الاسرار الباطنية للبسملة 2024.

الاسرار الباطنية للبسملة
إن من الآداب الباطنية للصلاة، بعد التكبير والإستعاذة، التسمية.. ومن المعلوم أن التسمية -{بسم الله الرحمن الرحيم}- جزء لا يتجزأ من سور القرآن الكريم، وهي جزء من كل سورة،.. إن التسمية حقيقة من الحقائق الكبرى، في حياة الإنسان المؤمن.. وعلى المصلي أن يستحضر معاني التسمية التي منها:
الاستئذان: إنها بمثابة استئذان المولى، وصاحب هذا الملك، في التصرف في ملكه.. فإذا كان الإنسان جالسا في بيت أحد الأصدقاء، وأراد أن يأخذ متاعا من ذلك البيت، فمن الطبيعي أن يستأذن صاحبه، وإن كان ذلك الصديق راضيا في قلبه؛ لأنه هكذا جرت العادات، والآداب بين الناس.. والعبد في محضر الله -عز وجل- ويريد أن يأكل مما خلق من: الطعام، والشراب، واللباس؛ فمن الأدب أن يستأذن مولاه.. واستئذانه لا يحتاج إلى جواب، وإنما استئذانه يكون بالتسمية.. والإنسان عندما يركب السيارة أو الدابة ويسمي، فاستئذانه يعني الموافقة.. والله -عز وجل- أكرم وأجلّ من أن يسميه الإنسان، ويذكر اسمه؛ ولا يأذن له بالتصرف!.. فما قيمة الوجود بين يدي الله -عز وجل- كيلا يأذن له في التصرف، وهو قد سمى باسمه الكريم.. فإذن، إن التسمية نوع استئذان للتصرف في ملك الله سبحانه وتعالى.تخليد العمل: إن من بركات التسمية تخليد العمل، فعندما يستأذن الإنسان في الأكل والشرب، الذي ينطلق من منطلقات الغريزة؛ فإنه قد ربط هذا الفاني بالباقي.. فيقول: بسم الله آكل، ومن المعلوم بأن{بسم اللهالرحمن الرحيم} جملة متعلقة بمحذوف.. ما هو ذلك الفعل المحذوف؟.. الفعل هو: أبتدئ آكل، أو أقرأ، أو أعمل هذا العمل بسم الله.. فهنالك فعل محذوف، يتناسب مع طبيعة العمل الذي يزاوله، أقلها أن يقول: أبتدئ {بسم الله الرحمن الرحيم}.. فالعمل الذي بدئ باسم الله -عز وجل- منتسب إليه.. إذ (كلعمل لم يبدأ باسم الله، فهو أبتر)؛ والأبتر: ناقص البركة، والمقطوع؛ أي المقطوع الذي لا عقب له، ولا دوام له.
الوقاية من الذنوب: إن الفائدة الثالثة للتسمية، هي الوقاية من الذنوب؛ فعندما يسمي الإنسان، ويزاول عملا؛ فإنه من الطبيعي أن يلحظ رضا الله -عز وجل- في ذلك العمل.. فالذي يقوم بعمل ما ويقول: {بسم الله الرحمن الرحيم} بالتفات وتوجه، لا بد أن يراعي رضا الله -عز وجل- في ذلك العمل؛ فلا يعصي الله.. فعندما يذهب للعمل -مثلا- ويفتح باب المتجر، ويقول: {بسم الله الرحمن الرحيم} لا تلفظا، بل حقيقة؛ يستحي أن يقوم بما يخالف رضا الله عز وجل.
تمنع الشياطين: وكذلك فإن من بركات التسمية، أنها تمنع الشياطين؛ لأنه ذكر الله تعالى.. وكما هو معلوم بأن الشيطان، إذا سمع ذكر الله -عز وجل- خنث وتراجع؛ لأن هذه مملكة الله -عز وجل- {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}.. فإذن، إن التسمية قبل العمل من موجبات المباركة الإلهية، ودفع الشيطان عند القيام بذلك العمل.
