داء العصر 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خِلْفَة، ورفع عنَّا الكلفة، وأمرنا بالمودة والألفة، وحذَّرنا من الغفلة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالاتباع، ونهانا عن الابتداع، وحذَّرنا من الضياع، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي أرضى ربه وجاهد نفسه وحفظ وقته، صلى الله وسلم عليه كلما دامت الأُلفة، وحوربت الغفلة.


أما بعد:


فيا أيها المسلمون: اتقوا الله الذي }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ{ [الزمر: 21]. واغتنموا الحياة قبل الممات، والعمل قبل الفوات، وسارعوا إلى الخيرات؛ فإن الدنيا لاكتساب الحسنات، وللتوبة من السيئات، وإن الآخرة للجزاء على المكتسبات؛ فهل من مشمِّر إلى الجنات؟! وهل من هارب من المهلكات؟! وهل من سليم من الحسرات؟! وهل من علاج للغفلات؟! فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل، واعلموا أن حياة المسلم تتميَّز بأنها حياة يقظة دائمة وربح مستمر، يومها خير من أمسها، وغدها خير من يومها، وما يقظتها إلا لأن الله تعالى أمر بها، يقول تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{[آل عمران: 102].


ولأنها حياة المصطفَيْن الأخيار، الملائكة الأبرار؛ فما علمناهم ينامون ولا يلهون ولا يلعبون، وإنما يُسَبِّحُون الله الليل والنهار لا يسأمون.


ولأنها حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو مستيقظ القلب، ولا ينام إلا عينه.


ولأنها حياة أهل الجنة؛ فأهل الجنة لا ينامون، يقول صلى الله عليه وسلم: «النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون».


ولأنها حياة العمل وحياة التكليف: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{[الزلزلة: 7، 8].


ولأنها حياة الغنيمة لمن اغتنمها، وأهل هذه الحياة قلة؛ لأنهم آمنوا بالله وعملوا الصالحات، وأهل الإيمان قلة؛ يقول تعالى: }وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ{[ص: 24].


وقلة لأنهم شكروا الله بقلوبهم وبألسنتهم وبجوارحهم، وأهل الشكر قليل، قال تعالى: }اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ{[سبأ: 13]، وقلة لأنهم غرباء كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، وغربتهم جعلتهم يصلحون ما أفسد الناس ويصلحون عند فساد الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: «طوبى للغرباء». أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، وأهل هذه الدنيا هم الذين علموا أن الله ناظرٌ إليهم؛ فراقبوه وعلموا أن الموت يطلبهم، فهم له مستعدون، وهم الذين جعلوا الآخرة همهم فجمع الله لهم شملهم وجعل غناهم في قلوبهم، وأتتهم الدنيا وهي راغمة.


ومن أبرز صفاتهم: السلامة من الغفلة؛ فإنها داء عضال يسري في القلوب والجوارح والأعمال والأعمار، كما يسري الماء في الورد، والنار في الهشيم، ويضعفها كما يضعف المرض الأبدان.


ولخطورتها حذَّر الله منها أشد التحذير، ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم عنها، ونهيه لرسوله نهي للأمة كلها؛ لأنه المُبَلِّغُ لها عن الله تعالى، قال تعالى: }وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ{[الأعراف: 205]، وحذَّر تعالى من طاعة أهل الغفلة؛ لأنهم أهل صدود عن الله، وأهل إعراض عن ذكره، وأهل إفلاس في أعمالهم، يقول تعالى: }وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{[الكهف: 28].


وجعلها سببًا من أسباب الحسرة والندامة يوم القيامة، يقول تعالى: }وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{[مريم: 39].


وبيَّن أنها سبب نسيان الآخرة وسبب الاغترار بالدنيا، قال تعالى: }اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ{[الأنبياء: 1-3].


قال عامر بن ربيعة: «نزل بي رجل من الأعراب فأكرمته وأدخلته على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعه قطيعة من ألأرض، فجاء الأعرابي يومًا وقال: إني أريد أن أقطعك من هذه القطعة لك ولعقبك. قال عامر: لا حاجة لي فيها، لقد أنزل الله علينا اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا وذكَّرتنا بالآخرة، ثم قرأ: }اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ{».


وجعل الله عقوبة أهل النار، قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{[يونس: 7، 8].


ووصف الله بها الجماد الذي لا يعقل ولا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يتحرك ولا يجلب لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا يدفع ضرًا؛ قال تعالى: }وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{[الأحقاف: 5].

