كان من موازين الحسن البصري رحمه الله: ترجيح مذهب التخويف في التربية، احتياطا وتعجيلا في الاستدراك، فيقول : ( لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تبلغ المأمن: خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تبلغ المخاوف).
ولا تستغربن ذلك، كأنك لست المعني، أو كأن جيلك بدعة في الأجيال، أو قومك ليسو على طبائع من سلف من الأقوام، بل النفس هي النفس دائما، وشكل عنفوانها واحد : يرخى لها، فتستكثر، وتستطرد، فتستكبر، وتغفل، فتخرج إلى ظلم، حتى يغلب على القرية الظلم، وتكون متمردة على وصايا الأنبياء، فيأتيها الحصاد. وكان يأتيها في الأيام الغابرة في صورة حجارة من السماء، وهو يأتي اليوم عبر هزة اقتصادية، أو حرب، أو تفكك اجتماعي، فيكون الضيق من بعد دهر من الترف :
{ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين }
أي ( لا تركضوا وارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالا وخراجا فلا تقتلون.
فنودي من السماء :
يا لثارات الأنبياء !
وأخذتهم السيوف .
فثم قالوا : يا ويلنا إنا كنا ظالمين . اعترفوا بذلك حين لا ينفعهم الاعتراف ).
**نحو المعالي**