" ما طاب لكم " . ورقة في مجتمعية الإسلام : 2024.

(1) :
… : " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا " .
توطئة :
الآية جزء من سورة النساء ، وهذه سورة – بحسب علم أسباب النزول – مدنية ، كما أنها " أطول " سور القرآن !!! بهذا ، سنكون أمام " تنظيم " مجتمعي يتأسس لدى قوم سبق أن " تأسسوا " عقدياً عبْر السور المكية .
سنرى أن " وظيفة " السورة :
– بناء " الأفراد " المسلمين ،
– بناء " المجتمع " المسلم ،
– حماية " الأفراد " المسلمين ،
– حماية " المجتمع " المسلم .
ستؤسس السورة الكريمة الكيفية التي ارتضاها الله تعالى لإنشاء " المسلمين " بحسب " التصور " الإسلامي الذي هو " إلهي " ، وما ينتج عن هكذا تصور من " قيم " و " عادات " ستظهر في " سلوك " الفرد … وهو ما يعرف بـ الأخلاق ، ثم في سلوك الجماعة … وهو ما يعرف بـ السياسة . فالإسلام لا يقيم أجزاءً مبعثرة دون رابط ، بل هو يقدم الجزء ليَكمُلَ به الكلُّ … " صنع الله الذي أتقن كل شيء " .
وبقدر ما سيؤسس الإسلام ، عبْر آيات هذه السورة الكريمة ، للتصورات ، ومن ثم للقيم والعادات ، ومن ثم للسلوك فردياً كان ( = أخلاق ) أو مجتمعياً ( = سياسة ) ، فإنه سينبه إلى " التكاليف " التي ستكون ليَحسن أداءُ هذا المراد الإلهي ، كذلك سينبه المسلمين إلى مسالك الأعداء ، أعدائهم / أعداء الدين الجديد / أعداء الله ، عبر كشف / فضح وسائل هؤلاء ودسائسهم . وبنفس القدر ، سيبين الإسلام ، لزومَ ما يلزم كتقوية لمعتقد المسلمين ، ما في معتقدات الأعداء من زيف وبطلان وتحريف ، وما في وسائلهم من خسة وغدر ونذالة .
ولكي يقوم المسلمين بصورة هي مراد الله عز جل ، سنرى أن السورة الكريمة تفعل الآتي :
– محو كل ملمح يمت ، ولو من بعيد ، بصِلةٍ للجاهلية والجاهليين ، رغم أن " المسلمين " عاشوا وسط هؤلاء ، وعايشوهم !!! .
– إعادة " تكييف " الفرد المسلم بحسب الأنموذج الجديد الذي هو مراد الله تعالى من إنزال هذا الدين الخاتم المهيمن .
– بث الوعي ، والثقة ، في نفس المسلم الجديد في " هُويته " التي ستمثل – بَعدُ – كيانه المفارق لغيره على غير صعيد : الكفار ، وأهل الكتاب … بل وحتى من سيكون " مسلماً " لكن " بين بين " فيما سنسميهم المنافقين !!! !!! !!! .
من خلال آيات هذه السورة الكريمة ، سيلاحظ " من كان له قلب " كمَّ التصوراتِ الجاهلية ، والجاهلة ، التي جهدَ الإسلامُ لمحوها وهو يؤسس للمجتمع المسلم الجديد الذي سيكون جديداً جدةً بقدر ما هي كاملةٌ ، بقدر ما هي جادةٌ … إذ لا وسط في الاعتقاد ، ولا في للتصورات ذات التعلق بما هو اعتقاد .
سينتهي الأمر بوضع " القيم " الجديدة بعد إزاحة " القيم " القديمة التي هي " سمات " المجتمع الذي جاء الإسلام ليمحوه ، ويضع محله مجتمعاً يرضاه رب الإسلام :
– مفهوم جديد لـ الربوبية ،
– مفهوم جديد لـ الإلوهية ،
– مفهوم جديد لـ التوحيد ،
– مفهوم جديد لـ الإنسان ،
– مفهوم جديد لـ الضعفاء والمساكين ،
– مفهوم جديد للفاحشة ،
– مفهوم جديد للأسرة التي هي مراد الإسلام على الحقيقة من حيث إنها المنشأ الأول ، والأساس ، والأهم ، للفرد الذي هو " نواة " المجتمع المنشود .
