعب كثيرة ، وأعمال وفيرة ، وطاعات متنوعات روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)) ،

وقد دل هذا الحديث العظيم على أن من الإيمان ما يقوم بالقلب ، ومنه ما يقوم باللسان ، ومنه ما يقوم بالجوارح ؛ فكلُّ واحد من هذه الثلاث لا بد أن ينال نصيبه من الإيمان :

فالقلب يؤمن : اعتقاداً وأعمالاً صالحات تكون في قلب المؤمن من حياء وخشية وإنابة وتوكل وحسن اعتماد والتجاء إلى الله .. إلى غير ذلكم من أعمال القلوب .

واللسان يؤمن : بذكر الله وتلاوة القرآن وحمده جل وعلا والثناء عليه والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. كل ذلكم من أعمال الإيمان التي تكون في الإنسان .

والجوارح تؤمن : بفعل الطاعات والقيام بالأوامر والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأنواع الأعمال الزاكيات .

وكما أنَّ الإيمان فعل للطاعة وامتثال للأمر ؛ فإنه في الوقت نفسه تجنب للحرام وبعد عن الآثام ، فكما أنَّ الصلاة إيمان ، والصيام إيمان ، والزكاة إيمان ، والحج إيمان ؛ فإنَّ تجنب المحرمات والبعد عنها طاعة لله إيمان ، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) ، وهذا الحديث من الدلائل الواضحات على أن المعاصي والآثام تُنقص الإيمان وتُضعف الدين ، فالإيمان يزيد بطاعة الله جل وعلا وحسن التقرب إليه ، وينقص بفعل المعاصي والآثام .

ولابد في الإيمان من ثبات واستقامة ومداومة عليه وعلى أعماله إلى الممات ، ولهذا قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران:102] ، وفي الحديث أنَّ النبي عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لسفيان ابن عبد الله الثقفي حين سأله عن أمرٍ جامعٍ لا يسأل عنه أحدا غيره قال القعدة( قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ)) .

فليحرص من أراد لنفسه الفوز والنجاة على تحري الإيمان وطلبه وتحقيقه مستعيناً بالله تبارك وتعالى طالباً مدّه وعونه ، مجاهداً نفسه على ذلك ليلقى الله وهو عنه راض، فإنَّ هذه الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة ، ولكل من الدارين بنون ؛ فليحرص على أن يكون من أبناء الآخرة، ولن يكون من أبنائها إلا بالإيمان ولن يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة فالبدار البدار ، والله وحده الموفق والهادي من يشاء إلى صراطه المستقيم ودينه القويم.

الشيخ عبد الرزاق البدر-حفظه الله و نفع الأمة بعلمه-

التشكيك في الإيمان من أعمال الشيطان 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء ؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض ؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله ثلاثاً ) <?xml:namespace prefix = o /><oالقعدة></oالقعدة>

رواه أحمد وأصله في صحيح مسلم .<oالقعدة></oالقعدة>

المعنى الإجمالي <oالقعدة></oالقعدة>

لا يزال الشيطان بالإنسان يوسوس له، ويشككه في إيمانه حتى يخرجه منه إلى الكفر والعياذ بالله، وأول ما يوسوس به الشيطان قضية وجود الله سبحانه، فيبدأ بسلسلة تبدو للوهلة الأولى منطقية، فيسأل الإنسان عمن خلق السماء والأرض ؟ فيجيبه المسئول: بأن الله هو من خلقهما . فيسأل الشيطان مرة أخرى، ومن خلق الله ؟ وهو سؤال ساذج لكنه يحتوي على الكثير من الخبث، وسذاجته في كونه يسلّم بكون الله خالقاً، ثم يسأل عمن خلقه ؟ وهما أمران متناقضان غاية التناقض، فإذا كان الله خالقاً فلا يمكن أن يكون مخلوقاً، وإذا كان مخلوقاً فلا يمكن أن يكون خالقاً، فهو بمثابة وصف الشيء بنقيضه كأن يقال عن الحجر: إنه صلب لين.<oالقعدة></oالقعدة>

وحتى لو أجاب المسؤول بأن من خلق "الله" إله آخر ؟ لأورد الشيطان نفس السؤال مرة أخرى بالقول: ومن خلق الإله الآخر ؟ وهكذا يتكرر السؤال، وتتكرر الإجابة، ونكون أمام خيارين إما أن نجاري الشيطان في سؤاله، ونظل نكرر الإجابة إلى ما لا نهاية، بما يفضي في حقيقته إلى الإلحاد، وإما أن نقطع وسوسته في بدءها على صخرة الإيمان بالله، وهو ما أرشد إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث ندب أن يقول المسلم عند سماع هذه السفسطة الشيطانية: آمنا بالله، ويكررها ثلاث مرات، ليذّكر الشيطان بأن سؤاله يفضي إلى جحود الإله، وهو مؤمن به معترف بوجوده، وأن سؤالك أيها الشيطان يفضي إلى إبطال كل الأدلة العقلية والنقلية والحسية والفطرية الدالة على وجود الله، والتي لا يستطيع الشيطان بسؤاله الساذج هذا أن يبطلها، فقول المسلم: ( آمنت بالله ) ليس هروباً من سؤال إبليس، ولكنه إجابة غاية في الدقة لمن فهم أغوارها .<oالقعدة></oالقعدة>

الفوائد العقدية <oالقعدة></oالقعدة>

1- أن الله خالق الخلق جميعاً.<oالقعدة></oالقعدة>

2- أن الله هو الأول، وهو موجد الأشياء من عدم.<oالقعدة></oالقعدة>

3- بطلان أسئلة الشيطان وفسادها. <oالقعدة></oالقعدة>

4- حرص الشيطان على نشر الكفر والدعوة إليه .<oالقعدة></oالقعدة>

5- قول المسلم "آمنا بالله" في مواجهة مثل هذه الأسئلة .<oالقعدة></oالقعدة>

6- استعاذة المسلم بالله – كما في رواية مسلم – عند عروض مثل هذه الوساوس.<oالقعدة></oالقعدة>

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

و عليكم السلام و رحمة الله تعاللا و بركاته

جزاكي الله كل خير أختي و الشيطان دائما يبدأ بالحلقة الاضعف

و يبدا يسنسر فيه بالعقل بصح الشخص الفطن يفيقلو

بارك الله فيكي أخيّتــي

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **laila** القعدة
القعدة
القعدة

و عليكم السلام و رحمة الله تعاللا و بركاته

جزاكي الله كل خير أختي و الشيطان دائما يبدأ بالحلقة الاضعف

و يبدا يسنسر فيه بالعقل بصح الشخص الفطن يفيقلو

بارك الله فيكي أخيّتــي

القعدة القعدة

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خيرا اختي الفاضلة

جزاكي الله كل خير أختي

نوح يبني سفينة الإيمان في الصحراء 2024.

نعيش اليوم مع بعض المواقف التي تعرض لها نبي الله نوح عليه السلام، والتي ورد ذكرها في ثلاثة وأربعين موضعًا من القرآن الكريم مطولة تارة وفي إيجاز تارة أخرى بحسب ما تكون العناية موجهة إلى ناحية من العظمة والاعتبار منها.
ونبي الله نوح عليه السلام، هو ابن مالك متوشلح بن إدريس عليه السلام وقيل إن قومه كانوا من سكان جزيرة العرب ومن حولهم، والمشهور أنه كان يسكن أرض الكوفة وهناك أرسله الله لينذر قومه عاقبة كفرهم وعبادتهم الأصنام.
واستمر نوح عليه السلام يدعو قومه إلى عبادة الله وحده وترك الشرك مدة طويلة جدًا، ويدل على ذلك ما جاء في قوله تعالى في سورة العنكبوت آية 14: “ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا” ولم يزد عدد المؤمنين بدعوته في تلك المدة وإنما ازداد عدد الكافرين المعاندين له والساخطين عليه والمناوئين له.
وحزن نوح عليه السلام أشد الحزن على جحود قومه وعنادهم في مخالفته لما يدعوهم إليه وإيذائهم له وإرهابهم للضعفاء من أتباعه حتى لا يؤمنوا بدعوته، غير أنه لم يفقد الأمل في هدايتهم وظل يدعو قومه ويجادلهم بأقوى الأدلة المقنعة بعظمة الله وجلاله، وأنه سبحانه خلقهم أطوارًا متدرجة نطفًا ثم علقا ثم مضغًا ثم عظامًا ولحما.
وأنه سبحانه خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض وأنه سبحانه جعل القمر في هذه السموات نورًا وجعل الشمس مصباحًا، وظل هذا النصح والإرشاد يدعوهم ليلا ونهارًا سنين طويلة ولكن قومه ظلوا على كفرهم وكبريائهم وتبجحهم، ويجمعون الناس من حولهم على الكفر والضلال ومخالفة نوح ومناوأته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