الرحمة الإلهية: إن من الملاحظ أن رب العزة والجلال، قد اختار من بين أسمائه الحسنى اسمين في التسمية، وكان بإمكانه أن ينوّع فيقول: بسم الله المنتقم الرحمن؛ لتتم الموازنة بين الخوف والرجاء.. ولكن الملاحظ أن القرآن الكريم في كل سورة، ما عدا سورة البراءة تفتتح بالتسمية.. والله -عز وجل- عندما اختار اسمين من أسمائه الحسنى؛ جعلهما من مادة واحدة، وهي مادة الرحمة.. ولهذا حذفتالتسمية من سورة البراءة؛ لأنه لا مناسبة بين البراءة، وبين الرحمة الإلهية.. ولهذا تقرأ سورة التوبة من دون تسمية.

يلاحظ أن المادة هي الرحمة، ولكن لهذه المادة وجهان: الرحمن، والرحيم.. فالرحمن تمثل الرحمة العامة، أما الرحيم فتمثل الرحمة الخاصة.. إن هنالك رحمة تكوينية -وكما هو معلوم- فالكافر مرزوق، وبلاد الكفار أجمل من بلادنا بكثير في هذه الأيام: طبيعة، ومناخا، وشكلا، وبركات مختلفة.. لأن الله الرحمن رازق للجميع، وهو في نفس الوقت رحيم بالمؤمنين.. فمن أعظم أنواع النعم الإلهية، بالنسبة للإنسان المؤمن، أن يقبل عليه ربه عندما يصلي ويقول احد النساك: (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره أن يرفع رأسه من السجود).. وقال الإمام الصادق: (إذا قام المصلي إلى الصلاة؛ نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض، وحفت به الملائكة، وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة؛ ما انفتل).
فالمصلي عندما يسمي قبل سورة الحمد، يستحضر هذه المعاني: يستحضر الاستئذان بالعمل، ويستحضر نية دفع الشياطين، كما يستحضر الرحمة الإلهية التي يتوقعها أثناء دخوله في بحر الصلاة.. وهنالك شبه بين التسمية، وبين الوضوء الدائم.. فمن المعروف أن الذي يواظب على الطهور، عندما ينتقض وضوؤه، يعيش حالة من الكدور الباطنية؛ وكأنه محدث بالحدث الأكبر.. وكذلك فإن الذي يتعوّد التسمية، فعندما يقوم بعمل وينسى التسمية؛ يعيش حالة الخيانة والجفاء لله عز وجل.. ولهذا أمرنا أنه عند الطعام إذا تذكرنا نسيان التسمية، نتدارك الموقف ونقول: بسم الله في أوله وفي آخره.. ولهذا فإن بعض العلماء الأبرار ينصحون بالجهر بالتسمية أثناء الطعام؛ لتذكير الغير.
وقد ورد بأن {بسم الله الرحمن الرحيم}، لها أثر عجيب في عالم العرفان.. ولو كانت هنالك عبارة أعظموأجلّ من{بسم الله الرحمن الرحيم}؛ لاختارها الله -عز وجل- مفتتحا لكل سور القرآن.. وبذلك يتبين أن أكثر آية متكررة في القرآن الكريم هي آية البسملة؛ لأنها في صدر كل سورة، رغم أنها جاءت أيضا من خلال سورة النمل {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

الأسرار الباطنية لسورة الفاتحة 2024.

الأسرار الباطنية لسورة الفاتحة
عند دراسة الأسرار الباطنية لسورة الفاتحة، من المناسب الوقوف على محطات مختلفة.. من هذه المحطات آية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أو {مَلِك يَوْمِ الدِّينِ}، فإن هذه الآية فيها قراءتان: {مَالِكِ} و {مَلِك}، ولكل من الكلمتين معنى يغاير المعنى الآخر.. أما (المَلِك) فهذه الكلمة مأخوذة من المُلك، و(المالك) مأخوذة من المِلك وبينهما فرق.. المَلِك: هو ذلك الإنسان، أو ذلك الموجود الذي له الهيمنة على الشيء، من دون أن يكون مالكا له أيضا، كمَلِك المملكة، فهو يحكم شعبا، ويحكم المقدرات؛ ولكنه لا يملك مَن على وجه الأرض.. فهو مَلِك، وليس بمالك.. وفي بعض الأوقات، لا يكون الإنسان مَلِكا، بل يكون مالكا؛ أي مأخوذ من المِلك، لا من المُلك.