لهذا كله سيضع الإسلام تشريعاتٍ ستكون هي " المثال " بكل المقاييس لـ :
– صوْن اليتيم … : " وآتوا اليتامى أموالهم " و … : " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " لأن الأمر بذلك سيكون : " حُوباً كبيراً " .
– حماية الأنثى / المرأة … خاصة الصغيرة المستضعفة اليتيمة من خلال تشريع يحفظ لها حقها في :

– نفسها ،
– في إرثها ،
– في كسبها … : " وآتوا النساء صدُقاتهن نحلة " و … : " وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون " و : " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كَرْهاً " و : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثُلاث ورُباع " .
يُتبع …

(2) :
العمل :
… : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " .
هكذا تبدأ السورة الكريمة : " يا أيها الناس " و " خلقكم " و " نفس واحدة " و " الأرحام " … وقبل ذلك يتكرر الأمر : " اتقوا ربكم " و : " كان عليكم رقيباً " .
نحن أمام خطاب إلهي لافت في التنبيه على أسس :
– الناس مأمورون بالعلم ،
– الرب / الخالق واحد ،
– الأصل واحد … وهو " النفس " ،
– والمجتمع واحد … وهو " رجالاً كثيراً ونساءَ " .
ومن ثم جاء الأمر الإلهي بتقوى الله ، ومراعاة الأرحام .
… : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورُباع ، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، ذلك أدنى أن تعولوا " .
يذكر التاريخ أن اليتيمة تكون في حِجْر وليها ، وتكون شريكةً في مالٍ له ، وينال مالها طمع الولي ، كما ينال جمالها إعجابه وإن تأخر عن الطمع في المال ، فكان الولي يبدي رغبةً في الزواج من اليتيمة ، لكن ببخسها حقها في الصداق ، بحيث لا يعطيها مثل الذي يُعطى لنظيراتها . هنا جاء التشريع : إما أن يتم " القسط " مع هؤلاء اليتيمات ، بحيث تنال الواحدة منهن أعلى سنتها في الصداق ، وإما الانصراف عنها إلى غيرها من النساء … : " ويستفتونك في النساء ، قل الله يفتيكم فيهن ، وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كُتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " .
ورواية التاريخ هذه داخلةٌ ضمن " التصورات " و " العادات " و " التقاليد " الجاهلية ، وقد بقيت ، وأثارُها ، في بدايات نشأة المجتمع المسلم ، ذلك المجتمع الذي أشرنا إلى أن رجاله نشأوا وسط هكذا " تصورات " و " عادات " و " تقاليد " ، لكن سيظهر للدارس أن من أوليات الإسلام " محو " مثل هكذا تصورات / عادات / تقاليد ، وذلك عبر النهي عنها نهياً يصل لدرجة التحريم .
الآية موضوع الدرْس تبدأ بـ " وإن خفتم " !!! وهذا خطاب يعبر عن " آلية " مقدسة في الإسلام يتعامل بها ومن أجلها … آلية " الضمير " الذي هو " صوت الله في الإنسان " !!! .
هذا الطرح القرآني يجعل الرجل أمام " ضميره " الذي سيقف به أمام الله يوم القيامة ، ما يجعل القضية ، برمّتها ، قضية " تعامل " مع الله أولاً وقبل أي شيء آخر ! .
ولنا أن نلاحظ أن الكلام بـ " الميثاق الغليظ " تم في موضعين : التوحيد ، والزواج !!! .
