من شيم الأخلاف العفو عند المقدرة 2024.

العفو

طلب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله -تعالى-. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟!
قال الخادم: لقد قال تعالى: {والكاظمين الغيظ}.
قال الرجل: كظمتُ غيظي.
قال الخادم: {والعافين عن الناس}.
قال الرجل: عفوتُ عنك.
قال الخادم: {والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حُرٌّ لوجه الله.

حكى لنا القرآن الكريم مثالا رائعًا في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- مع إخوته، بعد أن حسدوه لمحبة أبيه له، فألقوه في البئر ليتخلصوا منه، وتمرُّ الأيام ويهب الله ليوسف -عليه السلام- الملك والحكم، ويصبح له القوة والسلطان بعد أن صار وزيرًا لملك مصر.
وجاء إليه أخوته ودخلوا عليه يطلبون منه الحبوب والطعام لقومهم، ولم يعرفوه في بداية الأمر، ولكن يوسف عرفهم ولم يكشف لهم عن نفسه، وترددوا عليه أكثر من مرة، وفي النهاية عرَّفهم يوسف بنفسه، فتذكروا ما كان منهم نحوه، فخافوا أن يبطش بهم، وينتقم منهم؛ لما صنعوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن والصفح الجميل، وقال لهم: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.

كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في ظل شجرة، فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول: يا محمد، من يمنعك مني. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء: (الله).
فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف، وقال للرجل: (ومن يمنعك مني؟).
فقال الرجل: كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه. [متفق عليه].

وضعت امرأة يهودية السم في شاة مشوية، وجاءت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقدمتها له هو وأصحابه على سبيل الهدية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الهدية، لكن الله -سبحانه- عصم نبيه وحماه، فأخبره بالحقيقة.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار هذه اليهودية، وسألها: (لم فعلتِ ذلك؟
فقالت: أردتُ قتلك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الله ليسلطكِ علي).
وأراد الصحابة أن يقتلوها، وقالوا: أفلا نقتلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا)، وعفا عنها. [متفق عليه].
*ذات يوم، أراد مَعْنُ بن زائــدة أن يقتل مجموعة من الأسـرى كانوا عنده؛ فقال له أحدهم: نحن أسراك، وبنا جوع وعطش، فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل. فقال معن: أطعمـوهم واسقوهم. فلما أكلوا وشربوا، قـال أحدهم: لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك؟!
فقـال لهم: قد عفوتُ عنكم.

ما هو العفو؟
العفو هو التجاوز عن الذنب والخطأ، وترك العقاب عليه.

عفو الله -عز وجل-:
الله -سبحانه- يعفو عن ذنوب التائبين، ويغفر لهم، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني) [الترمذي].

عفو الرسول صلى الله عليه وسلم:
تحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله. [مسلم].

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء -صلوات الله وتسليماته عليهم- ضربه قومه، فأَدْمَوْه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (رب اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون) [متفق عليه].

وقد قيل للنبي: ( ادْعُ على المشركين، فقال: (إني لم أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنما بعثتُ رحمة) [مسلم].

ويتجلى عفو الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكن أهلها رفضوا دعوته، وسلَّطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه صلى الله عليه وسلم هو ورفيقه زيد بن حارثة، ويقذفونهما بالحجارة حتى سال الدم من قدم النبي صلى الله عليه وسلم.

فنزل جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هدم الجبال على هؤلاء المشركين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم، وقال لملك الجبال: (لا بل أرجو أن يُخْرِجُ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].

وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرًا، جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد، والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصًا عما صنعوا به وبأصحابه. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟).
قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
[سيرة ابن هشام].

فضل العفو:
قال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن: 14].
وقال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله -عز وجل- على رُءُوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء).
[أبو داود والترمذي وابن ماجه].
وليعلم المسلم أنه بعفوه سوف يكتسب العزة من الله، وسوف يحترمه الجميع، ويعود إليه المسيء معتذرًا.
يقول تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نَقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزَّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم].

بارك الله فيك
القعدة

العفو عند المقدرة ( قصةٌ جَرَتْ في منزل زوجة الخليفة العباسي المهدي 2024.

