إن الحماس عند بعض العاملين الإسلام شيء جميل وخلق نبيل إذا لم يجاوز الحد الذي يصل به إلى حدود التهور المحموم والتعصب المذموم كما أن الإستماتة في الدفاع على قضايا الأمة والذود عن دينها وتراثها ليس له إلا جزيل المثوبة من الله عز وجل إذا أخلصت القلوب وصدقت النوايا ولكننا نرى اليوم جيل مستحدث من الشباب الذين يدفعهم الإنفعال والتسرع -العاري من كل تربية وتكوين وتوجيه- إلى إطلاق المشاريع والشعارات الكبرى بغية تغير الواقع الإجتماعي و إعادة بناء صرح الحضارة الإسلامية دون أن تكون لهم رؤية ناضجة أو استراتيجة مستقبلية ودون الإلمام بمعطيات الواقع ومعرفة حدود المستحيل فضلا عن عدم التسلح بالأخلاق الفردية والجماعية و كذلك الثقافة الشرعية والواقعية التي تسمح بالتفاعل مع والقدرة على التأثير فيه ثم سرعان ما تنطفأ جذوة ذلك الشباب أمام الرياح التي تعصف كل يوم بالمجتمع فيعودون أدراجهم مسافات إلى الوراء ليذوبوا بعد حين في الوسط الذي يعج بالتفاعلات المختلفة فتصرفهم القضايا المتجددة تحت ستائر كثيفة من التزييف والخداع وأذكر أنني في الأشهر القليلة الماضية أعجبت أيما إعجاب بأحد المواقع الثقافية الذي حمل على عاتقه السعي في إعداد مشروع كبير يسهم في نهضة الأمة وبعث دورها الحضاري و قد تنكبت عناء التفكير وكتابة العديد من المواضيع التي تصب في خدمة ذلك المشروع الطموح علني أظفر بقسط ولو ضئيل من المشاركة في هذا الخير العظيم ورغم أنه لم ينشر لي أي مقال من ذلك السيل من المواضيع التي أودعتها هذا الموقع حتى عدت أنظر إلى نفسي بعين من القصور والعجز فحتقرت نفسي حقيقة إزاء هذا العمل الضخم والأمانة الكبرى التي لا ينوء بها إلا من وفقه الله وأوتي حظا من العلم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولكن بعد فترة من الزمن دفعني الفضول إلى زيارة ذلك الموقع علني أجد فيه شيئا ينفعني في ديني أو أبحاثي التي أقوم بها بين الفيئة والأخرى فكانت الفاجعة أن هذا الموقع شبه عاطل واستعاظ أصحابه -في نظري- لكي يخفوا حقيقة عجزهم – بنشربعض المقالات القليلة الجديدة وأما باقي أركان الموقع فضربت عليها المسكنة ونسجت عليها العنكبوت خيوطها فتاه ذلك المشروع في الزحام و اندرست معالمه تحت الثرى وهذا المثال شئنا أن نذكره هنا لا لنفضح أصحابه -والعياذ بالله- بل لنستخلص منه العبر والعضات والمتمثلة في ضياع الكثير من الجهود الفردية والطاقات المهدورة التي يدفعها الحماس فقط دون ضابط أو منهج يضبط سيرها أو خطة معينة تنظم سيرها وكثيرا ما تعوزها الرؤية استراتيجية واضحة تواكب تطور المجتمع وتتلائم مع وسائل وإمكانات الواقع فلا تقفز فوق أسوار الحقائق ولا تحرق أشواط السير المرحلي والعقلاني ولا تتجاوز نطاق قدراتها الذاتية و تعيش همومها الواقعية واليوم نحن نعيش موضة جديدة وبدعة مستحدثة تتمثل في الإنقسامات المتتالية والتشرذمات الدائمة التي تشهدها مختلف التيارات والحركات اليوم في الساحة الدعوية بمناسبة أو بدون مناسبة ففي كل يوم تطالعنا الصحف بمرارة عن خبر انشقاق جماعة عن حزب أو تيار من التيارات الإسلامية والتبريرات المصطنعة التي نسمعها في أغلب الأحيان _بخصوص هذه الإنقسامات_ لا تقنع حتى السفهاء بل لاهدف من ورئها سوى حب الزعامة والإستحواذ على المناصب والسعي نحو السلطة وإن حاول أدعياؤها أن يضفوا عليها صبغة الإختلاف المشروع والتنوع غير الممنوع ولكن مع مرور الوقت وتحت ضغط الأحداث وعلى محك الأزمات انجلى عن الذهب المغشوش طلاؤه وظهر صدؤه وذهب بريقه حتى صار لا يغري أحدا من الناس