تخطى إلى المحتوى

النبي محمد صلى الله عليه وسلم معجزات مع النبات والحيوان والجماد 2024.

النبي محمد صلى الله عليه وسلم

معجزات مع النبات والحيوان والجماد

1. انشقاق القمر

قال تعالى:{ اقتربت الساعة وانشق القمر* وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر* وكذبوا واتبعوا أهواءهم, وكل أمر مستقر*} القمر 1-3.

كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعلى الأنبياء جميعا, أن يتحملوا تبعات رسالاتهم, ومن تبعات هذه الرسالات ومسؤولياتها الشاقة هو جدل الكفار وطرحهم أسئلة تحتاج الى اعجاز من الله سبحانه عز وجل, وكم أعطى الله عز وجل لأنبيائه من المعجزات والآيات, ومنهم موسى عليه السلام, فقد شق له البحر, وجعل عصاه ثعبانا ضخما يبطل سحر السحرة, ويزعج فرعون ومن معه, وجعل له الجبل يطير في الهواء.. وصالح الذي أتاه الناقة.. وغير ذلك.. وهنا نجد أن القرآن قد أورد كل هذه المعجزات في قصصه.

ومما روي أن أهل مكة شأنهم شأن غيرهم من الأمم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية أو معجزة, فأراهم عليه السلام القمر شقين!!

قال رجل اسمه مطعم من أهل مكة: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين أو جزئين جزء على هذا الجبل, وجزء على هذا الجبل.

ترى ماذا قال الكفار عن هذه المعجزة العظيمة؟ أجعلتهم يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, أم يصرّون على كفرهم؟ لم يصروا على كفرهم فقط بل انهم اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا حجتهم الواهية, قالوا: ان محمدا قد سحرنا!! ظنوا أن هذا سحر, ورفضت عقولهم الايمان فنزل قول الله عز وجل:{ اقتربت الساعة وانشق القمر}.

2.الدعاء ونزول المطر

كانت مكة بيئة صحراوية لا ماء فيها ولا أنهار وتعتمد اعتمادا كبيراعلى المطر, وكذلك كانت المدينة الا أن المدينة كان بها بعض الآبار لكنها لم تكن تكفي الا لشرب الناس فقط, ومن هذه الآبار "بئر حاء" الذي اشتراه أبو طلحة الأنصاري وأعطاه هديّة للمسلمين, وذلك عندما نزلت الآية الكريمة التي تقول:{ لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون}.

ومرت بالمدينة أيام أصاب المسلمين قحط شديد, بسبب قلة المطر, فدخل رجل المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يخطب في الناس, فظل الرجل يمشي حتى جاء في مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم, وقال للرسول: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل, فادع لنا الله يغيثنا.

لقد طلب الرجل من رسول الله صلى الله عليه وسلم الغوث بالدعاء الى أن ينزل الله المطر عليهم.

رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال:

"اللهم اسقنا, اللهم اسقنا, اللهم اسقنا". رواه البخاري.

كان أنس بن مالك في المسجد, مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة, فقال أنسالقعدة والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيء, وما بيننا جبل سلع, وهو جبل داخل المدينة, فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس, فلما توسطت السماء انتشرت, ثم أمطرت, والله ما رأينا الشمس ستة أيام) ومرت الأيام الستة وفي يوم الجمعة التالي دخل رجل آخر من الباب نفسه الذي دخل منه الرجل في الجمعة السابقة, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس وفقال الرجل للرسول:

يا رسول الله هلكت الأموال, وانقطعت السبل ادع الله أن يمسكها.

أي أن الأمطار, من شدتها, قطعت الطرق, وبدأت تؤذي الماشية والزرع, فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:" اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام والجبال, ومنابت الشجر" تاريخ الطبري ج3 ص 71, سيرة ابن هشام ج3 ص 355, السيرة الحلبية ج3 ص 10.

والآكام التي يقصدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث هي التلال الصغيرة المرتفعة. وما ان انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الدعاء المبارك حتى انقطع المطر وخرج الناس يمشون في الشمس.

