الإبتلاء لفضيلة الشيخ محمد حسان 2024.

القعدة

الإبتــلاء

مع
فضيلة الشيخ محمد حسان

لن ننتصر حقا إلا إذا وجد المؤمنون وإن وجد المؤمنون حقا لا

بد من مرحلة تسبق مرحلة النصر وهي مرحلة التمحيص

وامتحـان القلوب ولا يكون ذلك إلا بالفتن و الابتلاءات

لأن الإيمان ليست كلمة تقال باللسان بل الإيمان حقيقة ذات تكــاليفوأمانة ذات أعباء ولا يكفي أن يقول

الناس آمنا حتى يتعرضوا للفتن والابتلاءات ليميز الله

الخبيث من الطيب وليمتحن الله القلوب فلا يثبت في
صفوف المسلمين إلا من هم أهل لحمل هذه الأمانة الكبرى

.ويخرج من هذه الصفوف أصناف نتنـة وطراز خبيث الذي

هو موجود فــي كـل زمان ومكان هذا الصنف الذي يحمل

العقيدة ويحمل الرايـة ليتاجر بها في سوق الشهوات

والمتــع هذا الصنف الذي قال الله عنه:-
" ومن الناس من يعبد الله علي حرف ……."

الحج 11
قال الله تعالي :-
"ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا
يفتنون…."
العنكبوت 1/2

والفتن التي يتعرض لها المؤمنون كثيرة

ومنها:-

– التجريح و الأذى والتذبيح من الباطل وأهله في الوقت
الذي لا يجد فيه المؤمن من يسانده أو يعينه علي هذا
الطغيان.

– وهناك من هو أقوي و أشد و أمر من ذلك وهي فتنة

الأهل والأبناء الذين قد يتعرضون للأذى بسبب المؤمــن

القابض علي دينه و ربما يصرخون في وجهه أن يستسلم

لأهـل البطش والطغيان تلك فتنة تعصف بالقلوب خاصة

إذا ما وجد أهله يتعرضون للأذى أما ناظريه وهو لا يقدر أن

يفعل لهم شيئا.

– فتنة يستحي البعض علي أن يتحدث فيها المسلمون

وهي إقبـال الدنيا علي أهل الفسق والفجور فتفتح لــهم

الأبواب وتغلق أمامنا نحن المسلون
.
– فتنة النفس الأمارة بالسوء:

إني ابتلــيت بأربـع ما سلطوا إلا لشقوتي وعنائي

إبلـيس والدنـيا والنفس والهوى

كيـف الخلاص وكلــهم أعدائي
ولكن لا تنسي هذا الكلام الغالي:-

كفي أهل البلاء من المؤمنين الصادقين فخرا وشرفا و كرما

أنهم أحباب الله.

قال رسول الله في الحديث الذي رواه الترمذي :-

" إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما

ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط"

وأعلم أن البلاء سنة ثابتة للأنبياء والمرسلين والمؤمنين الصالحين :-

– سيدنا نوح ابتلي بلاء شديدا في قومه ظهر في ذلك في دعائه

"ربي لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا *إنـك إن

تذرهم يضلوا عبادك ولا يــلدوا إلا فــاجرا كفــارا" سورة

نوح

– خليل الله إبراهيم أُلقى في النار.

– سيدنا موسي قالوا عنه ساحر
.
– سيدنا عيسي ما لقاه من الابتلاء من محاربة اليهود له.

– سيدنا محمد كم لقي من الابتلاءات أتهم بالسح ، الكذب

،الجنون ،واتهموه في عرضة في أحب الناس إلي قلبه "السيدة

عائشة"

علي الرغم من أنه أحب خلق الله إلي الله .

فالبـلاء سنــة كونيـة ثابتـة و كمـا أن الله جعل البـلاء سنــة

ثابتة جعل أخـذ الظــالمين سنة ثابتة أيضـا

أين فرعون

الذي قال : أنا ربكم الأعلى وما علمت لكم إله غيري
.
الذي قال : يا قوم أليس لي ملك مصر والأنهار تجري من تحتي
.

فأجراها الله من فوقه.

أيــن هــامــان أيــن قارون

صدق الله تعالى إذ يقول:-

" ألم تر كيف فعل ربك بعاد *ارم ذات العماد *التي لم يخلق مثلها في البلاد*…..

بـــارك الله فيك

القعدة

جزاك الله خير,,,

وجعله في ميزان حسناتك,,,,,

دموع الإبتلاء 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

الحمد لله الذي خلق النفس فسوَّاها، وألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكَّاها، وقد خاب من دسَّاها.


