أخلاق وآداب يجب أن يتحلى بها كل مسلم للشيخ عبد الكريم الخضير 2024.

أخلاق وآداب يجب أن يتحلى بها كل مسلم

إنّ هناك جملةً الأخلاق والآداب والصِّفات ينبغي لكل مسلمٍ أنْ يتحلَّى بها.
ومنها جملة تلك الصفات: الصِّدق.
وقد جاء في الحديث: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا". [البخاري ومسلم].
فالصِّدْق خصْلَةٌ حميدة على الإنسان أنْ يلتزم بها، فلا ينبغي أن يقُول الإنسان: إنَّ الظُّرُوف اقْتَضَتْ، أوْ ألزَمَتْنِي أنْ أُجانِب الصِّدْق!.
إنَّ الصِّدْق مَنْجاة، ومنْ صَدَق ولو في أَحْلَك الظُّرُوف نجا، وهذا شيءٌ مُجرَّب، ولنتأمل مثلاً قصة كعب بن مالك، وكان من الثَّلاثة الذِّين خُلِّفُوا، فالقصة صريحة في هذا، ففي القصة يقول كعب بن مالك رضي الله عنه: "فلما بلغني أنه توجه قافلاً – أي النبي صلى الله عليه وسلم – حضرني همّي، وطفقت أتذكّر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه غداً، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أظل قادماً، زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه". [البخاري ومسلم].
فالكذب حرام اتِّفَاقاً، لكن يُباح منهُ بعضُ الصُّور مثل: الإصلاحٍ بين النَّاس، والكذب على الزَّوجة في حدُود ما يُؤلِّف القُلُوب، وما أشبه ذلك، وأما ما عدا ذلك فالكذب حرام.
والكذب درجات؛ ومن ذلك الكذب على النَّاس، وهو مُحرَّم بلا شك، لكن أعظمُ منهُ: الكذب على الله وعلى رسُولِهِ.
ومن الكذب على الله الفُتْيَا بغير علم – نسأل الله العافِية – يقول سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ). [سورة النحل، الآية: 116].
ويقول عزّ وجل: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ). [سورة الزمر، الآية: 60].
وجملة (كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ) من باب أولى أن يدخل فيها من يُفتي ويقول على الله بغير علم.
إنّ الأمانة خُلُقٌ واجِب، والخِيَانة حرام، ومُخادعة المُسلمين وغِشُّهُم وجَحْد الأمانات والعَواري، وكُلُّ هذا مُحرَّمٌ بالكتاب والسُّنَّة وإجماع أهل العلم.
يقول سبحانه: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا). [سورة النساء، الآية: 58]. ويقول تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ). [سورة الأحزاب، الآية: 72] فلابُدَّ من أداءِ هذهِ الأمانة.
ومن الأمانات ما كُلِّفَ بِهِ المُسْلِم من الشَّرائِع؛ فالصَّلاة أمانة، الصِّيام أمانة، الغُسل من الجنابة أمانة، فلا يجُوزُ لهُ أنْ يخُون هذه الأمانة بِحال.
وكذلك من الأخلاق: العفاف، فلابُدَّ أنْ يكُون الإنسانْ عَفِيفاً بِجميعِ ما تحتمِلُهُ هذهِ الكلمة من صُور ومعانٍ، أن يكُون عَفِيف القلب فلا يحقد ولا يحسد، عفيف اللِّسان لا يتكلَّم في أحدٍ إلاَّ بِحَق، ولا يستطيل في أعراض المُسلمين، ولا يكُونُ صخَّاباً في الأسواق، ولا غضُوباً لجلاجاً، و يكُونُ عفيفاً عن المحارِمِ كُلِّها.
ومنْ أظهر صُور العِفَّة عِفَّةُ الإزار، بأنْ لا يُحلَّ إزاره إلاّ على ما أحلَّه الله له وأباحه.
ومن مكارم الأخلاق: الحياءُ، فهو لا يأتي إلاَّ بِخير، وقد جاء في الحديث الصَّحيح: "إنَّ مما أدرك النَّاس من كلام النُّبُوَّة الأولى: إذا لم تَسْتَحِ فاصْنَع ما شئت". [أخرجه البخاري].
فالحياء لا يأتي إلا بخير، وهُو خلقٌ ينبغي أنْ يتجمَّلَ بِهِ المُسلم ويُكمِّل بِهِ نفسهُ. والمُرادُ بالحياء: الحياء الذِّي يمنع من ارتكاب ما مُنِع منهُ شرعاً أو عُرفاً.
لكنْ الحياء الذِّي يمنع من إقامة الواجِبات أو يمنع من ترك المحظُورات، يمنع من الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر، يمنع من إرشاد الجاهل فهذا لا يُسمّى حياءاً، فهذا خجل مذمُوم، نسأل الله العافية.