بناء السفينة

ضجر نوح من طغيان قومه وعنادهم المستمر فدعا عليهم بعد أن يئس من هدايتهم قائلا: “رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا”، فاستجاب له ربه وأوحى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من آمن، وأن عليه ألا يحزن ولا يبتئس وأن الله سوف يعاقبهم على سوء أعمالهم، وأوحى إليه أن يصنع سفينة كبيرة.
وعلمه سبحانه وتعالى كيف يبنيها قوية محكمة قائلاً له: “واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون” وذلك لأن الله قضى عليهم بالموت غرقًا في طوفان يعمهم فلم ينج أحد منهم مهما يكن مركزه من جاه أو قرابة لنوح عليه السلام.
وتقول الأخبار إن نوحًا عليه السلام ألهمه الله كيف يعد للسفينة وسائل ومواد بنائها فبدأ يغرس الشجر ويزرعه ليأخذ منه ألواح الخشب اللازم لها، وبعد مرور سنوات كبر الشجر وقطع منه نوح ألواحًا كثيرًة وأخذ يباشر صنع السفينة ويربط أجزائها بالمسامير حتى صارت سفينة ضخمة ذات طبقات، لم يذكر لنا القرآن شيئًا عن حجمها أو شكلها، وكل ما جاء عنها هو مكان رسوها على الجودي، وهو كما يقال جبل آرارات الشامخ في سلسلة جبال أرمينيا في آسيا الصغرى.

وتروي الأخبار أن نوحًا عليه السلام أعد صناديق وأقفاصًا كثيرة ليضع فيها مختلف الطيور والحيوانات الأليفة ويودع بها ما يلزم من مؤن ومتاع وغير ذلك مما يلزم لمن كان معه من أهله ومن آمن به من قومه.
وكان قوم نوح كلما مروا عليه وهو يبني السفينة يسخرون منه لأنه يصنع سفينة في صحراء بعيدة عن مياه البحار والأنهار ويتندرون بالنكات اللاذعة عليه، فكان يرد عليهم قائلا: “إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم”.

بدء الطوفان

انتهى بناء السفينة وتم شحنها بكل حمولتها، ومكث نوح ينتظر ما وعده الله به من أنه إذا افار التنور وهو الفرن الذي في بيته بالماء فهذه علامة بدء الطوفان، وجاءت اللحظة الرهيبة وأخذ التنور يفور بالماء وانهمر المطر من السماء وتفجرت عيون الأرض كما قال تعالى:
“ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات الواح ودسر”.
وتقول بعض الروايات إن جبريل عليه السلام هو الذي حمل إلى السفينة من كل أليف نافع من الحيوان والطير زوجين اثنين ذكر وأنثى حتى لا تنقرض أنواعها من الأرض، ويقول بعض المفسرين إن الطوفان كان محلياً أغرق الأرض التي بها قوم نوح، ويقول آخرون إن الطوفان كان عاماً أغرق الأرض كلها، وإلا لما كان هناك ضرورة لحمل هذه الحيوانات وغيرها من المخلوقات في هذه السفينة لبقاء الحياة والأحياء دون انقراض.
ويقال إن الأرض كانت آهلة بالخلق وعامرة بحضارة متقدمة يدل عليها ما يجده علماء الجيولوجيا من حفريات تدل على ما وصل إليه الإنسان في تلك العصور من علوم ومدنية.
واختلف العلماء في عدد من كان مع نوح في السفينة فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم وامرأة نوح وهي أم أولاده كلهم، وهم حام وسام ويافث ويام وهو الذي يسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذي كفر واعتزل أباه، فلما دعاه نوح أن يركب السفينة معه رفض وقال له: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء فقال له نوح: “لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين”. ونجا نوح ومن كان معه من المؤمنين وهم الذين ركبوا السفينة معه.
وبعد أن قضى الله قضاءه بإغراق قوم نوح بالطوفان قال تعالى: “يا أرض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعي، وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين”.
وتؤكد المواقف التي تعرض لها نوح عليه السلام على معان سامية منها: أنه ظل يذكر قومه بأنه أمين في رسالته ولا يسألهم عليها أجرًا منهم ولا شكرًا، ولكنهم كذبوه وناصبوه العداء.
أنه وقف موقف الصمود إزاء حملات التكذيب والتشكيك من سادة قومه وهم أكابرهم ووجهاؤهم الذين كانوا يتطاولون عليه ويأنفون منه لانضمامه إلى فقراء قومه وضعفائهم والتفافهم حوله.
ومن الجدير بالذكر في نهاية الحديث عن المواقف التي تعرض لها نوح عليه السلام أن نقول: ان ابنه هلك مع الهالكين على الرغم من استشفاع أبيه فيه عند ربه حتى لا يعتمد الناس على أحسابهم وأنسابهم لأن النجاة والفلاح والأمان لا تكون إلا لمن اهتدى وأطاع الله ورسوله.

ادعوا من اقسم بالفجر والليالي العشر ان يسعدك مدى العمر ويشفع فيك رسوله محمد عند الحشر واسآل الله لك في هذا اليوم حسنات تتكاثر وذنوب تتناثر وهموم تتطاير وان تجعل بسمتك سعاده وصمتك عباده وخاتمتك شهاده ورزقك في زياده ……..

الصـدق . أساس الإيمان 2024.

الصـدق… أساس الإيمان

القعدة

مما لاشك فيه أن أعظم زينة يتزين بها المرء في حياته بعد الإيمان هي زينة الصدق، فالصدق أساس الإيمان كما إن الكذب أساس النفاق، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر.

الصدق في الظاهر والباطن :
الصدق بمعناه الضيق مطابقة منطوق اللسان للحقيقة، وبمعناه الأعم مطابقة الظاهر للباطن، فالصادق مع الله ومع الناس ظاهره كباطنه، ولذلك ذُكر المنافق في الصورة المقابلة للصادق، قال تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين.}… (الأحزاب : 24).
لا صدق إلا بإخلاص :
والصدق التزام بالعهد، كقوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}… (الأحزاب : 23)، والصدق نفسه بجميع معانيه يحتاج إلى إخلاص لله عز وجل، وعمل بميثاق الله في عنق كل مسلم، قال تعالى : {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ }… (الأحزاب : 7، 8)، فإذا كان أهل الصدق سيُسألون، فيكف يكون السؤال والحساب لأهل الكذب والنفاق؟
والصدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرع عنها غيرها، يقول الحارث المحاسبي: "واعلم – رحمك الله – أن الصدق والإخلاص: أصل كل حال، فمن الصدق يتشعب الصبر، والقناعة، والزهد، والرضا، والأنس، وعن الإخلاص يتشعب اليقين، والخوف، والمحبة، والإجلال والحياء، والتعظيم، فالصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به: صدق القلب بالإيمان تحقيقـًا، وصدق النية في الأعمال، وصدق اللفظ في الكلام".
الصدق مرتبط بالإيمان :
ولما للصدق من رابطة قوية بالإيمان، فقد جوّز رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يقع من المؤمن ما لا يُحمد من الصفات، غير أنه نفى أن يكون المؤمن مظنه الوقوع في الكذب ؛ لاستبعاد ذلك منه، وقد سأل الصحابة فقالوا: (يا رسول الله أيكون المؤمن جبانـًا ؟ قال : "نعم"، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن كذَّابـًا؟ قال: " لا ")… (رواه الإمام مالك).
قد يجانب الصدق من يحدث بكل ما سمع :
والأصل في اللسان الحفظ والصون ؛ لأن زلاته كثيرة، وشرّه وبيل، فالحذر منه والاحتياط في استعماله أتقى وأورع، فإذا وجدت الرجل لا يبالي ، ويكثر الكلام، فاعلم أنه على خطر عظيم، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (كفى بالمرء كذبـًا أن يحدث بكل ما سمع)… (رواه مسلم) ؛ لأن كثرة الكلام مظنة الوقوع في الكذب، باختراع ما لم يحدث، حين لا يجد كلامـًا، أو ينقل خبر كاذب – وهو يعلم – فيكون أحد الكذَّابين.
يُنال الصدق بالتحري :
وكل خلق جميل يمكن اكتسابه بالاعتياد عليه، والحرص على التزامه، وتحري العمل به، حتى يصل صاحبه إلى المراتب العالية، يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه، ولذلك يقول – صلى الله عليه وسلم – : (عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صدِّيقا)، وكذلك شأن الكاذب في السقوط إلى أن يختم له بالكذب: (وإياكم والكذب ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب، حتى يُكتب عند الله كذَّابا)… (رواه البخاري ومسلم).
الصدق = الطمأنينة والثبات :
ومن آثار الصدق ثبات القدم، وقوة القلب، ووضوح البيان، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان، ومن علامات الكذب الذبذبة، واللجلجة، والارتباك، والتناقض، مما يوقع السامع بالشك وعدم الارتياح، ولذلك : (… فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة)… (رواه الترمذي) كما جاء في الحديث.
الصدق نجاة وخير:
وعاقبة الصدق خير – وإن توقع المتكلم شرًا – قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}… (محمد : 21)، وفي قصة توبة كعب بن مالك يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا: "يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدّث إلا صدقـًا ما بقيت"، ويقول كذلك: "فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا …" (رواه البخاري).
وروى ابن الجوزي في مناقب أحمد أنه قيل له: "كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق؟ فقال: لو وُضِع الصدق على جرح لبرأ".
ويوم القيامة يقال للناس: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم}… (المائدة : 119).
الصادق جريء :
والصدق يدعو صاحبه للجرأة والشجاعة ؛ لأنه ثابت لا يتلون، ولأنه واثق لا يتردد، ولذلك جاء في أحد تعريفات الصدق : القول بالحق في مواطن الهلكة، وعبر عن ذلك الجنيد بقوله : حقيقة الصدق: أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب.

