أمتنا الإسلامية بين الحاضر والماضي 2024.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أمتنا الإسلامية بين الحاضر والماضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الأمة التي تستحق الحياة الكريمة هي التي تملك من الخصائص ما يجعلها تقاوم عوامل الفناء، وبذلك تستعصي على الذوبان، وهذه الأمة تملك من الخصائص ما لا تملكه أي أمة أخرى، فكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عاصم لها من الفناء والزوال ما استمسكت بهما حيث إن الله -عز وجل- وعد بحفظهما.

أضف إلى ذلك: تلك الفئة الخيرة التي تمثل الإسلام في كل جيل وعصر، لا تتركه ولو نُشرت بالمناشير، وجرد بأمشاط الحديث لحمها دون عظمها.

وقد جرت على الأمة الإسلامية عبر تاريخها خطوبٌ وأهوالٌ تجاوزتها وخلصت منها بعد أن خلصت من العوامل التي أدت إلى هزيمتها وتأخرها.

وتجري اليوم على الأمة خطوب وأهوال تحيط بالإسلام وأهله، ونحن مطالبون بأن نعود إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لنتعرف على الأسباب التي أدت بهذه الأمة إلى هذا البلاء الذي يحيط بها، ويكاد يعصف بوجودها ويزهق روحها.
إن آيات الكتاب تتدفق مذكرة لنا بتاريخنا، كيف تكونت أمتنا، وكيف علا منارها، وسطع نجمها، وأشرق شمسها.

لقد كان الرعيل الأول من هذه الأمة فئة قليلة مستضعفة يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم ربهم وأيدهم بنصره ورزقهم من الطيبات: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال:26).

ولقد كان هذا الإيواء الإلهي من الله -تعالى- القوي الجبار، الغالب القاهر؛ تحقيقًا لوعده لهذه الأمة متى آمنت وعملت الصالحات أن يستخلفها في الأرض، ويمكِّن لها دينها الذي ارتضى لها، ويبدل خوفها آمنًا بشرط أن تحقق العبودية لله -عز وجل-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).

لقد كانت الأمة العربية قبل الإسلام قبائل متناحرة متباغضة متعادية، فألف الله بين قلوبها بالإسلام، فأصبحوا بنعمة الله إخوانًا: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) (آل عمران:103).

لقد ارتفع الرعيل الأول إلى مستوى متقدم من الرقي لم يسبقهم إليه سابق، ولم يلحقهم فيه لاحق بفضل المستوى الإيماني المتقدم، وبفضل الأخذ بهذه الشريعة المباركة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143).

نتذكر اليوم حال أسلافنا العظام والنعم التي سعدوا بها، نعمة الإيواء الإلهي، وتأييد الله ونصره، ونعمة الأخوة القائمة على ألفة القلوب، ونعمة العزة والقوة، نتذكر ذلك كله ونحن نلعق جراحنا ونرى النعم التي سادت أمتنا يومًا تبدلت وتغيرت، لقد عدنا إلى التعادي والتباغض والاقتتال من جديد، وحالت عزتُنا ذلاً، وقوتُنا ضعفًا، وما ربك بظلام للعبيد: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال:53)، (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة:211).

إن الالتزام بالدين والنصر عند المسلمين قرينان، وإن التولي عن شرع الله والهزيمة توأمان لا يفترقان:
(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد:38).

إن من سنن الله -تعالى- التي لا تعرف المحاباة أن ننعم في هذه الحياة بالأمن متى استقمنا على شرع الله، وأن نفقده ونُحرمه متى انحرف بنا المسار عن هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل يؤدي هذا الانحراف إلى فساد وإفساد كما حدث للأمم السابقة عندما تركت شرعه ودينه، وحل فيها الخصام محل الوئام، وزرعت في نفوس أهلها البغضاء بعد أن كانت تظللها المحبة والألفة والإخاء: (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (المائدة:14).

والخلل الذي يحصل متى تمردنا على شريعة الله لا يتوقف على الثمار المرة التي ينتجها اختلافنا، واقتتالنا، وذلنا، وهواننا، وضعفنا، بل يتعداه إلى إفساد للكون الذي نعيش فيه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (الروم:41)، إذ أن هناك ارتباطًا هائلاً بين أفعالنا وأقوالنا وبين هذا الكون الذي نعيش فيه، فإذا صلحت نفوسنا وقلوبنا ومجتمعاتنا، بأن حقق العباد وظيفة العبودية لرب العباد، واستقاموا على دينه ومنهجه وأقاموا شريعته، فإن الله يفتح للعباد كنوز رحمته وينزل عليهم بركات من السماء، ويخرج لهم خيرات الأرض: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).
والقاعدة العامة التي هي من سنن الله في عباده تضمنها قوله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، وقال -تعالى-: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه:123-124)، ومثل هذا كثير في كتاب الله -تعالى- يعرفنا أن الاستقامة على منهج الله وشرعه يعطينا الحياة الأخروية السعيدة في جنات النعيم كما يعطينا الحياة الطيبة في الحياة الدنيا.