ومن الأخلاق الشَّجاعة، فالجبُن خُلقٌ ذميم تعوَّذ منهُ النبي – عليه الصلاة والسلام – وعلى كُلّ مُسلم أنْ يتعوَّذ منهُ. فالشَّجاعة خلقٌ ينبغي أنْ يَتَحَلَّى بِهِ المُسلم.
فعلى كلِّ مُسلم أنْ يكُون شُجاعاً، قَوَّالاً للحق، عامِلاً بِهِ، شُجاعاً في مواطِن الشَّجاعة في الحُرُوب، في الكلمة، في الصَّدْع بالحق عند الحاجةِ إليهِ وهكذا.
ومن تلك الأخلاق: الكرم، وضده البُخل، وهو خُلُقٌ ذميم فعلى المُسلم أنْ يكون كريماً باذِلاً لما يُطْلَبُ منه، فيما لا يَضُرُّ بِهِ ويَشُقُّ عليهِ.
ومن محاسن الأخلاق: الوفاء بالعُهُود، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ). [سورة المائدة، الآية: 1] فلا بُدَّ منْ أنْ يكُونَ المُسْلِمُ وفِيًّا لمنْ لهُ عليهِ حق، ولِمَنْ عَاهَدَهُ وعَاقَدَهُ على شيءٍ، لابُدَّ أنْ يَفِيَ لهُ بِما التزم.
ومن ذلك أيضاً: النَّزاهةُ عنْ كُلِّ ما حرَّم الله،فَكُل ما حُرِّم عليهِ ينبغي أنْ يبتعِدَ عنهُ ويتَنَزَّهَ منهُ، ولا يُزَاوِلُ شيئاً مِمَّا حَرَّمهُ اللهُ عليهِ سواءً كان خالِياً بمُفردِهِ، أو كان بِمَجْمَعٍ من النَّاس، ولاشكَّ أنَّ العلانِيَة أشد، ففي الحديث: "كُلُّ أُمَّتِي مُعافى إلا المُجاهِرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه". [أخرجه البخاري ومسلم].
لو كان الإنسانُ خالِياً وارتكب المُحرَّمات فهذا أمرٌ رُتِّب عليهِ عِقاب، وهو تحت المَشِيئة؛ لكنْ أشدُّ من ذلك المُجاهرة.
ومن تلك الأخلاق الحسنة: حُسن الجِوار،فالجار لهُ حُقُوق، لهُ حق الأُخُوَّة في الدِّين، لهُ حقُّ الجِوار، وإذا كان قريب زاد حقٌّ ثالث وهو حقُّ القرابة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "ما زال جبريل يُوصِيني بالجار حتَّى ظننتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ". [أخرجه البخاري وسلم]. وفي حديث آخر: "وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائقه". [أخرجه البخاري ومسلم].
فلا بُدَّ من الحرص على حُسْنِ الجِوار، وعدم التَّعرِّض للجار بأيِّ أذى.
ومن تلك الأخلاق: مُساعدة ذوي الحاجات حسب الطَّاقة؛ تُعين صانعاً، أو تصْنَع لآخر، فهذا من أفْضَل الأعمال، وكذا معونة ذوي الحاجات، كالأعمى الذِّي يحتاج إلى من يقُودُهُ، وبحاجة إلى من يقُودُهُ، فتُمْسِك بيدِهِ وتُوصِلُهُ إلى المسجد، إلى بِقالة، إلى عمل، أو إلي أي شأن يُريد؛ لكنْ بما لا يشُقُّ عليك ولا يُعَطِّل مصالِحك، أنت عندك عمل تسترزق منه، ووجدتْ أعمى، وعمله في جِهةٍ غير جِهَتِك، فهل تترِك عملك وتذهب حتى توصله؟!.
الجواب: لا.
فأنت يجب عليك أن تعين المحتاج، لكن بما لا يَشُقُّ عليك، ولا يُعطِّلُ مصالِحك.
وكذلك مُساعدة ذوي الحاجة، يجب أن يكون حسْب الطَّاقة، حسْب الجُهد، حسْب المُسْتَطَاع.
وهناك أخلاقٌ أخرى غير هذه، وقد دلَّ الكِتاب والسُّنَّة على مَشْرُوعِيَّتِها.
والله أعلم.
وصلى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا مُحمد
وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