وكانت هذه معجزة نزول المطر بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3.الماء ينبع من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الكثيرة الذي يدل على صدق نبوته ورسالته, فالانسان يعرف دائما ويعقل أن الماء له منابع منها الآبار والأنهار, وفي هذه المعجزة يروي أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان الماء كان ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال أنس رضي الله عنهالقعدة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد حانت صلاة العصر, والتمس الناس الماء للوضوء, فلم يجدوه, وكان عددهم قرابة ثلاثمئة رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتي رسول الله بماء للوضوء في اناء, فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الاناء, وأمر الناس أن يتوضؤوا).

يقول أنسالقعدةفرأيت الماء ينبع من بين أصابعه, فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم) فسأل رجل أنسا راوي القصة فقال: كم كنتم يا أنس؟

قال أنس زهاء ثلاثمئة رجل.

هذه معجزة ظاهرة, لا يستطيع بشر أن يأتي بها, وقد اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي معجزة تدل على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم, اذ شهدها الناس في مكان عام وبعدد كبير بلغ الثلاثمئة رجل تقريبا.

سدرة المنتهى

قال تعالى:{ ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى* فأوحى الى عبده ما أوحى* ما كذب الفؤاد ما رأى* أفتمارونه على ما يرى* ولقد رءاه نزلة أخرى* عند سدرة المنتهى* عندها جنة المأوى* اذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى* لقد رأى من آيات ربه الكبرى}. النجم 8-18.

1. السدرة

السدرة هي شجرة نبق عظيمة هائلة, لم تكن على الأرض ولكنها كانت في السماء, بعد السماء السابعة, وهي أكبر من أي شجرة ضخمة رأيتها في الدنيا ملايين المرات, والسدرة شجرة ينتهي اليها كل ما يصعد على الأرض من أعمال الناس والأرواح, ثم يقبض أو يؤخذ من عندها, وينتهي اليها كل ما يهبط من أعلى فيؤخذ منها.

بعد أن عرفنا السدرة, وعرفنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى في رحلة الاسراء ما رأى في السماء السابعة, بعد هذا كله صعد به جبريل الى ما بعد السماء السابعة, صعد به الى معجزة عظيمة, اتجه الى سدرة المنتهى, وقبل أن يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السدرة رأى نهرا صافيا جميلا نصبت عليه خيام مرصّعة باللؤلؤ والياقوت وعلى حافتيه طيور جميلة خضراء عليها نضرة النعيم, فقال عليه الصلاة والسلام:

"يا جبريل ان هذا الطير لناعم".

قال جبريل: يا محمد ان الذي يأكل هذا الطير أنعم منه.

ثم قال جبريل: يا محمد؛ أتدري أي نهر هذا؟

فقال عليه الصلاة والسلام: "لا".

قال جبريل: هذا نهر الكوثر الذي أعطاك الله اياه.

ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهرا آخر يسمى نهر الرحمة فاغتسل فيه, فغفر الله له ما تقدم من ذنبه, وما تأخر؛ ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الجنة, ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم بها أنهارا من ماء صاف جميل, وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه, وأنهارا من عسل مصفى.

وقال عليه الصلاة والسلام:" ان الله تعالى أعدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

وخرج النبي عليه الصلاة والسلام من الجنة, فلقيه ملك, فرحّب به كما رحّبت به الملائكة من قبل, ولكنه كان عابسا لم يبتسم له كما ابتسمت الملائكة, فعجب عليه السلام وقال:

" يا جبريل من هذا الملك, الذي قال لي مثل ما قالت الملائكة, ولم يضحك, ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم".

فقال جبريل: هذا مالك خازن النار.. أما انه لو ضحك الى أحد من قبلك, أو كان ضاحكا الى أحد من بعدك لضحك اليك, ولكنه لا يضحك.

فقال عليه السلام لجبريل:" ألا تأمره أن يريني النار؟"

فقال جبريل: بلى.

ثم نادى جبريل مالكا فقال له: أر محمد النار.

فكشف مالك عن النار غطاءها ففارت.. وارتفعت, حتى ظن الرسول أنها ستأتي على كل ما يرى, فيها غضب الله ونقمته, لو وضعت فيها الحديد والحجارة لأكلتها.