شرع فيسَّر، وملك فدبَّر، وأعطى فأجزل، أسبغ النعم، ودفع النقم، وقضى فسلَّم، فله الحمد على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا، إن رحمنا أو عذبنا أو أسعدنا أو أشقانا.



والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، نبي الأولين والآخرين، ومن أرسله الله رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعد:


أمة الإسلام

الإيمان منهج وحياة وقول وعمل، قضى الله من خلاله سنن وعبر وحكم، يكشف من خلالها صدق العباد وحقيقة إيمانهم، فالحياة بمقتضى أمر الله وحكمته وإرادته ومشيئته ليست حياة فارغة، وإنما هي مزيج من السعادة والتعاسة، والهناء والشقاء، والفرح والبكاء، تُضحك وتبكي، وتجمع وتشتت، وتقبل وتدبر، رخاء وشدة، سراء وضراء… سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.


كم ترى فيها من باك! وكم تسمع فيها من شاكٍ! محن ورزايا، وفتن وبلايا، أنكاد وآلام، وحسرات وأحزان، غرور لمن اغتر بها، وعبرة لمن اعتبر بها ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾([1])، ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾([2]).



والابتلاء – عباد الله – سُنة من سنن الله الماضية في الأولين والآخرين، لا بد لكل أحد من الناس إن عاجلا أو آجلا المرور بها، ولكن متى استحكمت الأزمات، وترادفت المصائب والضائقات، وكان الأمر عظيمًا والخطب جللاً… فلا مفزع للعبد ولا ملجأ له إلا الله، والتوكل عليه، والإنابة له، والصبر على قضائه.


وذلك الصبر الذي يحمل في طياته حُسن الظن بالله والأمل به – جميل العواقب وإن طالت.

آمنت بالله ما تبقى الحياة بنا

وإن صفا عيشنا فيها على حال


نرنو إليها ونفني العمر نطلبها

ولم تزل بين إدبار وإقبال


من ذا الذي نال في دنياه غايته

من الذي عاش فيها ناعم البال


آمنت بالله لا يأسي سينفعني

ولا بكائي ولا جزعي فإن الله أبقى لي





المؤمن عباد الله:



لا تبطره نعمة، ولا تجزعه مصيبة ولا شدة؛ لأن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، واسمع ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: «ولا يكون ذلك إلا للمؤمن».



﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾([3]).
بل قال صلى الله عليه وسلم: «إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها عملا ابتلاه في جسده أو في ماله أو في ولده ، ثم صبّره حتى ينال المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل»([4]).



وإنما عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد به الشر أمسك عنه حتى يوافيه به يوم القيامة، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾([5]).



الابتلاء – يا عباد الله – محنة تحمل في طياتها منحة، ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة، سبقت الكثير من العبادات في تكفيرها للذنوب والسيئات والزلات.


تأمل معي – يا رعاك الله – لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾([6]).


﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾([7]).

ولما نزلت ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾([8])، شق ذلك على أصحاب رسول الله حتى قال أبو بكر – رضي الله عنه -: يا رسول الله، كل شيء عملناه نُجزى به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تنصب؟! ألست تهتم؟! ألست تصيبك اللأواء؟!» قال: بلى يا رسول الله، قال: «فذلك ما تجزون به، فضلاً من الله ونعمة».

وفي الحديث: «لا يصيب المؤمن نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه».


ليعلم كل مسلم أن نفحات الرحمة والتكفير في كل ضروب الابتلاء من قريب أو بعيد، بيد أنه لم يطلب منا إلا ذاك الفهم الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن؛ ليرتقي به إلى ما هو أزكى وأنقى وأتقى لله.


قال شريح – رحمه الله -: ما أُصبت بمصيبة إلا حمدت الله عليها لثلاث: أن لم تكن أعظم مما هي؛ فالمصائب كثيرة، وأن رزقني الله الصبر عليها والاسترجاع فيها؛ ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، وأن لم تكن تلك المصيبة في ديني؛ فإن رسول الله كان يقول: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا»، ولولا مصائب الدنيا وتقلبات الدهر لوردنا الآخرة مفاليس.

فالمسلوب من سلب دينه.



والمحروم من حُرم الأجر، وفي كل شيء سوى الله عوضًا! فالمال بلاء يخلفه الله وهو فداء للنفس، والنفس عزيزة ولكنها فداء للدين، والدين ملاك لا فداء ولا عوض له، وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم منبهًا لذلك: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي، فإنه من أعظم المصائب» في لفتة إيمانية لا يعرفها – وايم الله – إلا المؤمن.