نسال الله العلي القدير ان يرزقنا التحلي بهذه الاخلاق كلها
منقول

بارك الله فيك على الموضوع الطيب ونسأل الله أن يحسن أخلاقنا

جزاك الله كل خير
بارك الله فيك على الموضوع الطيب ونسأل الله أن يحسن أخلاقنا

وفيكم بارك الله اخوتي
شكرا لكم
بارك الله فيك على الموضوع القيم
وفيكم بارك الله

العلامة الخضير – خطر الطعن في كبار العلماء 2024.

خطر الطعن في كبار العلماء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

يقول: لُوحِظ في كثير من مجالس الشَّباب، وبعد الأحداث الأخيرة التَّكلُّم والطَّعن في كِبار العُلماء والتَّنقيص منهم، فهل من نصيحة بأهمِّيَّة العُلماء في هذا؟

العلماء هم ورثة الأنبياء، والطَّعنُ فيهم، الطَّعن في عامَّةِ النَّاس أمرٌ خطير، أعراض المُسلمين حٌفرةٌ من حُفر النَّار، كما قرَّر أهلُ العلم، والغِيبة مُحرَّمة، فإذا كانت الغِيبة لعالم ازْدَاد الأمرُ سُوءاً، وتضاعفت السَّيِّئات لما يترتَّبُ على الطَّعن لهذا العالم من تقليل قيمة هذا العالم في المُجتمع، ومن ثمَّ إمامة هذا العالم، وتوجيه هذا العالم، وضعف قبُول النّاس لقولِهِ؛ فإذا لم يُقبل قولُهُ فمن يُقبل قولُهُ؟ إذا لم يُقبل قولُ العُلماء، إذا لم يكُن للعُلماء أثر في عامَّةِ النَّاس، فمن الذِّي يُترك يُؤَثِّر فيهم؟ يُتْرك التَّأثير بدلاً منْ أنْ نقتدي بأئِمَّة هُدى عُرِفُوا بالعلم والعمل، يُتْرك التَّأثير للصُّحُف والمجلاَّت والقنوات وغير ذلك، ونعرف من عُلمائنا -ولله الحمد- العلم والعمل والنُّصح والإخلاص، وليسُوا بالمعصُومين، وكون الإنسان لا بُد أنْ يفرض رأيُهُ وفهمُهُ على الآخرين هذا ما هو صحيح، هذا فهمك أنت لا تُريد الحق، وفي الغالب هو أعرف منك بتحقيق المصلحة من جِهة، ومعرفة ما يدُلُّ عليهِ نُصُوص الكتاب والسُّنَّة.
على كُلِّ حال التَّقليل من شأنِ أهلِ العلم خطرٌ عظيم؛ لأنَّ بعض المُجتمعات التِّي لا يقُودُها العلماء، ولا ينصاعُ أهلُها إلى أقوال أهلِ العلم ضاعت، إذا لم يكُن هُناك أئِمَّة يُقتدى بِهم فبمن يُقتدى؟ يُقتدى بالسُّفهاء؟ يُقتدى بالجُهَّال؟ تسيِّرنا الصَّحافة، يُسيِّرنا قنوات وغيرها، لا أبداً، العلماء هم ورثة الأنبياء، ونجزم يقيناً أنَّهُم على خيرٍ عظيم، وعلى اجتماع واقتران بين علمٍ وعمل، وليسُوا بالمعصُومين قد يجتهد فيُخطأ، ومن نِعم الله -سبحانه وتعالى- على أهل العلم، أهل الاجتهاد، أهل الورع، أنَّ الواحد منهم إذا اجتهد فهو مأجُور على كلِّ حال أصابَ أو أخطأ؛ لكنْ بعض الشَّباب يأخُذُهم شيء من الغَيْرَة، وهُم إنْ -شاء الله- مأجُورون على هذهِ الغَيْرَة، وبعض الحماس؛ لكن ما يترتَّب على هذه الغَيْرَة منْ قدْح في الآخرين، وفَرْض الرَّأي على الكبير والصَّغير، لا بد أنْ يكُون رأيُهُ هو الصَّواب، والعالم الفُلاني قَصَّر، ليش قصَّر؟ هو أعرف منك بالمصلحة، هُناك أُمُور ظاهرة يعني التَّقصير فيها قد يكُون ظاهر؛ لكن هم يُقدِّرُون المصالح والمفاسد المُترتِّبة على النُّصْح في هذا الظَّرف أو التَّغيير، أو مُطالبة بتغيير أو شيء من هذا.
على كلِّ حال التَّقليل من شأن العُلماء أمرٌ خطير يجعل البلد يضيع كغيرِهِ من البُلدان حينما ضاعت قيمة العُلماء، والله المُستعان، ولا ندَّعِي أنَّ شُيُوخنا معصُومون، لا، هم كفاهُم أنَّهُم مُجتهِدُون، إنْ أصابُوا فلهُم أجران، وإنْ أخطأوا فلهُم أجرٌ واحد.
https://www.khudheir.com/ref/292

