الشيخ سلمان العودة: لا يجوز السكوت عن هذا العدوان ولا عذر لأحد
ضمن وفد اتحاد علماء المسلمين وصل فضيلة الشيخ سلمان العودة إلى العاصمة السعودية الرياض قادمًا من قطر في إطار جَوْلةٍ عربيةٍ تشمل أيضًا سوريا والأردن ومصر وتركيا بهدف إنقاذ غزة ووقف العدوان الإسرائيلي على أهلها.
وأعلن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أن وفداً من الاتحاد بدأ جولة تقوده إلى عدد من عواصم القرار العربي «لتقديم واجب المناصحة والتذكير تجاه نصرة الشعب الفلسطيني في غزة».
وأضاف القرضاوي: «ما زلنا ننتظر الرد على طلبنا مقابلة ولاة الأمر في الأردن ومصر وتركيا» متوقعاً أن يتلقى الوفد ردوداً إيجابية اليوم من مسؤولي هذه الدول.
ومن المقرّر أن يلتقي الوفد العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز اليوم الأحد ، لبحث تطورات الأوضاع في غزة، خاصة بعد الاجتياح البريّ الذي بدأته إسرائيل مساء أمس السبت على القطاع، والحلول التي يمكن من خلالها كف العدوان على غزة. وبعد الرياض سيسافر الوفد إلى العاصمة السورية دمشق، حيث سيلتقي الرئيس بشّار الأسد يوم غدٍ الاثنين.
وكان قد دعا فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة علماء الأمة إلى نصرة أهل غزة، مشيرًا إلى أن تحرك وفد اتحاد علماء المسلمين يهدف إلى مساندة الحركة الشعبية في كل مكان في العالم الإسلامي، بالوقوف مع إخواننا في غزة ومناشدة الحكام أن يقوموا بالمساندة الإنسانية أولاً.
وقال الشيخ سلمان ـ في لقاء مع فضائية الجزيرة أمس السبت ـ: إن هذا التحرك يأتي أيضًا في إطار الدعم المتواصل، ولدعوة القادة العرب للضغط في اتجاه إنهاء هذا العدوان، وفتح المعابر، ورفح الحصار، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال محاولة لملمة الصف العربي، والقضاء على حالة التشرذم العربي، التي انعكست بدورها على التشرذم الفلسطيني.
وأضاف فضيلته أن حصيلة العدوان الصهيوني على غزة بلغت حتى الآن أكثر من 2500 جريح، أو قريبًا من هذا الرقم، وقريبًا من 500 من الشهداء، هذا الرقم ثلاثة آلاف، هذا هو الرقم الذي قالت أمريكا أنهم قتلوا في أحداث 11 سبتمبر.. وبذلك أصبح العالم كله يتحدث عن لغة الإرهاب، بينما العدو محدود و مجهول، فما الذي يجعل هذه المحرقة التي تحدث في غزة اليوم، ولا تستثني أحدًا من الأطفال والنساء والمدارس والمساجد، وتطلق النار على كل ما تدبُّ فيه الحياة، وهذا يتم تحت سمع العالم وبصره، في حين أن رد الفعل هو الاكتفاء بعبارات الشجب والإدانة والاستنكار..
وردًّا على سؤالٍ حول الحكم الشرعي، للعلماء الذين ابتعدوا عن هموم الناس، واعتزلوا ربما الحياةَ، بذريعة الزهد، وذريعة الضغوط المفروضة عليهم وغير ذلك.. ماذا تقول لهم؟ حتى يقوموا وينهضوا ويتصدَّوْا لمهمّتهم؟.. أجاب الدكتور العودة، قائلاً: هذا الجَهْدُ، وهذا التفاعل، حتى الصُّراخ، الذي ينطلق عفويًّا من الإنسان، هو تعبير عن حقيقة الانتماء لهذه الأمة: يقول صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المؤمنينَ في توَادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم، مَثَلُ الجسدِ»، وفي الحديث الآخر: «كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضًا»..
