عولمة الأسرة الجزائرية . 2024.

لا يزال الصراع في الجزائر قائما على أشده بين العروبيين أصحاب التوجهات الشرقية المؤمنين بضرورة التمسك بقانون الأحوال الشخصية(قانون الأسرة الحالي المستوحاة بنوده من الشريعة الإسلامية و المصادق عليه من قبل البرلمان الجزائري أيام الحزب الواحد في 1984) وبين أصحاب التوجه التغريبي العلماني الذين يرجعون سبب التفكك الأسري وتخلف المرأة إلى هذا القانون.. الذي يعود حسب زعمهم إلى القرون الوسطى، وأيام الحكم التيوقراطي الغاشم، وبالتالي يجب قبره إلى الأبد، وقد زاد هذا التيار العلماني من سرعة تحركاته في الآونة الأخيرة، ظنا منه أن الفرصة مواتية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر جراء الزلزلة التي ألمت بأمريكا أكبر دولة إمبريالية على وجه الأرض؛ لأن أمريكا ولت وجهها شطر الإسلاميين من أجل المواجهة ميدانيا، ويمثل هذا التيار العلماني الفرانكوماني(1) الجمعيات النسوية، خاصة اتحاد النساء الجزائريات المقرب جدا من الشيوعيين، وطبعا يشاطرهن الاستئصاليون من الرجال الذين يتخفون وراء هذه الجمعيات؛ لأن النسوة تكتيكيا واستراتيجيا أفضل محارب لمواجهة هذا القانون، خصوصا وأن المدخل العام لهدم بنود هذا القانون المستمد عامة أركانه من الشريعة الإسلامية هو المرأة التي هي الآن حسب الزعم لهذه الشرذمة تعيش وضعا بائسا لا تحسد عليه جراء الظلم المسلط عليها من تطبيقات هذا القانون الذي ينحاز إلى سلطة الرجل، وعموما ما تدعو إليه هذه الجمعيات النسوية وتركز عليه تحديدا في ما يخص هذا القانون، هو ما تعلق بتعدد الزوجات، والخلع، وقوامة الرجل، وحالات الطلاق، وكل هذه الدعوات لها ما يقابلها في قاموس هذه الجمعيات التي تنادي بأعلى صوتها بأن هذا القانون غير مستمد من الشريعة الإسلامية، مما يعني بالضرورة أن إمكانية تغييره أو قبره ممكنة، وطبيعي جدا أن تنطلق هذه النسوة في دعواها من هذا المنطلق حسب مهماز الضفة الأخرى، وتحاول إيهام الرأي العام بأن هذا القانون ليس قرآنا لا يمكن تغييره أو إجراء تعديل عليه، وقد صرحت ممثلة المرأة بدون مواربة بل بالمكشوف الصريح السيدة " بثينة شريط" الوزيرة الحالية في حكومة (بن فليس) أن قانون الأسرة هذا – سوف يعرض على البرلمان في السداسي القادم من أجل المصادقة على تغييره جملة وتفصيلا .. كما هددت السيدة الوزيرة الرجل عموما بقولها " على الرجل أن يفهم قدره" أي عليه معرفة نفسه؛ لأن الرجل حسب فهمها لا يزال يظن بأن بإمكانه ضرب المرأة بالمسطرة التي يختار طولها على حسب حجم العقوبة، وقد ارتبط ظرف الصيحات بضرورة تغيير هذا القانون بتلك الندوة الصحفية التي أقامها الفريق محمد العماري في يوليو الماضي إذ أعلن بأن الأصولية لا تزال منتشرة في المجتمع، وقد أعطتها جهات عارفة بالشفرات بعدا سياسيا اجتماعيا مرتبط بالأساس بقانون الأسرة الذي يعد القانون الوحيد الذي له رابطة أصولية، كما أن هذه الصيحات دعمت موقعها بما كان يقول به الرئيس عبد العزيز بو تفليقة في كون النموذج التونسي يروقه بمعية ديمقراطية زين العابدين بن علي، على الرغم من أن عبد العزيز بوتفليقة نفسه في حملته الانتخابية كان يقول بصوت جهوري بأنه لا يقف حائلا أمام أي أحد، فمن أرادت ارتداء الحجاب فلها ذلك، ومن أرادت ارتداء الفيزو فلها ذلك، فالديمقراطية هي الفيصل بين الرغبات. إن ما تدعو إليه الجهة الفرانكومانية لا ينأى بالضرورة على ما هو حاصل على الساحة العالمية، وحسب تصورات هذه الجهة أن الانخراط في النظام الدولي الجديد ومقارعة التطور المطلوب كما هو كائن في الضفة العلمانية يتأتى في القضاء على الخصوصيات وإلغاء كل ما له صلة بالعاطفة الإسلامية، وسنام كل هذا قانون الأسرة الذي يعد عند المحافظين من جبهة التحرير الوطني والإسلاميين زبدة النضال الذي كان حقا مريرا موصولا بالنمطية الحضارية التي وضع لبناتها رائد الإصلاح الجزائري عبد الحميد بن باديس في الثلاثينات. إن التنازل عن هذا الموروث حسب المحافظين من جبهة التحرير الوطني والوطنيين عامة والإسلاميين خاصة هو تنازل عن أربعين عاما من الاستقلال مهما كانت أخطاء هذا الاستقلال، ودعوة صريحة لفتح الباب على مصراعيه لاستعمار جديد شعاره العصرنة بأثر رجعي، ومن يضمن بأن تلحق الجزائر بالتقدم والأخذ التكنولوجية لو تم إلغاء قانون الأسرة، ومن يضمن بألا يلغى الحجاب بعد ذلك كخطوة تالية اقتداءً ببعض الدول العربية ؟ ومن يضمن بأن المرأة سوف تجد حريتها وتتزوج الستة ملايين عانس حسب التقريـر الرسمي من الإحصاء؟ .. كلها تساؤلات تتم بين العروبيين ومن يقف ضد هذا الإلغاء و بين الداعين للإلغاء والتنصل نهائيا من هذا القانون.الساحة الجزائرية حبلى بالمفاجآت في المستقبل من خلال ما يجري من صراع حول الرؤية الصحيحة لمشروع المجتمع، فما موقع أصحاب التوجه العربي الإسلامي من الإعراب إذن، لو كانت الغلبة للتيار الفرانكوماني وفرضت عنوة جل طروحاته العولمية؟!

شكرا اخي على هذه المعلومات الجيدة و الرائعة]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.