الدروس المستفادة من الحج 2024.

الدروس المستفادة من الحج
د.نهار العتيبي * | 14/12/1428 هـ
هنالك العديد من الدروس والعبر المستفادة من هذا الركن العظيم الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام وتجتمع فيه مختلف أنواع العبادات البدنية والمالية فيحج الحاج بنفسه ويؤدي العبادة من طواف وسعي ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمي للجمار وغير ذلك من أعمال الحج ويدفع الحاج ماله من أجل ذلك كما أنه يدفع ماله من أجل ذبح الهدي إن كان متمتعاً أوقارناً ، ومن أبرز تلك الدروس والعبر المستفادة من الحج ما يلي :

1- تحقيق تقوى الله عز وجل بتوحيده : فالمسلم بأدائه هذا الركن العظيم فإنه يحقق التقوى التي أمره الله تعالى بالتزود منها بعدما نهى عباده عن فعل المعاصي والآثام وأمرهم باجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحج فقال سبحانه وتعالى : { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب } [ سورة البقرة:197] وتقوى الله عز وجل لا تكون إلا بتوحيده وذلك بإفراده سبحانه بالعبادة وعدم إشراك أحداً مع الله تعالى في عبادته وهذا يتجلى واضحاً في الحج فإن الحجاج يجيبون رباً واحداً قائلين لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وهذا هو التوحيد فإن معنى لبيك لا شريك لك لبيك أي:استجابة لك وحدك فإنه لاشريك لك في عبادتك .وهذا يدعو المسلمين في كل مكان إلى تحقيق التوحيد وعدم دعاء غير الله من الأولياء أو الأموات أو غيرهم من المخلوقين فإن ذلك يوقعهم في الشرك الأكبر المخرج من الإسلام .

2- الحج يحقق وحدة المسلمين وقوتهم : فإن الحجاج إلى بيت الله الحرام تختلف بلدانهم ولغاتهم وألوانهم لكن يجمعهم شيء واحد هو الإسلام فيجتمعون في الحج وتبلغ أعدادهم ملايين الأشخاص وينتقلون من مشعر إلى مشعر في منظر يشعر بالرهبة ويدل على أن قوة المسلمين هي في اجتماعهم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا يغيظ الشيطان كما ورد ذلك عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم فما رئي الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أذل منه في يوم عرفه إلا ما رئي من يوم بدر وهذا يغيظ أعداء الرحمن وأولياء الشيطان .

3- الحج يبرز الأخوة الإسلامية : فإن الأخوة بين المسلمين تبرز بشكل واضح في الحج وتختفي الفوارق بينهم ويرى بشكل واضح التعاون والتآلف والمحبة في أروع صورها فنجد أن القوي يعين الضعيف وربما حمله إن كان يستطيع حمله ونجد أن من يمتلك الطعام يطعم من لا طعام لديه وكم هو مبهج ومفرح أن يرى المسلم مجموعات من الشباب والشيب وهم يستقبلون إخوانهم في مزدلفة بعد نفورهم من عرفة ويقدمون لهم الماء والعصير والطعام وهم يرددون سبيل يا حاج ولا يعرف بعضهم بعضاً إلا بأنهم مسلمون فقط فيرتسم في مخيلة كل مسلم ومسلمة حديث نبينا الكريم الذي حفظه الجميع وهو قوله عليه الصلاة والسلام :{ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر }.( رواه مسلم )

4- الإحرام يذكر بالكفن :فإنه كما هو معلوم يُحرم الرجل المسلم في إزار ورداء ويسن أن يكونا أبيضين ويجب عليه قبل الإحرام أن يخلع المخيط فلا يلبس إلا هذا الرداء وذلك الإزار ويستحب له الاغتسال والتطيب في بدنه قبل لبس ملابس الإحرام وهذا يذكر بالميت عند تغسيله وتكفينه فإنه عند موت المسلم يغسل ويطيب ويكفن بكفن ويستحب أن يكون أبيض كذلك , غير أن هناك ثمة فرق بين الحاج والميت فالحاج يستطيع أن يتوب ويدعو ربه ويتزود من العمل الصالح وأما الميت فهيهات هيهات وكذلك الحال بالنسبة لغير الحاج فباب التوبة مفتوح مادام أن الإنسان لا يزال حياً ما لم يحل به الموت أو تقم عليه .