وقال الشيخ سلمان: أعتقد أنه لا عذر لأحدٍ قادرٍ أن يعمل ما يستطيع، مشيرًا إلى أن العلماء علَّمونا عبر التاريخ، أنهم كانوا في مقدمة الموكب، وفي مقدمة الموقف، ومحاربة الاستعمار، هذا هو استعمار يهودي استيطاني إحلالي، عدواني، يستهدف من وراء فلسطين الأمةَ العربية والإسلامية كلَّها.
وردًّا على سؤال حول كيفية فهم تحوُّل بعض العلماء – وهم ورثة الأنبياء، وهم أصحاب كلمة الحق – من ناصرين للحق، إلى الناصرين عليه، إلى المنتصرين للحكام، إلى الساكتين على الحق.. أكد الدكتور العودة أنه لا يجوز السكوت عن الحق، ومثلُ هذه المواقف من لم يتكلم فيها، فأعتقد أنه لن يتكلمَ أبدًا، فمن يرى مثلَ هذه المشاهد، أيُّ إنسان، أنا لا أقل مسلم، أي إنسان عندما يرى هذه المشاهد، سوف يعتريه قدر من الذهول والاكتئاب والحزن..
وأضاف فضيلته: هذا العدوان لا يجوز السكوت عليه مطلقًا من أي إنسان قادر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال، وأفتى في هذا: «إذا رأيت أمتي تهابُ أن تقولَ للظالم يا ظالم، فقد تُوُدِّعَ منها»..، ويقول صلى الله عليه وسلم : «لا قُدِّست أمةٌ لا يأخذ الضعيف فيها حقَّه غير متعتع»..
وأوضح الشيخ سلمان أنه يجب على علماء المسلمين، وعلى الدعاة وعلى القادرين وعلى الخطباء، أن يقولوا كلمة الحق، وهنا أنا أدعو أن تكون كلمة الحق، ليست إثارة مئات المعارك الجانبية التي ستشغل عقول الناس عن المعركة الكبرى.. الحق في القضية الفلسطينية، بصورتها البسيطة السهلة الواضحة، أن هناك شعبًا يباد ويقتل، وتُغتصبُ حقوقُه، وأن هناك كيانًا باغيًا باطشًا قويًا يمارس العربدةَ والغطرسة..
وقال الشيخ سلمان: إن أمس الجمعة، كما يسمونه كان يومَ الغضب، ربما المساجد في بقاع العالم الإسلامي، كلِّها ضجّت بالحديث عن هذه الأزمة، وفضحت الممارسة، ودعت المسلمين إلى التضامن مع إخوانهم، وأيضًا بالدعاء: " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ " .
وأضاف فضيلته: ومع ذلك فنحن في اتحاد العلماء ندعو إلى إيقاد الشموع بدلاً من إطلاق اللعنات، أو حتى الاكتفاء بالدموع، رأينا أنه حتى الحديثُ الإعلامي، أو الخطب أو البيانات أو غيرُها، أو المساندة المادية لا تكفي. بإمكان اتحاد العلماء، وعلماء آخرين أن يقوموا بدور مع الساسة ومع القادرين، وبلورة موقف، ربما قد يكون أكثرَ نضجًا..
وردًّا على سؤال حول ما إذا كان لوفد اتحاد علماء المسلمين أفكارٌ معينةٌ لطرحها على الرؤساء والقادة الذين سيلتقونهم.. قال الشيخ سلمان: هناك أفكار عامّةٌ مشتركةٌ، مثلُ الدعوةِ إلى القمة العربية، والدعوةِ إلى قمةٍ إسلامية، والدعوةِ إلى مساندة المجهود الفلسطيني بكل ممكن، والوقوف مع الإخوة الفلسطينيين بالمال وبالغذاء والكساء والدواء، والمواقف السياسية المختلفة.. هذا معنًى مشتركٌ، كما أن هناك مناشداتٍ خاصةً لكل طرف، فالوفد يريد أن يلتقيَ بعددٍ من المسئولين، وغدًا سيكون لقاء الوفد مع خادم الحرمين الشريفين، الملكِ عبدِ الله بنِ عبدِ العزيز في الرياض.. وبعد غدٍ سيذهب الوفد إلى سوريا، وبعده قد يكون الوفد في تركيا، وهناك انتظار لم يأتِ بعدُ كجواب من مصر، أرسل لهم طلب، وأعتقد أنه لم يأت جوابٌ حتى الآن..