قال ابن القيم – رحمه الله – واصفًا هذه الدنيا: دنيا مشوبة بالكدر، ما يظن بها من شراب إنما هو سراب، من خاض الماء الغمر لم يخل من بلل، ومن دخل بين الصفين في القتال لم يخل من وجل، وهل ينتظر – يا عباد الله – من الصحيح إلا السقم، ومن الصغير إلا الهرم، ومن الموجود إلا الموت والعدم، وايم الله لو لم تكن الدنيا دار ابتلاء لما ابتلى الله فيها أكرم الخلق، الأنبياء؛ فهذا آدم يعاني الألم والمحن إلى أن خرج من الدنيا، وهذا نوح يعاني الكثير، ويبكي كثيرًا من الزمن، وهذا إبراهيم يكابد النار وذَبْح ابنه إسماعيل، وهذا موسى يقاسي عناء وظلم فرعون وقومه، وهذا عيسى يتنقل بين البراري والديار لا مأوى ولا قرار له، وزكريا ذُبح، ويحيى قُتل، حتى قال شملة ابن عطية: لقد ذُبح على صخرة ببيت المقدس سبعون نبيًا كان منهم يحيى – عليه السلام – ولا غرو، فما جعلهم الله أئمة إلا بعد الابتلاء، ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾([9]).



أما محمد نبي الهدى والرحمة، وخاتم النبيين، وصفوة الخلق أجمعين، بأبي هو وأمي، والذي كان يدعو ربه دائمًا: «اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين»، كم عانى وعانى! فقد عاش يتيمًا، وأُخرج من أحب البلاد إليه، مكة، يبيت الليالي الطوال طاويًا، وأهله لا يجدون عشاء، يصبح ويمسي ولا صاع عنده، حتى قالت عائشة – رضي الله عنها -: ربما مر علينا الشهر والشهران ولم يوقد عندنا نار. وابتُلي صلى الله عليه وسلم في أبنائه الذين ماتوا في حياته ومن بينهم ابنه الوحيد إبراهيم، وبعد هذا كله يُبتلى في أعز وأشرف شيء عليه بعد دينه؛ في شرفه، في عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – كما في حادثة الإفك التي برأها الله منها من فوق سبع سماوات، فكان وحي الله له ولمن بعده: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾([10]).


ولا عجب، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرء على قدر دينه».


إنها سيرة حميدة، وسكينة صادقة، ربما فقد المرء فيها صفاء دنياه ومتاعها، ولكنه لا يفقد معها صفاء دينه.



إن النفوس – عباد الله – لن ترتقي في إيمانها حتى يخالط محض إيمانها الرضاء بقضاء الله وقدره، والتسليم له، ولن يؤمن عبد بالقضاء خيره وشره – وهو من أركان الإيمان – حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمة لو اجتمعت على أن تنفعه بشيء أو تضره بشيء لم يكن ذلك لها إلا بأمر الله وقضائه.


ألا وإن من تمام سعادة ابن آدم رضاه بقضاء الله، ومن شقائه سخطه بما قدر الله، والحياة بحُلوها وعسرها ويسرها لا تزعزع المؤمن في صبره وثقته بالله وإعانته واحتسابه، ما دام واثقًا به متكلاً عليه، فكم من ألم تحول إلى أمل! وما عسانا أن نفعل وقدر الله نافذ فينا على كل الأحوال، لا ينقصه إقدام ولا يزيده إحجام، الأمر الذي يعني بكل المقاييس ترك الأمور لمدبرها، فإنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.


وهذا – عباد الله – لا يعني سلب النفوس من أحاسيسها – لا والله – لكنها وقفة العقل الحكيمة، والإنصاف الصادق مع النفوس المؤمنة؛ لأن الفرحة الطاغية نشوة تُخرج عن الصواب، ولأن الحزن الجاثم وطأة تولد الألم والحسرات، ولن تزكو نفس حتى تُبتلى، وما أُعطي أحد عطاء خير له وأوسع من الصبر، فما أجمل أن يرى الله منك ما كان يرجوه فيك؛ لتنال الرضا منه برضاك، فما أنت إلا مُسْلِم مُسلِّم، ترجو ثوابه، وتخاف عقابه، وتؤمِّل ما عنده!

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾([11]).

***


الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى، وله الحمد على ما قضى، وله الشكر على ما هدى… أما بعد:


الصبر – عباد الله – لقاح البصيرة، ومتى تحقق كان الخير كله، فالصبر لله غنى، والصبر بالله بقاء، والصبر في الله بلاء، والصبر مع الله وفاء!


