إنَّ من يقرأ سير السلف الصالح و العلماء الأخيار العالمين العاملين يجد فيها من علو الهمة وصدق العزيمة وحسن التمسك ما يعينه ـ بإذن الله ـ على ترسم خطاهم ولزوم سبيلهم، وفيما يلي أسوق بعض النماذج خلال فترات متباعدة من تاريخ الأمة تظهر قوة استمساكهم بالسنة وجمال ثباتهم على الخير في باب الرغائب والمستحبات، فكيف الشأن بهم في باب الفرائض والواجبات، وفي الناس الآن من يبلغه الحديث في بيان واجب أو أمر بفريضة فلا يكون منه حرص على المواظبة ولا مبالاة بالاستمساك ، وما أحوجنا لأن نقرأ سيرهم العطرة ، كي نجاهد أنفسنا على حسن التأسي بهم، فكلُّ من كان إلى ذلك أقرب وهو بهم أشبه كان إلى الكمال أقرب، قال ابن تيمية رحمه الله: «وأكمل هذه الأمة في ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن كان بهم أشبه». فلنتأمل هذه النماذج الجميلة:
عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس قال حدثنى عنبسة بن أبى سفيان فى مرضه الذى مات فيه بحديث يتسار إليه قال سمعت أم حبيبة تقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « من صلى اثنتى عشرة ركعة فى يوم وليلة بنى له بهن بيت فى الجنة ». قالت أم حبيبة فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقال عنبسة فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة. وقال عمرو بن أوس ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة. وقال النعمان بن سالم ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « ما حق امرئ مسلم له شىء يوصى فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة ». قال عبد الله بن عمر ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك إلا وعندى وصيتى.رواه مسلم.
وعن علي بن أبي طالب أن فاطمة – رضي الله عنهما – أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال ألا أخبرك ما هو خير لك منه تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين وتكبرين الله أربعا وثلاثين ، ثم قال سفيان إحداهن أربع وثلاثون – فما تركتها بعدُ، قيل ولا ليلة صفين قال ، ولا ليلة صفين.متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال بينما نحن نصلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « من القائل كلمة كذا وكذا ». قال رجل من القوم أنا يا رسول الله. قال « عجبت لها فتحت لها أبواب السماء ». قال ابن عمر فما تركتهن منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك. رواه مسلم
وعن أبي أمامة- رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ آية الكرسي في دبر كلِّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت»رواه النسائي. قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد :وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية قدس الله روحه أنَّه قال: ما تركتها عقيب كلِّ صلاة .
وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه – أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : «غسل الجمعة واجب على كلِّ محتلم». رواه أحمد. قال ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لبلوغ المرام :الصواب عندي : أنَّ غسل الجمعة واجب على كلِّ إنسان ، وما تركته منذ علمت بهذا الحديث لا صيفاً ولا شتاء ، ولا حراً ولا برداً ، ولا إذا كان فيّ مرض أتحمل معه الاغتسال .
والأمثلة على هذا كثيرة ، والقصد ذكر نماذج من أحوالهم تدليلا على المقصود، ألحقنا الله أجمعين بالصالحين من عباده ووفقنا لكلِّ خير بمنَّه وكرمه.