المشاركة في الكريسماس
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فلا تجوز مشاركة النصارى في أعيادهم، ولو شاركهم فيها من ينتسب إلى العلم؛ لما في ذلك من تكثير عددهم، والإعانة على الإثم، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
لماذا الاحتفال بميلاد السيد المسيح ؟!
أين تسامح النصرانية الذي يصمُّون الآذان به؟! لم يتسامحوا مع أربع مآذن يتيمة في بلد كامل، ولا مع عشرات قليلات من المنتقبات وسط 35 مليون امرأة فرنسية سافرات، ولا يسمحون للمسلمين بذبح الأضاحي بدعوى الشفقة على الخرفان، هكذا يعاملوننا استنادًا إلى اعتزازٍ مزعوم بالنصرانية، فما بال بعضنا غمرهم الحمق وتأصَّل فيهم الغباء، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
إنهم ضحايا الغزو الفكري، انهزموا نفسيًّا قبل أن تهزمهم جيوشٌ في ساحات الوغى، ولو قصروا الاستلاب الحضاري على أنفسهم لهان الأمر، لكنهم يدعون إلى هذا الباطل بإلحاح، فما أن يحلَّ شهر ديسمبر حتى تمتلئ الجرائد بالإشهار والإعلانات الداعية إلى حجز المقاعد في الطائرات القاصدة عواصم الفجور، وحجز الطاولات في الفنادق المحلية التي ستُحْيَا فيها ليلةُ الميلاد وليلةُ رأس السنة، وتحضر فيها كلُّ الرموز النصرانية: كالشجرة المزيَّنة، والديك الرومي، والخشبة، مع إغراءات في الأسعار ووعودٍ باستضافة أشهر المطربات المترجِّلات والمطربين المخنَّثين.
وتتكفَّل قنوات مرئية ومسموعة بنقل مثل هذه الاحتفالات، ولا يجوز لأحد التشكيكُ في إسلام هؤلاء، فهم وحدهم المسلمون حقًّا، يؤمنون بالتفتُّح، وينبذون التعصُّب، ويتبرَّءون من الأصوليين الظلاميين الذين يريدون إرجاع الدنيا إلى القرون الوسطى.
أجل، هكذا يزعمون، وصدق العلاَّمة أبو الحسن الندوي -رحمه الله تعالى- فقد كتب: "ردَّة ولا أبا بكر لها"، ردة اسمها الليبرالية أو العلمانية أو التنوير أو النزعة الإنسانية.
إن على دعاة الإسلام أن يلتفتوا إلى هذه الظاهرة بعمل منهجي واعٍ بصير، يهدف إلى تجلية الحقائق وردِّ الشبهات، والتنبيه على المخاطر العقدية المحدِقة بهذا الانحراف، وذلك بأساليب هادئة هادفة تتوخَّى الموضوعية وتتجنَّب التعميم في التكفير والتبديع؛ خشية تسلُّط شياطين الإنس والجنِّ على المدعوِّين لتأخذهم العزة بالإثم؛ فلا يبقى لهم مجال للتوبة إلى الله -تعالى- والرجوع إلى حياض الإسلام.
والدعوة بالحسنى لا تعني التساهل مع المخالفات الشرعية والانحرافات الفكرية، فلا بُدَّ من محاصرة الباطل، ببيان حرمة تزيين واجهات المحلاَّت بمناسبة أعياد غير المسلمين، ولا صنع شيكولاتة خاصة بها، ولا بيعها ولا شراؤها ولا أكلها، كما لا يجوز بحال تبادل التهاني ولا تبادل بطاقات تحمل عبارات مثل (عيد سعيد) ونحوها، ولا اتِّخاذ هذه المناسبة عطلة مدفوعة الأجر.
أعيد التنبيه على ضرورة اعتزاز المسلمين بدينهم، والحرص على التميُّز العقدي وقوة الشخصية الإيمانية، فهذه الأعياد المسيحية إهانة لعيسى -عليه السلام- قبل غيره، فهل من تبجيله تعاطي الخمور واستباحة الفواحش في ذكرى ميلاده؟! مع العلم أن السياق القرآني يشير إلى أنه لم يولد في الشتاء بل في موسم التمور؛ فهو إذن احتفال باطل من كل الوجوه.
قال الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
حكم الاحتفال بعيد ميلاد المسيح
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد.. فيحرم على المسلم الاحتفال بعيد ميلاد المسيح عليه السلام (الكريسماس) للأمور الآتية:
الاحتفال بعيد ميلاد المسيحأولاً: أن الاحتفال بهذا اليوم يعد عيدًا من الأعياد البدعية المحدثة التي لا أصل لها في الشرع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحداث في الدين. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"[1]. وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". فلا يخصص يوم بفرح واحتفال إلا بدليل شرعي.