ولا ريب أن الصبر لله وبالله هو خير وأعظم؛ لأن ما كان لله أكمل مما كان بالله، فما كان له غاية، وما كان به وسيلة، والغايات دائمًا أسمى من الوسائل، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾([12]).


وأيًّا ما كان الأمر يا عباد الله، أليس الإيمان نصف صبر ونصف شكر، واسم جامع للقول والعمل؟! بفعل الطاعة الذي يمثل حقيقة الشكر، وبترك المعصية والذي هو باب من الصبر!!


بل أثر اليقين الحازم والسير الصادق إلى كل ما يرضي الله تحت كنف التسليم والتقى، بل وامتلاك النفس في كل مشاعرها وأبعادها وعقلها وفكرها من أن تجنح إلى الأهواء والتسخط على قضاء الله وأمره!!


فالعقل – عباد الله – معدن الفكر، والفكر قريب القلب، والإيمان الحق هو لباب هذه القلوب وفكرها في أي باب مهما كان.


وإن الإيمان العميق في قلوبنا – بسبق القلم لمقادير كل شيء كما أراد الله وشاء، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة – ليهون علينا وطأة المصيبة وألمها.


ففي الحديث أن الله قال للقلم أكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء، فكتبه قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾([13])، فكان لزامًا علينا – وهذا فهمنا ويقيننا – ألا نجمع على أنفسنا عند البلاء مصيبتين؛ المصيبة نفسها وعدم الصبر عليها.

قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: المصيبة سُنَّة ماضية، وما من بيت تدخله فرحة إلا ودخلته ترحة، وأن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، ولقد فاز الصابرون بخير الدارين، ولا ضاقت السبل ولا كثر الهم والغم إلا بعد إساءة الظن، وملامح الفرج لا تطفئها الأحداث مهما بلغت؛ لأن مع العسر يسرًا.


وقد جاء في مراسيل ابن كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سلمان – رضي الله عنه – فسأل عنه، فأخبروه بأنه عليل، فأتاه يعوده وقال: «شفى الله سقمك، وعظم أجرك وغفر ذنبك، ورزقك العافية إلى منتهى أجلك، إن لك يا سلمان من وجعك هذا ثلاثًا كلها خير؛ أما الأولى: فتذكرة من ربك، وأما الثانية: فتمحيص لما سلف من ذنبك، وأما الثالثة: فادع بما شئت فإن المبتلى مجاب الدعوة».


نعم عباد الله:


كم مِن الناس مَن كان البلاء إيذانًا لهم بإعادة الحساب، وإيقاظ مكنون الإيمان في نفوسهم، والعودة إلى ربهم! كم من عبد كان غافلاً ساهيًا لاهيًا في نعم ظاهرة وباطنة، أو ذنوب مهلكة لم يفق منها، ولم ينتبه إلا بعد وقوع المصيبة عليه!


أحيته مصيبته من غفلته، فإذا به يعود إلى ربه، ويتضرع إليه في الدعاء والإخبات والصلاة والزكاة والإحسان! أناب إليه وتوكل عليه والتجأ إليه، فتحول الداء إلى دواء، فضلاً من الله ونعمة.


ثم أعلم – يا رعاك الله – أن مِن حولك الكثير والكثير مكروب، ومنكوب، ومصاب، ومدين، وحزين، لك أن تتعزى بمثل هؤلاء، فما الدنيا إلا سجن المؤمن، يعيش فيها بمقتضى أمر الله في كبد، دار أحزان ونكبات، بينما هي صحة في الأبدان، وكثرة في الأموال، وجمع شمل وخلان، إذا بها مرض وفقر وشتات، أتعلم لماذا؟ حتى لا نركن إليها، ولا نغتر بها ما دامت حياة فانية تمهد لحياة باقية.


وحسبنا في ذلك كله ما قاله ابن القيم – رحمه الله -: لقد فضح الموت قيمة الدنيا ومنزلتها، فأين العارفون وأين المعتبرون؟ هل لهم سلاح بغير ما أوصى الله به؛ الصبر والصلاة؟ لا والله، فإنا لله وبالله، عليه توكلنا، وإليه أنبنا، وإليه المصير، هو حسبنا ونعم الوكيل، ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾([14]).

([1]) سورة محمد، الآية: (31).

([2]) سورة الأنبياء، الآية: (35).

([3]) سورة آل عمران، الآية: (186).

([4]) أبو يعلى.

([5]) سورة فصلت، الآية: (46).

([6]) سورة الزمر، الآية (10).