من صفات أهل هذا المرض

وقد وصف الله أهل الغفلة بصفات تليق بهم تشبه صفات الأنعام، بل الأنعام أفضل منهم، ومن هذه الصفات: أن لهم قلوبًا لا يفقهون بها، وإذا لم تفقه القلوب لم تفقه الأجساد؛ لأن الأجساد تتلقى من القلوب، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب». وإذا لم يفقه القلب لم يصلح العمل ولم يقبل؛ لأن الأعمال بالنيات، يقول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وعدم فقه القلب علامة من علامات النفاق، يقول تعالى: }وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ{[محمد: 16].


وعدم فقه القلب يدل على قسوته وعلى ظلامه وانتكاسته وعلى مرضه ثم موته، وأبعد القلوب عن الله هي القلوب التي لا تفقه، وأبغضها إليه هي القلوب القاسية المظلمة المنكوسة الميتة، ولا علاج لها إلا اللين والنور والاستقامة والسلامة.


ومن صفاتهم أن أعينهم لا تبصر الحق فتتبعه، ولا تبصر الباطل فتجتنبه، ولا تبصر الصراط المستقيم فتثبت عليه، ولا تبصر الآيات الكونية التي تزداد بها إيمانًا وتزداد بها يقينًا؛ فإنها آيات الله المنظورة التي تُرَى بالعين، ولا تبصر القرآن فتقرأه وتعمل وتدعو إليه، ولا تبصر السُنَّة النبوية فتبلغها، قال صلى الله عليه وسلم: «بلِّغوا عني ولو آية».


ومن صفاتهم: أن أسماعهم لا تسمع؛ فهي مسدودة عن الخير مفتوحة للشر، خالية من الهداية، مليئة بالضلالة، معرضة عن الذكر، ومَن أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكًا، ويحشره الله يوم القيامة أعمى. قال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى{[طه: 124-126].


ومنها: انشغالهم بالدنيا وإعراضهم عن الأخرى، ونسوا أن الدنيا دار ممر وليست بدار مقر، وأنها دار سفر وليست بدار إقامة، وأنها دار غربة وليست دار استيطان، وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وبانشغالهم بالدنيا خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين.


وقد جعل الله عقوبة أهل الغفلة النار، وجعلهم كالأنعام بل هم أضل، قال تعالى: }وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ{[الأعراف: 179]، ويقول تعالى: }وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{[ق: 21، 22].

أضـرارهــا

واعلموا أن أضرار الغفلة كثيرة وأن عواقبها وخيمة، فمن أضرارها:


-ضياع الأعمار ومحق بركتها؛ إذ يظهر عمر الغافل وما كأنه ساعة أو يوم أو بعض يوم وينقطع وهو لا يزال حي، وينسى ربه وينسى نفسه، ويضيع عمره في اللهو واللهب، وفي القيل والقال، وفي الاشتغال بفضول المباحات، وفي الاشتغال بالمفضول عن الفاضل، وفي صحبة الأشرار، وفي الانشغال بالأوزار، يقول تعالى: }وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ{[الروم: 55]، ويقول تعالى: }قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ{[المؤمنون: 112، 113].


ويتمنى أهل الغفلة الرجوع إلى الدنيا للعمل الصالح، فلا يمَكَّنون؛ لأن الله قد عمَّرهم ما يتذكر فيه مَن تذكَّر وجاءهم النذير، قال تعالى: }وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ{[فاطر: 37].


ومن أضرارها: ضياع الأعمال الصالحة التي هي وظيفة الدنيا، وهي رأس مال المسلم، وهي خير زاد يُتزوَّد به، وخيرُ لباس يتزيَّن به، وهي رضوان الله والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي سعادة الدنيا والآخرة، وهي النجاة في الدنيا والآخرة.. فكم ضاع على الغافلين من ساعات بلا ذِكْر! وكم ضاع عليهم من أيام بلا قرآن وبلا صلاة! وكم ضاع عليهم من أسابيع بلا سبق إلى الجمعة وبلا صدقة وبلا دعوة إلى الله وبلا أمر بالمعروف ونهي عن منكر، وبلا حضور مجالس ذكر! وكم ضاع من شهر بلا صيام وبلا سبق إلى الخيرات، وكم ضاع من عام بلا توبة ولا إنابة وبلا عبرة ولا اتعاظ، بل لربما ردت الأعمال الصالحة بالغفلة؛ فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه؛ لأنه لم يتدبره ولم يتذكر به، وكم من مصل ليس له من صلاته إلا عُشرها، ولربما لفت كما يلَفُّ الثوب الخلق وضرب بها وجه صاحبها، وقالت له: ضيَّعك الله كما ضيَّعتني. وكم من صائم حظُّه من صيامه الجوع والعطش؛ لأنه صام عن الحلال وأفطر على الحرام؛ ولأنه لم يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل الأوامر واجتناب النواهي، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: «ليس الصيام من الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث»، ويقول: «رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش».