وأوضح الدكتور العودة أن المقصود هو مناشدةُ كلِّ واحدٍ من هؤلاء الحكام أو المسئولين أن يؤديَ دورَه فيما يخصُّه، وهناك معنًى مشتركٌ، هو أن أقل ما يمكن هو عقدُ قمةٍ عربيةٍ، مع أن الكثيرين قد يقولون: وماذا تُجدي القمة العربية؟ لكن نحن نقول: هذا أضعف الإيمان، أن تنعقد قمةٌ تحتَ مثلِ هذه الظروف، وأن تكون لديها مناشدةٌ واضحةٌ وقويةٌ للمجتمع الدولي، وأن يتحمل العالمُ مسئولياتِهِ، وأن يكون هناك ضغوطٌ، ومناشدةٌ أيضًا بإعادة النظر في علاقات عددٍ من الدّول العربية والإسلامية، مع إسرائيلَ في ظلِّ هذا الهجوم.. فنحن نشاهد أنه كيف أنّ تركيا أعلنت أنه لا جدوى من الحديث عن سلامٍ بين إسرائيل وسوريا، في ظل هذه الغطرسة، غطرسةِ آلة الحرب الإسرائيلية..
وعقد وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أمس مؤتمراً صحفيا ً أمس تناول فيه أهدافه من الزيارة التي وصفها بأنها جولة مناصحة وتذكير، وهو الدور المنوط بعلماء الأمة تجاه ولاة الأمر فيها.
وقال العلامة القرضاوي إن ما يجري في غزة من أهوال على يد الصهاينة لا يمكن أن يمر دون أن تكون للعلماء فيه كلمة أو موقف، خاصة في ظل المواقف السياسية المعلنة أو غير المعلنة، وحسبنا في مهمتنا هذه أن نكون قد بلغنا الرسالة وأدينا الأمانة وأقمنا الحجة على القادة لنعذر إلى ربنا وأمام الشعوب التي تساءلت كثيرا: أين العلماء من كل ما يحدث؟
وأكد أن ما يحدث في غزة على أيدي اليهود الغاصبين عمل عدواني وحشي بل هو محرقة لسكان غزة العزل بهدف تصفية المقاومة التي تجب على الأمة جميعا المحافظة عليها وحمايتها بكل ما تملك لأنها ورقة الضغط الأخيرة لدى الأمة.
واستنكر فضيلته مواقف بعض الداعين إلى إنهاء المقاومة، مبينا أنه إذا تم إنهاء المقاومة فماذا يكون غير التنازل ثم التنازل ثم التنازل أمام من فقد عنصر المقاومة.
وقدم فضيلة العلامة القرضاوي شكره وتقديره لدولة قطر صاحبة المبادرات الكبيرة في حل الأزمات العربية مثل أزمة لبنان ومساعيها لحل أزمة دارفور، وما بذلته وتبذله لصالح الشعب الفلسطيني، مبينا أن دولة قطر سخرت طائرة خاصة لوفد علماء المسلمين للتنقل بها بين العواصم التي ينوي الوفد زيارتها.
وفي إجابته على سؤال حول النقاط التي سيركز عليها الوفد في لقاءاته مع القادة الذين سيلتقيهم أشار الدكتور القرضاوي إلى أن هناك نقاطاً رئيسة سيتم التركيز عليها في كل اللقاءات وهي: التدخل لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة والعمل على فك الحصار وتسهيل دخول المساعدات وفتح المعابر، معرباً عن أمله في أن تكلل مهمة الوفد بالنجاح وأن يجد تجاوباً من قادة الدول الذين سيلتقيهم وقال: «إذا لم يستجب لنا أحد فيكفينا أننا أدينا الأمانة وبلغنا الرسالة وأقمنا الحجة وقطعنا العلل والأعذار ولا نملك غير ذلك».
