تخطى إلى المحتوى

وا أبتاه . 2024.

  • بواسطة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

أبتي!

هذه رسالتي إليك.. أبث فيها أشجاني.. وهمومي وأحزاني.. باذلاً ما أراه واجباً عليّ من النصح.. على سبيل التذكير والتحذير.. لعلك تنال به خير ما يناله أب من ابنه.. فإن الإبن الصالح ذخر للمؤمن في الدنيا والآخرة.

قال رسول الله: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له }.

وكل أب كانت لديه في صلاح ابنه يد فإنه ينال بصلاحه أجر التربية.. ثم يلحقه دعاؤه الصالح.. أما إذا كان الأب سبباً في فتنة ولده، فإنه يأثم على ذلك إثماً عظيماً.. ويسأل عن ذلك يوم القيامة.

ولو كنت اعتنيت بي صغيراً.. لكنت تجاوزت محناً خطيرة.. ولكن قدّر الله وما شاء فعل، فأفضل ما تكون التربية الصالحة.. حالة الصغر.. فإنها أسهل وأيسر.

قد ينفع الأدب الأحداثَ في صغر *** وليس ينفعهم في بعده الأدبُ

إن الغصونَ إذا عدّلتها اعتدلت *** ولا يلينُ إذا قوّمتَهُ الحطبُ

وإليك يا أبتي نص الرسالة:

لولدك عليك حق!

أجل يا أبي! وحقه أن تحسن تربيته وتأديبه.. ليكون لك ذخراً وثواباً عند الله، ولكي ترفع عن نفسك مغبة السؤال!

قال رسول الله : { إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، [ ولولدك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه } [رواه مسلم].

وقال النبي الله في بيان مسؤولية التربية: { كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته } [رواه البخاري ومسلم].

وقد حمّل رسول الله من فرط في تلك الأمانة إثماً عظيماً فقال: { ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة } [رواه البخاري].

وقال عليه الصلاة والسلام: { كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت }.

يقول ابن القيّم رحمه الله: ( وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة، بإهماله، وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء ) [تحفة المودود بأحكام المولود].

وفي هذا المعنى قال رسول الله : { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه }.

أبي.. تذكر!

ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً

إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أمّا تخلّت أو أباً مشغولاً

لا يا أبتي!

لا يا أبتي.. فما أراك بنيت بيتنا على أساس صلب من التقوى والإيمان والطاعة.. بل مكنت فيه للشيطان.. ومن وسائل تمكينه:

الغناء: ذلك الشر المستطير الذي كان يؤزني إلى المنكرات أزاً.. ويدعوني إلى المخالفات.. بما ينطوي عليه من المجون.. والمعاني السافرة.. وتذيبه في مضاميها كما يذوب الملح في الماء!

ألم تدرك يا أبتي أن الغناء ينبت النفاق في القلوب.. وأنه رقية الزنى.. فلا ترى غالب أهله إلا قد جانبوا الحياء ووقعوا في المحظور.. وقد حرمه الله تعالى بنص قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } [لقمان:6].

الفضائيات: فما يبقى من الحياء نهاراً.. كانت الفضائيات في بيتنا تجهز عليه.. بما فيها من سفول الغناء.. وأفلام مشينة.. ومسلسلات ذميمة تتنافس على قتل العفة والحياء فيها مئات المحطات.. بل ومنها من يهدف إلى إيقاع الشباب في المنكرات كالزنى وشرب الخمر، والمخدرات والجريمة المنظمة..

وكل ذلك كان يؤثر في شخصيتي بشكل كبير.. ويجعل مني شخصية ممتلئة إلا من الحياء والعفة والطاعة..

قلة الالتزام في البيت: فبالإضافة إلى الغناء الذي يجمع في البيت حشوش الشياطين.. فهناك الاختلاط الذي تنتهك به الحرم.. وقد نهى عنه رسول الله فقال: { إياكم والدخول على النساء! }قالوا: أفرأيت الحمو؟ قال: { الحمو الموت }.

وكم دمر هذا الاختلاط من بيوت.. وكم أفقدها العفة.. وقطع الأرحام والمودة والألفة..

يا أبتي! فلا تتبع خطوات الشيطان.. { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } [النور:21].

وجنّب بيتك المعاصي والمخالفات.. فإن ذلك من أسباب البركة في البيوت وفي الذرية.. وفي الألفة..

قال تعالى: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه:124،123].

عدم التحريض على الطاعة والالتزام: وقد علمت يا أبتي أن الله جل وعلا قد أمرك بتحريض أهلك وأبنائك وقرابتك على طاعة الله جلّ وعلا فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم:6].

( وجلي من هذه النصوص وجوب تربية الأولاد على الإسلام، وأنها أمانة في أعناق أوليائهم، وأنها من حق الأولاد على أولياؤهم من الآباء والأوصياء، وغيرهم، وأنها من صالح الأعمال التي يتقرب بها الوالدان إلى ربهم، ويستمر ثوابها كاستمرار الصدقة الجارية.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية }، وأن المفرط في هذه الأمانة آثم عاص لله تعالى. يحمل وزر معصيته أمام ربه، ثم أمام عباده! ) [حراسة الفضيلة:128].

أبتي! وتذكّر أن نشر الطاعة والالتزام في بيتك هو مفتاح البركة فيه قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ } [الأعراف:96].

كما أنه مفتاح السعادة والسكينة قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل:97].

أبتي: لا تغفل عنا.. فبغيابك عن البيت تغيب الرعاية.. ويسود الفراغ.. وتنحدر هيبة البيت في هوة سحيقة! فأنت في البيت عزه وهيبته.. بك نقتدي.. وإياك نستشير.. وبنصائحك نسترشد.. ولتوجيهاتك نطمئن.. فإذا تركتني وإخوتي لأجل كماليات تافهة.. أو تجارات لا تقف بك عند حد.. أو أسفار للمتعة، فاعلم أن بيتك آيل لا محالة إلى الخراب والسقوط..

وكما أن لنفسك عليك حقاً.. فإن لولدك وأهلك عليك حقاً.. وحقهم أكبر من مجرد كسرة خبز.. وشراب ومأوى!

فأنت كل ما يريدون لو تعلم!

ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً

إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أمّا تخلّت أو أباً مشغولاً

فعلا هذا هو اليتيم
حقيقة مهما أعطيتك وقلت ما قلت بالتأكيد لم أوفيك ما بذلته من جهد في هذا الموضوع الجديد والمفيد

أعطيك الصحة
القعدة

القعدة

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.