بارك الله فيك و حفظ الله الشيخ الخضير و وفقه

شكرا لهذا الموضوع ورحم الله علماءنا الاحياء منهم والاموات
وفيكم بارك الله اخوتي في الله
جزاك الله خير
بارك الله فيك أختي الكريمة

وفيكم بارك الله
إذا لم يُقبل قولُ العُلماء، إذا لم يكُن للعُلماء أثر في عامَّةِ النَّاس، فمن الذِّي يُترك يُؤَثِّر فيهم؟ يُتْرك التَّأثير بدلاً منْ أنْ نقتدي بأئِمَّة هُدى عُرِفُوا بالعلم والعمل، يُتْرك التَّأثير للصُّحُف والمجلاَّت والقنوات.
بارك الله فيك.

التحزبات والاختلافات بين الشباب كلام نفيس لفضيلة الشيخ الخضير 2024.

التحزبات والاختلافات بين الشباب

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

يقول: كَثُر في هذهِ الأوقات اختلاف النَّاس وتَحَزُّبُهم حتّى لا نكاد نجلس في مجلس إلاّ ونرى الاختلاف بين الشّباب.
هذا الاختلاف وهذا التَّحريش بين أهل المُعتقد الواحد سبّبَ في القطيعة والهجر، وأوجد الضَّغائن والأحقاد بين الأخيار مع الأسف الشديد، وهذا مما يرضى به الشيطان وهو التَّحريش؛ لأنه أَيِسَ أنْ يُعْبَدَ في جزيرة العرب، والتَّجربة والواقع يشهد أنَّ من كان هذا دَيْدَنُهُ الانشغال بالنَّاس بفلان وعلاَّن والغفلة عن عُيُوبِهِ، وعن تكميل ما ينقُصُهُ من علمٍ وعمل، التَّجربة أثبتت أنَّهُ سببٌ مُباشر لحرمان العلم والعمل معاً، بعض النَّاس يَرضَى بهذا، يُقابلُ أخاهُ الذِّي لا يختلف معهُ في شيء إلاّ في أُمورٍ لا تكاد تُذكر، وبعضُها مبني على ظُنُون وعلى أوهام، وبعضُها على وشايات ونقل كلام يُقابل وجههُ بوجهٍ مُكْفَهِرٍّ مُعربد، لا يُقابل بِهِ أعْدَى النَّاس لهُ -نسأل الله السَّلامة والعافية-.
على الإنسان أنْ يكون سليم الصَّدر، أمَّا إذا وُجِد مُبتدع ويُخشى من تَعدِّي بِدعتِهِ إلى غيرِهِ مثل هذا يُحذَّر منهُ بقدْر الحاجة، ولا يكون الغرض من التَّحذير منهُ التَّشفِّي بعرضِهِ، جاء النَّصُّ بأنَّ ((مطل الغنيِّ ظُلم يُبيحُ عِرضهُ وعُقُوبتُه)) أهلُ العلم يقولون: أنَّ المُباح من عِرْض المُماطل أنْ تقول: " مَطَلَني " فقط، ما تقول: " الخبيث " ، لا، بقدْر الحاجة {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] يعني بقدْر المَظلمة؛ لأنَّهُ إذا زادَ عن المظلمة صار ظالم.
فعلى طالب العلم أنْ يُعنى بنفسِهِ، وأنْ يحرص على حِفظ ما يكتسِبُهُ من أُجُور؛ لئَلاّ يأتي يوم القيامة مُفلِساً، ويكُونُ ممَّن تَعِبَ ونَصب وعَمِل في الدُّنيا، ثُمَّ يكونُ عملُهُ وبالاً عليه {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] يظن أنَّ هذا في ميزان حسناتِهِ، وهو في الحقيقة العكس، فعلى الإنسان أنْ يحرص أشدَّ الحِرص على المُحافظة على ما يكتسِبُهُ من أُجُور، وأنْ يسعَ جاهِداً في تحصيل الأُجُور، واللهُ المُستعان.