فقال عليه الصلاة والسلام:" يا جبريل مره ليردّها الى مكانها" فأمر جبريل عليه السلام مالكا أن يردها.

فقال مالك للنار: أخبي فرجعت النار الى مكانها الذي خرجت منه, وردّ عليها غطاءها.

ومالك: هو رئيس الملائكة القائمين على النار والعذاب يوم القيامة وقد ذكر اسمه في القرآن لقوله تعالى:

{ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك, قال انكم ماكثون} الزخرف 77.

وقد مرت برسول الله صلى الله ليه وسلم رائحة طيبة فقال لجبريل:

" ما هذه الرائحة".

قال جبريل: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها!! كان من أخبارها في الدنيا أن سقط من يدها المشط الذي تمشط به شعر بنت فرعون فمالت على المشط وأخذته وقالت: باسم الله..

فقالت بنت فرعون: من الله هذا؟ أهو أبي فرعون؟

قالت الماشطة: لا.. انه ربي, وربك, ورب أبيك.

قالت بنت فرعون: أولك رب غير أبي فرعون؟!

قالت الماشطة: نعم, ربي, وربك ورب أبيك.. الله عز وجل.

وبلغ الخبر فرعون, فدعاها, فقال لها: ألا رب غيري؟!

قالت: نعم.. ربي وربك الله عز وجل, فغضب فرعون, وأمر بنار عظيمة, فأوقدت, فألقى فيها أولادها ما عدا طفلا رضيعا, فأمرها فرعون, أن تقذف بنفسها في النار, فتقاعست قليلا من أجل ولدها الرضيع, فناداها الرضيع قائلا: يا أمّه! قعي ولا تقاعسي فانك على الحق, أي أدخلي ولا تخافي.. فانطلقت الماشطة الأم الى النار فأحرقتها, وتلك الرائحة الطيّبة رائحتها في الآخرة.

ووصل الرسول صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى, فاذا به يرى مفاجأة, فقد رأى جبريل على حقيقته, رأى السدرة وقد ملأها من نور الله الخلاق عز وجل ما يحير العقل ويدهشه من العجب والجمال..

وسمع من جبريل عليه السلام مفاجأة, قال له جبريل:

يا محمد, في مثل هذا المقام يترك الصاحب الى صاحبه؛ الخليل الى خليله, والحبيب الى حبيبه.

قال جبريل: الى هنا ينتهي عروجي, لا أستطيع التقدم ولو تقدمت بعد ذلك قيد شعرة لاحترقت, فتقدم أنت الى خليلك وحبيبك, فما منّا الا له مقام معلوم.

ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يسمو في عالم النور القدسي حتى صار من الله الخلاق عز وجل كما جاء في القرآن الكريم قريبا جدا, قال عز وجل:

{ ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى}.

ولما اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل فكلمه الله عند ذلك فقال له: سل..

فقال محمد صلى الله عليه وسلم:" انك اتخذت ابراهيم خليلا, وكلمت موسى تكليما, وأعطيت داود ملكا عظيما, وألنت له الحديد وسخرت له الجبال. وأعطيت سليمان ملكا, وسخرت له الجن والانس والشياطين, وسخرت له الرياح, وجعلت له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.

علمت عيسى التوراة والانجيل, وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص, ويحيى الموتى باذنك, وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم, فلم يكن للشيطان عليهما سبيل".

فقال له الرب عز وجل:" وقد اتخذتك خليلا, وأرسلتك للناس كافة وبشيرا ونذيرا, وشرحت لك صدرك, ووضعت عنك وزرك الذي أنقض ظهرك.. وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وأعطيتك سبعا من المثاني لم يعطها نبي قبلك, وأعطيتك نهر الكوثر, واعطيتك ثمانية أسهم هي: الاسلام, والهجرة, والجهاد, والصلاة, والصدقة, وصوم رمضان, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وجعلتك فاتحا, وخاتما للمرسلين.

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فضلني ربي بست: أعطاني فواتح الكلام وخواتيمه, وجوامع الحديث, وأرسلني الى الناس كافة بشيرا ونذيرا, وقذف في قلوب أعدائي الرعب من مسيرة شهر, وأحلت لي الغنائم, ولم تحل لأحد قبلي, وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا".