لا تكثر من المعاريض :
ولكي تكون حياتك كلها صدقـًا، ولتحشر مع الصديقين فاجعل مدخلك صدقـًا، ومخرجك صدقـًا، وليكن لسانك لسان صدق، لعل الله يرزقك قدم صدق، ومقعد صدق، ولا تترك فرصة للشيطان ليستدرجك بالاستكثار من المعاريض، فالصدق صراحة ووضوح، والميل عنه التواء وزيغ، وحال المؤمن الصدق، و{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون}… (النحل : 105).
درر من أقوال الصالحين والعلماء في الصدق:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث، من إذا حدثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفى لهم، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم، وتظهر له معونتهم.
أنشد محمود الوراق:
اصدق حديثك إن في الصـ ـق الخلاص من الدنس
ودع الكــذوب لشــأنه خير مـن الكـذب الخرس
وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله عز وجل، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك مالا يعنيني.
وقال بعضهم :من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت.قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق.
فنسأل الله الكريم أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.


نسأل الله الكريم أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.
بارك الله فيك وجزاك الجنة
جعله الله في ميزان حسناتك

اي ولله خويا المسافر كلامك صحيح

شكرا لك الله يعطيك العافيه

بارك الله فيك اخي
الصدق بحر و قليل من غاص في قعره. شكرا و تقبل مروري
بارك الله فيك

وجراك الله خيرا

على هذا الموضوع

في ميزان حسناتك

بارك الله فيك وجزاك الجنة
جعله الله في ميزان حسناتك

الدين النصيحة شكرا لك

شكرا لك

الله يعطيك العافيه

القعدة

نور الإيمان 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ لو نزع حب الدنيا من قلوبنا لغلقت المحاكم أبوابها لن نرى متنافسين ولا متصارعين ولا متحاسدين ولا متحاقدين بل الكل سيسلم تسليماً كاملاً لشرع الله وما يحكم به الله وما يحكم به العدول في الأمة من رجال الله العلماء العاملين الذين يرجون الحق ويحكمون بالحق طلبا لمرضاة رب العالمين حب الدنيا هو سر كل ما نحن فيه

وما المخرج؟

لا مخرج لنا إلا إذا أخلصنا العمل لله فكانت كل أعمالنا وكل حركاتنا وكل سكناتنا وكل أقوالنا وكل أفعالنا ننوي بها وجه الله لا نقول قولاً لإرضاء فلان ونحن نعلم أنه على غير الحق لأن هذا يخالف صريح الدين { الدِّينُ النَّصِيحَةُ }[1] لا أرى متخاصمين أمامي ثم أدعى إلى الشهادة فأقول لم أرى مع أنني رأيت وأنكر الشهادة وأكتمها {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} حتى ولو كانت الخصومة بين أخي أو أبي وغيره من المسلمين فقد قال الله في شأن المسلمين السابقين والمعاصرين واللاحقين {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}

جعل الله هذه الأمة شهوداً على الأنبياء السابقين وأممهم لأنها أمة العدالة وأمة إحقاق الحق وأمة يقول فيها الحق في سر اجتبائها على سائر الأمم وخيريتها على سائر الأنام {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} جعل الإيمان بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أن مقتضى كلامنا مع بعضنا يقتضي أن يسبق الإيمان لكن كلام الله لحكمة يعلمها منزل القرآن عز وجل

أمة تقول الحق وتظهر الحق وتعمل لوجه الله لا تريد في أي عمل إلا وجه الله إذا كان قائداً أو جندياً فهو يعمل لله إذا كان خادماً أو رئيساً فهو يعمل لله جاء عمرو بن العاص وخالد بن الوليد بعد صلح الحديبية معلنين إسلامهم، فأصدر النبي صلي الله عليه وسلم قراراً نبوياً أن يتولى عمرو بن العاص قيادة إحدى الغزوات وتسمى غزوة ذات السلاسل وكان من جنده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أي رجال هؤلاء؟ ماتت شهوات نفوسهم ولم يعودوا يريدون إلا وجه الله

وسمي خالد بن الوليد سيف الله المسلول وخاض خالد أكثر من مائة معركة حربية انتصر فيها جميعا وفي إحدى الغزوات وفي إحدى المعارك مع الروم وهي معركة اليرموك وكان المسلمون حوالي أربعين ألفا والروم حوالي أربعمائة ألف جاء خطاب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يتولى قيادة الجند ويعزل خالد ويُجَرد من جميع رتبه ويرجع جندياً عادياً انظر إلى الرجال الذين قال فيهم الله {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} جاء رجل لخالد وقال: يا خالد أرضيت بهذا الأمر؟ قال: نعم، قال: إن كنت رضيت بهذا الأمر فإنا لن نرضى وإني خلفي مائة ألف سيف ينتصرون لك إن رفضت هذا الأمر قال: بئسما أشرت به علي يا أخي أنا أقاتل لله إن كنت قائداً أقاتل لله وإن كنت جندياً أقاتل لله فلا يهمني هذا ولا ذاك

هؤلاء الرجال الذين أخرجهم الله من ظلمات الدنيا وشهواتها إلى نور الإيمان وجعلهم في معية النبي العدنان ما أحوجنا إليهم في هذا الزمان رجال يقول فيهم الرحمن {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} ما وصفهم؟ الإخلاص لله لا ينطق فمه بكلمة إلا إذا تحقق أنها لوجه الله ولا تتحرك جوارحه بحركة إن كانت لعيادة مريض أو لتشييع جنازة أو لقضاء مصلحة لمؤمن أو لقضاء مصلحة للمجتمع أو لأي عمل إلا إذا أخلص النية فيها لله وكان يبغي بها وجه الله

لو توحدت النوايا وصفت الطوايا واتجهنا جميعاً إلى الله وكانت أعمالنا لله وأقوالنا لله وحركاتنا وسكناتنا لله لا لدنيا ولا لمظاهر ولا لشهرة ولا لرياء ولا لسمعة ولا لمناصب ولا لمكاسب في هذا الوقت لن يكون بين المسلمين خلاف ولا اختلاف وإنما سيكونون جميعا رجلاً واحداً لأن النية كلها لوجه الله وفيهم وفي أمثالهم قال صلي الله عليه وسلم {طُوبَى لِلْمُخْلِصِينَ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الدُّجَى تَتَجَلَّى عَنْهُمْ كُلُّ فِتْنَةٍ ظَلْمَاءَ}[2]

[1] صحيح مسلم وسنن الترمذي
[2] شعب الإيمان للبيهقي
منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]


أمراض الأمة وبصيرة النبوة

اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً

القعدة

الإيمان بلقاء الله 2024.