ولكن عندما نصل إلى مقام الربوبية، فإن هنالك حيثيتين: حيثية المالكية المأخوذة من المِلك، فكل من في الوجود: السماوات العلى والأرضين السفلى وما بينهم مِلكٌ طِلقٌ له، فهو يتصرف في ملكه كيفما يشاء.. ومن هنا، فإن الملائكة بين يدي الرب متأدبة جدا {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.. ولهذا عندما برز منهم تساؤل بسيط بالنسبة إلى خلقة آدم (ع): {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، تراجعوا عن هذا الجو الذي أثاروه.. فالذي ينظر إلى رب العزة والجلال بالمنظارين: بمنظار المِلك، ومنظار المُلك.. على أنه مَلك، وعلى أنه مالك؛ فإنه من الطبيعي أن تكون ثمرة هذا الإحساس، وهذا الإعتراف بالمالكية والحاكمية، هي تحول الإنسان إلى عبد.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، إن الآيات في تمام الترابط.. يقول البعض: أن قَسَم القرآن الكريم {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} لعل هذا القسم مرتبط بوجود حالة تشابه بين النجوم والمجرات، وبين آيات القرآن الكريم.. فالمقاسات والتجاذب الموجود بين الكواكب، تجاذب محسوب بأدنى درجات المقاييس، وإلا وقع الدمار في هذا الوجود.. وكذلك الآيات القرآنية؛ فإنها متناسبة جدا.
إن القرآن الكريم بعد أن مدح رب العالمين، وجعل الإنسان يعيش جو الرحمة العامة والخاصة؛ فإنه يذكره بعد ذلك بالمالكية والمملوكية.. فالرحمة بالإضافة إلى المالكية والمملوكية، تفرز بشكل طبيعي حالة العبودية، لا العبودية القهرية؛ وإنما العبودية العاطفية.. لأنه رحيم، رحمان، ملك، مالك.. فمجموعة هذه العناصر توجد العبودية الخاشعة، لا العبودية الخائفة.. وفرق بين أن يعيش الإنسان جو العبودية من دون عواطف، كما هو الملاحظ في العباد المأمورين، كالجنود الذين يعيشون حالة العبودية والطاعة؛ ولكنها طاعة غير خاشعة، لعدم وجود صفة الرحمة -مثلا- إذا كان الأمر كذلك.. فإذن عندما يجمع الإنسان هذه العناصر، يتحول تلقائيا إلى موجود عابد من دون تكلف.. وحقيقة هذه الرتبة، رتبة الإحساس بالمملوكية رتبة عالية جدا.. ولعل الإنسان لا يعيش هذا الشعور يوما واحدا في حياته من البلوغ إلى الممات.. بل يعيش حالة الاستقلالية والاستغناء، ولا يلتفت إلى هذه الحقيقة، إلا عند أول قدومه على ربه {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.

إن الإنسان الذي يرى نفسه مملوكا بكل معنى الكلمة، لا يحتاج إلى كثير عناء؛ لأن هذا الإحساس فيه بركات كثيرة لا تعد ولا تحصى.. ومن أولى بركات هذا الإحساس، التعبد الطبيعي من دون تكلف ولا منة؛ فهو لا يحتاج إلى مجاهدة في كل موقف.. والإنسان غير السالك، وغير العابد، وغير الذي يرى نفسه مملوكا، يحتاج إلى معاملة في كل يوم.. وفي اليوم الواحد أيضا يحتاج إلى مجاهدات عديدة: إنه يحتاج إلى مجاهدة في مجال النظر، وفي مجال السمع، وفي مجال البطن، وفي مجال شهوة النساء.. والمجاهدات المتكررة توجد ثقلا على النفس، بمثابة الطفل الذي يؤمر صباحا، وظهرا، وليلا، وعشاء؛ فإنه سيتمرد أخيرا.. لأن هذه الأوامر قصرية، وخلاف مزاجه وطبيعته.