العفو عند المقدرة ( قصةٌ جَرَتْ في منزل (الخيزران) زوجة الخليفة العباسي المهدي

العفو عند المقدرة ( قصةٌ جَرَتْ في منزل (الخيزران) زوجة الخليفة العباسي المهدي

العفو عند المقدرة فعل الكرام
وما من أمة من الأمم إلا وكانت صفة العفو عندها أعظم الصفات وأجملها
وقد سمى الله سبحانه نفسه بالعفو الغفور الرحيم، كما سماها بالحكيم العليم العزيز شديد العقاب، وأوصى بالعفو خلقه، وجعله صفة بارزةً في أنبيائه ورسله عليهم السلام.
ومن عجائب القصص في هذا وطرائفها قصةٌ جَرَتْ في منزل (الخيزران) زوجة الخليفة العباسي المهدي، وأم الخليفتين الهادي وهارون الرشيد، وقد روتها زينب بنت سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس زوجة المهدي الأولى فقالت:

كنت جالسة عند الخيزران، فدخلت علينا جارية فقالت: إنَّ بالباب امرأة لها جمال وخلقة حسنة وعليها من مظاهر البؤس ما يحزن لها القلب، وهي تستأذن عليك، وقد سألتها عن اسمها فأبت أن تخبرني به، فقالت الخيزران: أدخليها، فدخلت امرأةٌ كأجمل ما ترى العين من النساء، فقعدت إلى جنب عضادة الباب متضائلة ثم قالت: أنا مارية بنت مروان بن محمد الأموي – آخر خلفاء بني أمية – قالت زينب بنت سليمان: فاستويت جالسة وقلت لها قبل أن تجيبها الخيزران: لا حياك الله ولا قرَّبك، و الحمد لله الذي أزال نعمتك وهتك سترك وأذلَّك، أتذكرين يا عدوَّة الله حين أتاك عجائز أهل بيتي يسألنك أن تكلمي صاحبك في الإذن بدفن إبراهيم بن محمد، فأسمعتهنَّ أسوأ الكلام، وأخرجتهن ذليلات حقيرات، قالت: فضحكت مارية بأحسن ثغر برغم بؤسها وقالت: أيْ ابنة عمي، أيّ شيء أعجبك من صنيع الله بي على فعلتي تلك السيئة، وعلى قسوتي وعقوقي، فوالله لو لم يكن من عقاب الله لي إلا ما ترين من حالي لكفى، فهل تريدين الاقتداء بي حتى يصيبك ما أصابني، ثم قامت تهمُّ بالخروج.
هنا غضبت الخيزران وقالت: ليس هذا لك يا زينب، فهذه المرأة قصدتني في داري، وطلبت عوني وجواري، ونادت مارية طالبة منها الجلوس معتذرةً إليها، فرجعت مارية بنت مروان قائلة: والله يا أخيَّة ما جاء بي إلا الضيق والجهد الذي لا يخفى عليك من حالي، فقامت إليها الخيزران فعانقتها، وأمرت جواريها أن يقمن برعايتها والعناية بها، ومنحتها من الملابس والطيب ما يليق بمثلها، ثم أجلستها بجوارها وأمرت لها بالطعام، وطلبت منها أن تقيم معها في بيتها، وأن تعد نفسها في مقام أختها، فاستبشرت مارية ودعت للخيزران بخير، ووافقت على البقاء معها لأنها قد فقدت القريب والصديق بعد زوال الخلافة عن بني أمية، وقتل والدها آخر خلفائهم (مروان بن محمد).
قالت زينب: وكنت في غاية الضيق لما صنعت الخيزران بهذه المرأة التي قست علينا ذات يوم، فعزمت على إخبار الخليفة المهدي بالأمر، ورواية الحادثة له، فعله يؤيد موقفي ويؤنِّب الخيزران على ما فعلت، ويا ليتني لم أخبره، فقد ثار غضبه وقال: يا زينب! أهذا مقدار شكرك لله عز وجل على نعمته وقد أمكنك من هذه المرأة على هذه الحالة التي وصفتها، فوالله لولا مكانك من قلبي لحلفت ألا أكلمكِ أبداً فما هذه بأخلاق الكرم يا زينب، والله لا يُرضيني منك إلا الاعتذار منها والإحسان إليها، ثم شكر الخيزران على موقفها الكريم، وامتدحها، ثم تحدَّث إلى مارية بنت محمد بن مروان قائلا: اطمئني فما أنت إلا في بيتك وبين أهلك، وما أنا إلا في موضع أخيك الذي يرعاك ويحرص على راحتك.
قالت زينب: فتعلمت من الخيزران والخليفة المهدي دروسا في العفو عند المقدرة، وراجعت نفسي، وأعلنت توبتي إلى ربي.
هكذا يكون العفو عند المقدرة صفة جليلة كريمة، تدلُّ على نقاء القلب، وصفاء النفس، وكرم الطباع، ولا يزيد بها صاحبها إلا عزة ومكانة في الدنيا والآخرة – أذا خلصت النيَّة، وصفت السريرة -.
إشارة

ســــــــــــمَّيْتَ نفسك بالعفوِّ فمن عَفَا
لقيَ الرعاية منكَ والإِحســــــــــــــانا

منقووووووول يرحمكم الله