الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد:
ينقسم المجتمع النسوي اليوم إلى قسمين:
1- قسم منهن – وهو الأكبر – لا يعتنين بدينهن، ولا يهتممن بآخرتهن، فلذلك يقصرن بل يفرطن فيما أمرن به في دين الله، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومن ذلك ستر أبدانهن فإنه صار اليوم عندهن في خبر كان كما يقال والله المستعان.
2- وقسم منهن مستقيمات على دين الله، متبعات لهدي خير خلق الله، يحرصن على أديانهن وعلى آخرتهن، ومن حرصهن محافظتهن على لباسهن وتسترهن، فيلبسن ما فرض الله عليهن من جلباب يستر أبدانهن عمن لا يجوز لهن أن يبرزن أمامه، ويُظهرن زينتهن عنده، ولكن مع هذا قد يقع الخلل منهن في بعض الجزئيات التي ينبغي تنبيههن عليها حتى يكتمل تسترهن، وتسلم لهن استقامتهن، وهذا هو الذي قصدته بهذه المقالة، والتي ستكون في أربعة أبواب:
الباب الأول: في بيان وجوب الجلباب والأمر به.
الباب الثاني: في بيان خطورة التبرج على المرأة المتبرجة.
الباب الثالث: في بيان صور من التبرج تقع فيها المتجلببات.
الباب الرابع: ترغيب المرأة في الصبر على طاعة الله.
1- الباب الأول: في بيان وجوب الجلباب والأمر به:
اعلموا رحمكم الله أن تستر المرأة بالجلباب واجب أوجبه الله عز وجل عليها لا يجوز لها أن تتركه فضلا أن تنكره أو تتنكر له، والأدلة على وجوبه كثيرة منها:
– قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)"سورة الأحزاب.
– قال الله تعالى:" وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)"سورة النور.
– عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ:" يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا ». وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ. رواه أبو داود وحسنه لغيره العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب.
2- الباب الثاني: بيان خطورة التبرج على المرأة المتبرجة:
ثم اعلموا رحمكم الله أن أمر التبرج خطير، وضرره على المتبرجة مستطير، حيث أخبر صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث عن أخطاره وأضراره المترتبة عليه والناتجة عنه، ومنها:
– أولا: وصف المتبرجات بالمنافقات والحكم على كثير منهن بالحرمان من دخول الجنان:
– عَنْ أَبِى أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:" خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمَوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ، إِذَا اتَّقَيْنَ اللَّهَ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِّلاَتُ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ إِلاَّ مِثْلُ الْغُرَابِ الأَعْصَمِ" أخرجه البيهقي في السنن وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 1849.
وقال بعد تخريجه للحديث: الأعصم: هو أحمر المنقار والرجلين، كما في الحديث الآتي. وهو كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل.
– عن عمارة بن خزيمة قال: بينا نحن مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة ( فإذا نحن بامرأة عليها حبائر لها وخواتيم، وقد بسطت يدها على الهودج )، فقال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشعب إذ قال: انظروا! هل ترون شيئا؟ فقلنا نرى غربانا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان" رواه أحمد وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 1850.
– قال العلامة الألباني رحمه الله بعد التخريج: حبائر، كذا الأصل بالحاء المهملة، وفي التاج:" الجبارة بالكسر، والجبيرة: البارق وهو الدستمند كما سيأتي له في القاف جمع الجبائر …".
– ثانيا: أن المتبرجات صنف من أهل النار:
– عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" رواه مسلم في صحيحه.
– ثالثا: أن المتبرجات ملعونات وأنهن أهل للعن اللاعنين:
– عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ كَأَشْبَاهِ الرِّحَالِ يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ لَوْ كَانَتْ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَخَدَمْنَ نِسَاؤُكُمْ نِسَاءَهُمْ كَمَا يَخْدِمْنَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ" رواه أحمد وغيره وذكره العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 2683.
3- الباب الثالث: بيان صور من التبرج تقع فيها المتجلببات:
1- أن تتجلبب وتستر بدنها عن الأجانب عنها خارج بيتها لكنها لا تستر بدنها إذا غشيها الأجانب في بيتها: كإخوة زوجها، أو أبناء عمومتها، وغيرهم من أقاربها، أو أقارب زوجها، الذين يدخلون عليها بيتها.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التساهل مع أقارب الزوج فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ:"الْحَمْوُ الْمَوْتُ" رواه البخاري ومسلم. قال ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: «الْحَمْوُ أَخُ الزَّوْجِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ، ابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُ» رواه مسلم.
2- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها لكنها قد تطل من باب بيتها أو نافذة دارها وهي كاشفة عما لا يجوز لها من شعر وغيره فتقع في التبرج المحرم عليها.
3- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها ولكنها قد تضع يد حقيبتها على كتفها فيتحجم كتفُها من تحت جلبابها، فتقع في التبرج المحرم عليها. ( نبه عليه العلامة الألباني رحمه الله في بعض دروسه ).
4- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها ولكنها قد لا تغطي أقدامها بجلبابها، أو على الأقل بجوارب تستر لون جلدها، فتقع إذا مشت في التبرج المحرم عليها.
5- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها ولكنها تجمع شعر رأسها من ورائها فيظهر محجما من تحت جلبابها، فتقع في التبرج المحرم عليها. ( نبه عليه العلامة الألباني رحمه الله في بعض دروسه ).
6- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها ويكون جلبابُها سابغا حتى لقدميها تجره من ورائها، ولكنها إذا مرت بماء في طريقها، أو شيء مما يزعجها أن يلمس ثيابها؛ رفعته لتتخطاه وتتفاداه فتظهر عورتها بظهور قدميها، أو حتى ساقيها، فتقع في التبرج المحرم عليها، ووجود الماء أو الأوحال في طريقها لا يسوغ لها أن تكشف عن بعض عورتها، والدليل على ذلك أن الصحابيات كانت الواحدة منهن تمر بالأرض النجسة وليست الموحلة ومع ذلك لا ترفع ثيابها لتتخطى النجاسة التي تعترض طريقها، ولذلك سألن النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم ما يصيب أذيالهن من النجاسة:
فعَنْ أُمِّ وَلَدٍ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي وَأَمْشِى فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-:" يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَه" رواه أبو داود وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله.
وعَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْتِنَةً فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا قَالَ:" أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا؟" قَالَتْ: قُلْتُ بَلَى. قَالَ:" فَهَذِهِ بِهَذِهِ" رواه أبو داود وصححه العلامة الألباني رحمه الله.
7- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها لكنها قد يظهر أسفل ذقنها وهو مما يجب عليها ستره وعدم إظهاره فتقع في التبرج المحرم عليها.
8- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها لكنها قد تضع الطيب قبل خروجها فتقع في التبرج المحرم عليها ومن أدلة هذا ما يلي:
عَنْ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ" رواه النسائي وغيره وحسنه العلامة الألباني رحمه الله.
عن أبي هريرة: أن امرأة مرت به تعصف ريحها فقال: يا أمة الجبار المسجد تريدين؟ قالت: نعم. قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل" ذكره العلامة الألباني في جلباب المرأة المسلة وصححه ثم قال بعد كلام معلقا على هذه الأحاديث: فإذا كان ذلك حراما على مريدة المسجد فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع ؟ لا شك أنه أشد حرمة وأكبر إثما وقد ذكر الهيتمي في "الزواجر" أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر ولو أذن لها زوجها.
9- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها وحتى إذا غشيها الأجانب في بيتها ولكنها قد تشمر عن ساعديها وبخاصة إذا كانت في شغلها فيطلع الأجنبي على بعض عورتها التي حرم الله عليها أن تظهره لغير محارمها.
10- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها بل وحتى إذا غشيها الأجانب في بيتها؛ ولكنها قد تضع الزينة على وجهها، وتخرج سافرة دون نقاب يسترها؛ وهذا من التبرج المحرم عليها حتى على قول من يرى أن وجه المرأة ليس بعورة لأنهم يقولون أنه إذا كان عليه زينة وجب تغطيته، وحرم كشفه.
11- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها بل وحتى إذا غشيها الأجانب في بيتها؛ ولكنها تنتعل الكعب العالي عند خروجها وولوجها، وذهابها وإيابها، وهذا من التبرج المحرم عليها؛ إذ فيه تشبه بالكافرات والفاسقات، وفيه خروج عن حدود الشرع يثير الغرائز والشهوات.
12- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها بل وحتى إذا غشيها الأجانب في بيتها، لكنها لا تحرص على تسترها أمام أبنائها وبناتها؛ فقد تلبس ما لا يجوز لها أن تلبسه عندهم كمثل اللباس الضيق الذي يصف عورتها، أو الشفاف الذي يشف عن بعض بدنها، ومن ذلك السروال أو الثوب القصير كالتنورة وغيرها، وهذا قد يقع من بعضهن حتى مع بعض صديقاتهن.
13- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها بل وحتى إذا غشيها الأجانب في بيتها، لكنها قد تتساهل في تسترها مع بعض نسائها؛ كأمها وبناتها وأخواتها في بعض أحوالها؛ كحال إرضاع مولودها فتُظهر بعض أو كل ثديها، وكحال تغييرها لثوبها فقد تستعين ببعض أخواتها أو صديقاتها على خلع ولبس بعض لباسها، وهذا يقع كثيرا منهن في ليالي زفافهن، وكحال استحمامها فقد تستعين ببعضهن على تدليك ظهرها أو بعض جسدها، مما يحرم عليها أن تبديه إلا لزوجها وهو ما عدا مواطن الزينة التي أباح لها ربها أن تبديها لمحارمها.
14- أن تتجلبب إذا خرجت من بيتها بل وحتى إذا غشيها الأجانب في بيتها، لكنها قد تتساهل في تسترها في بعض المناسبات التي ترد عليها؛ كمثل أيام الأعياد وغيرها، وبخاصة إذا استجد لها ثوب تستحسنه تريد أن تلبسه وتظهر فيه، فتتساهل حينئذ في جلبابها، وهذه بعض الأمثلة على من يقع منهن مثل هذا:
المثال الأول: المرأة إذا ذهبت إلى العرس وتزينت لحضوره فقد يكون موضع الوليمة غير آمن من ولوج الرجال الأجانب فيه ولكنها لولوعها بالظهور في ما تستحسن من لباسها أمام مثيلاتها تتهاون في أمر جلبابها حتى يطلع عليها من لا يجوز لها أن تتكشف عنده، وتظهر بزينتها أمامه.
المثال الثاني: البنت التي بلغت من قريب فإنها كثيرا ما تتساهل في أمر جلبابها، وبخاصة في يوم العيد حينما يستجد لها ثوب جديد؛ فإنها رغبة في إبرازه والظهور فيه تتساهل فيما حرم الله عليها، ويعينها للأسف هنا على تبرجها وليها؛ الذي تدفعه عاطفته إلى غض الطرف عنها، وكأنه لا يعلم أن هذا من إعانتها على المنكر الذي حرمه الله عليها، وهو أيضا من أعظم أسباب فسادها وضياعها حيث يورطها في تساهل أعظم منه وتفريط أكبر منه.
4- الباب الرابع: ترغيب المرأة في الصبر على طاعة الله:
قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم:" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)" سورة العصر.
لقد ضربت نساء السلف أروع الأمثلة في الصبر على طاعة الله، والحرص على أرضائه سبحانه، ومن ذلك حرصهن على تسترهن، وعدم تكشف عوراتهن، في حياتهن بل وحتى بعد مماتهن، ونأخذ على ذلك مثالين اثنين:
– المثال الأول: قال عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟. قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ:" إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ". فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا" رواه البخاري ومسلم.
فصبرت على ما أصاب بدنها، ولم تصبر على المصاب في دينها؛ وهو انكشاف عورتها.
– المثال الثاني: روى الذهبي في السير: عَنْ عُمَارَةَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ أُمِّ جَعْفَرٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ، يُطْرَحُ عَلَى المَرْأَةِ الثَّوْبُ، فَيَصِفُهَا. قَالَتْ: يَا ابْنَةَ رَسُوْلِ اللهِ، أَلاَ أُرِيْكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ، فَحَنَتْهَا، ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْباً. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ! إِذَا مِتُّ فَغَسِّلِيْنِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ، وَلاَ يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ عَلَيَّ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، جَاءتْ عَائِشَةُ لِتَدْخُلَ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لاَ تَدْخُلِي. فَشَكَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ، فَوَقَفَ عَلَى البَابِ، فَكَلَّمَ أَسْمَاءَ. فَقَالَتْ: هِيَ أَمَرَتْنِي. قَالَ: فَاصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هِيَ أَوَّلُ مِنْ غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الإِسْلاَمِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ.