([7]) سورة البقرة، الآيتان: (156، 157).

([8]) سورة النساء، الآية: (123).

([9]) سورة السجدة، الآية: (24).

([10]) سورة الأحقاف، الآية: (35).

([11]) سورة الحج، الآية: (11).

([12]) سورة النحل، الآية: (127).

([13]) سورة الحديد، الآية: (22).

([14]) سورة الطلاق، الآية: (3).

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
حالياً الأعضاء النشيطين الذين يشاهدون هذا الموضوع : 241 (1 عضو و 240 ضيف) ‏الحياة كلمة
القعدة القعدة


لو لم يكن الموضوع في غاية الاهمية لما دخل اليه هذا القدر من الزوار

لن اقول لك شكرا بل ساقول جعل الله ماكتب هنا وما غير بانفسنا ورفع من درجات ايماننا وصبرنا في ميزان حسناتك

تحياتي

جزاك الله خيرا ابي و جعله في ميزان حسناتك …موضوع جد مفيد و رائع
القعدة

آداب الإبتلاء _ مع فضيلة الشيخ الدكتور عمر عبد الكافى 2024.

آداب الإبتلاء

تناول فضيلة الشيخ عمر فى هذا المقال الفرق بين البلاء والإبتلاء ، ولماذا يمهل الله للظالم؟ كما تناول انواع الإبتلاء ، وكيف يرفع الله بها درجات العباد المؤمنين، وكذلك تناول مفهوم الصبر الجميل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نريد من فضيلتكم توضيح الفرق بين البلاء والإبتلاء؟

أولا : البلاء يكون للكافر، يأتيه، فيمحقه محقاً. وذلك لأن الله تعالى يملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. ومن أسماء الله تعالى: الصبور ، والإنسان عندما يصبر على امتحان معين، فهو صابر. أما صبر الله سبحانه: أنه لا يعجل الفاسق أو الفاجر أو الظالم أو الكافر بالعقوبة. فأنت كبشر قد تتعجب: كيف يمهل هذا الإنسان. وهو يعيث في الأرض فساداً. -ولو حُكِّم إنسان في رقاب البشر، لطاح فيهم.

والله سبحانه وتعالى عندما قال: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين)

فعندما رأى، أراه الله الملكوت، وكشفه، كشف له الحجب. فرأى الخليل ما لا يراه في حياته البشرية.
رأى إنساناً ظالماً يضرب يتيماً، فقال له: يا ظالم، أما في قلبك رحمة، أتضرب اليتيم الذي لا ناصر له إلا الله. اللهم أنزل عليه صاعقة من السماء. فنزلت صاعقة على الرجل.
رأى لصاً يسرق مال أرملة، أم اليتامى. فقال له: يا رجل أما تجد إلا هذا؟! اللهم أنزل عليه صاعقة…

وتكرر هذا.

فقال له الله سبحانه: (يا إبراهيم، هل خلقتهم؟) قال: لا يا رب قال: لو خلقتهم لرحمتهم، دعني وعبادي. إن تابوا إلي فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم وأنا أرحم بهم من الأم بأولادها. فالله الصبور لا يعجل ولا يعاجل.فمتى جاء عقاب فرعون؟! لقد جاء بعد سنوات طويلة، وكان قد أرسل له بنبيين عظيمين وقال لهما (وقولا له قولاً لينا) وهو الذي طغى وطغى وطغى..فلما وصل الأمر إلى ذروته: أخذه الله أخذ عزيز مقتدر. فالله سبحانه وتعالى، يأتي بالبلاء للكافر، فيمحقه محقاً، لأنه لا خير فيه.

عندما قال سيدنا موسى-الكليم-: يا رب، أنت الرحمن الرحيم، فكيف تعذب بعض عبادك في النار؟ قال تعالى: (يا كليمي، ازرع زرعاً) فزرع موسى زرعاً، فنبت الزرع. فقال تعالى: (احصد) فحصد.ثم قال:
(أما تركت في الأرض شيئا يا موسى)
قال:
(يا رب، ما تركت إلا ما لا فائدة به)
فقال تعالى:
(وأنا أعذب في النار، ما لا فائدة فيه)
فهذا هو البلاء. كما يقول تعالى: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم..وفي ذلكم بلاءٌ من ربكم عظيم)

ثانيا الإبتلاء وهو يكون للإنسان الطائع، وهو درجات وأنواع. وبالتالي هناك: آداب الابتلاء.