وعليه، فإن الإنسان المجاهد لا السالك الذي يجاهد نفسه، قد تنفلت من يديه زمام الأمور في ساعة من الساعات، ويستسلم للضغط الذي يواجهه في الليل والنهار.. وهذا ما نراه من حركات الانقلاب والردة، في كثير من العابدين والمجاهدين.. إن البعض لهم سوابق عريقة في الجهاد بمعنييه: الأصغر، والأكبر؛ ولكنهم بعد ذلك تراهم في درجات دنيا وسافلة كثيرة، كما رأينا البعض ممن شهدوا مع النبي (ص) غزوات مختلفة، ولكن آلَ أمرهم إلى الانحراف..كالمنافقين أما الإنسان السالك فإنه يهيئ الأرضية لهذا الأمر، حيث أن له بنيانا عميقا،؛ ولهذا لا يرى هذا الفتور، ولا هذا الانفلات في سلوكه.. فهو على وتيرة واحدة؛ لأنه يرى نفسه مِلكاً طِلقاً لرب العالمين في كل حركاته وسكناته، ولهذا لا يفكر بالتمرد، ولا يفكر في المعصية.. وعندما لا يعصي ويطيع، لا يرى في ذلك منة أبدا؛ لأن ذلك مقتضى طبيعته!..
هل رأيتم يوما من الأيام الوردة تمنّ على البشر برائحتها؟.. لا؛ لأن طبيعة الوردة أن تكون فواحة، فلا تمنّ من طبيعتها ومن ذاتها، وكذلك الإنسان.. وفي عالم الحيوانات، هل رأيتم نحلة تمنّ على البشر بعسلها؟.. أيضا لا؛ لأن من طبيعتها أن إنتاج هذا العسل.. فالمؤمن السائر إلى الله -عز وجل- تقتضي طبيعته الطاعة، لا مجاهدة النفس تقتضي الطاعة.. فالمجاهدة أمر خارج عن الذات، ولأنه خارج عارض، ولأنه عارض يأتي ويذهب، ويزول ويرتفع.. أما إذا تحوّل الأمر إلى سنخ وإلى ذات وإلى جوهر؛ فإنه مستحيل منه ذلك.. فهذا معنى المعصوم، والمعصوم ذلك الموجود الذي لا يمكن -رغم أنه قادر أن يعصي- أن يعصي؛ لأن طبيعة المعصوم، لا يمكن أن تفرز هذا المعنى.
إن المؤمن يترقى في سبيل التكامل، على الأقل في مجال الحلال والحرام؛ فيصبح معصوما، أو شبه معصوم.. قد يرتكب ترك الأولى، ويرتكب المكروهات، ويترك بعض المستحبات؛ ولكن يصل إلى درجة من درجات العصمة الخفيفة -طبعا لا يقاس بعصمة المعصوم أحد- فيصبح المنكر والحرام يخالف طبيعته الطبيعية، من دون أي تكلف.. ولهذا فإن الإنسان الذي يرى نفسه مملوكا لله -عز وجل- لا سبيل له إلا أن يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، فيحصر عبادته في الله عز وجل؛ لأنه لا يرى مالكا غيره.
