مسائل الطهارة 10 2024.

أنواع النجاسات الحكمية ومفهومها
السؤال (80):
فضيلة الشيخ ، ما هي النجاسات الحكمية من حيث المفهوم والأنواع؟
الجواب : النجاسات الحكمية هي النجاسة الواردة على محل طاهر ، فهذه يجب علينا أن نغسلها ، وأن ننظف المحل الطاهر منها ، فيما إذا كان الأمر يقتضي الطهارة ، وكيفية تطهيرها، أو تطهير ما أصابته النجاسة تختلف بحسب الموضع، فإذا كانت النجاسة على الأرض ، فإنه يكتفي بصب الماء عليها بعد إزالة عينها إن كانت ذات جرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة حين بال الرجل في طائفة المسجد- أي في جانب منه قال لهم "دعوه ، وهريقوا على بوله سجلاً من ماء"(66)، فإذا كانت النجاسة على الأرض، فإن كانت ذات جرم أزلنا جرمها أولاً، ثم صببنا الماء عليها مرة واحدة ويكفي.
ثانياً: إذا كانت النجاسة على غير الأرض ، وهي نجاسة كلب ، فإنه لابد لتطهيرها من سبع غسلات، إحداها بالتراب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب"(67).
ثالثاً : إذا كانت النجاسة على غير الأرض ، وليست نجاسة كلب، فإن القول الراجح أنها تطهر بزوالها على أي حال كان سواء زالت بأول غسلة ، أو بالغسلة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة ، أو الخامسة ، المهم متى زالت عين النجاسة فإنها تطهر ، لكن إذا كانت النجاسة بول غلام صغير لم يأكل الطعام، فإنه يكفي أن تغمر بالماء الذي يستوعب المحل النجس، وهو ما يعرف عند العلماء بالنضح، ولا يحتاج إلى غسل ودلك ، لأن نجاسة بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام نجاسة مخففة.

فتاوى الطهارة 5 2024.

السؤالان (70-71) :
فضيلة الشيخ، ما هي نواقض الوضوء؟

الجواب:
قبل أن نذكر نواقض الوضوء، أحب أن أنبه إلى مسألة تخفى على كثير من الناس، وهي أن بعض الناس يظنون أن الاستنجاء أو الاستجمار من فروض الوضوء، فتجدهم يسألون كثيراً عن الرجل ينقض الوضوء في أول النهار، ثم يؤذن أذان الظهر وهو لم ينقض وضوءه بعد، وهو لم يتوضأ حين نقض وضوءه أولاً، فيقول: إذا أذن الظهر هل أغسل فرجي مرة ثانية أو لا فنقول: لا تغسل فرجك، لأن غسل الفرج إنما هو لتطهيره من النجاسة عند البول أو الغائط، فإذا لم يحصل ذلك بعد التطهير الأول، فإنه لا يطهر، وحينئذ نعرف أنه لا علاقة بين الاستنجاء الذي هو غسل الفرج مما تلوث به من النجاسة، وبين الوضوء، وهذه مسألة أحب أن يتنبه لها.
أما ما يتعلق بنواقض الوضوء: وهي مفسداته ومبطلاته، فنذكر منها: الغائط، والبول، والريح، والنوم، وأكل لحم الجزور.
فأما الغائط والبول والنوم فقد دل عليها حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (1) ،

وهذا تؤيده الآية الكريمة في الغائط حيث قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (النساء: 43) .
وأما الريح: فلما جاء في حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، فيمن أشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ينصرف أولا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" (2) ، وهذا دليل على أن الريح ناقض للوضوء فهذه أربعة أشياء: البول، والغائط، والريح، والنوم.
ولكن النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا كان عميقاً، بحيث يستغرق النائم فيه، فلا يعلم عن نفسه لو خرج منه شيء، لأن النوم مظنة الحدث، وليس حدثاً في نفسه، فإذا نعس الإنسان في صلاته أو خارج صلاته، ولكنه يعي نفسه لو أحدث لأحس بذلك، فإنه لا ينتقض وضوءه ولو طال نعاسه، ولو كان متكئاً أو مستنداً أو مضطجعاً، لأن المدار ليس على الهيئة، ولكن المدار على الإحساس واليقظة، فإذا كان هذا الناعس يحس بنفسه لو أحدث، فإن وضوءه باق ولو كان متكئا أو مستنداً أو مضطجعاً، وما أشبه ذلك.

