صفية صاحبة الصورة الأشهر في الجزائر 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

القعدة

قد تكون صورة صفية التي التقطها منذ 46 سنة مصور مجلة «باري ماتش» الفرنسية وتصدرت الغلاف يومها، هي واحدة من أشهر الصور في تاريخ الجزائر، خصوصاً أنها ارتبطت بتظاهرات الاستقلال ودور المرأة فيها. صفية بقيت مجهولة رغم شهرة صورتها، لكنها اليوم تخرج إلى العلن وتروي لـ«الشرق الأوسط» كيف أخذت تلك اللقطة وفي أي ظروف.

«معركة الجزائر» التي تحولت على يد الإيطالي الراحل جوليو بونتيكورفو إلى واحد من أجمل الأفلام في تاريخ السينما السياسية برأي إدوارد سعيد، كانت بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على الحقبة الكولونيالية الفرنسية، أما مظاهرات 11 ديسمبر (كانون الأول) 1960 فهي تتويج لتلك المرحلة الفاصلة. وهي مظاهرات يعرفها معظم الجزائريين الذين يطالعون تاريخهم الحديث في الكتب المدرسية والجامعية وفي «متحف المجاهد« الرسمي الذي يحوي أنفس الوثائق المتوفرة لدى السلطة الجزائرية. هذه الوثائق تضم صورة مأخوذة من مظاهرات 11 ديسمبر (كانون الأول) 1960، التقطها مصور «باري ماتش» الفرنسية ونشرت كصورة للغلاف بعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ، ونالت شهرة واسعة.

السلطات الرسمية في الجزائر لا تعرف صاحبة الصورة التي كانت تصرخ في وجه المحتلين منادية بسقوط الاستعمار. تلك المرأة التي فرحت بعد سنة ونصف من ذلك باستقلال الجزائر وبقيت بعيدة عن الأضواء، لم يسأل عنها أحد لحد الساعة، لذا ذهبنا لنلتقيها بعد 46 سنة، ولتسرد حكاية الصورة من البداية.

اسمها صفية واسم عائلتها برايك واسم عائلة زوجها الذي حملته بعد ذلك «شريف»، وهي من سكان الجزائر العاصمة. سنة 1960 كان عمرها تسع عشرة سنة، مخطوبة تستعد للزفاف، ولا تعرف عن تلك التظاهرات التي يتم تنطيمها شيئا.

تستعيد صفية يوم 11 ديسمبر الحالي، وهي تستقبلنا في بيتها في حي الأبيار في الجزائر العاصمة قائلة: «خرجت والدتي أولا رفقة صديقتها التي كنا نناديها «ماما»، ملبية النداء بالتظاهر، ولم تخبرني بالأمر الذي كنت أجهله تماما. وبعد غياب دام حوالي ساعتين عادت منهكة إلى بيتنا في ضاحية «هواء فرنسا» بعيدا عن ساحة التظاهر التي كانت بالقرب من ساحة الشهداء حاليا. ولما سألتها عن سبب عودتها منهكة لم تجبني، لأنها اعتقدت أني كنت أعلم بأمر التظاهرة ولم أستجب لها، ولما علمت قررت أن أذهب معها. وبالفعل لبست العجار (الزي الذي تظهر به في الصورة القديمة) وجاءت معنا «ماما» وركبنا الحافلة التي أوصلتنا قرب ساحة الشهداء، ولما وصلنا وجدتني أصيح مع المتظاهرين الذين كانوا ينادون بشعارات مثل: «الجزائر مسلمة»، «تحيا جبهة التحرير الوطني» وكانت لغة التظاهرة حينها بالفرنسية طبعا.

بعد أكثر من ساعة من الصراخ والاحتجاج لمحت مصوراً صحفياً يقترب، ويطلب أن أتهيأ حتى يلتقط لي صورة. وبالفعل أخذ أكثر من صورة ثم طلب مني أن أصعد فوق سيارة كانت متوقفة هناك ففعلت رفقة بعض المتظاهرين الذين صعدوا معي وكان المصور سعيدا بأخذ الصور. ثم سلكت التظاهرة منعرجا آخر، وجاءت سيارات «جيب» وكان في مواجهتها المجاهدون الذين يحرسوننا، وطبقنا أوامر المجاهدين بأن نقتحم أقرب بيت نجده مفتوحا عند إطلاق الرصاص. وبالفعل بعد دقائق من ذلك بدأ إطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، وكانت أمي تأمرني بالجري فهربت رفقة صديقتي «ليلى رشاد» التي كانت معي ثم أصبحت وجها تلفزيونيا بعد الاستقلال، وسلكنا الطريق المعروف باسم «لالير».

تتوقف صفية عن الحديث قليلا لتستجمع الذاكرة ثم تواصل قائلة: «كنت لا أكاد أستطيع فتح عيني من تأثير القنابل المسيلة للدموع، عندما اقتحمت بيتا لا أعرفه، ولما تناولت الماء سمعت من يطلب فتاة باسم «صفية»، ولما ذهبت دلوني على مكان أمي التي وجدت رجلها مفصولة عن بقية جسدها وكانت مطروحة وقد حسبتها ميتة، وكنت أصرخ: يما (أمي بالجزائرية) قتلوها.. يما قتلوها. ثم تعاون معنا السكان وتجاوزت الصدمة بعد أن عرفت بأن أمي لم تمت وإنما فقدت رجلها فقط وأخذناها إلى المستشفى»، ثم تواصل الحكاية بتفاصيلها التي تمتد إلى ما بعد الاستقلال.

تؤكد صفية بأنها كانت تعرف مجلة «باري ماتش» التي نشرت الصورة على غلافها، وقد أخبرها المصور أنه أخذ الصور لصالح المجلة، لكنها تقول بأن صورتها وهي فوق السيارة لم تنشر ولم تعرف مصيرها إلى الآن. صفية التي كانت في بداية خمسينيات القرن العشرين تلميذة لأبي بكر جابر الجزائري الذي هاجر إلى المملكة العربية السعودية بعدها، تقول بأنها أغرمت بمهنة الصحافة من خلال تلك الصورة التي بقيت حية لحد الآن ويعرفها كل الجزائريين لكن معظمهم لا يعرف صاحبتها، ومن غرائب الأقدار أن ترزق بعد أخذ تلك الصورة بأشهر بابن سيصبح واحدا من أكبر الصحافيين الجزائريين وهو فيصل شريف الذي كان يدير يومية «الأصيل« في تسعينيات القرن العشرين، ومن بين أبنائها المصور الصحافي فؤاد شريف الذي اشتغل لصالح جريدة «الخليج» الإماراتية. وفؤاد يحتفظ في أرشيفه الشخصي بالكثير من الصور الجميلة النادرة لكن أجمل صورة وأهمها في ألبومه هي صورة أمه صفية الذي التقطها زميله في باري ماتش قبل أن يولد هو، وقبل أن تزف أمه صفية برايك شريف، صاحبة أشهر صورة لامرأة جزائرية بقيت هويتها مجهولة عند الكثيرين..

بارك الله فيك وهذه قصة من الاف القصص لضحايا الحرب
بارك الله فيك

القعدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.