كما نلاحظ أن القسط / العدل ، تُرك دون تحديد لا للموضع ، ولا للمجال ، بل تُرك مطلقاً ليشمل كل المعاني ، والصور ، ذات التعلق :
– الصداق / المهر ،
– الرغبة في : الجمال ، المال ، الحسب ، أو النسب ،
– الإقدام على هكذا زواج من غير دافع " نفسي " أو " عاطفي " ، كأن لا يكون للمرأة رغبة ، ويقدم الرجل على الارتباط رغم معوقات كثيرة … كـ فارق السن مثلاً ، ما يعني انتفاء العدل الذي هو قرين " الإرادة " ، ولذا جاء التحذير : " إن الله كان عليكم رقيباً " ! وهنا نميّز بين مستويين اثنين للتعامل الأخلاقي / التشريعي : مقام المشاهدة : " اعبد الله كأنك تراه " ، ومقام المراقبة : " فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " ! والإسلام يربي أتباعه على الانخراط في العمل ، أياً كان ، وهو مسكون بأن الله ، عز وجل ، يراقبه / يراه .
هنا " رخصة " ينصرف عبْرها " الوليُّ " الشاكُّ في قدرته ، أو إرادته ، أن يعدل ، إلى النساء الأخريات : مثنى وثلاث ورباع .
وهنا حكمة ، لزوم الاعتقاد أن الله ، عز وجل ، حكيم ، والحكيم هو من يضع الأمر في موضعه بلا زيادة ولا نقصان .
يُتبع …
(3) :
نحن أمام " إباحة " للتعدد ، لكنها – وهذا هو المهم – متحَفَّظاً عليها قرآناً وسنة !!! :
– أمرَ النبيُّ ، صلى الله عليه وسلم ، غيلانَ بنَ سلَمة الثقفي ، وكان عنده عشر نسوة ، أن : اخترْ منهن أربعاً .
– وأمرَ ، صلى الله عليه وسلم ، عُميرةَ الأسدي ، وكان عنده ثمانيَ نسوة ، أن : اخترْ منهن أربعاً .
– وهذا ابن أبي الزياد ، وكان عنده خمس نسوة ، يأمره النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن : اخترْ منهن أربعاً أيتهن شئتَ ، وفارق الأخرى .
إذا ، نحن أمام " دين جديد " يؤسس لقيم جديدة ، في مجتمع ذي " قيم " و " عادات " راسخة في ناسه أشد من رسوخ الجبال . وما مضى كان مجرد صورة مما واجهه هذا الدين الجديد ! : هناك رجال تحتهم من النساء عشر نسوة ، وربما أكثر ، وربما أقل ! ما يعني أن المسألة أمرٌ متوقفٌ على " مِزاج " الرجل ، بلا ضابط ولا رابط ! فجاء هذا الدين ، وعبْر وحيٍ من الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، ليُعْلم الكافّة أن هناك " حداً " ، وأن هناك " شرطاً " :
أما الحد ، فألا يتجاوز الرجل حوْز أكثر من أربع من النساء ،
وأما الشرط ، فأن يعدل بينهن .
إذاً ، فالإسلام جاء لا ليطلق زواج الرجل كما شاء ، بل جاء ليحدد ويقيد ، وإلا فقد انتفت الرخصة بحق من أخل بهذين الأمرين ، أو بأحدهما .
نحن نعتقد أن الإسلام دينُ الفطرة ، فارقَ اليهوديةَ بأنه لم يحصر الإنسان ، وهو المخاطَب بالتكليف ، في كونه ، فقط ، " مادة " !!! ، وفارقَ المسيحية بأنه لم يحصر الإنسان ، وهو المخاطَب بالتكليف ، في كونه ، فقط ، " رُوحاً " !!! بل الإنسان ، في التصور الإسلامي ، مادة / جسم وروح ! فراح يبين له ما به تسمو الروح ، ويمنحه ما به يقر الجسم من حاجات المأكل والمشرب والمتعة . ذلك كله إثبات أن التشريع الذي رافق الإسلامَ هو متوافقٌ ، أشد ما يكون التوافق ، مع فطرة الإنسان ، ومع تكوينه ، ومع واقعه ، ومع متطلباته ، ومع ضرورات حياته ، فلا لنكران لفطرة مفطور عليها الإنسان ، ولا تغافل عن واقع يعيشه هذا الإنسان ، ولا غض بصر عن متطلبات هذا الإنسان … هذا كله بلا أية صورة من صور القهر ، وبلا أية صورة من صور العنف !!! فالتشريع الإسلامي ، لما تماهى مع هذا كله ، تمت الاستجابة له معنوياً وحسياً من ذوي الفِطر السليمة … : " فطرة الله التي فطر الناس عليها " .