"الإيمان بلقاء الله
**********

إلى الله المصير

كل الخلق عائدون إلى الله، وإليه مرجعهم ومآلهم، وهذا ركن أصيل من الإيمان بالله بل هو من أركان الإيمان، فمن أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، فقد ثبت أن نبينا لما سأله جبريل عليه السلام -أمام أصحابه مُعلِّمًا لهم-عن أركان الإيمان قال له: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» (رواه مسلم).
مفهوم وأسماء اليوم الآخر في القرآن الكريم
وقد سمي اليوم الآخر لأنه لا يوم بعده، حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم وأهل النار في منازلهم، وقد ورد له أسماء كثيرة في القرآن الكريم تدل على منزلته وعظمته وما يحدث فيه، منها: يوم الواقعة ؛ لتحقق وقوعه ، والخافضة الرافعة ؛ لأنها ترفع قومًا في الجنة و تخفض آخرين في النار ، ويوم الحساب والجزاء والدِّين ، ويوم الحاقة الذي تتحقق فيه أخبار الله تعالى ، ومنها الطامَّة من طَمَّ الشيء إذا غلب ، والصاخَّة ؛ لأن النفخ في الصور يُورث الصممَ ، ويوم الوعيد ؛ لتحقق وعيد الله للكافرين ، ويوم الحسرة ؛ لما يكون فيه من الحسرات والندامات ، ويوم التَّلاق ؛ لأن الجميع يلتقون في مكانٍ واحد ، ويوم الآزفة ؛ لشدة قربه ، ويوم التناد ؛ لما يكون فيه من النداءات فينادي أهلُ الجنة أهلَ النار وأهلُ النار أهل الجنة ، ويوم عقيم ؛ لأنه آخر يوم لا يوم بعده ، والدار الآخرة ، ودار القرار ، والغاشية ؛ لأنها تغشى الناس …إلى غير ذلك من أسمائها.
ما يتضمن الإيمان باليوم الآخر
اليوم الآخر: الإيمان بما بعد الموت
من فِتنة القبر:
وهي سؤال الميت بعد دفنه عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول: (ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد)، ويُضل الله الظالمين فيقول الكافر: (هاه…هاه لا أدري)، ويقول المنافق أو المرتاب: (لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته).
ومن عذاب القبر ونعيمه:
كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلا تَبْكِي , وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : "" إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ , فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ , وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ : وَقَالَ ﷺ: مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا إِلا والْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ quot; (رواه أحمد)
فأما عذاب القبر يكون للظالمين والمنافقين والكافرين، وبعض عُصَاة المؤمنين، قال الله تعالى{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأنعام: 93]، وقال تعالى في- آل فرعون{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر: 46]، وفي حديث- زيد بن ثابت- عن النبي ﷺ قال: «فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا ، لَدَعَوْتُ اللَّهُ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ» ، ثُمَّ أَقْبَل عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : «تَعوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ، فَقُلْنَا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، فَقَالَ : «تَعوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ» ، فَقُلْنَا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ، قَالَ : «تَعوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» ، قُلْنَا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، قَالَ : «تَعوَّذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» (رواه مسلم).
وأما نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين قال الله تعالى{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30] وقال تعالى{ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ 83 وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ 84 وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ 85 فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ 86 تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 87 فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ 88 فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ 89 وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ 90 فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ 91 وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ 92 فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ 93 وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ 94 إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ 95 فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } [الواقعة:83 – 96]nbsp; ، وقال ﷺ في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: «يُنادِي مُنَادٍ من السماء أن صَدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره» (رواه أحمد وأبو داود في حديث طويل).
اليوم الآخر: الإيمان بالبعث
وهو إحياء الموتى حين ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة غير منتعلين، عراة غير مستترين، غرلًا (غير مختونين)، قال الله تعالى{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء: 104]والبعث: حق ثابت دل عليه الكتاب والسَّنة وإجماع المسلمين. قال الله تعالى{ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ 15 ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } [المؤمنون:15- 16]، وقال النبي ﷺ: « يُحشَر الناس يَوم القِيامة حُفاة غرلًا « (متفق عليه)، وأجمع المسلمون على ثبوته، وهو مقتضى الحكمة حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادا يجازيهم فيه على ما كلفهم به على ألسنة رُسُلِه. قال الله تعالى{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115] ، وقال تعالى لنبيه ﷺ { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ } [القصص: 85]
الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بالوارد من علامات يوم القيامة وأشراطها
وهي التي تسبق وقوع القيامة وتدل على قرب حصولها، وقد اصطُلح على تقسيمها إلى صغرى وكبرى.
العلامات الصغرى :
وهي العلامات التي تتقدم يوم القيامة – في الغالب -بمدة طويلة، ومنها ما وقع وانقضى – وقد يتكرر وقوعه – ومنها ما ظهر ولا يزال يظهر ويتتابع، ومنها ما لم يقع إلى الآن، ولكنه سيقع كما أخبر الصادق المصدوق – ﷺ -، مثل: بعثة النبي ﷺ، وموته ﷺ، وفتح بيت المقدس، وظهور الفتن، وضياع الأمانة، وقبض العلم وظهور الجهل، وانتشار الزنا والربا، وظهور المعازف، وكثرة شرب الخمر، وتطاول رعاء الشاة في البنيان، وكثرة عقوق الأبناء لأمهاتهم حتى يعاملها كأنه سيدها، وكثرة القتل وكثرة الزلازل، وظهور الخسف والمسخ والقذف، وظهور الكاسيات العاريات، وكثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق، وغير ذلك كثير مما ورد في كتاب الله وسُنَّته ﷺ.
العلامات الكبرى:
وهي أمور عظيمة يدل ظهورها على قرب القيامة وبقاء زمن قصير لوقوع ذلك اليوم العظيم، وهي عشر علامات: الدجال، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوفات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، والدابة، والنار التي تسوق الناس إلى محشرهم، وهذه العلامات يكون خروجها متتابعا، فإذا ظهرت أولى هذه العلامات فإن الأخرى على إثرها.
اليوم الآخر: الإيمان بما ورد من أهوال يوم القيامة وأحداثها
1- دك الجبال الشاهقة وجعلها ترابا وتسويتها بالأرض. قال تعالى{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } [النمل: 88] ، وَقال تعالى{ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا 5 فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا } [الواقعة:5- 6] وقال تعالى{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ } [المعارج: 9]، وقال تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا 105 فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا 106 لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا } [طه:105 – 107]
2- انفجار البحار وكونها ستسجر وتتقد؛ فهذه البحار التي تغطي الجزء الأعظم من أرضنا، تفجر في ذلك اليوم، قال تعالى{ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ } [الإنفطار: 3] ، وقال { وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]
3- تبدل الأرض التي يعهدها الناس، وكذلك السماوات، فيبعثون على أرض ليس لهم بها علم أو أثر، قال تعالى{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [إبراهيم: 48] قال «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي، ليس فيها معلم لأحد« (متفق عليه) ، فتصبح بيضاء بلا أي مَعلَم.