حُدُود الوَسَطِيَّة ومفهُومها الشيخ/ عبد الكريم الخضير 2024.

أثابكم الله.. هذا سؤال من أحد الأخوة الحضور يسأل عن حُدُود الوَسَطِيَّة ومفهُومها، يقول: لأنَّ من النَّاس منْ يَذُمّ التَّمييع والتَّساهُل ويهرب طالباً الوسطيَّة وإذا هو يسقط مع الجانب الآخر وهو جانب التَّنطُّع والغلو والتَّشدُّد، ومنهم بالعكس من يَذُمّ التَّنطُّع والغلو ويهرب طالباً الوسطيَّة ثُم يسقط مع جانب التَّسهيل والتَّيسير على ما يذكُر… فما حُدُود الوسطيَّة ومَفْهُومُها؟

الوَسَطِيَّة هي سِمَةُ هذا الدِّينْ، وهي سِمَةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، فالدِّين وسط بين الأدْيَان، وأهلُ السُّنَّة والجماعة وسط بين المَذَاهب، وشيخ الإسلام -رحمهُ الله تعالى- أَبْدَعَ في تقرير مذهب أهلِ السُّنَّة والجماعة في الواسِطِيَّة حينما شرح طرفي النَّقيض في كل مسألةٍ من مسائل الاعتقاد ثُمَّ قال وأهل السُّنَّة وسطٌ في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا إلى آخرهِ، فالوسط هو أنْ تَتَّقِيَ الله -جلَّ وعلا- وتَسْأَلَهُ الإعانة والتَّوفِيق والتَّسديد، وأنْ تعمل الواجِبَات وتترُك المُحرَّمات، إذا أُمِرْتَ بشيء فَبَادِر إلى العملِ بِهِ، وإذا نُهيتَ عن شيء فبَادِر إلى الامْتِناع عنهُ ((إذا أمرتُكُم بشيءٍ فأتُوا منهُ ما استطعتُم، وإذا نهيتُكُم عن شيءٍ فاجْتَنِبُوه))، ((إنَّ الدِّين يُسْر ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلاَّ غَلَبهُ))، ((يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا، بَشِّرَا ولا تُنَفِّرَا))، المَقْصُود أنَّ دين الله وسط بين الغالي والجافي، لا شكَّ أنَّ التَّكاليف تكاليف وهي إِلْزَامٌ فيهِ كُلْفَة على النَّفْسْ، الواجِبَات فيها كُلْفَة على النَّفْسْ ، تارك المُحرَّمات ورَغَبَات النُّفُوس فيها كُلْفَة على النَّفْسْ، لا يعني أنَّ الدِّين وسَط، وأنَّهُ يُسر، بأنَّنا نَتَفَلَّتْ من الواجِبَاتْ، ونَرتكبُ المُحرَّمات والدِّين يُسْر – لا يا أخي – اللهُ -جلَّ وعلا- الذِّي قال: إنَّ رَحْمَتَهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء، هُو شَدِيدُ العِقَابِ أَيْضاً؛ فَأَنْتَ مَأْمُورٌ ومَنْهِي، فَعَلَيْكَ أَنْ تَأْتَمِر بقَدْر طاقتك واستِطاعَتِك {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة/286]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطَّلاق/7]؛ لكنْ أيضاً عليك أنْ تنتهي، فالجنَّةُ حُفَّت بالمكاره؛ لأنَّ بعض النَّاس يستغلّ مثل هذهِ النُّصُوص على التَّنَصُّلْ من الدِّين بالكُلِّيَّة، وهذامَسْلَكٌ سَلَكَهُ بعض المُبْتَدِعة إلى أنْ وَصِلُوا إلى حدٍّ تَوََلَّغَوا فيهِ، خَرَجُوا من الدِّين بالكُلِّيَّة، فالدِّين مجموعة وعبارة عن أوامِر ونَواهي، والجنَّةُ حُفَّت بالمكاره، فأنت اسْتَفْتِ قلبك إذا عُرِضَ عليك أمر؛ فإنْ كُنتَ من أهلِ النَّظر والاسْتِدْلال وعندَكَ من الدَّليل ما يَدْعُوكَ إلى الإقْدَام عليهِ فَأَقْدِمْ، وما يدْعُوك إلى الإحْجَامِ عنهُ فَأَحْجِمْ، إذا لمْ تَكُنْ من أهلِ النَّظر فَفَرْضُكَ التَّقليد وسُؤال أهل العلم، فاسأل من تَبْرَأ الذِّمَّة بِتَقْلِيدِهِ، اسأل أهل العلم، اسأل الدِّين، اسأل الوَرَع..