وأما الخامس من نواقض الوضوء: فهو أكل لحم الإبل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه سئل: نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم؟ قال " إن شئت" (3) ، فإجابته بنعم في لحم الإبل، وبأن شئت في لحم الغنم، دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعاً إلى مشيئته، بل هو أمر مفروض عليه، ولو لم يكن مفروضاً لكان راجعاً إلى المشيئة، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم "إنه أمره بالوضوء من لحم الإبل" (4) ، وعلى هذا فإذا أكل الإنسان لحم إبل انتقض وضوءه، سواء كان الأكل كثيراً أم قليلاً، وسواء كان اللحم نيئاً أو مطبوخاً، وسواء كان اللحم من اللحم الأحمر الهبر أو من الأمعاء، أو من الكرش، أو من الكبد، أو من القلب، أو من أي شيء كان من أجزاء البدن، لأن الحديث عام لم يفرق بين لحم وآخر، والعموم في لحم الإبل كالعموم في لحم الخنزير، حين قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (المائدة: 3) ، فإن لحم الخنزير هنا يشمل كل أجزاء بدنه، وهكذا لحم الإبل الذي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء منه، يشمل جميع أجزاء البدن، وليس في الشريعة الإسلامية جسد واحد تختلف أحكامه، فيكون جزء منه له حكم وجزء منه له حكم آخر، بل الجسم كله تتفق أجزاؤه في الحكم، ولا سيما على القول بأن نقض الوضوء بلحم الإبل علته معلومة لنا، وليس تعبداً محضاً.

وعلى هذا فمن أكل لحم إبل من أي جزء من أجزاء البدن وهو على وضوء، وجب عليه أن يجدد وضوءه، ثم اعلم أن الإنسان إذا كان على وضوء، ثم شك في وجود الناقض، بأن شك هل خرج منه بول أو ريح، أو شك في اللحم الذي أكله، هل هو لحم إبل أو لحم غنم، فإنه لا وضوء عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل، يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" (5) ، يعني حتى يتيقن ذلك، ويدركه بحواسه إدراكاً معلوماً لا شبهة فيه، ولأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه حتى نعلم زواله، فالأصل أن الوضوء باق حتى نعلم زواله وانتقاضه.
_________
(1) أخرجه الترمذي، كتاب الطهارة، باب في المسح على الخفين، رقم (96) ، والنسائي، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر، رقم (127) ، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب الوضوء من النوم، رقم (478) ، وأحمد في "المسند" (4/239، 240) وقال الترمذي: حسن صحيح.
(1) أخرجه الترمذي كتاب الطهارة، باب فبما بقال بعد الوضوء، رقم (55) ، وقال الترمذي: وهذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم.

في هذا الباب كبير شيء. اهـ. وانظر بحث الشيخ أحمد شاكر حول هذا الحديث في الحاشية (1/78-83) .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، رقم (137) ، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة، ثم شك في الحدث، رقم (361) .
(3) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، رقم (360) .
(4) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء من لحوم الإبل، رقم (184) ، والترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، رقم (81) ، وأحمد في المسند (4/288) وصححه الألباني في الإرواء (1/152) .
(5) تقدم تخريجه ص (58) .

من الأشياء التي يتهاون فيها الناس : الطهارة والاطمئنان في الصلاة ! 2024.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد : فنتكلم في هذا اللقاء على أشياء يتهاون بها الناس ، ولكنها مهمة جدًا ، فمنها ما يتعلق بالصلاة . فإن كثيرًا من الناس يتهاونون في الطهارة ، ولا يبالي أتوضأ على الوجه المشروع أم لم يتوضأ ، ولا يبالي أطهر ثوبه وبدنه وبقعته من النجاسة أم لم يطهر ، ولا يبالي أصلى صلاةً يطمئن فيها ويأتي فيها بما يجب من قراءة وذكر أم لم يفعل .

أما الطهارة فإنه لا شك أنه من شروط الصلاة التي لا تصح إلا بها : أن يتوضأ الإنسان من الحدث الأصغر وأن يغتسل من الحدث الأكبر ، دليل ذلك قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) . [ المائدة : 6 ] . هذا الوضوء .