4- يشاهد الناس ما لم يعهدوه؛ حيث يرون اجتماع الشمس والقمر؛ فتزداد النفوس قلقا وهلعا: قال تعالى{ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ 7 وَخَسَفَ الْقَمَرُ 8 وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ 9 يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:7 – 10]
5- النفخ في الصور وهو نهاية هذه الحياة الدنيا؛ وعندما يأتي ذلك اليوم ينفخ في الصور ، فتُنهي هذه النفخة الحياةَ في الأرض والسماء{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ }[الزمر: 68] ، وهي نفخة هائلة مدمرة، يسمعها المرء فلا يستطيع أن يوصي بشيء، ولا يقدر على العودة إلى أهله وخلانه { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ 49 فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس:49 – 50] وقال ﷺ «ثُمَّ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا – قَالَ – وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ – قَالَ – فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ» (رواه مسلم)
6-الحشر الذي يكون للخلائق منذ أن خلقهم الله إلى آخر الخلق على أرض المحشر؛ فيجتمعون على تلك الأرض من أولهم إلى آخرهم إنسهم وجنهم وحتى حيواناتهم، قال تعالى{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } [هود: 103] وقال تعالى{ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ 49 لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [الواقعة:49 – 50]
7- أن الناس يحشرون عراة كما خلقهم الله، فلا يلتفتون إلى ذلك من شدة ذلك الموقف الرهيب، وقد تعجبت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-من ذلك؛ فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ (تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا)، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ» (رواه البخاري).
8- اقتصاص المظلوم من الظالم، حتى البهائم، قَالَ ﷺ «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» (رواه مسلم)، وقال ﷺ «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ»(رواه البخاري).
9- دُنو الشمس وقُربها من الناس حتى يغرقوا في عَرقهم بحسب أعمالهم، قال ﷺ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ، أَمَسَافَةَ الأَرْضِ أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ. قَالَ: فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا، قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ» (رواه مسلم)
10-حساب الله للناس على أعمالهم، فتتطاير الصُحف وتذهب كل صَحِيفة لصاحبها؛ فآخذ كتابه باليمين، وآخذ كتابه بشماله، ويبقى الناس في حيرة وخوف ووجل؛ حتى تستقر كل صحيفة بيد صاحبها؛ فيستبشر المؤمنون بقرب النجاة عندما تستقر صحفهم بأيمانهم؛ بينما يزداد الكافرون والمنافقون غمًّا إلى غمهم حينما تستقر صحفهم بشمائلهم جزاءً وفاقًا، قال تعالى{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ 19 إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ 20 فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ 21 فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ 22 قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ 23 كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ 24 وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ 25 وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ 26 يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ 27 مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ 28 هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [الحاقة:19 – 29] .
11- ما يصيب الناس من هلع وخوف بحيث لا يسأل المرء عن أحد ولا تهمه إلا نفسه التي بين جنبيه، قال تعالى{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ } [الشعراء: 88]، وقال تعالى: { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36 لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس:34 – 37] .
اليوم الآخر: الإيمان بالحساب والجزاء
يحاسب العبد على عمله، ويجازى عليه، قال الله تعالى { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ 25 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 – 26]وقال{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [الأنعام: 160] ، وقال تعالى{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء: 47] ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما-أن النبي ﷺ-قال:»إِنَّ اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ(ستره) وَيَسْترُهُ: فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ:نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ ، قَالَ : قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ قَالَ: فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادى بِهم على رُؤُوس الخَلاَئِق {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }[هود: 18]» (متفق عليه)، وقد أجمع المسلمون على إثبات الحساب والجزاء على الأعمال، وهو مقتضى الحكمة فإن الله تعالى أنزل الكتب، وأرسل الرسل، وفرض على العباد الإيمان به وطاعته، وتوعد من لم يطعه ويؤمن به، ويطيع رُسُله بالوعيد الشديد والعذاب الأليم، فلو لم يكن هناك حساب ولا جزاء لكان هذا من العبث الذي يتنزه الله جل وعز عنه، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ 6 فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ }[الأعراف:6 – 7]
قيل للحسن البصري : لقد رأينا التابعين أكثر عبادة من الصحابة ، فَبِمَ سبقهم الصحابة ؟ فقال الحسن : هؤلاء يتعبدون والدنيا في قلوبهم والصحابة تعبدوا والآخرة في قلوبهم .
اليوم الآخر: الإيمان بالجنة والنار
وأنهما المآل الأبدي للخلق؛ فالجنة هي (دار النعيم التي أعدها الله للمؤمنين المتقين الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به، وقاموا بطاعة الله ورسوله، مخلصين لله متبعين لرسوله).
فيها من أنواع النعيم «ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». قال الله تعالى{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ 7 جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:7 – 8] وقال تعالى { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17]، وأفضل نعيمها النظر إلى وجه الله تعالى في الجنة، قال تعالى{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ 22 إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة:22- 23]، قال عز وجل { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]
فالحُسْنَى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما قال النبي ﷺ: « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]» (رواه مسلم).
وأما النار: فهي دار العذاب التي أعدها الله تعالى للكافرين الظالمين الذين كفروا به وعصوا رسله، فيها من أنواع العذاب، والنكال، ما لا يخطر على البال. قال الله تعالى{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 131]nbsp; ، وقال { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف: 29] وقال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا 64 خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا 65 يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب:64 – 66] ، أهونهم عذابًا -والعياذ بالله-من ذكره ﷺ فقال: « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ» (رواه البخاري)
ثمرات الإيمان باليوم الآخر
1-تحقق ركن من أركان الإيمان إذ إنَّ الإيمان بالله لا يتحقق إلا بالإيمان باليوم الآخر، فهو من أركان الإيمان، ولذا أوجب الله علينا قتال من لا يؤمنُ به، قال تعالى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [التوبة: 29] .
2-الأمن في الدنيا والآخرة قال تعالى{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }[يونس: 62]
3-الوعد بالأجر العظيم ، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 62]
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لامرأة : أكثري ذكر الموت يرق قلبك.
4-الحث على فعل الخيرات، قال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء: 59] ، وقال { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } [التوبة: 18] ، وقال{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وقال { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ } [الممتحنة: 6] ،وقال { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِر } [الطلاق: 2]
قال الحسن رضي الله عنه : من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا
5-ينهى عن فعل المنكرات: قال ربنا تعالى{ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } nbsp;[البقرة: 228] ، وقال { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } [البقرة: 232] ، وقال { لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ 44 إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة:44- 45]ولذا من لا يؤمن بهذا اليوم لا يتورع عن ارتكاب المحرمات ، ولا يستحيي من ذلك ، { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ 1 فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ 2 وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } [الماعون:1 – 3]
«القلب لا يصلح، ولا يفلح، ولا يسر، ولا يتلذذ، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن، إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه». (شيخ الإسلامnbsp; ابن تيمية) .
6-تسلية المؤمن عما يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها، فالجنة هي الفوز العظيم وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، قال تعالى { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عمران: 185]، وقال تعالى { قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 15 مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ } [الأنعام:15- 16] ، وقال تعالى { وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [الأعلى: 17] .[/

لمعرفه المزيد من هنا . ربى الله

"

شكرا لك اخي
القعدة

التبيان لعوامل زيادة الإيمان وأسباب النقصان من نصوص السنَّة والقرآن 2024.

