المنابر والمنائر 2024.

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على نبينا محمد،وعلى آله وصحبه والتابعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ :
فإن بيوت الله في الأرض، هي المساجد، وهي الدور التي تعمر بالعبادة، وعندما تكون مهيأة للمصلين، يجد فيها المصلي الهدوء والسكينة والطمأنينة والراحة، فيؤدي العبادة بكل خشوع وخضوع وتذلل لله تبارك وتعالى، وعليه فلا بد من أن تبنى بيوت الله وفق الضوابط الشرعية، وتُجنب كل محذور أو إثم.

المنبر

"المنبر مرقاة الخاطب سمي منبرا لارتفاعه وعلوه وانتبر الأمير ارتفع فوق المنبر.."
وهو المكان المرتفع الذي يصعد عليه الخاطب ليراه الناس وهو يحدثهم، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار, أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً، قال: (إن شئتم، فجعلوا له منبراً) فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر. وكان منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث درجات، يصعد عليها ليراه الناس، وهو يخطب أو يحدثهم عن أمر مهم.
أما في عصرنا فقد استطال المنبر وامتدَّ حتى شغل حيزاً كبيراً من المسجد، فقطع الصفوف، وتفرق المصلون عنه ذات اليمين وذات الشمال، وحال دون رؤية المسلم أخاه المسلم، ودون تحاذي الصفوف وتراصها بالمناكب والأقدام، كما ضيق المكان على المصلين، وأبعدهم عن جدار القبلة.
إضافة إلى زخرفتها بالنقوش وكتابة الآيات والأحاديث عليها والتي قد تكون لا أصل لها، أو الإسراف فيها ودفع المبالغ الهائلة في شرائها، وإعدادها، وهذا أمر غير مشروع، بل مخالف لما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وكذا المبالغة في رفعها حتى كأن الخطيب يريد أن يلوح لك تلويحاً لا أن يحدثك حديثاً تسمعه، فهذا مما لاشك في عدم شرعيته ومخالفته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فينبغي أن يكون المنبر خالياً من هذه الأمور لأن الغرض منه ارتفاع الخطيب ليتمكن الناس من رؤيته، فإذا تحقق هذا الغرض فليس هناك أي حاجة إلى هذه الزيادات التي أحدثت.

المنارة

المنارُ في اللُّغة علم الطَّريق ، قال في الصِّحاح: والْمَنَارَةُ : التي يُؤَذَّنُ عليها ، والمنارَة أَيضًا يُوضَعُ فَوْقَهَا السِّرَاجُ ، وَهِيَ مَفْعَلَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَالْجَمْعُ الْمَنَاوِرُ بِالْوَاوِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النُّورِ ، وَمَنْ قَالَ : مَنَائِرُ ، وَهَمَزَ فَقَدْ شَبَّهَ الْأَصْلَ بِالزَّائِدِ انْتَهَى . وَهُوَ شَاذٌّ وَيُقَال لَهَا أَيْضًا : الْمِئْذَنَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ ، ثُمَّ هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ يَاءً وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ كُرَاعٍ أَنَّهُ يُقَالُ : مَأْذَنَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ… وهي تسمى بعض البلاد الصومة.
وقد أصبحت المنارة اليوم تُنفق عليه الآلاف المؤلفة من النقود في سبيل بنائها، وزخرفتها، والتباهي بها، قال في مواهب الجليل عند كلامه على صفة المنارة على عهد السلف: " وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ الْبُيُوتِ خِلَافًا لِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْمَنَارِ"
ولم يزل عمل المسلمين مستمرًا من مدد متفاوتة على بناء المنارات للمساجد وغالبها تكون أَطول من البيوت المجاورة لها. إلا أن المبالغة في التعلية والتباهي بذلك من المحدث الذي لم يكن على عهد السلف، ثم قال: "وَذَلِكَ يُمْنَعُ لِوُجُوهٍ : ( أَحَدُهَا ) : مُخَالَفَةُ السَّلَفِ ( الثَّانِي ) : أَنْ يَكْشِفَ حَرِيمَ الْمُسْلِمِينَ ( الثَّالِثُ ) : أَنَّ صَوْتَهُ يَبْعُدُ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَنِدَاؤُهُ إنَّمَا هُوَ لَهُمْ وَقَدْ بَنَى بَعْضُ مُلُوكِ الْعَرَبِ مَنَارًا زَادَ فِي عُلُوِّهِ فَبَقِيَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ لَا يَسْمَعُ أَحَدٌ مِنْ تَحْتِهِ صَوْتَهُ ، وَهَذَا إذَا تَقَدَّمَ وُجُودُ الْمَنَارِ عَلَى بِنَاءِ الدُّورِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدُّورُ مَبْنِيَّةً ثُمَّ جَاءَ بَعْضُ النَّاسِ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ الْمَنَارَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ عَلَيْهِمْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَنَارِ وَالدُّورِ سِكَكٌ وَبُعْدٌ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا طَلَعَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْمَنَارِ ، وَيَرَى النَّاسَ فِي أَسْطِحَةِ بُيُوتِهِمْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْهُمْ فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ الْمَنَارُ أَعْلَى مِنْ الْبُيُوتِ قَلِيلًا أَسْمَعَ النَّاسَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُرْتَفِعًا كَثِيرًا انْتَهَى.
وإذا كان هذا الكلام على ما كان عليه الحال أنذاك، فإنه اليوم ومع مكبرات الصوت، لو اقتصر في بنائها على قدر الحاجة وبتكلفة يسيرة، وكان الأمر يقتضي بناءها أصلاً، فهذا أمر لا بأس به. لاسيما إذا كان المسجد تحيط به مبان عالية، ولا يمكن سماع الأذان إلا عن طريقها فتبنى بقدر الحاجة، ولا يُبالغ في ارتفاعها، ولا تزخرفتها، لأن ذلك من الإسراف الذي نحن منهيون عنه. وأما إذا سمع الأذان بدونها فالأولى تركها.
قال العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-: (فالذي نجزم به أن المنارة المعروفة اليوم ليست من السنة في شيء، غير أن المعنى المقصود منها -وهو التبليغ- أمر مشروع بلا ريب، فإذا كان التبليغ لا يحصل إلا بـها، فهي حينئذٍ مشروعة؛ لما تقرر في علم الأصول: أن ما لا يقوم الواجب إلا به؛ فهو واجب، ولكن ترفع بقدر الحاجة.
غير أن من رأيي أن وجود الآلات المكبرة للصوت اليوم يُغني عن اتخاذ المئذنة كأداة للتبليغ، ولاسيما أنـها تكلف أموالاً طائلة، فبناؤها والحالة هذه -مع كونه بدعة، ووجود ما يُغني عنه- غير مشروع؛ لما فيه من إسراف وتضييع للمال، ومما يدل دلالة قاطعة على أنـها صارت اليوم عديمة الفائدة؛ أن المؤذنين لا يصعدون إليها البتة، مستغنين عنها بمكبرات الصوت).

