بين الجد واللعب 2024.

بين الجد واللعب

الحمد لله رب العالمين ، الذي أكرمنا بهذا الدين ، وجعلنا مسلمين ، وصلاة وسلام تامين كاملين على قائد المرسلين ، خير البشر أجمعين ، وعلى آله الطاهرين ، وصحابته المسددين ، وعنا معهم بمنة المنان الكريم .
وبعد :
إن من قلة التوفيق أن لا يميز المرء حقائق الأشياء ومراتبها ومنازلها ، فلا يميز بين الخير والشر ، وبين الحق والباطل ، وبين السنة والبدعة ، وبين الأمور المهمات وغير المهمات ، ثم بين مراتب الأشياء كخير الخيرين وشر الشرين .
ومن عجائب هذا الزمن المتأخر – والعجائب جمة كما يقال – أن صار اللهو واللعب عملا مقننا منظما ، تنشأ له قنوات ومعاهد وأكاديميات ، بل وتوضع له خطط وسياسات وتخصص له ميزانيات ، كالقمار وبعض الرياضات والألعاب التافهة أو الخطيرة المميتة .
أدهى من ذلك كله ، أفتي لاعبوا كرة قدم في إحدى البلدان بجواز إفطار نهار رمضان إن شق عليهم ، ونزلهم منزلة العمال ؟؟؟ !!! أيكف البكاء ؟!
العامل بمنزلة المجاهد في سبيل الله كما جاء في الحديث الصحيح ، يعول أهله ويبني بلده ، وأقدام لاعبة هل تشيد حضارة أو تبني دولة ، ومتى كان اللعب واللهو يبني ويشيد ، وهل اللهو واللعب إلا لعب ولهو .
دخل على عمر بن عبد العزيز رجل – أظن والشك مني – لينفس عليه بألعابه ، فعلق خشبة وجعل يرميها بسهام صغيرة ، فكافأه عمر على مهارته ونهاه أن يعود للعبها .
لماذا نهاه ياترى ؟ لأنه لا طائل من ورائها .
وحتى لا يحمل كلامي على غير محمله ، ألا فليعلم أننا لسنا ضد الرياضة أو اللهو المباح تأسيسا إذا خلت من المحظورات ، ولم تله عن ذكر الله ولم تجعل من الأولويات ، لأن المسلم عليه أن يغلب الجد على اللعب ولا يخلط بينهما ، لأنه صاحب رسالة ، وهدفه سام وعال ، ويستعان باللهو المباح أحيانا كوسيلة تعين على طاعة الرحمان ، تتقوى بها الأبدان ، ويجدد بها الايمان ، وينتفع بها الانسان .

بعض الأحكام المستفادة :
– من تمام التوفيق أن تميز بين حقائق الأشياء من حيث مراتبها وأولوياتها .
– اللهو واللعب لا يبني مجدا ولا يصنع حضارة .
– من صفات المسلم الجدية في شؤونه وحياته إلا ما كان عرضا وترويحا .

فائدة : الفرق بين لفظتي اللهو واللعب :
لفظتا اللهو واللعب تشتركان في المعنى وتنفرد كل منهما بمعنى زائد ، تماما مثل لفظتي الايمان والاسلام ، إذا اجتمعتا افترقتا وإذا افترقتا اجتمعتا ، فإذا ذكر الاسلام والايمان في نص واحد دل الاسلام على الأعمال الظاهرة كالصلاة وغيرها والايمان على الأعمال الباطنة كالخشية وغيرها ، وإذا افترقا في الذكر – أعني لم يجتمعا في نص واحد – دخل معنى كل منهما في الآخر –

وكذا الحال في لفظتي اللهو واللعب ، إذا افترقتا في الذكر ، دل كل منهما على الآخر – أعني يصبح معناهما واحد – وإذا اجتمعتا دل اللهو على لهو القلب واللعب على لعب الجوارح ، لذلك تقول : فلان ألهته الدنيا أي ألهت قلبه ، وتقول لاعب كرة ويلعب بكذا وكذا ، أي ببدنه وجوارحه ، ولعله الصواب في تقديري ، قرأته يوما لأحد المفسرين ولكني أنسيت مصدره .

والسلام عليكم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.