ومن خلال هذه المعجزة العظيمة الصعود الى السماء والوصول الى سدرة المنتهى, فرض الله سبحانه حينئذ على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة, ولما أوحى الله الى عبده ما أوحى رجع فلقيه موسى عليه السلام حيث هو في السماء السادسة فقال: بم أمرت يا محمد؟

قال عليه الصلاة والسلام:" بخمسين صلاة".

قال موسى: ارجع الى ربك فاسأله التخفيف. فقد لقيت من بني اسرائيل شدّة.

فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ربه عز وجل وسأله التخفيف فوضع عنه عشرا, أي خفف الخمسين الى أربعين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بكم أمرت؟

قال عليه الصلاة والسلام:" بأربعين صلاة".

قال موسى: فارجع الى ربك فاسأله التخفيف فقد لقيت من بني اسرائيل شدة, وتعلا, فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم الى ربه عز وجل فسأله التخفيف, فخفف عنه عشرا, فرجع الى موسى, وظل يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم ويسأله التخفيف حتى أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة… فقال له موسى: ارجع الى ربك فاساله التخفيف, فقد لقيت من بني اسرائيل شدّة..

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" قد رجعت الى ربي حتى استحييت, فما أنا براجع اليه".

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع الى ربه فخفف الى الثلاثين والعشرين والعشر صلوات في اليوم والليلة حت وصل الى خمس صلوات في اليوم والليلة, وما ان قال:" استحييت, فما أنا براجع اليه" حتى سمع عليه السلام مناديا يقوا: أما انك كما صبّرت نفسك على خمس صلوات فانهن يجزين عنك خمسين صلاة, فان كل حسنة بعشرة أمثالها, فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا.

2. العودة الى مكة

عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من فوق السماء السابعة فعاد حتى هبط الى السماء الدنيا, فنظر الى أسفل منه, فرأى وهجا ودخانا وسمع أصواتا, فقال عليه السلام:" من هؤلاء يا جبريل؟"

قال جبريل: هذه الشياطين تحوم على قلوب بني آدم كي لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض, ولولا ذلك لرأوا العجائب..

وظلّ الرسول صلى الله عليه وسلم يهبط الى الأرض حتى بلغ بيت المقدس, فوجد الأنبياء مجتمعين فيه ينتظرون الصلاة فحيّاهم عليه الصلاة والسلام فحيّوه, ولما حانت الصلاة قام النبيون لأدائها, فجاء جبريل, أخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم الى موقف الامام, وأشار اليه أن يصلي بهم فصلى بهم… والغالب أنها كانت صلاة الصبح, وفي امامته عليه الصلاة والسلام للأنبياء تشريف له عليه الصلاة والسلام واعلاء لقدره على سائر الأنبياء.

ثم ركب الرسول عليه الصلاة والسلام البراق بعد أن خرج من بيت المقدس, فركب البراق وعاد الى مكة والناس نيام فلما أصبح الصبح, وصحت مكة, وعلت الشمس, شمس الضحى, أخبر عليه السلام الناس بما حدث معه, وأول من رآه أبو جهل, وكان كثيرا ما يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم, فجاءه أبو جهل وقال له مستهزئا: أراك ممعنا في تفكير عميق, فهل حدث لك شيئ جديد؟

قال رسول صلى الله عليه وسلم:"نعم".

قال أبو جهل: وما هو؟

فقال عليه السلام:" انني أسري بي الليلة" أي انتقلت وسافرت.

قال أبو جهل: الى أين؟!

فقال عليه الصلاة والسلام:" الى بيت المقدس".

ففتح أبو جهل فمه من الدهشة وقال: ثم عدت الينا؟!

فقال عليه الصلاة والسلام في ثقة واطمئنان: "نعم"

كان أبو جهل يسخر من الرسول صلى الله عليه وسلم, ويقول: هذا يزعم أنه يكلم من السماء.. وكان هو وجماعته قد أكثروا من ترديد هذا الكلام حتى نسوه لفترة فلما سمع أبو جهل أن الرسول قد سافر ليلا من مكة الى بيت المقدس, والعكس في الليلة نفسها مع أنهم يسافرون لها في شهر, أراد أبو جهل أن يستغل هذه المعجزة التي لم يصدقها للسخرية من محمد, والاساءة له أمام الناس, كي ينصرفوا عنه اذ أنه يقول ما لا تقبله العقول..