وأما الغسل فقال : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) . [ المائدة : 6 ] . يعني : طهروا جميع البدن . ثم إن الله – عز وجل – خفف على العباد في ما إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتوضأ أو يغتسل بالماء إما لمرض ، وإما لفقد الماء ، رخص للعباد أن يتيمموا ، وذلك بأن يضربوا الأرض بأيديهم ويمسحوا بها وجوههم وأكفهم ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه ) . [ المائدة : 6 ] .

ومن الناس من يتهاون في الطهارة من النجاسة ، تجد الرجل يبول ثم يقوم من بوله دون أن يستقصي في تطهيره ، أما في الماء فتطهيره سهل يغسل الإنسان رأس الذكر حتى يغلب على ظنه أنه تطهر ، وهذا سهل ، لا تظن أن الأمر صعب ، فلو أن نقطة بول وقعت على أرض ملساء وصببت عليها الماء ، فإن هذا البول سيجري في أول دفعة من الماء أو قل في ثاني دفعة . كذلك البول على رأس الذكر لا يحتاج إلى كبير عناء ، ربما في ثلاث مرات أو أربع مرات يغلب على ظنك أن المحل نظف ، أما ما يفعله بعض الناس من كونه يتزحر ويتكلف ويتشدد حتى يخرج آخر بوله ، فهذا غلط ؛ لأن هذا مما يسبب سلس البول في الإنسان .

وكذلك بعض الناس تجده يمسح قناة الذكر من أصلها إلى رأس الذكر بحجة أنه يريد أن يخرج البول الباقي في القناة ، وهذا غلط – أيضًا – لا الأول ولا الثاني ، كلاهما من البدع ومن التعمق في دين الله – عز وجل – ، وما أكثر الذين يبتلون بالوسواس أو سلسل البول إذا فعلوا مثل هذا الفعل .

الأمر سهل ، إذا غلب على ظنك أنك طهرت رأس الذكر من البول انتهى الأمر فلا حاجة إلى أن تعصره ولا أن تتحمل في إخراج ما بقي .

وتجد بعض الناس يتهاون في الصلاة ، من جهة الطمأنينة لا يطمئن ، يسرع إسراعًا لا يتمكن فيه من الاستقرار والطمأنينة ، وهذا غلط ، يجب أن تطمئن في الركوع ، والرفع من الركوع ، والسجود ، والجلوس بين السجدتين ؛ لأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به ، وهنا يشكو بعض الناس من بعض الأئمة الذين لا يمكنهم معهم أن يقيموا الطمأنينة ، يقول الرجل : إمامنا لا يمكنني أن أقرأ الفاتحة ، فماذا أصنع !؟ لا يمكنني أن أطمئن في السجود ماذا أصنع !؟

نقول : إذا كان كذلك فلا تصل خلفه ؛ لأنك بين أمرين : إما أن تترك الطمأنينة وتتابعه ، وإما أن تأتي بالطمأنينة ولا يمكنك المتابعة ، وكلاهما غلط ، فإذا علمت من إمامك أنه لا يمكنك من قراءة الفاتحة أو من الطمأنينة في الركوع والسجود فلا تصل خلفه ، ولكن وجه النصيحة إليه أولاً ، وقل له : اتق الله فإنك لا تصلي لنفسك إنما تصلي لمن خلفك ، اتق الله فيهم ، مكنهم من الطمأنينة ، مكنهم من قراءة الفاتحة ، مكنهم من الذكر والتسبيح والدعاء .

ومن الناس من يتهاون بالصلاة على وجه أقبح وأطم وأعظم ، لا يقوم لصلاة الفجر إلا إذا جاء وقت العمل ، بل ويقول لأهله : لا توقظوني إلا إذا جاء وقت العمل . فماذا ترون في هذا الرجل الذي لا يقوم إلا إذا جاء وقت العمل ثم يقوم ويصلي !؟ أترون صلاته صحيحه !؟

هذا الرجل صلاته غير صحيحة ، ولا مقبولة ولا مكفرة لسيئاته ، ولا رافعة لدرجاته بل هي مردودة عليه ، يضرب بها وجهه – والعياذ بالله – الدليل : قول النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) . يعني : مردوداً ، وإذا كان مردودًا فعمله هباءً منثورًا لا يقبل منه .

وعليه فنقول لهذا الرجل : إنه فعلاً لم يصل صلاة الفجر ، لا يصلي في اليوم إلا أربع صلوات ؛ لأن صلاة الفجر التي تعمد ألا يقوم إلا إذا جاء وقت العمل فيصليها غير مقبولة منه .

منقول