سياسة عبد الحميد الإسلامية 2024.

تبوأ عبد الحميد عرش السلطنة والبلاد، كما ذكرنا، في أسوأ حال، فالدول الغربية أصبحت منذ مؤتمر باريس المنعقد في 1856 تتدخل في أمور الدولة بكل حرية. وتنظر هذه الدول إلى الدولة العثمانية نظرتها إلى مريض على فراش الموت يجب البحث في تقسيم تركته، والخزينة في حالة إفلاس وقد بلغت ديونها حتى عام 1875 ثلاث مليارات وثلاثة عشر مليون فرنك ذهبي، وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة لذلك الزمن، حتى أن الدول قد أحجمت عن عقد قرض مع السلطنة على الرغم من الفائدة الباهظة التي كانت تتقاضاها إذ كانت تبلغ 25 %، والقوميات ترفع رأسها، والحروب تشب على الدولة وتزيد نفقاتها على عجزها وإفلاسها، ودول الغرب المسيحية تصر على السلطنة لتحقيق الاصلاحات في البلاد ومعنى الاصلاحات ترك الحبل على الغارب للأقوام المسيحية الموجودة في الدولة.</span>
حاول السلطان عبد الحميد حينما تبوأ العرش أن يعمل على إرضاء الغرب فأعلن الدستور الذي يساوي فيه بين العناصر والأقوام وكان شعاره (حرية، أخوة، عدالة، مساواة) أي أنه زاد على الشعار الافرنسي كلمة العدالة التي هي أساس كل شيء ولكنه رأى أن غاية الغرب ليست إعلان المساواة بل غايته القضاء على السلطنة، وما مطالبتها بالمساواة وغيرها إلا حيل لإنهاكها وتفريق شملها. فلما رأى عبد الحميد هذا أدرك أن لا شيء ينقذ السلطنة إلا القوة ولكن من أين له القوة، والقوة تحتاج إلى المال والخزينة مفلسة ؟‍.</span>
إذن لا بد من الاتكال على قوة معنوية هي قوة الإسلام فاهتم بالدعوة إلى الجامعة الإسلامية وقد نجحت سياسته واستطاع أن يحكم البلاد ثلاثاً وثلاثين سنة كانت السلطنة على ضعفها ووهنها والمؤامرات التي تحاك لها في الداخل والخارج مح**** المكانة مرهوبة الجانب. وفي نطاق هذه السياسة قرب إليه كثيراً من رجالات الإسلام مثل جمال الدين الأفغاني والشيخ أبو الهدى الرفاعي من حماة وأحمد عزة العابد من دمشق والشيخ محمد ظافر من الجزائر والشيخ سعيد من حمص والشيخ أحمد أسعد القيصرلي من المدينة المنورة والسيد فضل الله من مليبار بالإضافة إلى فريق من أشراف مكة المكرمة وعلى رأسهم الحسين بن علي وعلي حيدر وعبد الاله باشا وصادق باشا وغيرهم، وأجرى على الجميع مرتبات كما أجرى مرتبات على غيرهم ممن تخلف في بلده وكان له نفوذ إسلامي. لقد فعل ما فعل من قبيل تأليف القلوب ولكنه لم يكن مخدوعاً بأحد بل ينزل كل واحد على قدره، وكان لا يأمن للشريف حسين وحينما أصر الاتحاديون عليه لتعيينه شريفاً على مكة بدل الشريف علي قال لهم : إني أبرأ من تبعة كل ما سيعمله هذا الرجل لأني أعرف حقيقته.</span>
وقد تجاوز عبد الحميد هذه المرحلة من تقريب العناصر غير التركية وعهد إلى كثير من العرب بأعلى المناصب في الدولة منهم احمد عزة باشا العابد الكاتب الثاني في المابين وقد بلغ نفوذه مبلغاً فاق الصدارة، وشفيق بك المؤيد المفوض في الديون العامة وشفيق بك الكوراني رئيس الشرطة، وعرب حقي باشا وسليم بك ملحمة ونجيب بك ملحمة وسليمان البستاني وقد بلغوا كلهم رتبة الوزارة وكلهم من سوريا ولبنان، وطالب باشا النقيب وأحمد باشا الزهير (من أعضاء مجلس شورى الدولة) وهما عراقيان. وكان الفريق محمد باشا والفريق محيي الدين باشا ولدا الأمير عبد القادر الجزائري وفؤاد باشا المصري من مرافقي السلطان. وكان المشير أركان حرب شفيق باشا وأخوه الفريق وهيب باشا من أركان اساتذة المدارس العسكرية والحكومية وهما لبنانيان من قرية المتن. وكان شكري باشا الأيوبي الدمشقي ناظراً للأعمال العسكرية. والدكتور يوسف رامي من قرية فالوغا في لبنان أمير لواء والدكتور الياس مطر من بيروت أستاذاً للتشريح في الكلية الطبية في استانبول. والأستاذ سليم باز من دير القمر بلبنان أستاذاً في كلية الحقوق وغيرهم كثير.</span>
وبالإضافة إلى ذلك فقد اتخذ السلطان عبد الحميد من العرب حرساً خاصاً أنزلهم حول قصره والبسهم عمائم خضر.</span>
ولم يكتف بذلك بل إنه عمد إلى تزويج أميرات البيت المالك من غير الأتراك ورفع أزواجهن إلى رتبة داماد (أي صهر) وهم : الشريف علي حيدر الذي طمع في عهد الانتداب الافرنسي أن يكون ملكاً على سوريا، وصالح بك خير الدين باشا التونسي، وأحمد نامي شركسي الأصل ولبناني الجنسية وقد صار سنة 1926 رئيساً لدولة سوريا.</span>
وكما قرب السلطان العرب إليه فإنه لم يهمل الأقوام المسلمة الأخرى فجمع حوله طائفة من الأكراد والأرناؤوط أمثال إسماعيل باشا الكردي ودرويش باشا الألباني وغيرهما وعني عناية خاصة بتربية الناشئة من أولاد العشائر فأنشأ مدرسة العشائر في استانبول لتوثيق عرى الاخوة بين العشائر ودار الخلافة.</span>

هذا بعض ما فعله السلطان عبد الحميد في سبيل جمع كلمة رعايا الإمبراطورية العثمانية حول مبدأ واحد وهدف وهو الإسلام وهو عمل عظيم، ولكن بقدر ما كانت هذه السياسة ناجحة ومفيدة في تدعيم أركان الدولة فإنها كانت أشبه بناقوس الخطر بالنسبة إلى دول الغرب التي تخشى كلمة الإسلام وتحاربها بكل قواها لأن انتصار الإسلام يعني في نظرها اندحاراً للمسيحية ولذلك فقد عملت على إزالة عبد الحميد أولاً ثم على القضاء على الإمبراطورية بعد ذلك.</span>

بارك الله فيك على الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.