سؤال: كيف يكون هناك إنسان مريض، ومصاب في ماله وجسده وأهله…فهل يكون هناك أدب مع كل هذا؟

نحن عباد الله سبحانه. والعبد يتصرف في حدود ما أوكل إليه سيده من مهام، وهو يعلم أن (سيده سبحانه وتعالى): رحمن رحيم، لا يريد به إلا خيراً. فإذا أمرضه، أو ابتلاه فلمصلحته. كيف؟

كان أبو ذر جالساً بين الصحابة، ويسألون بعضهم: ماذا تحب؟ فقال: أحب الجوع والمرض والموت. قيل: هذه أشياء لا يحبها أحد.

قال: أنا إن جعت: رق قلبي.

وإن مرضت: خف ذنبي.

وإن مت: لقيت ربي.

فهو بذلك نظر إلى حقيقة الابتلاء. وهذا من أدب أبي ذر. ويقال في سيرته: أنه كان له صديق في المدينة. وهذا الصديق يدعوه إلى بستانه ويقدم له عنقود عنب. وكان عليه أن يأكله كله..فكان أبو ذر يأكل ويشكر، وهكذا لعدة أيام…ففي يوم قال أبو ذر: بالله عليك، كُلْ معي. فمد صاحب البستان ليأكل، فما تحمل الحبة الأولى، فإذا بها مرة حامضة.

فقال: يا أبا ذر، أتأكل هذا من أول يوم؟!

فقال: نعم. قال: لم لم تخبرني؟

قال: أردت أن أدخل عليك السرور. فما رأيت منك سوءاً حتى أرد عليك بسوء. هذا إنسان يعلمنا الأدب، إنه لا يريد أن يخون صاحبه، وهناك اليوم أناسٌ متخصصة في إدخال الحزن على أمم بأكملها.

وقد كان في أول عهده، تعثر به بلال، فقال له: يا ابن السوداء! فقال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا ذر، طف الصاع ما لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح). فإذا بأبي ذر يضع خده على الأرض ويقول: (يا بلال، طأ خدي بقدمك حتى تكون قد عفوت عني). فقال بلال: (عفا الله عنك يا أخي). هذه هي الأخوة في الله. فمع الابتلاء، لا بد أن يكون هناك أدب من العبد، لانه يعلم أن المبتلي هو الله سبحانه. فإذا ابتلاه رب العباد فهو بعين الله ورعايته. فيتعلم الأدب مع الله فيما ابتلاه فيه.

أنواع الابتلاء

1-عبد سادر منحرف: بعيد عن الله، لا يقيم الطاعات، بل ويرتكب المعاصي، والطاعة بالنسبة له ثقيلة ومريرة، بينما المعصية لها حلاوة، ولكن: فيه شيء من خير ،فالله سبحانه يبتليه، كي يوقظه من غفلته.

إبراهيم بن أدهم، كان يتسور البيوت ويسرقها. فتسور بيتاً مرة، فرأى صاحب البيت يقوم بالليل ويصلي ويقرأالقعدة ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله..)، فقال: قد آن يا رب.. فصار إبراهيم بن أدهم.

قالوا: قد يفتح الله لك باب العمل، ويغلق عليك باب القبول. وربما يبتليك بالذنب فتتوب، فيكون سبباً للوصول. يغلق باب القبول لأن فيه عجب، وليس خالصاً لله وحده فالله سبحانه لا يقبل إلا العمل الخالص لوجهه مائة بالمائة. يقول تعالى: (أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، فمن أشرك في عمل معي غيري، ودعت نصيبي لشريكي)

فرب عمل صغير عظمته النية، ورب عمل عظيم صغرته النية. ولكن كلنا كذلك؟ إذن يجب علينا، أن نخلص في أعمالنا لله.وهذا الإخلاص يأتي: بتجديد النية في كل عمل. حمزة عم النبي-صلى الله عليه وسلم-: بلغه أن أبا جهل يؤذي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: أفتضربه وأنا على دينه؟! فعاد إلى البيت وفكر: ما الذي لا يجعلني ألا أكون على دينه؟ فدخل في دين الله فهكذا، يأتي الله سبحانه بعد محنة، فيفيق العبد منها.

أبو طالب: صاحب السفلة في القوم، فماذا أوردوه؟!

كان ينازع، والنبي-صلى الله عليه وسلم- عن يمينه، وأبو لهب وأبو جهل عن يساره والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول له: قلها يا عماه، أشفع لك بها عند ربي وأبو لهب وأبو جهل: بل على دين آبائي وأجدادي. فقال أبو طالب: بل على دين آبائي وأجدادي.