التبيان
لعوامل زيادة الإيمان وأسباب النقصان
من نصوص السنَّة والقرآن

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فالتصديق بالقلب والإقرارُ به هو الجزء الأصليُّ في الإيمان، وأعمالُ القلب يُشترط في قَبولها الإخلاصُ فيها لله تعالى وهو عملٌ قلبيٌّ، بل هي مِن أهمِّ المطالب، إذ لا تُقبل الأعمالُ الظاهرةُ إن خَلَتْ مِن الأعمال القلبية، ولا عِبْرةَ بصلاح الظاهر مع فساد الباطن، لقوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ»(١).
لذلك وجب على المسلم العنايةُ بإصلاح باطنه بتطهير قلبه ممَّا يُدنِّسُه مِن الآفات والمكروهات، وعمارتِه بمحبَّة الله عزَّ وجلَّ ومحبَّةِ ما يحبُّه اللهُ عزَّ وجلَّ، والعملِ على تقوية إيمانه، والخشيةِ مِن كلِّ ما يباعد عنه.
وقد جعل الله تعالى النظرَ في آياته الكونية، والتدبُّرَ في آياته السمعية، والتقرُّبَ بالعبادات الشرعية وغيرها مِن الأسباب الشرعية سبيلاً مدعِّمًا للإيمان تزيد فيه وتقوِّيه، ومظاهرَ نافعةً تجلبه وتنمِّيه، ويمكن أن نُجمل هذه الأسبابَ فيما يلي:
أوَّلاً: النظر في الآيات الكونية: ممَّا خَلَقه اللهُ سبحانه في السماوات والأرض، فإنَّ تدبُّرها وإمعان النظر فيها مِن أعظمِ ما يعود على الإنسان بالنَّفع في تقوية إيمانه وتثبيته، ولذلك رغَّب الله سبحانه عبادَه -في كتابه الكريم- في التأمُّل في آياته الكونية الدالَّة على وحدانية الخالق وتفرُّده وقدرتِه ومشيئتِه وعِلْمِه وكرمِه ولُطفِه وكماله سبحانه، وقد نَدَب إلى النظر والتفكُّر ليزدادَ العبدُ حبًّا لله وتعظيمًا وإجلالاً وطاعةً له وانقيادًا إليه وخضوعًا له وملازمةً لذكره، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠-١٩١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِن رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ [الإسراء: ١٢]، وقال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: ١٧-٢٠]، فالنظرُ في آياته ومفعولاتِه الدالَّةِ على عَظَمة خالقِها وعظمةِ سلطانه وشمولِ قدرته وما فيها مِن الإحكام والإتقان، وبديعِ الصنيع ولطائف الفعل مِن أعظمِ ثمراته ما ينعكس على القلب بتعلُّقه بخالقه البديع، ومحبَّتِه وشكره وتعظيمه، وبذلِ الجهد في مرضاته وعدمِ الإشراك به، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «وإذا تأمَّلتَ ما دعا الله سبحانه في كتابه عبادَه إلى الفكر فيه أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى، وبوحدانيته، وصفاتِ كماله، ونعوتِ جلاله، مِن عموم قدرته وعلمه، وكمالِ حكمته ورحمته، وإحسانه وبِرِّه، ولطفه وعدله، ورضاه وغضبِه، وثوابِه وعقابِه، فبهذا تَعَرَّفَ إلى عباده ونَدبهم إلى التفكُّر في آياته»(٢).
ومِن النصوص المرغِّبة في التأمُّل في آيات الله الكونية قولُه تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]، فقد دلَّت الآيةُ على ازدياد اليقين وتقوية الإيمان بالرؤية البصرية والمشاهدة الواقعية لكيفية إحياء الموتى.
قال ابن حجرٍ -رحمه الله-: «روى ابن جريرٍ بسنده الصحيح إلى سعيدٍ قال: قولُه: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ أي: يزداد يقيني، وعن مجاهدٍ قال: لأزداد إيمانًا إلى إيماني، وإذا ثبت ذلك عن إبراهيم عليه السلام -مع أنَّ نبيَّنا صلَّى الله عليه وسلَّم قد أُمر باتِّباع ملَّته- كان كأنَّه ثبت عن نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك»(٣).
ومِن جهةٍ أخرى فإنَّ الآية السالفة الذكرِ تدلُّ على مرتبتَيِ اليقين، حيث أراد إبراهيمُ الخليل عليه السلام الانتقالَ مِن «علم اليقين» الذي يعلمه الإنسانُ بالدليل الشرعيِّ أو العقليِّ إلى «عين اليقين» الذي يحصل بمشاهدة الشيء بعد العلم اليقينيِّ به، وهذا الانتقال مِن «علم اليقين» إلى «عين اليقين» هو الذي سمَّاه النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم شكًّا في قوله: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]»(٤).
ولليقين مرتبةٌ ثالثةٌ -أيضًا- تحصل بمباشرة الشيء بعد العلم اليقينيِّ به ومشاهدتِه له بعد العلم به، وتسمَّى هذه المرتبة ﺑ«حقِّ اليقين».
ومِن النصوص القرآنية الدالَّة -أيضًا- على ازدياد اليقين الذي هو أعظمُ حياةٍ للقلب، وتقويةِ الإيمان بالمشاهدة الحسِّيَّة والرؤية البصرية قولُه تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥]، ومعنى الآية أنَّ الله تعالى وفَّق إبراهيمَ الخليل عليه السلام للتوحيد ليرى بنظره بديعَ صُنْعِه وعظيمَ ملكوته وما اشتمل عليه مِن الأدلَّة الساطعة على وحدانية الله تعالى في مُلكه وخَلْقِه، فيحصل له اليقينُ ويزداد له الإيمانُ بحسب التأمُّل في تلك الآيات الكونية الظاهرة(٥).
ثانيًا: التدبُّر في آياته المسموعة والتفكُّر فيها: وهو على نوعين على ما قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «تفكُّرٌ فيه ليقع على مراد الربِّ تعالى منه، وتفكُّرٌ في معاني ما دعا عبادَه إلى التفكُّر فيه، فالأوَّل: تفكُّرٌ في الدليل القرآني، والثاني: تفكُّرٌ في الدليل العِياني، الأوَّل: تفكُّرٌ في آياته المسموعة، والثاني: تفكُّرٌ في آياته المشهودة، ولهذا أنزل الله القرآنَ ليُتدبَّر ويُتفكَّر فيه ويُعْمَلَ به، لا لمجرَّد تلاوته مع الإعراض عنه»(٦).
وقراءة القرآن وتدبُّرُ آياتِه السمعية مِن أسباب تقوية الإيمان وتنميته، وقد جعله اللهُ مباركًا وهدًى ورحمةً للعالمين، وبشرى وذكرى للذاكرين، يهدي للَّتي هي أقوم، ويشفي مِن الأسقام وأمراض القلوب مِن شبهاتٍ وشهواتٍ، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: ٨٩]، وقال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٥]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٩]، وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٨٢].
وقد أمر الله تعالى عبادَه بالعناية بالقرآن الكريم حفظًا وتلاوةً وعلمًا وسلوكًا وحثَّهم على تدبُّره، وأخبرهم أنه يزيد في إيمانهم إذا قرؤوه وتدبَّروا معانيَه، وعاتب كلَّ مَن لم يخشع مِن المؤمنين عند سماع القرآن، وحذَّرهم مِن مشابهة الكفَّار في تركهم لذكرِ الله تعالى حتى قَسَتْ قلوبُهم، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩]، وقال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمَّد: ٢٤]، ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢]، وقال تعالى: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: ٢٣]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦].
هذا، وإنما يرفع اللهُ بالقرآن الكريم ويزدادُ به إيمانًا مَن اعتنى بقراءته وتدبُّره وفهمِ معانيه، وكيفيةِ الاستفادة منه وعَمِلَ بمقتضاه، فإنه يتمُّ لهذا المعتني النفعُ به ويكون حجَّةً له، قال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»(٧)، وقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»(٨).
قال الآجُرِّيُّ -رحمه الله-: «ومَن تدبَّر كلامَه عرف الربَّ عزَّ وجلَّ، وعَرَفَ عظيمَ سلطانه وقدرتِه، وعظيمَ تفضُّله على المؤمنين، وعَرَف ما عليه مِن فرض عبادته، فألزم نَفْسَه الواجبَ، فحَذِر ممَّا حذَّره مولاه الكريم، فرَغِب فيما رغَّبه، ومن كانت هذه صفتَه عند تلاوته للقرآن وعند استماعه مِن غيره كان القرآنُ له شفاءً فاستغنى بلا مالٍ، وعَزَّ بلا عشيرةٍ، وأَنِسَ ممَّا يستوحش منه غيرُه، وكان همُّه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها: «متى أتَّعظُ بما أتلو؟»، ولم يكن مرادُه: «متى أختم السورةَ؟»، وإنما مراده: «متى أَعْقِلُ عن الله الخطابَ؟ متى أزدجِرُ؟ متى أعتبر؟»، لأنَّ تلاوة القرآن عبادةٌ لا تكون بغفلةٍ، واللهُ الموفِّق لذلك»(٩).
ثالثًا: التقرُّب بالعبادات الشرعية: سواءٌ كانت باطنةً أو ظاهرةً، وهذه العبودية الشرعية منقسمةٌ على:
● القلب: كالإخلاص والمحبَّة والتوكُّل والإنابة والخوف والرجاء والخشية والرضى والصبر وغيرها مِن الأعمال القلبية التي هي رأسُ الأمر وأساسُ الأعمال الظاهرة، إذ صلاح حركات العبد الظاهرةِ متوقِّفٌ على صفة حركات قلبه، ولا ينفعه عند الله إلاَّ إذا كان قلبُه سليمًا مِن كلِّ تعكيرٍ بالآفات والأمراض والشبهات والمكروهات وكلِّ ما يُباعِد عن الله تعالى، ليس في قلبه إلاَّ محبَّةُ الله تعالى ومحبَّةُ ما يحبُّ، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ. إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٨-٨٩].
● واللسان: كالشهادة والذِّكْرِ مِن تلاوة القرآن، والتسبيح والتحميد، والتكبير والاستغفار، والأذان وغيرها ممَّا ورد الحثُّ على الإكثار منه بالنصوص الشرعية وتبيَّن فضلُه، قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨]، وقال تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣٥]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢]، وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: ٤٥؛ الجمعة: ١٠]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١]، وقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ»، قَالُوا: «وَمَا المُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ»(١٠)، وقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ»(١١)، وقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ»(١٢).
● والجوارح: كالوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحجِّ والجهاد وغيرها مِن أعمال الجوارح التي أمر الله تعالى عبادَه بها ونَدَبهم إليها، وهي مِن أعظم أسباب زيادة الإيمان وتقويته، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١-١١]، وقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فيما يرويه عن ربِّه تبارك وتعالى: «.. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا …»(١٣).
رابعًا: تعلُّم العلم الشرعيِّ وتحصيلُه والعمل بمقتضاه: لأنَّ التوفيق للفقه في الدِّين مِن أعظم أسباب زيادة الإيمان، والمرادُ بالعلم الشرعيِّ هو الذي يفيد ما يجب على المكلَّف مِن أمر دينه، ومعرفةِ خالقه سبحانه وصفاتِه، وما يجب له مِن القيام بأمره، وتنزيهِه عن النقائص، ومِن النصوص الشرعية المبيِّنة لمنزلة العلم ومكانةِ أهله قولُه تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: ١١]، وقولُه تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: ٢٨]، وقولُه تعالى: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨]، وقولُه تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٤]، وقولُه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»(١٤).