ورداً على سؤال حول سبب عدم وضع طهران ضمن قائمة العواصم التي سيزورها الوفد أجاب القرضاوي: إن الوفد لا يهدف لزيارة كل الدول العربية والإسلامية، ونحن قصدنا العواصم الأكثر تأثيراً وتأثراً بالقضية الفلسطينية التي اشتهرت باسم «دول الطوق» المجاورة لفلسطين.
وقال القرضاوي: لا توجد مشكلة لدى إيران، وطهران متحمسة للقضية الفلسطينية ولا تحتاج لزيارتنا، ونحن اخترنا زيارة البلاد التي تحتاج لكلام معها.
وعما يحمله الوفد من أجندة خلال لقاء مسؤولين مصريين قال القرضاوي: سنتكلم مع المسؤولين المصريين عن قناعتنا ورؤيتنا ونوضح لهم أن موقفنا من الجميع واحد ولا نعادي بلداً من البلدان ولا نتحيز لبلد، وقال:
نحن مع القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في الأمن والسلام والعيش حراً في بلده، وسنطلب منهم فتح معبر رفح وتسهيل دخول المواد الإغاثية، وجدد التأكيد أن مهمة الوفد هي النصيحة وإبداء الرأي.
وأضاف: إن الوفد سينتهز لحظات رجوع النفوس إلى صوابها ويبين للقادة أن إسرائيل ليست إلهاً وأن أميركا ليست إلهاً وأن عندنا من الطاقات ما يمكننا من فرض إرادتنا وتحرير أرضنا ونصرة قضايانا.
ورداً على سؤال حول وجود تنسيق مسبق مع حركة حماس قبل بدء جولة الوفد قال القرضاوي: نحن لم ننسق مع حماس ولا غيرها لأننا لا نمثل فصيلاً فلسطينياً محدداً وإنما نمثل اتحاد علماء المسلمين.
وتابع: «لن نتفاوض باسم أحد وليست مهمتنا التفاوض، نحن نصحاء نقدم النصيحة ورؤية علماء الأمة لقادتها حول الأزمة وما ينبغي على المسلمين أن يفعلوه تجاهها».
وحول إمكانية ذهاب الوفد إلى غزة قال الشيخ القرضاوي: «النية موجودة ونفكر بجدية في سفر الوفد إلى العريش أو رفح لتأكيد التضامن مع الأشقاء المحاصرين في غزة».
وحول سقف الآمال والطموحات التي ينتظرها الوفد من جولته أوضح الشيخ القرضاوي أنه متفائل وليس متشائماً.
وأوضح أن مواقف حكام المسلمين تتباين تجاه القضية الفلسطينية مشيراً إلى أن كثيراً من الحكام متحمسون ولهم مواقف جيدة وبعض الحكام لا تتفق مواقفهم مع طموحات شعوبهم ويحتاجون للنصح والتذكير.
وتابع قائلاً: إن إخفاق الدول العربية والإسلامية عن فرض إرادتها على إسرائيل في الماضي لا يعني استمرار عجزها مستقبلاً.
ويضمّ الوفد كلاً من د. يوسف القرضاوي (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)، د. المشير عبد الرحمن سوار الذهب (الرئيس السوداني السابق)، د.عبد الله عمر نصيف (نائب رئيس مجلس الشورى سابقًا)، د. محمد هداية نور وحيد (رئيس البرلمان الإندونيسي)، د. نصر فريد واصل (مفتي مصر سابقًا)، د. إسحاق أحمد فرحان (وزير التربية والأوقاف بالأردن سابقًا)، د. عصام البشير (وزير الإرشاد والأوقاف بجمهورية السودان سابقًا)، د. عبد الرحمن المحمود (نائب الوزير لرئاسة المحاكم الشرعية بقطر)، د. خالد المذكور (رئيس اللجنة العليا لتطبيق الشريعة بالكويت)، د عبد الوهاب الديلمي (أستاذ بجامعة الإيمان باليمن)، د. سلمان العودة (نائب رئيس منظمة النصرة والمشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم)، د. أحمد الريسوني، الخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي، د. علي القره داغي (الأستاذ بجامعة قطر)، د. محمد عمر الزبير (أستاذ جامعي).