إن الإنسان له مسؤولية تجاه المالكين، إذا كان لا يرى مالكا في الوجود إلا الله -فالتوحيد أن لا ترى أحدا إلا الله- فمعنى ذلك أنه لا يرى شيئا في عالم الوجود، يستحق أن يلتفت إليه.. وإذا لم يستحق الالتفات، لا يستحق الطاعة والعبادة؛ لأن جوهر العبادة الالتفات (من أصغى إلى ناطق، فقد عبده.. فإن كان الناطق يؤدي عن الله عزَّ وجلَّ؛ فقد عبد الله). وثم لا يستعين بغير الله -عز وجل- لما يرى بأعماق وجوده، أنه هو المالك للرقاب، وهو المسبب للأسباب.. فمن الطبيعي أن يتوكل عليه حق التوكل، حتى إذا استمد من عالم الأسباب بعض الأمور؛ فإنه يرى أن ذلك بأمر من رب العزة والجلال، فلأنه أمره بذلك، فيأتمر به.

بارك الله فيك وجازاك الله كل خير………..

الاسرار الباطنية للبسملة 2024.

الاسرار الباطنية للبسملة
إن من الآداب الباطنية للصلاة، بعد التكبير والإستعاذة، التسمية.. ومن المعلوم أن التسمية -{بسم الله الرحمن الرحيم}- جزء لا يتجزأ من سور القرآن الكريم، وهي جزء من كل سورة،.. إن التسمية حقيقة من الحقائق الكبرى، في حياة الإنسان المؤمن.. وعلى المصلي أن يستحضر معاني التسمية التي منها:
الاستئذان: إنها بمثابة استئذان المولى، وصاحب هذا الملك، في التصرف في ملكه.. فإذا كان الإنسان جالسا في بيت أحد الأصدقاء، وأراد أن يأخذ متاعا من ذلك البيت، فمن الطبيعي أن يستأذن صاحبه، وإن كان ذلك الصديق راضيا في قلبه؛ لأنه هكذا جرت العادات، والآداب بين الناس.. والعبد في محضر الله -عز وجل- ويريد أن يأكل مما خلق من: الطعام، والشراب، واللباس؛ فمن الأدب أن يستأذن مولاه.. واستئذانه لا يحتاج إلى جواب، وإنما استئذانه يكون بالتسمية.. والإنسان عندما يركب السيارة أو الدابة ويسمي، فاستئذانه يعني الموافقة.. والله -عز وجل- أكرم وأجلّ من أن يسميه الإنسان، ويذكر اسمه؛ ولا يأذن له بالتصرف!.. فما قيمة الوجود بين يدي الله -عز وجل- كيلا يأذن له في التصرف، وهو قد سمى باسمه الكريم.. فإذن، إن التسمية نوع استئذان للتصرف في ملك الله سبحانه وتعالى.تخليد العمل: إن من بركات التسمية تخليد العمل، فعندما يستأذن الإنسان في الأكل والشرب، الذي ينطلق من منطلقات الغريزة؛ فإنه قد ربط هذا الفاني بالباقي.. فيقول: بسم الله آكل، ومن المعلوم بأن{بسم اللهالرحمن الرحيم} جملة متعلقة بمحذوف.. ما هو ذلك الفعل المحذوف؟.. الفعل هو: أبتدئ آكل، أو أقرأ، أو أعمل هذا العمل بسم الله.. فهنالك فعل محذوف، يتناسب مع طبيعة العمل الذي يزاوله، أقلها أن يقول: أبتدئ {بسم الله الرحمن الرحيم}.. فالعمل الذي بدئ باسم الله -عز وجل- منتسب إليه.. إذ (كلعمل لم يبدأ باسم الله، فهو أبتر)؛ والأبتر: ناقص البركة، والمقطوع؛ أي المقطوع الذي لا عقب له، ولا دوام له.
الوقاية من الذنوب: إن الفائدة الثالثة للتسمية، هي الوقاية من الذنوب؛ فعندما يسمي الإنسان، ويزاول عملا؛ فإنه من الطبيعي أن يلحظ رضا الله -عز وجل- في ذلك العمل.. فالذي يقوم بعمل ما ويقول: {بسم الله الرحمن الرحيم} بالتفات وتوجه، لا بد أن يراعي رضا الله -عز وجل- في ذلك العمل؛ فلا يعصي الله.. فعندما يذهب للعمل -مثلا- ويفتح باب المتجر، ويقول: {بسم الله الرحمن الرحيم} لا تلفظا، بل حقيقة؛ يستحي أن يقوم بما يخالف رضا الله عز وجل.