وإذا نحن تمردنا على أمر ربنا ونبذنا شرعه فإننا نغضب الله، وإذا غضب الله علينا أغضب علينا الكون، وحل بنا نقمه وعذابه كما أخبرنا -سبحانه- عن الذين كذبوا رسله وعصوا أمره، وأعرضوا عن شرعه: (فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت:40).

فأمتنا الإسلامية عندما تعززت بدينها، وأطاعت أمر ربها واهتدت بسنة نبيها، عاشت سعيدة مجيدة، ونالت عز الدنيا وشرفها، مع ما ينتظرها من عز الآخرة وكرامة الآخرة، لكنها لما تهاونت في أمر الدين هانت على الله رب العالمين؛ فأصبحت من أحقر وأذل الأمم.

فإذا أردنا استعادة مجدنا وعزنا وشرفنا، فلابد من عودة حميدة إلى شرع الله وهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولنقرأ تاريخ هذه الأمة يحكي لنا من أين يكون العز والتمكين، ومن أين يكون الضعف والذل والهوان.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يردنا إلى دينه ردًا جميلاً، وأن يعز الإسلام وأهله، وأن يذل الشرك وأهله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه/ محمد الجهمي

بارك الله فيك ونفعنا بك وسدد للخير خطاك واثابك الفردوس الأعلى

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مينة آلاء الْقُدُّوس القعدة
القعدة
القعدة

بارك الله فيك ونفعنا بك وسدد للخير خطاك واثابك الفردوس الأعلى

القعدة القعدة
وفيكِ بارك المولى ونفع بكِ وأثابكِ مثل مادعيتِ وجزيتِ كل الخير على ردك الطيب بورك فيكِ

بارك الله فيك على هذا الطرح الجميل
شكرا جزيلا
القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة breave-heart-91 القعدة
القعدة
القعدة
بارك الله فيك على هذا الطرح الجميل
شكرا جزيلا
القعدة القعدة
العفو وفيكم بارك الرحمان وجزيتم كل الخير على ردكم الطيب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
قالها يوما عمر بن الخطاب رضي الله عنه..نحن قوم اعزنا الله بالاسلام وادا ارتضينا العزة من غير دين الله ادلنا الله
اعجبني احد التعقيبات فيما يخص الموضوع واردت نقله هنا حيث يقول صاحبه…
إعملوا على إعلاء كلمة الله ولا تتجرعوا من الكأس الذي تجرعتموه من قبل لظنكم أن فيه شفاءَكم وهو فيه مخدر جديد أو سم قاتل تعلموا من أخطائكم فالمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين اعملوا علىهدم هذه الأنظمة التي بناها الغرب في بلادنا لتكون أداةً لتمرير مخططاتهم من خلالها، اعملوا على استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخـلافة التي ستحكمنا بكتاب الله وسنة رسوله وتوحد جيوش الإسلام وبلاده فتحرر البلاد والعباد.
{استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} الانفال..

شكرا لكي اختي الموقرة سلمى وجعلكي الله دخرا للاسلام والمسلمين

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
فإذا أردنا استعادة مجدنا وعزنا وشرفنا، فلابد من عودة حميدة إلى شرع الله وهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولنقرأ تاريخ هذه الأمة يحكي لنا من أين يكون العز والتمكين، ومن أين يكون الضعف والذل والهوان.
القعدة القعدة

ذاك هو الأصل

و الخير كل الخير في اتباع من سلف

و الشر كل الشر في ابتداع من خلف

فقد كثرت الشبهات على النفوس

والشهوات على القلوب

تتخطفها في كل حين

والله المستعان

باركك الله اختي و نفع بك و يسر امورك الى كل خير

سلامي لك

بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى

القعدة


اللهم صلي على سيدنآ محمد..
بآرك الله فيكِ وثآبك ع الطرح القيم..
جزاك الله خير …
وجعله الله في ميزان أعمالك
دمتِ بحفظ الرحمن..
ودي وشذى الورد

أرق تحياتي

في ميزان حسناتك اختي الكريمة ، بارك الله فيك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.