خامسًا: مجالسة الصالحين مِن أهل الإيمان والعلم والتقوى المتَّبعين للسُّنَّة الملتزمين لهدي النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قولاً وفعلاً، فإنَّ مجالستَهم والانتفاعَ بعلمهم ودعائِهم، والاستماعَ إلى وعظهم ونصائحهم في الترغيب في طاعة الله وطاعةِ رسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، والتحذيرِ مِن الوقوع في المعاصي والذنوب والأضرار، والإرشادِ إلى مكارم الأخلاق والآداب الحسنة، ومشاهدةَ أعمالهم الصالحة، فضلاً عن توجيههم إلى الإعانة على فعلِ الخيرات، وتذكيرِهم بوعد الله لأوليائه ووعيده لأعدائه، وغيرِ ذلك مِن أسباب حصول النفع وزيادة الإيمان هي ثمرةٌ طيِّبةٌ متولِّدةٌ مِن صحبتِهم والاختلاط بهم والاجتماعِ معهم. وفوائدُ صحبة الأخيار غيرُ حاصلةٍ أبدًا في صحبة الأشرار، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: ٢٨]، وقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ»(١٥)، قال الخطَّابيُّ -رحمه الله-: «وإنما حذَّر مِن صُحبة من ليس بتقيٍّ، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فإنَّ المطاعمة تُوقِعُ الألفةَ والمودَّة في القلوب»(١٦).
وممَّا يدلُّ -أيضًا- على بركة العلم والتوفيق للفقه في الدين وما يحصل مِن مجالسة الصالحين الملتزمين بالهدي النبويِّ مِن الانتفاع بعلمهم ودعائهم هو قولُه صلى الله عليه وسلَّم: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»(١٧)، والحديث يدلُّ على تقوية الجزء الأصليِّ في الإيمان -وهو التصديق بالقلب والإقرارُ به-، وذلك بالتقرُّب بالطاعات، ومنها: طلبُ العلم الشرعيِّ، وما يجني مِن ثمراتِ مجالسة الصالحين مِن أهل التقوى والإيمان المتَّبعين للهدي النبويِّ الملتزمين بالسنَّة، وما يحصل مِن فضل مجالس الذِّكر والذاكرين المشتملة على تلاوة القرآن وتدبُّره ومدارسته، وما تحويه مِن عموم الذكر الوارد مِن تسبيحٍ وتكبيرٍ وتهليلٍ وغيرها، كما تشتمل على الدعاء بخيرَيِ الدنيا والآخرة، وقراءةِ الحديث النبويِّ، ودراسةِ العلم الشرعيِّ والمناظرةِ فيه مِن جملة ما يدخل تحت مسمَّى الذكر(١٨)، على أن تكون هذه المجالس منعقدةً على الوجه الشرعيِّ، ومقيَّدةً باتِّباع النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حتى تتَّصف بالصلاح ويُجنى منها الخيرُ والبركة، عملاً بقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ [آل عمران: ٣١]، قال ابن كثيرٍ -رحمه الله-: «هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كلِّ من ادَّعى محبَّةَ الله وليس هو على الطريقة المحمَّدية، فإنه كاذبٌ في دعواه في نفس الأمر حتى يتَّبع الشرع المحمَّديَّ والدين النبويَّ في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(١٩)»(٢٠).
سادسًا: العمل على إدراك عِظَم الدِّين الإسلاميِّ وجلال محاسنه: بالتمعُّن في شرائعه وأحكامه وأعماله، والتأمُّلِ في عقائده وأخلاقه وآدابه، لكونه سبيلَ اطمئنان القلب وتذوُّقه لحلاوة الإيمان، فيتزيَّنُ الباطنُ بحقيقة الإيمان ويزيدُه تمسُّكًا بأصوله وثباتًا على عقيدته، ويتزيَّنُ الظاهرُ بأعمال الإيمان ويزيدُه طاعةً، قال تعالى -ممتنًّا على خيار خَلْقه-: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ٧]، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «والمقصود أنَّ خواصَّ الأُمَّة ولُبابَها لمَّا شهدت عقولهم حُسْن هذا الدِّين وجلالَتَه وكمالَه، وشهدت قُبْحَ ما خالفه ونَقْصَه ورداءتَه؛ خالط الإيمانُ به ومحبَّتُهُ بشاشةَ قلوبهم، فلو خُيِّرَ بين أن يُلقى في النار وبين أن يختارَ دينًا غيرَه؛ لاختار أن يُقذَف في النَّار وتُقَطَّعَ أعضاؤُه ولا يختار دينًا غيرَه، وهذا الضرب مِن الناس هم الذين استقرَّتْ أقدامُهم في الإيمان، وهم أبعدُ الناس عن الارتداد عنه، وأحقُّهم بالثَّبات عليه إلى يوم لقاء الله»(٢١).
سابعًا: دراسة سيرة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وسُنَّته ومختلفِ معاملاته مع أزواجه وأصحابه وأقربائه وعموم المؤمنين، والتأمُّلُ في نعوته الشريفة وخصاله الكريمة وشمائله الحميدة وما يتمتَّع به مِن رفيع الأخلاق وحَسَن الآداب، وقد أثنى الله تعالى عليه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤]، ووصَفَه سبحانه بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨]، فإنَّ المتأمِّلَ في سيرة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وسلوكِه وأخلاقِه يُورثه زيادةَ محبَّتِه، وهي زيادةٌ في الإيمان تدفعه إلى تجريد المتابعة له وتحقيقِها بالقول والعمل، ينتج عنه استقامةٌ في الدِّين وصلاحٌ في العمل، وهو مِن أعظم سُبُل الهداية، إذ إنَّ معرفتَه توجِب للعبد المبادرةَ للإيمان ممَّن لم يؤمن، وزيادةَ إيمانِ مَن آمن به، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١]، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «ومنهم مَن يهتدي بمعرفته بحاله صلَّى الله عليه وسلَّم، وما فُطر عليه من كمال الأخلاق والأوصاف والأفعال، وأنَّ عادة الله أن لا يُخزيَ من قامت به تلك الأوصافُ والأفعال لِعِلْمه بالله ومعرفته به، وأنه لا يُخزي مَن كان بهذه المثابة كما قالت أُمُّ المؤمنين خديجةُ رضي الله عنها له صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَبْشِرْ فَوَاللهِ لَنْ يُخْزِيَكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ»(٢٢)»(٢٣).
ثامنًا: الدعوة إلى الله تعالى بما تحصَّل مِن علوم الدِّين والالتزام بشرائعه، والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين، مع التواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر، والْتزام أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة، والرفق والصبر على المدعوِّين، مع بصيرةٍ تامَّةٍ بما يدعوهم إليه متَّخذًا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قدوةً له في الدعوة بفهم حَمَلةِ هذا الدِّين مِن هُدَاةِ الأنام وحُمَاة الإسلام، أهلِ المواقف والمشاهد العظام: صحابته الكرام، الذين خاطبهم اللهُ بقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ [آل عمران: ١١٠]، ومَن سَلَكَ سبيلَهم واقتفى آثارَهم مِن دعاة الهدى ومصابيح الدجى، فإنَّ القيام بالدعوة على هذا الوجه والاتِّصافَ بأخلاقهم وسلوكهم ودعوتهم لَهي مِن أعظم بركة الداعية في لقائه والاجتماع به، ذلك النفعُ العظيم الذي تنعكس ثمراتُه بزيادة إيمانه وإيمان المدعوِّين، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «ومِن بركة الرجل أن يكون مُعلِّمًا للخير، داعيًا إلى الله، مذكِّرًا به، مرغِّبًا في طاعته، ومَن خلا مِن هذا فقَدْ خلاَ مِن البركة، ومُحِقَتْ بركةُ لقائه والاجتماع به»(٢٤).
هذا، وأخيرًا، فإذا كانت نصوصُ الكتاب والسنَّة تشهد على زيادة الإيمان وتقويته بالنظر في آيات الله الكونية وتأمُّلها، والتدبُّرِ في آيات الله السمعية، والتقرُّب بالعبادات الظاهرة والباطنة؛ فإنَّ هذه النصوصَ الشرعية -في حدِّ ذاتها- تدلُّ -بفعل ضدِّها- على ضعف الإيمان، وذلك بترك النظر في آيات الله الكونية والتأمُّل فيها، وعدم التدبُّر لآياته السمعية، وتركِ التقرُّب بالعبادات الشرعية، لأنَّ المعلوم أنَّ كلَّ دليلٍ دلَّ على زيادة الإيمان فهو يدلُّ على نقصانه باللزوم؛ لأنَّ الزيادة تستلزم النقصَ ولا تكون إلاَّ منه، وبالعكس -أيضًا- فإنَّ كلَّ دليلٍ دلَّ على نقصان الإيمان فهو يدلُّ على زيادته.
وقد تَرِدُ أسبابٌ أخرى لها تأثيرٌ في الإيمان بالنقصان، ومِن أعظمها: الجهلُ المضادُّ للعلم؛ لأنَّ الجهل وفسادَ العلم يُفضيان بالضرورة إلى فساد الأعمال ونقص الإيمان.
ومنها: الأعداء الباطنيون: كالشيطان ووسوسته، والهوى والنفس الأمَّارة بالسوء.
ومنها: اللهو واللعب والغفلة والنسيان والإعراض وارتكاب الذنوب وفعلُ المعاصي.
ومنها: الاشتغال بعَرَض الحياة الدنيا، والانهماكُ في طلبها، والسعيُ في فتنتها، والجريُ خلف ملذَّاتها ومُغْرِيَاتها.
ومنها: مخالطة الأشرار وصحبةُ قُرَناء السوء.
فهذه الأسباب المضادَّةُ لزيادة الإيمان وغيرُها مِن أعظم المؤثِّرات على نقصانه، بل قد يضعف إيمانُ قلب العبد إلى غاية الاضمحلال والتلاشي، والمسلمُ الحريص على دينه والخائفُ مِن ضعف إيمانه مطالَبٌ بأن يعرف هذه الأسبابَ ليكون على حذرٍ منها، وليجاهدَ نفسه ويُبْعِدَها عن نفسه لئلاَّ يقع فيها.
وأختم هذه الكلمةَ بحديث حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ رضي الله عنه قال: «لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟» قَالَ: قُلْتُ: «نَافَقَ حَنْظَلَةُ»، قَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟» قَالَ: قُلْتُ: «نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا(٢٥) الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا»، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: «نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»(٢٦).
والحديث يدلُّ على أنَّ حنظلة بن الربيع رضي الله عنه خاف مِن النفاق، والخوفُ إنما حصل له بعد أن كان في مجلس رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يزداد إيمانُه بالذكر وشدَّة التفكُّر والاعتبار والمراقبة والإقبال على الآخرة، فإذا خرج اشتغل بالأزواج والأولاد ومعاش الدنيا، الأمر الذي أشعره بضعفٍ في إيمانه إذا ما قُوبل بما كان عليه في مجلس الذكر، فخاف أن يكون ذلك نفاقًا، فأعلمه النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه ليس بنفاقٍ، إذ ليس في مقدوره الدوامُ على درجةٍ واحدةٍ مِن الإيمان، لكونه متفاوتَ الدرجات، فساعةً يزيد إيمانُه إذا حصلت أسبابُ الزيادة، وساعةً يضعف إذا حصلت أسباب النقصان.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢١ رجب ١٤٣٥ﻫ
المـوافق ﻟ: ٢٠ ماي ٢٠١٤م