وبالمقابل كلبٌ يصاحب الصالحين فيذكر معهم في كتاب الله، كلب يصاحب الصالحين يُكَرم. أبو طالب، عم النبي-صلى الله عليه وسلم-ومن عليه القوم، ويدافع عنه، ولكنه صاحب السفلة من القوم فيدخل النار.

وكان العباس يسأل رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: أما شفعت لعمك أبي طالب؟ قال: نعم، أخف عذاب أهل النار أبو طالب، يلبس نعلين في النار، فيغلي منهما دم رأسه. فيكون(رفقاء السوء) ابتلاء من فعل العبد: أن الإنسان ينجذب إلى شبيهه، والطيور على أشكالها تقع.

روي في الأثر:

-لو أن مؤمناً دخل في مجلس فيه مائة منافق، بينهم مؤمن واحد، لجلس بجوار المؤمن وهو لا يعرفه.

إن الأخ في الله أو الصديق رقعة في الثوب، فلينظر أحدكم بما يرقع ثوبه. إن المؤمن في الله، كاليدين، تغسل إحداهما الأخرى. فالنوع الأول من الإبتلاء: عبدٌ بعيد عن الله، يأتيه الابتلاء، ليكفر عنه سيئاته، من مرضٍ أو ضنك في الرزق. فإما أن يستيقظ، فيتوب أو يزيد في طغيانه.

قيل لأبي الحسن تعالَ صلِّ على أبي نواس، فرفض. فجاؤوا لتغسيله، فوجدوا ورقة في جيبه، فسألوا زوجته عنها. فقالت: هذه آخر ما رأيته يكتب، ثم مات. فأخذوها لأبي الحسن ليقرأها، فوجد فيها: (يا رب، إن عظمت ذنوبي كثرة، فلقد علمتُ أن عفوك أعظم، إن كان لا يرجوك إلا محسن، فبمن يلوذ ويستجير المجرم، مالي إليك وسيلة إلا الرجى وجميل عفوك، ثم إني مسلم). فقال أبو الحسن: هيا نصلي على أبي نواس.

2- النوع الثاني من الإبتلاء:< b> إنسان مستقيم، طعامه حلال، ويتقي الله، وتنزل عليه الإبتلاءات من كل جانب، فهذا حبيب الرحمن. لأن الله تعالى يريد أن ينقيه، حتى روي أنه يسير على الأرض بلا خطيئة، وتشير الملائكة إليه، هذا هو الطاهر الشريف، الطاهر من الذنوب، الشريف من العيوب. (وأكثر الناس ابتلاءاً، الأنبياء ثم الأتقى فالأتقى) . فالابتلاء لهؤلاء هو لرفع الدرجات.

يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-:"إن أمر المؤمن عجب: إن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له، وإن أصابته سراء فشكر، كان خيراً له وليس هذا إلا للمؤمن). الذي سلّم أمره لله، وأمنه الناس على دينهم وأعراضهم وأموالهم وحياتهم. كالنبي-صلى الله عليه وسلم- الأمين: الذي كانت قريش تودع أموالها عنده رغم عدائها له، واستبقى سيدنا علي لردها. (…ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى..)

أراد أبو جعفر المنصور أن يعطي عطاءً، منحةً لأبي حنيفة، فبعث إليه عشرة آلاف درهم، وكان أبو حنيفة قد رفض أن يتولى القضاء، فحفظ أبو حنيفة النقود في كيس، وقال لابنه: إذا مت، أعد هذه إلى أبي جعفر وقل له: (هذه هي الأمانة التي استودعتها أبي) فهذا الإنسان المستقيم، تكون عنده بعض الهفوات-بحكم أنه بشر- فيريد الله تعالى أن ينقيه ويرفع درجاته.

ونشرح ذلك ونقول: لو افترضنا أن الله سبحانه، كتب لهذا العبد درجة 80، ولكنه مات، وعمله لا يوصله إلا إلى درجة 60، لكن الله بسابق علمه، يعلم أنه يصل إلى درجة 80، فيُبتلى فيرتفع من 60 إلى 80. فهذا الابتلاء: رزق، وهذا شعار الصالحين. -يقال يوم القيامة: (ليقم الذين أجرهم على الله). فيقوم قومٌ قليل، يقولون: (نحن أهل الصبر) فينطلقون في أرض المحشر دون حساب ولا ميزان إلى باب الجنة. فيوقفهم الرضوان: من أنتم؟ كيف تدخلون الجنة، ولم تقفوا لا لحساب ولا لميزان؟ فيقولون: (يا رضوان، نحن لا نقف لا لحساب ولا لميزان، أما قرأت القرآن؟!)