تمنع الشياطين: وكذلك فإن من بركات التسمية، أنها تمنع الشياطين؛ لأنه ذكر الله تعالى.. وكما هو معلوم بأن الشيطان، إذا سمع ذكر الله -عز وجل- خنث وتراجع؛ لأن هذه مملكة الله -عز وجل- {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}.. فإذن، إن التسمية قبل العمل من موجبات المباركة الإلهية، ودفع الشيطان عند القيام بذلك العمل.
الرحمة الإلهية: إن من الملاحظ أن رب العزة والجلال، قد اختار من بين أسمائه الحسنى اسمين في التسمية، وكان بإمكانه أن ينوّع فيقول: بسم الله المنتقم الرحمن؛ لتتم الموازنة بين الخوف والرجاء.. ولكن الملاحظ أن القرآن الكريم في كل سورة، ما عدا سورة البراءة تفتتح بالتسمية.. والله -عز وجل- عندما اختار اسمين من أسمائه الحسنى؛ جعلهما من مادة واحدة، وهي مادة الرحمة.. ولهذا حذفتالتسمية من سورة البراءة؛ لأنه لا مناسبة بين البراءة، وبين الرحمة الإلهية.. ولهذا تقرأ سورة التوبة من دون تسمية.
يلاحظ أن المادة هي الرحمة، ولكن لهذه المادة وجهان: الرحمن، والرحيم.. فالرحمن تمثل الرحمة العامة، أما الرحيم فتمثل الرحمة الخاصة.. إن هنالك رحمة تكوينية -وكما هو معلوم- فالكافر مرزوق، وبلاد الكفار أجمل من بلادنا بكثير في هذه الأيام: طبيعة، ومناخا، وشكلا، وبركات مختلفة.. لأن الله الرحمن رازق للجميع، وهو في نفس الوقت رحيم بالمؤمنين.. فمن أعظم أنواع النعم الإلهية، بالنسبة للإنسان المؤمن، أن يقبل عليه ربه عندما يصلي ويقول احد النساك: (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره أن يرفع رأسه من السجود).. وقال الإمام الصادق: (إذا قام المصلي إلى الصلاة؛ نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض، وحفت به الملائكة، وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة؛ ما انفتل).
فالمصلي عندما يسمي قبل سورة الحمد، يستحضر هذه المعاني: يستحضر الاستئذان بالعمل، ويستحضر نية دفع الشياطين، كما يستحضر الرحمة الإلهية التي يتوقعها أثناء دخوله في بحر الصلاة.. وهنالك شبه بين التسمية، وبين الوضوء الدائم.. فمن المعروف أن الذي يواظب على الطهور، عندما ينتقض وضوؤه، يعيش حالة من الكدور الباطنية؛ وكأنه محدث بالحدث الأكبر.. وكذلك فإن الذي يتعوّد التسمية، فعندما يقوم بعمل وينسى التسمية؛ يعيش حالة الخيانة والجفاء لله عز وجل.. ولهذا أمرنا أنه عند الطعام إذا تذكرنا نسيان التسمية، نتدارك الموقف ونقول: بسم الله في أوله وفي آخره.. ولهذا فإن بعض العلماء الأبرار ينصحون بالجهر بالتسمية أثناء الطعام؛ لتذكير الغير.
وقد ورد بأن {بسم الله الرحمن الرحيم}، لها أثر عجيب في عالم العرفان.. ولو كانت هنالك عبارة أعظموأجلّ من{بسم الله الرحمن الرحيم}؛ لاختارها الله -عز وجل- مفتتحا لكل سور القرآن.. وبذلك يتبين أن أكثر آية متكررة في القرآن الكريم هي آية البسملة؛ لأنها في صدر كل سورة، رغم أنها جاءت أيضا من خلال سورة النمل {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

شكرااااااا لك اخي الكريم علي الموضوع