ليس في الإسلام نكران للجانب الروحاني من الإنسان ، لكن بلا إغراق في الروحانية / المثالية !!! . وبنفس القدر ، فليس في الإسلام نكران للجانب المادي / الحسي من الإنسان ، لكن بلا إغراق في الحسية / المادية .
التاريخ يبين لنا :
– هناك حالات يكثر فيها عدد الصالحات لـ ، والراغبات في ، الزواج عن المقابل لها من عدد الرجال الصالحين لـ ، والراغبين في ، الزواج ! .
والمثير للدهش ، أن غير دراسة / عيّنة مجتمعية انتهت إلى أن هذه النسبة تدور حول الـ 4 إلى 1 زيادة ونقصاناً !!! .
وحال يسعى الإصلاحيون الاجتماعيون لإصلاح هكذا وضع ، فلن يكون أمامهم إلا ثلاثة خيارات :
يُتْبع …
القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.سيد آدم القعدة
القعدة
القعدة
ثلاثة خيارات :
القعدة القعدة

(4) :
الأول ، أن يقوم " أمرٌ " ( كقانون قائم في بعض دولنا الـ إسلامية !!! !!! !!! ) فيقصر الزواج على واحدة ، وقد يؤثّم الزواج بالثانية ( هناك تأثيم للزواج بالثانية ، وسماح لـ المخادنة !!! !!! !!! ) . وحال يتم هذا الأمر ، فسيعني وجود امرأة ، أو أكثر بحسب درجة الخلل ، دون زواج ، فلا ، ولن تعرف الزواج .
الثاني ، أن يتزوج الرجل امرأة ، ويقيم علاقة غير شرعية بأخرى ، أو أخريات .
الثالث ، أن يسمح بالزواج بأخرى . وهنا ستكون الزوجة ، بعد الأولى ، قد عرفت الزواج ، والرجل ، في " ضوء الشمس " بلا خطأ ، ولا خطيئة .
وبرأينا ، فإن الخيار الأول صادم للفطرة ، صادم لاحتمال / التحمّل / للطاقة ؛ هو صادم للفطرة من حيث إن الإنسان ذو فطرة نظيفة ، فلا يجب " إحداث " الظرف المجتمعي الذي من شأنه " تقذير " هكذا فطرة . وهو صادم للاحتمال / التحمل / الطاقة من حيث اعتبار " طاقة " المرأة على عدم الاقتران بالرجل .
ونحن في غنى عن مجادلة المنادين أن " تستغني " المرأةُ عن الرجل بالعمل إزجاء لما قد يساورها من " طلب " أو " تمنٍ " !!! … فهذه لا تغني المرأةَ عن نداء فطرتها التي فطرها الله ، عز وجل ، عليها ، والتي تتمثل ، ضمن ما تتمثل ، في مطالب الغريزة / الجسد .
والاحتمال الثاني لن نناقشه ، لأنه يقف بوجه ألفاباء الإسلام عقيدةً وشريعة .
ويبقى الاحتمال الثالث هو ما نقف بصفه ، ولا شأن لنا بمسميات العلمانيين الكارهين لأي تشريع إسلامي .
هذا الاحتمال نرفعه مشفوعاً بالتقييد الذي قيده به الإسلام .
هذا عامل اجتماعي إنساني ، وإلى جانبه هناك العامل الطبي فسيولوجياً وبيولوجياً .
نحن إذا وقفنا بصف الاحتمال الثالث ، فليس هذا بدافع الزواج بأخرى في حد ذاته ، ولا طلباً له بلا ضرورة فطرية أن اجتماعية ، ولا أخذاً به بدافع " الحيوانية " ، أو لمجرد الاقتران بأخرى ليس إلا ، بل الأمر له " قيوده " كما أن له " شروطه " وإلا فإنه سيفقد " حليته " .
انتهى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.