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

بااااااااااااااااااااااااااارك الله فيك معلومات قيمة تستحق بضعة الوقت لتأمل وللاستفادة
شكرا بارك الله فيك
هناك مواضيع متميزة مثل هذه لكن اعجز عن الكلام عندما لا ارى ردود
اسفة لكن تستحق تقييم
بارك الله فيك فعلا موضوع جميل ورائع

فارس المنابر .الذي توفي ساجدا قبل صلاة الجمعة 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ عبد الحميد كشك

حياته وعلمه
وُلد عبد الحميد كشك في شبراخيت بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس لعام 1923 م ، وحفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره ، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية ، وفي السنة الثانية ثانوي حصل على تقدير 100% . وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على الجمهورية ، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة ، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب ، خاصة علوم النحو والصرف .

عُين عبد الحميد كشك معيداً بكلية أصول الدين عام 1957 م ، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها رغب عن مهنة التدريس في الجامعة ، حيث كانت روحه معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها من سن 12 سنة ، ولا ينسى فضيلته تلك الخطبة التي ارتقى فيها منبر المسجد في قريته في هذه السن الصغيرة عندما تغيب خطيب المسجد ، وكيف كان شجاعاً فوق مستوى عمره الصغير ، وكيف طالب بالمساواة والتراحم بين الناس ، بل وكيف طالب بالدواء والكساء لأبناء القرية ، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه والتفافهم حوله .

بعد تخرجه في كلية أصول الدين ، حصل على إجازة التدريس بامتياز ، ومثل الأزهر الشريف في عيد العلم عام 1961 م ، ثم عمل إماماً وخطيباً بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة . ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضاً ، وفي عام 1962م تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة ، بشارع مصر والسودان بمنظقة حدائق القبة بالقاهرة. ذلك المسجد الذي ظل يخطب فيه قرابة عشرين عاماً .. هي عمر الشيخ على منبره إلى أن اعتُقل في عام 1981 م وتم منعه نهائياً من الدعوة والخطابة إلى أن توفي وهو ساجد يصلي .

امتحانه بالسجن
اعتقل عام 1965م وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف ، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي .

كما اعتقل عام 1981 م وكان هجوم السادات عليه في خطاب 5 سبتمبر 1981 م هجوماً مراً ، وقد لقي كشك خلال هذه الإعتقالات عذاباً رهيباً ترك آثاره على كل جسده .

في رحاب التفسير
ترك عبدالحميد كشك 108 كتاب تناول كافة مناهج العمل والتربية الإسلامية ، وكان في كل هذه الكتابات ميسراً لعلوم القرآن والسنة ، مراعياً لمصالح الناس وفِقهِ واقعهم بذكاء وعمق وبصيرة . كما توج جهوده العلمية بمؤلفه الضخم في عشرة مجلدات "في رحاب التفسير" الذي قام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملاً ، وهو تفسير يعرض للجوانب الدعوية في القرآن الكريم .

جديرُ بالذكر أن عبد الحميد كشك كان مبصراً إلى أن صار عمره ثلاثة عشر عاماً ففقد إحدى عينيه ، وفي سن السابعة عشرة ، فقد العين الأخرى ، وكان كثيراً ما يقول عن نفسه ، كما كان يقول ابن عباس :

إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ
وفاته
كان خاتمة حياة كشك خاتمة حسنة ، فقد توضأ في بيته لصلاة الجمعة وكعادته ، كان يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد ، فدخل الصلاة وصلى ركعة ، وفي الركعة الثانية ، سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية وفيها توفي

رحم الله الشيخ وجزاه عنا خير الجزاء فقد كانت خاتمته سجودا لله وهذا من فضل الله عليه .

ا

مشكووووووووووووور
وجزاك الله خيرا