ظنّ أبو جهل أنه بامكانه أن يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يقول أشياء لا يقبلها عقله هو, وأراد أن يجمع الناس لأنه يتوقع أن يتراجع محمد صلى الله عليه وسلم عما قاله والذي لا يصدقه, ولما خاف أن ينكر محمد صلى الله عليه وسلم ما قاله امام الناس قال له: أرأيت يا محمد ان أنا دعوت قومك اتحدثهم بما حدثتني به؟ أتقول لهم ما قلت لي؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نعم".

فنادى أبو جهل بأعلى صوته: يا معشر كعب بن لؤي.

فجاء الناس اليه, فقال أبو جهل للرسول صلى الله عليه وسلم: حدّث قومك بما حدثتني به.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اني أسري بي الليلة".

فقالوا: الى أين؟

فقال عليه الصلاة والسلام:" الى بيت المقدس".

فقالوا: ثم أصبحت الآن بيننا بعد كل هذا السفر؟!!

قال عليه الصلاة والسلام:" نعم".

وهنا هاج القوم, وصاروا يضربون كفا على كف, ويضع بعضهم يده على رأسه عجبا لكذب محمد صلى الله عليه وسلم كما يظن ويدّعي.

وصاروا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى قال له رجل منهم اسمه المطعم بن عدي: والله يا محمد لقد كان أمرك فيما مضى أمرا هيّنا, أما اليوم فقد أمعنت في الكذب بما لا تصدقه العقول.. اننا نركب الابل الى بيت المقدس فنظل شهرا في الذهاب وشهرا في العودة ثم تزعم أنك سافرت هذا السفر في ليلة واحدة؟ واللات والعزى لا أصدقك, وما كان هذا الذي تقوله يحدث أبدا..!!

وقال بعضهم في استهزاء: وماذا رأيت في بيت المقدس؟

فقال عليه السلام:" قابلت عددا من الأنبياء منهم ابراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وصلّيت بهم وكلمتهم".

وكذب الكفار الرسول صلى الله عليه وسلم وسخروا منه, وقالوا: لو أن أبا بكر سمع صاحبه محمدا يقول ما يقول اليوم لكذبه, ولانصرف عنه, وكف عن مناصرته وتأييده؛ واذ انصرف عنه, وكف عن مناصرته, انصرف الكثيرون معه عن محمد, فيهون شأنه ويضعف أمره, فجرى أحدهم يبحث عن أبي بكر في كل مكان حتى وجده في أحد مجالس قريش, فقال له هل سمعت ما يقول صاحبك يا أبا بكر؟

فقال أبو بكر: وما ذاك الذي يقول صاحبي؟

قال الرجل: يزعم أنه أسري به الليلة الى بيت المقدس, ثم أصبح بيننا!!

فقال أبو بكر: أوقد قال ذلك؟

قال الرجل: نعم واللات والعزى لقد قال ذلك.

قال أبو بكر: لئن كان قد قال ذلك فوالله لقد صدق.

فقال الرجل في عجب ودهشة: أتصدقه أنه ذهب الى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح.

قال أبو بكر: نعم اني أصدقه حتى لو قال أبعد من ذلك. أصدقه أن الخبر يأتيه من السماء في ساعة من ليل أو نهار. أفلا أصدقه فيما هو أقل من ذلك عجبا؟!!!

وقام أبو بكر والرجل وبعض من كانوا معه, وذهبوا الى حيث يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحدث عن الاسراء, فلما وصلوا الى هناك سمعوا المطعم بن عدي يقول: يا محمد: ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس ودخلته وصليت فيه, فلا بدّ أنك شاهدته, وعرفت معالمه: من أبواب وجدران وغيرها, فصفه لنا..

ثم أضاف المطعم بن عدي قائلا:

اننا نعرف أنك لم تذهب قبل هذه الليلة الى بيت المقدس, فاذا وصفته لنا الآن كان ذلك دليلا قاطعا على أنك زرته الليلة!!!.

