وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ماذا يُعنى بهذا التأويل؟ 2024.

قال جل وعلا(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا([آل عمران:7].
هنا قال (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) ماذا يُعنى بهذا التأويل؟ إذا قلنا أن كل آية لابد أن نعلم معناها وكل حديث لابد أن يوجد في الأمة من يعلم معناه فما معنى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ)؟
الجواب أن ما أنزل الله جل وعلا على قسمين:
1. إمّا أن يكون أخبارا.
2. وإمّا أن يكون أحكاما.
وتأويل الأخبار يكون بوقوعها. وتأويل الأحكام؛ الأمر والنهي يكون بإيقاعها.
فقول الله جل وعلا هنا (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) يعني تلك الأخبار ما يعلم تأويلها إلا الله، لأن الله جل وعلا هو الذي يعلم حقيقة ما تؤول إليه، أو يعلم ما تؤول إليه حقيقة تلك الألفاظ وتلك الآيات، وذلك أن التأويل في القرآن أتى بمعنيين لا ثالث لهما:
الأول: التأويل بمعنى ما تؤول إليه حقيقة الشيء وهذا كما في قوله تعالى(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ([الأعراف:53] الآية (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) يعني ما تؤول إليه حقيقة أخباره وأحكامه، فحقيقة الأخبار تؤول إلى ظهورها من الصفات والغيبيات، كذلك الأحكام حقيقتها تؤول إلى ظهور أثر من تمسك بها وامتثلها ممن عصى وخالف، هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: وهو فرع عن هذا، التأويل بمعنى التفسير قال(أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ([يوسف:45] بتأويله يعني بتفسير الرؤيا، وهذا مرتبط بالمعنى الأول؛ يعني الحقيقة التي تؤول إليها الرؤيا في الواقع المشاهَد.
فإذن قوله هنا (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) ليس هو التأويل الحادث الذي يقوله بعض أهل الأصول؛ وهو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره لمرجح أو لقرينة تدل عليه. لا، هذا إنما هو اصطلاح حادث، أما التأويل فهو في القرآن والسنة له معنيان لا غير.
فإذن قوله هنا (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) فإذا كان في آيات الصفات ووقفنا على هذه الآية وقلنا (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) ووقفنا، فنريد بالتأويل ما تؤول إليه حقيقة الأسماء والصفات يعني الكيفية لا يعلم الكيفية؛ وهي الحقيقة التي تؤول إليها آيات الأسماء والصفات والأحاديث التي فيها الأسماء والصفات، لا يعلم كيفية اتصاف الله جل و علا بها إلا هو سبحانه، وإذا أُريد بالتأويل معنى التفسير لا الكيفية فإن الراسخين في العلم يعلمون، ولهذا طائفة من السلف يرون الوقف على كلمة (الْعِلْمِ) يقولون (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ويقف، لأن الراسخون في العلم يعلمون المعنى، لكن لا يعلمون الكيفية، فإذا كان الاشتباه واقع في المعنى كان الراسخون في العلم ممن يعلمون، وإذا كان الاشتباه وقع في الكيفية كان العلم مقصورا على ربِّ الأرض والسماوات.
وهذا معنى قوله (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) ولهذا قال ابن عباس: أنا ممن يعلم تأويلَه.