وكم من قائم حظه من قيامه السهر والتعب؛ لأنه قام للرياء والسمعة، أو لأجل صحة بدنه، ونحو ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ قائم حظه من قيامه السهر والتعب».


وكم من دعاء رُدَّ على صاحبه؛ لأن قلب صاحبه غافل، يقول صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة»؛ فإن الله لا يستجيب دعاء قلب غافل لاه.


ومن أضرارها: تعطيل الجوارح عن العمل الصالح؛ فلا نية صالحة ولا كلمة طيبة، ولا عمل صالح، ولا خُلُق حسن؛ ولذا يقول تعالى: }لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا{[الأعراف: 179].


ومن أضرارها: نشاط الشيطان في الإضلال والغواية؛ فيجثم على قلوب الغافلين، ويتسلط على جوارحهم، ويزيِّن لهم الباطل، ويثبطهم عن العمل الصالح، ويُفسد عليهم العمل الصالح، ويهوِّن عليهم المعاصي، ويشاركهم في المآكل والمشارب والمساكن والمراكب.

عـلاجهـا

واعلموا عباد الله أن علاج الغفلة بإتقان العمل، وإتقانه بالإخلاص لله فيه، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ومراقبة الله فيه، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».


وعلاجها بكثرة ذكر الله تعالى؛ فإن الله أمر به في جميع الأحيان، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا{[الأحزاب: 41، 42]، وأمر به في جميع الأحوال؛ قال تعالى: }فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ{[النساء: 103]. ورتَّب الشارع الحكيم لكل حال من أحوال الإنسان ذِكْراً معيَّناً؛ ومن السبعة الذين يظلهم في ظله يوم القيامة رجل ذَكَرَ الله ففاضت عيناه.


وعلاجها بالقرآن؛ فإنه حياة القلوب، وهو نورها، وهو غذاؤها، ولو نظفت قلوب الناس ما شبعوا من كلام الله، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَن قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتِبَ من القانتين، ومَن قام بألف آية كُتِبَ من المقنطرين».


وعلاجها بالصلاة عند اشتداد الحر والانشغال بالراحة وعند انكساره والانشغال بالتبرد، وعند غروب الشمس والانشغال بالظلمة، وعند العشاء والانشغال بالعَشاء، وعند الفجر والانشغال بالنوم؛ بل شرعت صلاة الضحى حتى لا يغفل الإنسان أول النهار، وشُرِعَت صلاة الليل حتى لا يغفل الإنسان آخر الليل.


وعلاجها بالصيام؛ ليتحرر الإنسان من عبودية بطنه وفرجه؛ ففي حديث أسامة قال: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: «ذلك شهر يغفل عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرْفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحب أن يُرْفَع عملي وأنا صائم».


وعلاجها بالبُعد عن أماكنها؛ كالأسواق؛ فإنها أماكن تجمُّعِ الشياطين من الإنس والجن.


وعلاجها معرفة حقيقة الدنيا؛ فإنها لهو ولعب وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد ومتاع الغرور، وينبغي أن نغتنمها بالعمل الصالح وبالمداومة على الطاعة والتوبة عن المعصية؛ فأهلها ليس لهم في الآخرة من نصيب.


وعلاجها بحضور مجالس الذِكْر؛ فإنها مجالس ملائكة وأنبياء وصالحين، ومجالس إيمان وجنة ومغفرة، وفيها رحمة الله، وفيها الثبات والذِكْر والسعادة. وقد ورد أن امرأة كانت من الغافلات؛ قالت لزوجها: ائذن لي أن أفتن عُبَيداً بن عُمَيرٍ. فأذن لها، فذهبت لعُبيد وكشفت عن وجهها. فلما رآها قال: أرأيت لو نزل بكِ الموت، وكنتِ في قبركِ، وحُشِرتِ إلى ربك، ووَضِعَ ميزانكِ، ونُصِبَ صراطكِ، أكُنتِ ترغبين أنَّا قضينا لكِ حاجتك؟! قالت: لا. وتابت من غفلتها ورجعت إلى ربها.


فاتقوا الله عباد الله، واحذروا الغفلة، واغتنموا الحياة، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على محمد بن عبد الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.