الصدقة على الأغنياء 2024.

تماشيا مع الفطرة والجبلة وما سخّره الله في هذا الكون وما فيه من نعم وآلاء خدمة للإنسان، وجعل التفاوت في اكتسابها والاستفادة منها متروك لاجتهادات النّاس، كلّ بحسب طاقته وجهده وسعيه وعمله، وهي سنن إلهية لا تحابي أحدًا، ووضع قوانين عامة ”شرائع” تحكم العلاقات والمعاملات قصد تنظيم الحياة وتحقيق غاية الاستخلاف في الأرض.
ومن جملة ما يسعَى الإنسان لتحقيقه والظفر به المال الّذي جعله الله تعالى قوام الحياة وركيزة أساسية للبقاء وإثبات الذات فيه ساد أقوام، وذل آخرون لانعدامه.
إلاّ أن تجارب الحياة أثبتت أن من ملك المال (الثروة) ملك قرار نفسه بل وتأثيره على غيره فهو الّذي يصنع الأحداث ويغيّر الواقع الّذي يريد، وبعيدًا عن اللوبيات والبورصات العالمية، فإنّ الإسلام باعتباره دين الفطرة والواقعية جاء بمنظومة قانونية تتناول موضوع المال عمومًا والحرية الملكية خصوصًا اكتسابًا وإنفاقًا ما لم يتنزّل في دين ولم يُقَنَّن في قانون وضعي، فجعل الإسلام من مقاصده الكبرى التي جاء لتحقيقها والذود عنها حفظ المال، إذ لا يجوز لأحد مهما كان أن يعتدي على مال غيره دون وجه حق ”وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ..”، فكان كل مال أو ثروة جاءت بطرق غير شرعية (غير قانونية) تُعدُّ مالاً حرامًا كالربا والرشوة والقمار والسرقة والغش والتزوير وأكل مال الأجير واليتيم والاعتداء على المال العام، ولا يعتبر مَنْ بَنَى ثروته بالحرام غنيًا ولو كان مثل مال قارون، وهنا أجد نفسي وكأنّني داخل مجلس للمحاسبة لأقول لِمَن فيه ÷ إنّ كان بيده القرار -: أود سيّدي أن أسألك، هل تعلمون مصادر المال والثروة لكثير ممّن يطلقون على أنفسهم كلمة ”رجال المال والأعمال”؟، الجواب: .. يوم أن يكون الحساب.

ولأن ارتكاب الحرام في شريعة الإسلام هو اعتداء على حدود الله، فقد وضع سبحانه عقوبات وحدودًا، زجرًا وتأديبًا للمعتدي، وترهيبًا وتخويفًا لمَن تسول له نفسه، ثم هو في الأخير تحقيقًا للعدالة وحفاظًا على الحقوق والممتلكات الخاصة والعامة: ”تِلْكَ حُدُودَ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا”، ”وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ”. والفرق بين قانون الله وقانون الغاب، أن قانون الله لا يجامل كبيرًا على منزلته ورُتبته، ولو كانت فاطمة بنتُ محمّد صلّى الله عليه وسلّم هي الّتي سرقت واعتدَت لكان القانون حقًا فوقها، وغياب العدالة اليوم هو سبب مآسينا وذلّنا وتخلّفنا نحن العرب والمسلمين خصوصًا، ويا لأسفي إن قلتُ أن الغرب أعدل من العرب والفرق بينهما نقطة واحدة.
ولم يقتصر الإسلام في منظومته القانونية للحفاظ على الأموال والممتلكات على العقوبات الدنيوية، والّتي هي بيد الحاكم وحده، بل جعل الله تعالى على هؤلاء غضبًا ولعنة تنتظرهم يوم العرض الأكبر، يوم الحساب يوم يقوم النّاس لرب العالمين. هذه حقيقة إيمانية على المسلم ألاّ تغيب عنه، فمَن نجى من عقوبة الدنيا بسبب غياب العدالة وانتشار الفساد المالي، فأين هو منها يوم القيامة؟
وبماذا سيجيب هؤلاء الّذين لا يحلون حلالاً ولا يحرمون حرامًا، حينما يُسألون ”ولسوف يُسألون” عن أموالهم من أينَ اكتسبوها وفيما أنفقوها؟
والمؤسف في حق هؤلاء أنهم يُعذبون بما تركوه وراءهم للذرية والأزواج، ويا ليت الولد هناك ينفع حيث الكل يقول: نفسي نفسي!!
وماذا سيقول مَن سرق المال العام أو أفلست بسبب سوء تسييره وطمعه مؤسسات كانت تعيل الآلاف من العوائل؟ بماذا سيجيب مَن سرق حق الشباب الطامحين في حياة كريمة، حق الأرملة واليتيم والمريض وحق عموم الأمّة؟ ماذا سيقول الراشي والمرتشي وآكل أموال اليتامى وعرق العمال المستضعفين…؟

بارك الله فيك……….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.