5- الحج يذكر بيوم القيامة: فإن مسير الحجاج من منى إلى عرفات ومن عرفات إلى مزدلفة ثم إلى منى وهم يسيرون في وقت واحد وفي اتجاه واحد يذكر المسلم بيوم القيامة فلقد شبه الله تعالى مسير الناس يوم القيامة بأنهم كأنهم يسيرون إلى علم أو راية فقال سبحانه :{ يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون *خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون }[ سورة المعارج :43-44 ] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ( أي :يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ينهضون سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون ,قال ابن عباس ومجاهد والضحاك :إلى علم يسعون , وقال أبو العالية ويحيى بن كثير :إلى غاية يسعون إليها ) [1]. ومما لاشك فيه أن الموقف هنا يختلف فالحجاج لا ينتابهم خوف ولا هلع بينما يوم القيامة يبلغ بهم الخوف والهلع غايته إلا من استثناه الله تعالى من عباده المؤمنين .ولهذا وصف الله تعالى حال الناس يوم القيامة حين يرون القيامة بأنهم كالسكارى من شدّة خوفهم فقال سبحانه وتعالى :{ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم *يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } [سورة الحج :1-2].

6- الحج والتأكيد على مخالفة المشركين : لم يقتصر أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على تحقيق التوحيد في التلبية فقط بل تعدى إلى الأمر بمخالفة المشركين فيما كانوا يفعلونه عند حجهم . فلقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلبية المشركين بما كانوا يزيدونه في التلبية بقولهم :لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك .وخالفهم عليه الصلاة والسلام في عدة مواضع منها أنه تجاوز الوقوف بمزدلفة ووقف في عرفات مع الناس بأمر من ربه عز وجل .قالت عائشة رضي الله عنها ( كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحُمس وكان سائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله- تعالى – نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها وذلك قوله عز وجل :{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } [ سورة البقرة :199] (متفق عليه) . ثم خالف عليه الصلاة والسلام المشركين عند دفعه من مزدلفة وذلك بدفعه بعدما أسفر جداً وقبل طلوع الشمس مخالفة لقريش الذين كانوا ينتظرون طلوع الشمس ويقولون :أشرق ثَبِيْر كيما نُغير .ويقصدون بذلك جبل ثبير لأن الشمس تشرق من خلفه كما خالف النبي صلى الله عليه وسلم المشركين بعدم النزول في وادي مُحسّر وذلك لأن الله تعالى قد حبس الفيل في هذا الوادي ولأن قريشاً كانت تنزل فيه وتفتخر بأنسابها وأحسابها فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الصحابة بالإسراع ولم ينزل في الوادي ولم يفعل ما كانت تفعله قريش .وهذا يدعو كل مسلم ومسلمة إلى الاعتزاز بدينه ومخالفة المشركين في أعمالهم .

7- الحج يعلم الصبر على طاعة الله: لكي يؤدي الحاج حجه فإنه يعرض له الكثير من المشقة والتعب ويواجهه الكثير من الزحام والبقاء مدة طويلة في الانتظار وهذا يعودّه على الصبر على طاعة الله عز وجل لاسيما والمسلم مأمور بالصبر على طاعة ربه عز وجل وهي أعظم أنواع الصبر الثلاثة [2].وقد أمر ربنا – تبارك وتعالى -عباده بالصبر فقال : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } [ سورة ال عمران :200] وقال سبحانه وتعالى حاثاً عباده المؤمنين على الصبر :{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [ سورة الزمر :10] .وهذا الأمر يدعو كل مسلم إلى الصبر على طاعة الله تعالى في كل وقت وحين حتى يفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم.