ولَيْسَ في فَتْواهُ مُفْتٍ مُتَّبَع … مَا لمْ يُضِفْ للعِلْمِ والدِّينِ الوَرَعْ
فالمَسْألة دَائِرةٌ بين أمرين، والنَّاس اثنان، أحدُهما صاحبُ علمٍ ونَظَر مثل هذا فَرْضُهُ النَّظر ينظُر في النُّصُوص على أنَّها دِينْ، لا على أنَّها إتِّباع شَهَواتْ؛ بل بعض النَّاس ينظُر في المذاهب لا يَنْظُر في النُّصُوص، يقول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ما خُيِّرَ بينَ أَمْرَيْنْ إلاَّ اختَار أيْسَرَهُما)) أبُو حنيفة يقول كذا ومالك يقول كذا، إذاً أبو حنيفة أَسْهَل أو مالك أسهل؟! مالك إمامٌ مُعْتَبَر، مالك نجمُ السُّنَنْ، أبُو حنيفة الإمام الأعظم، كُلُّهُم أَئِمَّة، وكُلُّهُم على العَيْن والرَّأْس؛ لكنْ وش معنى هذا؟! هذا أنَّك تَتْبَع هواك ما تَتْبَع الدِّينْ، انْظُر في أَدِلَّةِ هؤُلاء وهَؤُلاء، ثُمَّ إذا تَرَجَّحَ عِندك فَاعْمَل بِما تَدِينُ الله بِهِ، واتْرُك عنكَ بُنَيَّاتِ الطَّريق ولو كَثُرَ الكلام، ولو كَثُرتْ الدندنة، ولو كَثُر من يَخْرُج في القنوات ويُقلِّلْ من شَأْنِ الدِّينْ والمُتَدَيِّنِينْ، ويُريد أنْ يُخرِج النَّاس مِنْ أَدْيَانِهِمْ بِالفَتَاوى المَائِعَة التِّي لا تَعْتَمِد لا على عَقِل ولا على نَقِلْ؛ فعلى الإنسان إنْ كانَ من أهلِ النَّظر أنْ يَعْمَل بما يَدِينُ الله بِهِ منْ خِلال الدليل الصَّحيح، وإنْ لَمْ يَكُنْ منْ أهلِ النَّظر، فَعَلَيْهِ أنْ يُقلِّد مَنْ تَبْرَأُ الذِّمَّة بِتَقْلِيدِهِ، واللهُ المُستعان.

منقول