وهنا أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حيرة شديدة تعتريه, وأن كربا أو غما لا مثيل له يستولي عليه.. انه لم يذهب الى بيت المقدس قبل هذه الليلة وحين ذهب اليها في اسرائه كان في شغل بما أنعم الله عليه من ايمان وآيات كبرى. لم يهتم بتأمل الحوائط والنوافذ والأبواب وغير ذلك من الأشياء البسيطة, كيف يعي لذلك ومعه البراق, وهو معجزة وعجب عجاب, وكان معه جبريل وهو رسول رب العالمين اليه, والوقت غير مناسب لأن ينشغل الرسول صلى الله عليه وسلم أو ينشغل ضميره بالمباني وغيرها من هذه الأشياء. فقد رأى من آيات ربه ما رأى, انشغل بكل هذه الآيات, وعاد من السماء السابعة الى الأولى, وهبط من الأولى الى أرض بيت المقدس كل هذه المعجزات الكبرى لم تجعله يلتفت الى شيء من هذا القبيل حوله.

والأهم من ذلك أنه عليه السلام قد عجز ولم يجد ما يجيب به على سؤالهم.

ولما رأى هؤلاء الكفار أنه عليه السلام سكت ولم يجب, استعدوا للسخرية والتكذيب, وكان أبو بكر الصديق قد ذهب الى بيت المقدس كثيرا وله دراية به.. وكان الى جانب ذلك لا يشك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنه عليه السلام قد زار حقا في تلك الليلة بيت المقدس, ولا جدال في ذلك.

فلما رأى أبو بكر توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاجابة, ورأى القوم يوشكون أن يرفعوا أصواتهم بالسخرية والاستهزاء والتكذيب, قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: صفه لي يا رسول الله, فاني قد جئته وزرته عدة مرّات.

وقد رغب ابو بكر من هذا أن يقطع ألسنتهم ويمنعهم من السخرية, وأن يأتي بالدليل على صدق اسرائه.

وعند ذلك حدثت المعجزة, وأراد الله أن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم, فرفع بيت المقدس وجعله في بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصيرته, فظهر له بيت المقدس واضحا وجليّا, فقال عليه السلام: باب منه مكانه كذا, فصاح أبو بكر فرحا وقال: صدقت يا رسول الله أشهد أنك أنت رسول الله.. واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" وباب منه في موضع كذا.." فيعود أبو بكر ويقول في حماسة وفرح: صدقت يا رسول الله, أشهد أنك رسول الله, وظل أبو بكر يقول ذلك في كل فقرة, ولذلك فقد سمي أبو بكر من هذا اليوم باسم الصدّيق رضوان الله عليه.

سكت أبو جهل والكفار وعلموا أن رسول الله لم ولن يهزم أمامهم, ولكنهم عادوا الى التضليل والكذب وقال أحدهم: يا قوم؛وألم يخبركم الوليد بن المغيرة, فان ما سمعناه اليوم من محمد ان هو الا السحر بعينه.

وأسرع بعضهم يغيّر مجرى الحديث فقال: يا محمد؛ ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس حقا فان لنا عيرا ذهبت بتجارتنا الى بلاد الشام, فهل تستطيع أن تخبرنا أين مكانها الآن من الطريق؟

لقد وصفت لنا بيت المقدس, ولعلك تعرف مكان قافلتنا الآن فأين هي الآن من مكة؟

فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بهذه القافلة بوادي كذا وهو متوجه الى الشام, فخافوا من منظر البراق وجماله, لأن البراق كان سيره صوت مخيف, فأزعج القوم, وجعل جمالهم تنفر وتهرب هنا وهناك, فهرب منهم بعير فدلهم الرسول صلى الله عليه وسلم على مكانه.

فلما عادت القافلة, وحكى لها الكفار ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم, صدقوه, وصدقوا ما قاله عليه السلام.

وقال رجل آخر للرسول صلى الله عليه وسلم: ان لنا قافلة أخرى ذهبت الى الشام فدلنا على مكانها في الطريق.