فيقول: وماذا في القرآن؟

فيقولون: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

فيقول: وكيف كان صبركم؟

فيقولون: نحن قومٌ كنا، إذا أعطينا شكرنا
وإذا مُنعنا صبرنا
وإذا ابتلينا استغفرنا
فيقول: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون

فهم في تواضعهم: جعلوا الابتلاء بسبب ذنوبهم.
يقول تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم، ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب …)
(…وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور)

لأنه لا يتأدب مع الإبتلاء إلا من عنده عزيمة يقول تعالى عن أم موسى: (….إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها)

فالذي رُبط على قلبه، هو إنسان تأدب مع الابتلاء، فصار مؤمناً.

كيف يصبر الإنسان؟

الصبر ليس لحظة آنية يخرج منها الصابر.فالصبر مخزون إيماني داخل القلب، كرصيدي المالي في البنك أسحب منه عند الأزمات:والله لا يكلف نفساً إلا وسعها،وفي معاني هذه الآية:أن الله لا يبتلي العبد فوق طاقته وإلا لضاع مخ العبد.

قال العلماءالقعدةلو أن الابتلاءات صُورت بشكل مادي، على شكل كرات مثلاً، ووضعناها في ثوب واح، ووقف صاحب الابتلاء طوابير وقيل لهمالقعدةاختاروا أقل الابتلاءات، ما اختار كل واحد منهم إلا ايتلاءه…

لماذا إذن لا يصبر الناس؟

لأن الإيمان شيء وادعاءه شيء آخر. والصبر نصف الإيمان،يقول ابن القيمالقعدةسوف ترى إذا انجلى الغبار، أفرس تحتك أم حمار).والصبر عند الشدائد، والأنبياء صبروا لأن عندهم رصيد.

كيف يعلم العبد أن الابتلاء تكريم من الله؟

ـأولاً: كلٌ منا أعلم بعيوبه، وكل واحد يستطيع أن يخدع بعض الناس بعض الوقت ويستطيع أن يخدع كل الناس بعض الوقت، ولكنه لا يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت، ولا يستطيع أن يخدع نفسه.

لذلك وصف الله تعالى المنافقين: (وما يخدعون إلا أنفسهم).وكل إنسان يعلم تماماً، ما هي محاسنه وما هي مساوؤه ونحن لا نحكم على الناس إلا بظواهرهم.

كيف أعلم عيوبي، وكيف أعلم أني مكرم عند الله؟

أولاً: إذا استشعرت أن جسدي فيه خلل ما، أذهب إلى الطبيب المختص، وفي مسألة القلوب: لا بد أن أعرف، هل قلبي سليم أم سقيم أم ميت!

فأعرض نفسي أولا على كتاب الله:فما مدحه كتاب الله، هل هو موجود عندي؟ فأصير في معية الله. هل هو غير موجود عندي: فأنا مقصر.

-ثم أرى ماذا ذم القرآن؟ ذم كذا وذم كذا وكذا.. فأنظر في نفسي، هل أنا من هؤلاء ثم أعرض نفسي على سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ماذا يحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟ ولو كان بيننا، هل يحب أن يجالسني وأنا بهذه الأخلاق.

قد يقول البعض: إن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يعش في عصر الفضائيات والفيديو كليب..؟ نقول: إن هذه الابتلاءات هي من ذنوب العباد.

يقول عمر: (إن قوماً أصلح الله قلوبهم. أحيووا الحق بذكره، وأماتوا الباطل بتركه) فلو أننا لا نشتري التسجيلات أو المجلات ولا نفتح الفضائيات، فسيُهملوا، فما قيمتهم في الحياة؟ ذكر الناس لهم.

قالوا للحسن البصري: إن اللحم قد غلا. قال: أرخصوه قالوا: كيف؟ قال: اتركوه.ولما رأى عمر، ابن عوف، آتياً باللحم، قال له: ما هذا يا ابن عوف؟ قال هذا لحمٌ اشتهيته فاشتريته.قال عمر: يا ابن عوف، أو كلما اشتهيت اشتريت؟! كفى بالمرء إثما أن يشتري كل ما يشتهي.

فلكي أعرف عيوبي:أعرض نفسي على الكتاب والسنة، ثم أعرض نفسي على عالم من علماء الإسلام الصالحين. و الصبر الجميل: هو الحزن بدون شكوى. فالشكوى تخفف الثواب.قال يعقوب (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله…)،وليس للعبد،فمن شكا إلى العبد، فهو يشكو الذي يرحم إلى الذي لا يرحم.

باركك الله اخي الكريم

مشكور يااخت ديالى على ردودك