(١) أخرجه البخاري في «الإيمان» (١/ ١٢٦) باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم في «المساقاة» (١١/ ٢٧) باب أخذ الحلال وترك الشبهات، مِن حديث النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما».

(٢) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (٢/ ٥).

(٣) «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٤٧).

(٤) أخرجه البخاري في «الأنبياء» (٦/ ٤١٠-٤١١) باب قوله: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾، ومسلم في «الفضائل» (١٥/ ١٢٢) باب فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥) انظر: «تفسير الطبري» (٧/ ٢٤٧)، «تفسير ابن كثير» (٢/ ١٥٠)، «تفسير السعدي» (٢٩٢).

(٦) «مفتاح دار السعادة» (١/ ٥٥٤).

(٧) رواه مسلم في «صلاة المسافرين» (٦/ ٩٨) باب فضل مَن يقوم بالقرآن ويعلِّمه، وابن ماجه في «المقدِّمة» (١/ ٧٩)، باب فضل من تعلَّم القرآن وعلَّمه، والدارمي في «فضائل القرآن» (٢/ ٤٤٣) باب: «إنَّ الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا»، مِن حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.

(٨) أخرجه مسلم في «الطهارة» (٣/ ١٠٠) باب فضل الوضوء، والترمذي في «الدعوات» (٥/ ٥٣٥)، والنسائي في «الزكاة» (٥/ ٥) باب وجوب الزكاة من حيث أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه.

(٩) «أخلاق حَمَلة القرآن» للآجرِّي (١٠).

(١٠) أخرجه مسلم في «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» (١٧/ ٤) باب الحثِّ على ذكر الله تعالى، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(١١) أخرجه البخاري في «الدعوات» (١١/ ٢٠٨) باب فضل ذكر الله عزَّ وجلَّ، ومسلم في «صلاة المسافرين» (٦/ ٦٨) باب استحباب صلاة النافلة في بيته، من حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه.

(١٢) أخرجه البخاري في «التوحيد» (١٣/ ٣٨٤) باب قول الله تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾، ومسلم في «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» (١٧/ ٣) باب الحثِّ على ذكر الله تعالى، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٣) أخرجه البخاري في «الرقاق» (١١/ ٣٤٠) باب التواضع، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٤) أخرجه البخاري في «العلم» (١/ ١٦٤) باب: «من يُرِدِ اللهُ به خيرًا يفقِّهه في الدِّين»، ومسلم في «الزكاة» (٧/ ١٢٨) باب النهي عن المسألة، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.

(١٥) أخرجه أبو داود في «الأدب» (٥/ ١٦٧) باب من يُؤمَر أن يجالس، والترمذي في «الزهد» (٤/ ٦٠٠) باب ما جاء في صحبة المؤمن، من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، وهو حديثٌ حسنٌ كما في «صحيح الجامع» للألباني (٦/ ١٥٨) برقم: (٧٢١٨).

(١٦) «معالم السنن» للخطَّابي (٥/ ١٦٨).

(١٧) أخرجه مسلمٌ في «الذكر والدعاء» (١٧/ ٢١) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، كما أخرجه الترمذيُّ في «القراءات» (٥/ ١٩٥) باب (١٢)، وابن ماجه في «المقدِّمة» (١/ ٨٢) باب: فضل العلماء والحثِّ على طلب العلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٨) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١١/ ٢١٢).

(١٩) أخرجه مسلم في «الأقضية» (١٢/ ١٦) باب نقض الأحكام الباطلة وردِّ محدثات الأمور، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(٢٠) «تفسير ابن كثير» (١/ ٣٦٩).

(٢١) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (٢/ ٣٤٣)

(٢٢) أخرجه البخاري في «بدء الوحي» (١/ ٢٢) باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومسلم في «الإيمان» (٢/ ١٩٧) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(٢٣) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (٢/ ٣٤٢).

(٢٤) «رسالةٌ إلى كلِّ مسلم» لابن القيِّم (٥/ ٦).

(٢٥) من المعافسة: المُعالجة والممارسة والمُلاعبة. [«النهاية» لابن الأثير (٣/ ٢٦٣)].
قال النوويُّ في [«شرح مسلم» (١٧/ ٦٦)]: «معناه: حَاوَلْنا ذلك ومَارَسْناه واشتغَلْنا به، أي: عالَجْنا معايشَنا وحظوظَنا، والضيعات جمع ضيعةٍ -بالضاد المعجمة- وهي معاش الرجل مِن مالٍ أو حرفةٍ أو صناعةٍ».

(٢٦) أخرجه مسلمٌ في «التوبة» (١٧/ ٦٥-٦٧) باب: فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، وأخرجه الترمذيُّ في «صفة القيامة» (٤/ ٦٦٦) باب: (٥٩). وابن ماجه في «الزهد» (٢/ ١٤١٦) باب المداومة على العمل، وابن حبَّان في «صحيحه» في «البرِّ والإحسان» (٢/ ٥٥) باب ما جاء في الطاعات وثوابها، من حديث حنظلة بن الربيع الأُسَيِّديِّ رضي الله عنه.

المصدر …موقع الشيخ فركوس حفظه الله

كتاب إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان للعلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 2024.

كتاب إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان

للعلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

  • تاريخ النشر : 2024-06-13
  • المصدر : موقع فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان نقلا عن موقع أهل الفضيلة.


القعدة 57.6 Mo
القعدة تحميل على صيغة وارد

القعدة 15.3 Mo
القعدة تحميل على صيغة Pdf.

في طريق التحميل

بآرك الله فيك

و فيك بارك الله.
قراءة ممتعة، و مطالعة نافعة، وتزود بالتقوى و الايمان لخير الشهور و أزكاها، انه شهر رمضان و ما أدراك ما رمضان.
نسأل الله أن يبلغنا الشهر و يرزقنا فيه حسن الصيام و القيام.