3- قالَ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ أحمدُ بنُ محمدٍ بنِ حنبلٍ ( في قولِ النَّبي ( «إنَّ اللهَ ينزِلُ إلى سماءِ الدُّنْيَا»و«إنَّ الله يُرى في القيامَةِ» وما أشبه هذه الأحاديثَ، قال: نؤمِنُ بها ونُصَدِّقُ بها لا كَيْفَ ولا مَعْنَى ولا نَرُدُّ شيئا منْها، ونَعْلَمُ أنَّ ما جاءَ به الرَّسولُ حقٌّ، ولا نَرُدُّ على رسولِ اللهِ ( ولا نَصِفُ اللهَ بأكْثَرَ مما وَصَفَ بِهِ نفسَهُ، بِلاَ حَدٍّ ولا غايَةٍ(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ([الشورى:11]. ونقولُ كما قالَ، ونَصِفُهُ بما وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، لا نَتَعَدَّى ذلك، ولا يَبْلُغُهُ وصفُ الواصِفِينَ، نُؤْمِنُ بالقرآنِ كُلِّهِ مُحْكَمُهُ ومُتَشَابِهُهُ ولا نُزِيلُ عَنْهُ صفةً مِنْ صفاتِه لشَنَاعَة شُنِّعَتْ، ولا نَتَعَدَّى القرآنَ والحديثَ، ولا نَعْلَمُ كيفَ كُنْهُ ذلك إلاَّ بتصديقِ الرَّسولِ ( وتَثْبِيتِ القرآنِ.
هذا الكلام من إمام أهل السنة والجماعة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة 241هـ الإمام الذي نصر به الله جل وعلا السنة وقمع به البدعة، وجعله جل وعلا في وقته ميزانا يوزن به الناس، يقول فيه (إننا نؤمن بما جاء من النزول-وغير ذلك من آيات الصفات- كما جاء، لا نتجاوز القرآن والحديث، قال: بلا كيف ولا معنى) وهذا الكلام منه رحمه الله تعالى رحمة واسعة، أشكل على بعضهم كيف يقول بلا كيف ولا معنى؟ وحقيقة هذا اللفظ الذي ورد عنه أنه يوافق مذهب المفوّضة، والمفوضة طائفة كانت تقول نؤمن بالألفاظ بلا معاني، يعني نفوض المعنى والكيفية جميعا، وهذا معتقد باطل وبدعة شنيعة، وإنما الواجب تفويضُ العلم بالكيفية، أما المعنى فهو ظاهر لأن القرآن أنزل بلسان عربي مبين، فإذا كان أهل السنة والجماعة يؤمنون بالألفاظ والمعاني؛ يعني بما دل عليه اللفظ من كلام العرب، فكيف إذن يُحمل كلام الإمام أحمد بقوله(بلا كيف ولا معنى) وهذه أيضا مما أُخذ على المؤلف حيث لم يُوضِح المراد من كلام الإمام أحمد.
وأهل العلم يقولون إن الإمام أحمد أراد بقوله (بلا كيف ولا معنى) الرد على طائفتين:
1. الطائفة الأولى المشبهة المجسمة رد عليهم بقوله (بلا كيف) يعني الكيفية التي تتوهمها العقول، أو وَصَفَ اللهَ جل وعلا بها المجسمة أو الممثلة.
2. وقوله (ولا معنى) ردّ بها رحمه الله على المعطلة، الذين جعلوا معاني النصوص على خلاف الظاهر المتبادر منها، فقالوا إن معنى النزول الرحمة، وقالوا إن معنى الاستواء الاستيلاء، وقالوا إن معنى الرحمة الإرادة؛ إرادة الإحسان أو إرادة الخير، وإن الغضب معناه إرادة الانتقام ونحو ذلك فهذا تأويل منه.
فالإمام أحمد يقول (بلا كيف) الكيف الذي جعله المجسمة، (ولا معنى) الذي جعله المعطلة، يعني المعنى الباطل الذي صرف الألفاظ إليه المبتدعة المؤولة. فإذن قوله (بلا كيف ولا معنى) يريد بقوله (ولا معنى) المعنى الباطل الذي تأول به وإليه المبتدعة نصوص الصفات والنصوص الغيبية.
وهذا نأخذ منه قاعدة مهمة: وهي أن طالب العلم الذي يعتني بأمر الاعتقاد يجب عليه أن يفهم اعتقاد أهل السنة والجماعة تماما

مقتطف من شرح لمعة الاعتقاد لابن قدامة

شريط مفرغ للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله

بوركتم
حفظكم المولى ورعاكم وكفاكم وحماكم ووقاكم
اللهم امين

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام انس السلفية القعدة
القعدة
القعدة

بوركتم

حفظكم المولى ورعاكم وكفاكم وحماكم ووقاكم
اللهم امين

القعدة القعدة
آمين وإياكم
شكرا على مروركم العطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.