8- الحج يعوّد المسلم على الدعاء: فإن الله قريب يجيب دعاء السائلين ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فضل الله تعالى كبير وأنه سبحانه وتعالى يستجيب دعاء السائلين ويعتق عباده في يوم عرفة أكثر مما يعتقهم فيما سواه من الأيام فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ) [ رواه مسلم ] ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء خصوصاً في يوم عرفة فقال ( خير الدعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) [ رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 3274]. ولذلك فإن اعتياد الحاج على الدعاء في هذه الأيام يجعله يعتاده فيما بعد ويشجع غير الحاج على دعاء الكريم سبحانه الذي وعد بإجابة الداعين فقال : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } [ سورة البقرة :186]

9- الحج يكفر الذنوب ويوجب دخول الجنة : وهذا درس عظيم وفائدة جليلة تدل على فضل الكريم سبحانه فأما تكفير الحج للذنوب فلقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ( تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ) [ رواه ابن ماجة والإمام أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 2899] وفي رواية للنسائي بسند صحيح ( فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ) وفي رواية له أيضا وللترمذي والإمام أحمد بسند صحيح (فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ) . ويدل أيضاً على تكفير الحج للذنوب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) [متفق عليه] .ويرى جمهور العلماء وهو الصحيح إن شاء الله أن المغفرة مقتصرة على صغائر الذنوب بينما يرى بعضهم أنها تشمل حتى كبائر الذنوب .وأما كون الحج سبب لدخول الجنة فلقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) [ متفق عليه ] .ومن كرم الكريم سبحانه أنه يقبل الحج حتى من الصبي الصغير ويثيبه على ذلك وإن كان يلزمه أن يحج بعد البلوغ , لقول السائب بن يزيد رضي الله عنه :حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين ) [ رواه البخاري ] وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالرَوحَاء [3] فقال ( من القوم؟ ) قالوا :المسلمون .من أنت؟ قال :رسول الله ,فرفعت امرأة صبياً فقالت :ألهذا حج ؟ قال :نعم ولك أجر ) [رواه مسلم ] وهذا بلا شك يدعو المسلمين إلى التنافس في الأعمال الصالحة والاستكثار من عمل الخير رغبة فيما عند الكريم سبحانه وتعالى .

أسأل الله جل وعلى أن يرزقنا التبصر والاعتبار والاستفادة مما في هذا الركن العظيم من الدروس والعبر الكثيرة إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

*عضو الجمعية الفقهية السعودية

______________________________ __________

[1] تفسير القرآن العظيم 4/545


[2] – ينقسم الصبر إلى ثلاثة أقسام:صبر على طاعة الله – وصبر عن محارم الله – وصبر على أقدار الله المؤلمة.

[3] مكان يوجد بين مكة والمدينة.

الدروس المستفادة من الحج موضوع يحتاج العناية.

الدروس المستفادة من خطبة النبي في حجة الوداع 2024.

الدروس المستفادة من خطبة النبي – صلى الله عليه وسلم –

في حجة الوداع

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا رسول الله، صلى الله عليه وآله وصحبِه وسلَّم.

ثم أما بعد:
فإن خطبة النبي – صلى الله عليه وسلم – في عرَفات في حَجَّة الوداع فيها مِن الدروس ما فيها، يشعُّ منها النور، فلو تدبَّرها المسلمون وعملوا بما فيها، لكانت سببًا لسعادتهم في الدنيا والآخِرة، وإن شاء الله – عز وجل – سأُحاول بيان بعض الدُّروس والفوائد مِن هذه الخطبة الجامِعة الشاملة، وأسأل الله – عز وجلَّ – أن يَرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.

أولاً: نصُّ الخُطبة:
((إن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحُرمة يومكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بلدكم هذا، ألا وإن كل شيء مِن أمر الجاهليَّة تحت قدميَّ هاتَين موضوعٌ، ودماء الجاهليَّة موضوعة، وإن أول دمٍ أضَع مِن دمائنا دمُ ابن ربيعَة الحارث بن عبدالمطَّلب – كان مُسترضَعًا في بني سعد فقتلتْه هُذيل – ورِبا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع رِبانا؛ ربا العباس بن عبدالمطَّلب، فإنه موضوع كلُّه، فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحلَلتُم فروجهنَّ بكلمة الله، وإن لكم عليهنَّ ألا يوطئْن فُرُشَكم أحدًا تَكرهونه، فإن فعلنَ ذلك، فاضْرِبوهنَّ ضَربًا غير مُبرِّح، ولهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف، وإني قد تركتُ فيكم ما لن تَضلُّوا بعده إن اعتصمتم به: كتابَ الله، وأنتم تُسألون عنِّي، فما أنتم قائلون؟!))، قالوا: نشهَد أنك قد بلَّغت رسالات ربِّك، وأدَّيت، ونصَحتَ لأمَّتِك، وقضَيت الذي عليك، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ويَنكُتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد)).

