أما بعد ، فيا أيها المسلمون اتقوا الله ؛ فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران 102 .
أيها المسلمون .. المؤمن سهل العريكة ، جميل العشرة ، حسن التعامل ، لين الجانب ، يبذل الندى ويكف الأذى ، وكف الأذى أفضل خصال الإسلام ، فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : قلنا يا رسول الله : أي الإسلام أفضل ؟ قال : " من سلم المسلمون من لسانه ويده " متفق عليه ، قال الإمام البغوي – رحمه الله تعالى – : " أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله أداء حقوق المسلمين ، والكف عن أعراضهم " .
أيها المسلمون .. دلت النصوص الشرعية على تحريم إيذاء المسلم بأي وجه من الوجوه ، من قول أو فعل بغير وجه حق ، ووجوب رفع الأذى عن المسلمين .. قال – تعالى – :وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً الأحزاب 58 ، وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " لا يتناج اثنان دون واحد ؛ فإن ذلك يؤذي المؤمن ، والله – عز وجل – يكره أذى المؤمن " أخرجه الترمذي ، وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " إياكم والجلوس في الطرقات ، فقالوا : يا رسول الله ، مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها ، فقال : فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا : وما حقه ؟ قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر" متفق عليه .
أيها المسلمون .. إيذاء المسلم ومكايدته وإلحاق الشر به واتهامه بالباطل ورميه بالزور والبهتان ، وتحقيره وتصغيره وتعييره وتنقصه وثنم عرضه وغيبته وسبه وشتمه وطعنه ولعنه وتهديده وترويعه ، وابتزازه وتتبع عورته ونشر هفوته وإرادة إسقاطه ، وفضيحته وتكفيره وتبديعه وتفسيقه ، وقتاله وحمل السلاح عليه وسلبه ونهبه وسرقته وغشه وخداعه والمكر به ، ومماطلته في حقه وإيصال الأذى إليه بأي وجه أو طريق ظلم وجرم وعدوان .. لا يفعله إلا دنيء مهين لئيم وضيع ذميم .. قد شحن جوفه بالضغناء والبغضاء وأفعم صدره بالكراهية والعداء ؛ فتنفش للمجابهة وتشمر للمشاحنة .. ينصب الشرك ويبري سهام الحتف .. دأبه أن يحزن أخاه ويؤذيه وهمه أن يهلكه ويرديه .. وكفى بذلك إثماً وحوباً وفسوقاً ، فعن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : صعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المنبر فنادى بصوت رفيع ، فقال : " يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه .. لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ..
قال : ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة ، فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك " أخرجه الترمذي .
وعن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من رمى مسلم بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " أخرجه أبو داود ..
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " قال رجل : يارسول الله .. إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : هي في النار ، قال : يا رسول الله .. فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وصدقتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : هي في الجنة " أخرجه أحمد ..
وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان " أخرجه الطبراني في الكبير ، وقال الهيثمي : إسناده جيد .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " أخرجه مسلم .. وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " أخرجه مسلم .. وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : إنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " من دعا رجلا بالكفر ، أو قال : عدو الله ، وليس كذلك .. إلا حار عليه " أخرجه مسلم .
فيا أيها المؤذي المعتدى العيَّاب المغتاب ، يامن ديدنه الهمز واللمز والنبز والغمز والتجسس والتحسس والتلصص كُفَّ أذاك عن المسلمين واشتغل بعيبك عن عيوب الآخرين ، وتذكر يوماً تقف فيه بين يدي رب العالمين ..
يقول يحيى بن معاذ : " ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة : إن لم تنفعه فلا تضره ، وإن لم تفرحه فلا تغمه ، وإن لم تمدحه فلا تذمه " ، وقال رجل لعمر بن عبد العزيز : " اجعل كبير المسلمين عندك أبا ، وصغيرهم ابنا ، وأوسطهم أخا ، فأي أولئك تحب أن تسيء إليه ؟ " ، وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : قلت يارسول الله .. أي الأعمال أفضل ؟ قال : " الإيمان بالله والجهاد في سبيله ، قال : قلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال : أنفَسُها عند أهلها وأكثرها ثمناً ، قال : قلت : فإن لم أفعل ، قال : تعين صانعاً أو تصنع لأخرق ، قال : قلت : يارسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال : " تكف شرك عن الناس ؛ فإنها صدقة منك على نفسك " متفق عليه .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيه من البينات والحكمة .. أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
أسأل الله لك راحة تملأ نفسك…و رضا يغمر قلبك…و عملاً يرضي ربك…
و سعادة تعلو وجهك….و نصراً يقهر عدوك….وذكراً يشغل وقتك….
و عفواً يغسل ذنبك….و فرجاً يمحو همك …….