ثانيًا: لا يجوز للمسلم الاحتفال بعيد إلا بالأعياد المشروعة المأذون فيها في ديننا، وقد شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين؛ عيد الفطر وعيد الأضحى. فقد روى أبو داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح عن أنس -رضي الله عنه- قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون بهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرًا منهما يوم الفطر والأضحى". فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أبطل أعيادهم؛ حتى لا يضاهى بها أعياد المسلمين. وإذا تساهل الولاة والعلماء بذلك، عظّم العوام أعياد الكفار كتعظيمهم لأعياد المسلمين.
ثالثًا: لا يشرع في ديننا الاحتفال بمولد أحد مهما كان، سواء كان يتعلق بمولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء أو الصديقين والصالحين. فمولد الأنبياء ومماتهم -صلوات الله عليهم- ليس مناسبة دينية يتقرب بها إلى الله، ويظهر فيها الفرح أو الحزن أو غير ذلك من مظاهر الاحتفال.
ولذلك لما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ظنَّ الناس أنها كسفت لموت إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ صلى الله عليه وسلم هذا الظن وأبطله، كما أخرج البخاري حديث المغيرة بن شعبة قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله". ولذلك لم يرد في شرعنا دليل يدل على الاهتمام بمناسبة المولد أو الممات ومشروعية الاحتفال بهما، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو الأئمة المتبوعين الاحتفال بذلك.
رابعًا: أن الاحتفال بعيد المسيح فيه نوع من إطرائه والغلو فيه والمبالغة في حبه، وهذا ظاهر في شعائر النصارى في هذا اليوم. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: "لا تُطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مرين، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله"[2]. وقد نهى الشرع عن تقديس الأنبياء والغلو فيهم وعبادتهم دون الله ورفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله تعالى. فالرسل بعثهم الله مبشرين ومنذرين يدعون الناس لعبادة الله، لا لأجل عبادتهم والغلو فيهم.
خامسًا: أن الاحتفال بذلك العيد فيه موالاة للكفار ومشاركة لهم في شعائرهم الباطلة وإشعار لهم أنهم على الحق وسرورهم بالباطل، وكل ذلك محرم من كبائر الذنوب. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]. وهذا إذا لم يقصد المسلم الرضا بدينهم والإقرار بشعائرهم من التثليث والتعميد والذبح لغير الله وشد الزنار وغيره، أما إن قصد ذلك فهو كافر مرتد عن دين الإسلام باتفاق أهل العلم. والعامي لا يفرق في هذا المقام؛ ولذلك يجب على المسلم اجتناب كنائس ومعابد النصارى في هذا اليوم وغيره.
سادسًا: أن الاحتفال بعيدهم فيه تشبه بالنصارى فيما هو من خصائصهم من شعائر الكفر، وهذا من أعظم الذنوب التي نهى عنها الشرع وذمَّ فاعلها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"[3]. والتشبه بالظاهر يوجب التشبه بالباطن، ويوجب أيضًا المحبة والمودة بين المتشبه والمتشبه به؛ ولذلك قطع الشرع الحكيم كل وسيلة توصل المسلم إلى الإعجاب بالكفار والرضا بدينهم واللحاق بعسكرهم.
سابعًا: العيد المشروع للمسلمين ما كان بعد الفراغ من العبادة. فهو شكر لله على تيسيره للعبادة وفرح للمسلم على إتمامه العبادة؛ فعيد الفطر بعد إتمام الصوم، وعيد الأضحى بعد إتمام الحج وعشر ذي الحجة. فهو فرح وعبادة وشكر وإنابة للمولى عز وجل، وليس فرحًا لمخلوق أو أمر من الدنيا. وهذا المعنى غير موجود في عيد المسيح عليه السلام وشريعته قد نُسخت، فلا يشرع لمسلم أن يحتفل به ويتبع شرعه.
ثامنًا: أن الاحتفال بهذا اليوم فيه مخالفة لهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتنكب لسبيله. فقد كان رسولنا -عليه الصلاة والسلام- يبالغ في مخالفة طريقة أهل الكتاب ويعجبه ذلك في عبادته وزيه وأخلاقه وعادته في شئون الدنيا؛ كمخالفته لهم في استقباله القبلة، وفرق شعره، وقيام الناس له، وتغيير الشيب، وصفة السلام، وغير ذلك مما هو من خصائصهم. وقد ثبت عنه ذلك بالقول والفعل. وهذا أصل عظيم يجب على المسلم الاعتناء به. وقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بوقوع طائفة من المسلمين في التشبه باليهود والنصارى آخر الزمان، فقال صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم. قال الصحابة: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمَن"[4]. وهذا أمر مشاهد والله المستعان.
فلأجل هذا يحرم على المسلم الاحتفال بعيد النصارى وشهوده والمشاركة فيه بوجه من الوجوه، وتبادل الهدايا فيه وتهنئتهم بذلك، والتجارة فيما يعينهم على فعله والتسويق والدعاية له.