ثانيًا: الدُّروس المُستفادَة مِن هذه الخُطبَة:
الدرس الأول: بيَّن النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – حُرمة الدماء والأموال، ووضَّح لنا أن هذه الحُرمة تُساوي حُرمة اليوم والشهر والبلد، ومعلومٌ أن حُرمة البلد الحرام – وهو مكة – حُرمةٌ عظيمة، وحُرمة الشهر الحرام – وهو شهر ذي الحجَّة – حرمة عظيمة؛ فالله – سبحانه وتعالى – جعَل عدَّة الشهور اثنَي عشر شهرًا، منها أربعة أشهر حرم، فالأَشهُر الحرُم هي: ذو القِعدة، وذو الحَجَّة، والمُحرَّم – ثلاثة أشهر مُتواليات – ورجب، فهذه أربعة أشهر حرُم لها حُرمَة عظيمة، فحُرمة الدِّماء والأموال حُرمة شديدة وعَظيمة، ولو تدبَّر الناس هذا الكلام، لَمَا تعدَّى أحد على أحد، ولَمَا سُفكَت الدماء، ولَمَا خُطفَت الأموال، ولما سُرقَت، ولَما اغتُصبَت، ولَعاش الناس عيشةً هنيئةً فيها سعادتهم الدُّنيوية قبل الأُخرويَّة، فهذا التحريم يجعل الإنسانَ يعمل ألف حِساب قبْل أن يتعدَّى على غَيره ليَسفك دمه أو ليأخُذ ماله دون وجْه حقٍّ، ولأمِن الناس على دمائهم وأموالهم، ولما عاشوا في رعْب وخَوف، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح: ((لا يَحلُّ دم امرِئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنَّفس، والثيِّب الزاني، والتارك لدينه المُفارِق للجَماعة)).

فقتْل النفس بغير حقٍّ حرام، فقد جاء في كتاب الله – عز وجل – قولُه تعالى: ﴿ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 151]، فقتْل النفس حرام بالكتاب والسنَّة.

فكيف يتجرَّأ بعض الناس ويَسفِكون الدماء، ويَهدِمون بُنيان النفس، وقد حرَّم الله – عز وجل – ذلك وحرَّمه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -؟! وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أرسل جيشًا أوصاهم ألا يَقتلوا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة ولا طفلاً صغيرًا، فحتى القتال في سبيل الله – عز وجل – فيه حقْن الدماء، فالذي لا يُحارِب لا يُقتَل، هذا مع الكفار، فما بالُنا بحُرمة دماء المسلمين؟

فاتقوا الله – أيها الناس – ﴿ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ [لقمان: 33]، اتقوا الله – سبحانه وتعالى – في دماء المسلمين؛ فسوف تُحاسَبون عن كل نفس قُتلتْ بغير حقٍّ، سوف تُسألون، واذكر – أيها القاتل – حالك عندما تَحمل رأسَ المقتول في يدك يوم القيامة، ويقول المقتول: سلْه يا رب فيمَ قتَلني؟ فماذا أنت قائل؟ وما هي إجابتك؟ يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم الحسرة والنَّدامة، ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2].