قلت: فاستحيت أن يصف الثوب بدنها وهي ميتة، فسبحان من برأ أمثال هذه النسوة.
وحتى لو اعتبرنا ستر العورة بالنسبة للمرأة من البلاء الشديد الذي ابتلاها الله به، فعليها أن تصبر لله عليه، وأن تعتني طلبا لرضا الله به، وعليها أن تعتبر بقصص الصالحات اللاتي أصابهن بلاء أعظم من هذا وصبرن واحتسبن، ولم يتضجرن أو يتبرمن، ومنهن زوجة فرعون التي ينبغي أن يُنظر في قصتها ويعتبر بها؛ حيث تخلت عن الدنيا بزخرفها – إذ هي زوجة من مَلَكَ الدنيا بأكملها – ورضيت بالموت في سبيل الله موتة قَلَّ – حتى من الرجال – من يقوى ويصبر عليها:
– فعن أبي هريرة رضي الله عنه:" إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت:"رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"، فكشف لها عن بيتها في الجنة" أخرجه أبو يعلى وصححه على شرط مسلم العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 2508.
فنصيحتي للأخوات السلفيات المستقيمات أن يتقين الله في تسترهن، وأن لا يتهاون به ولو شق عليهن، لأنهن يطلبن الجنة ونعيمها يردن، والجنة سلعة غالية لا تنال بالأماني الكاذبات، ولا بالمزاعم والادعاءات، وإنما بالحقائق الثابتات.
فعن أَبي هريرة – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم -:" مَنْ خَافَ أدْلَجَ، وَمَنْ أدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ. ألا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، ألا إنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ" رواه الترمذي، وَقالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ). وصححه العلامة الألباني بشاهده في الصحيحة رقم 2335.
قال الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين: وَ« أدْلَجَ »: بإسكان الدال ومعناه سار من أول الليلِ. والمراد التشمير في الطاعة، والله أعلم.
وقال أيضا في الكتاب نفسه: قوله:« أدلج »، أي: هرب في أول الليل، ومن أدلج بلغ المنزل الذي يأمن فيه البيات. قال العاقولي: هذا مثل طالب الآخرة، وكون الشيطان على طريقه، فإنْ تبتّل بالطاعة، وصبر أيامه القلائل أمن من الشيطان.
وقال الشاعر:
وَمَنْ طَلَبَ الْعُلا مِنْ غَيْرِ كَدٍّ*-*-*-*-*-* أَضَاعَ الْعُمْرَ فِي طَلَبِ الْمَحَالِ
تَرُومَ الْخُلْدَ ثُمَّ تَنَامُ عَنْهُ*-*-*-*-*-* يَغُوصُ الْبَحْرَ مَنْ طَلَبَ اللآلي
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
مغنية:
12 ذو الحجة 1445هـ / 06 – 10 – 2024 م.
نقلا عن منتديات التصفية و التربية.
و صل الله و سلم على نبينا (( محمد )) و على آله و صحبه و سلم
بارك الله فيك على الموضوع القيم و الطرح المميز
جزيت كل خير و جعل الموضوع في ميزان حسناتك
نصائح قمة جزيت الفردوس يا رب
الحجاب والستر والعفة والطهارة أصبحنا نبحث عن هذه المعاني في فتياتنا ولا حول ولا قوة الا بالله
يا أخي والله وبالله إن الملابس الضيقة وتلك الحجابات الملفوفة لهي أشد حراً من تلك العباءة الفضفاضة
وعلى الرغم من أنهن يعلمن هذا إلا أنهن غالباً ما يسألن تلك المحتشمة ألا تشعرين بالحر؟؟
عجيب ألا يعلمن أن نار جهنم أشد حرا؟ أعاذنا الله واياكم من النار
الموضوع قد وفى وأدى ما عليه ما شاء الله من الكتاب والسنة
جزاك الله الجنة أخي الكريم وجعل الله هذا الموضوع في ميزان حسناتك