فيا أيها الناس، حرِّموا الدماء واتقوا الله في الدماء، وحرِّموا الأموال واتقوا الله في الأموال، ولا يأخذ أحد مالاً إلا بحقِّه؛ فالله – عز وجل – سوف يسأل كل صاحب مال مِن أين اكتسبَه؟ وفيمَ أنفقه؟ وليستعدَّ كلٌّ منا للسؤال عن المال مِن أين اكتسبه؟ (ما هي إجابته؟) وفيمَ أنفقَه؟ (ما هي إجابته)، وأيما جسْم نبَت مِن سحْت فالنار أولى به، فكيف يَعلم الناسُ هذا ويأخُذون الأموال بغير حقٍّ، وتَزيد الحرمة عندما يأخذ بعض الناس الأموال بغير حقٍّ، ليس من المال الخاص؛ بل من المال العام مِن أموال الدولة، التي هي حقٌّ لكل واحد في الدولة، فحُرمة المال الخاص وحُرمة المال العام تجعلنا نتقي الله – عز وجل – في كسْب الأموال وتحصيلها.

الدرس الثاني: وضَع النبي – صلى الله عليه وسلم – كلَّ شيء مِن أمر الجاهلية، فقال: ((ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين))، فكل شيء مِن أمر الجاهليَّة باطل، فالإسلام قد أبطَل أمور الجاهليَّة؛ فلا كِبر، ولا بطَر، ولا أشَر، ولا لوأْد البنات (دفنهنَّ أحياء)، ولا فضْل لقبيلةِ كذا على قبيلةِ كذا، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.

ودماء الجاهلية موضوعة، ومِن عدل النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه لم يَحكُم على الناس بما لم يحكُم به على نفسِه، ونتعلم مِن ذلك أننا لا بدَّ أن نُنفِّذ أوامر الله – عزَّ وجلَّ – وأوامر النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل أن نأمُر غيرَنا، لا بدَّ أن نلاحظ أنفسنا أولاً؛ حتى نكون مُنصفين، وحتى لا نكون مِن الذين قال الله – تعالى – فيهم: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].

فبيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن أول دمٍ يَضعه دم ابن ربيعة، وأيضًا بيَّن أن الربا موضوع وباطل، وأول ربًا يضعه – صلى الله عليه وسلم – رِبا العباس بن عبدالمطَّلب؛ فالرِّبا باطل وحرام، والله – عز وجل – قد حرّم الربا؛ يقول تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، ويقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 278 – 279]، فهذا وعيد شديد لمَن لم يَنتهِ عن الرِّبا.

ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لعَن الله آكِل الربا، وموكِلَه، وكاتبه، وشاهديه – وقال: هم سواء)).

فآكِل الربا مَلعون، واللعنَةُ: هي الطرد مِن رحمة الله – عز وجل – فعلينا بتقوى الله – سبحانه وتعالى – وأكْل الحلال، والبُعد عن أكل الحَرام، والبُعد عن التعامل بالربا الذي يُطرَد آكِلُه من رحمة الله تعالى.

الدرس الثالث: المُعامَلة الحسَنة مع النساء:
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((فاتَّقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله))، فأمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – بتقوى الله تعالى في النساء، وعلَّمنا أن نؤدي الحقوق التي علَينا قِبَل النساء، وبيَّن لنا – عليه الصلاة والسلام – أن أصل الفروج حرام بقوله: ((واستحللتُم))، فالأصل أن الفروج حرام، ولا يحلُّ منها إلا ما أحله الله – تعالى – وقد أمَرنا الله – تعالى – بغضِّ الأبصار؛ فقال – عزَّ وجل -: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 30 – 31].

فالأمر بغضِّ البصر الذي هو بَريد الزنا يدلُّ على تحريم الفروج؛ حيث منع ما يُتوصَّل به إليه، والله – عزَّ وجل – قال: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ [الإسراء: 32]، وبيَّن – عز وجل – المحرَّمات من النساء في كتابه العزيز، وبيَّنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الأحاديث الصَّحيحة.

وإذا كان الله – سبحانه وتعالى – أحلَّ لنا الزواج مِن النساء، فقد أمَرنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بتقوى الله – تعالى – في النساء والإحسان إليهنَّ، فعلى الأزواج أن يُحسِنوا في إطعامهن، وكسوتهنَّ، وأن يُعاشِروهنَّ بالمعروف؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – خير الناس لأهلِه، وهو قُدوتنا – صلى الله عليه وسلم.

ونُلاحِظ مِن خلال الخُطبَة الجامِعة أن على النساء ألا يوطِئنَّ فرُش الرجال أحدًا يَكرهه الزوج، وبيَّن – عليه الصلاة والسلام – أن هذا حقٌّ للرجال على النساء، فإن خالَفتْ ذلك، فهي تستحقُّ الضرب غير المُبرِّح، فالضرب هنا ليس للتعذيب وليس للانتقام، ولكن للتقويم؛ حتى يفهم الناس السنَّة على حقيقتِها.

الدرس الرابع: الاعتصام بالقرآن والسنة:
فقد بيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن اعتصامنا بالكتاب والسنَّة فيه النجاة مِن كل شرٍّ وسوء، فإذا أراد المسلمون الثبات على الهداية، فعليهم أن يتمسَّكوا بالقرآن والسنَّة، والقرآنُ الكريم والسنَّة المشرَّفة فيهما سعادة مَن تمسَّك بهما في الدارَين (الدنيا والآخِرة)؛ يقول الله – عز وجلَّ -: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

ويقول عزَّ وجل: ﴿ الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].

والنبي – صلى الله عليه وسلم – قد بيَّن لنا كل شيء؛ فما كان فيه خير لنا، فقد أمَرنا به، وما كان فيه شرٌّ لنا، فقد نهانا عنه.

وسبحانه الله العظيم! جعَل الدِّين يُسرًا، ففي أحكام الشريعة كل التيسير، ونُلاحظ أن الله – سبحانه وتعالى – ذكَر آيةً عظيمة في القرآن الكريم يجب علينا أن نتدبَّرها، وقد ذكرها – عز وجل – بعد الأمر بالصيام، فقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، ففي أحكام الله – عزَّ وجل – اليُسر على الخَلق.

فعلينا أن نتمسَّك بكتاب الله – عز وجل – وبسنَّة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى نَثبُت على الهداية، على الصِّراط المستقيم – إن شاء الله تعالى.

الدرس الخامس: ((اللهم اشهَد، اللهم اشهد)):
بعدما بيَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما بيَّن في خطبته، قال للصحابة: ((وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟!)) قالوا: "نشهد أنك قد بلَّغتَ رسالات ربك، وأدَّيت، ونصَحت لأمَّتك، وقضيتَ الذي عليك"، فقال بإصبعه السبابة، يَرفعها إلى السماء ويَنكتها إلى الناس: ((اللهم اشهَد، اللهم اشهَد)).

وفيه دليل على أن الله – عز وجلَّ – في السماء، هذه هي العقيدة الصحيحة والإيمان الموافق للكتاب والسنَّة، ولا نقول كما يقول بعضهم: الله في كل مكان، أو أن الله ليس له مكان، كلُّ هذه اعتقادات باطلة؛ لأن القرآن والسنَّة فيهما شفاء لما في الصدور، وقد جاء في القرآن قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]، وقد أقرَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – الجارية التي سألها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء، فقال – عليه الصلاة والسلام -: ((أَعتِقها؛ فإنها مؤمنة))، فعلينا بالاتِّباع؛ ففيه النجاة، ولا داعي للتأويل، والتحريف، والتمثيل، ما دام أن النُّصوص واضِحة ولا لَبس فيها.

ويشهد الصحابة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أدَّى ما عليه، وما قصَّر في شيء، ونحن نشهد بذلك؛ فالنبي – عليه الصلاة والسلام- أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصَح الأمة، فكشف الله به الغمَّة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبِه، ومَن اهتدى بهدْيه وعمل بسنَّتِه إلى يوم الدِّين، فلنأخُذ هذه الدروس التي يَنفعنا الله – تعالى – بها، وعلينا اتِّباع السنَّة، ولنبتعد عن كل بدعة؛ لأن كل بدعة ضلالة، وقد جاء في الصحيحَين عن أمِّ المؤمنين عائشةَ – رضي الله عنها – قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))، وفي رواية مسلم: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ))، فعلينا باتِّباع السنة المطهَّرة؛ حتى يُطهِّر الله قلوبنا وأعمالنا مِن البِدع والمُحدَثات.

وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على نبينا محمد – صلى الله عليه وآله وسلَّم – سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.




رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/45410/#ixzz3EvGiSPv5