فقال عليه السلام:" مررت بهذا الابل وأنا قادم في مكان كذا وكذا, وفيها جمل عليه غرارتان: غرارة سوداء وغرارة بيضاء, فلما حاذيتهم نفرت العير, أي أن الابل خافت وذعرت من حس البراق, وصرع بعير وانكسر".

فلما عادوا الى مكة أخبروا بصدق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.

ورغم ذلك قالوا: هذا هو السحر.

وعاد أحدهم يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وان لنا ابلا, فأخبرنا بمكانها ومتى تجيء؟

فقال عليه الصلاة والسلام:" تأتيكم هذه العير يوم كذا يقدمها جمل أورق عليه غطاء من الصوف الأحمر وغرارتان."

فلما كان وصول القافلة خرجت قريش لتنظر هل يصدق موعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا يصدق, وكاد النهار ينتهي وأوشكت الشمس على المغيب, فقال أحد الكفار ساخرا:

ها هو ذا اليوم ينتهي, ولم تقدم القافلة, ولم تجيء, اليوم بطل سحر محمد..

وما كاد الرجل يتم كلمته حتى صاح أحد المؤمنين المسلمين:

الله أكبر هذه طلائع القافلة قد ظهرت.

البراق العجيب

قال تعالى:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا, انه هو السميع البصير} الاسراء 1.

1. البداية

كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته, فلم يمض وقت طويل على بدء دعوته المباركة حتى عزه ربه بمعجزات أثارت في كفار مكة الدهشة والعجب, وكان لها أثر واضح بين الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الذين لم يؤمنوا به. هذه المعجزة هي معجزة الاسراء والمعراج والذي كان البراق من أعاجيبها.

وقبل أن نتحدث عن البراق نسأل أنفسنا عن الاسراء والمعراج ما هو الاسراء؟ ما هو المعراج؟

الاسراء هو انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليلا من مكة الى بيت المقدس, ثم عودته الى مكة في الليلة نفسها. في حين أن هذه المسافة يقطعها الناس في شهر ذهابا وشهر في العودة.

أما المعراج وهو صعوده عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس الى السموات العلا الى سدرة المنتهى حيث أوحى الله اليه ما أوحى, ثم هبوطه الى بيت المقدس في ليلة الاسراء نفسها.

كان لهذه المعجزة الكبرى معجزة الاسراء والمعراج حكايات عجيبة ومواقف طريفة سنسمعها واحدة تلو الأخرى: فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم نائما بجوار الكعبة ذات ليلة أتاه جبريل بدابة بيضاء جميلة أكبر من الحمار وأقل من الحصان انها البراق العجيب.

وقد كانت البراق دابة يركبها الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ركوبها نفرت وهاجت. فصاح جبريل (مه يا براق! يحملك على هذا! فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه).

فاستحيا البراق وهدأت ثورته وسكن مكانه.

وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق فكان سيره غاية في السرعة والانسياب فلا اضطراب ولا قلقلة في سيره, مما أشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالراحة والاطمئنان, فكّانه مستقر على فراش ساكن وسرير ناعم.

وقد ذكر أنه كان من سرعته ما يثير العجب حتى أنه يضع حافره في كل خطوة عند منتهى البصر, وكان دائما مستوي السير فلا يعلو ولا يهبط حتى اذا قابلته عقبة مرتفعة, قصرت رجلاه الأماميتان وطالت الخلفيتان.. واذا قابله واد منخفض طالت رجلاه الأماميتان وقصرت رجلتاه الخلفيتان..!!.. وهكذا توفرت للرحلة معجزات ما بعدها معجزات.

أما جبريل عليه السلام فكان يسير بجناحيه الى جانب البراق مؤنسا ورفيقا للرسول صلى الله عليه وسلم, كانت وجهتهما بيت المقدس حيث يوجد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.

2. مشهد في الطريق

وفي الطريق تعددت المشاهد وفي هذا المشهد تظهر امرأة جميلة متبرّجة بكل أنواع الزينة, حاسرة على ذراعيها تنادي: يا محمد انظرني أسألك, فلم يلتفت اليها صلى الله عليه وسلم, ثم سار عليه السلام ما شاء الله له أن يسير, فقال جبريل للرسول: أما سمعت شيئا في الطريق؟

فقال عليه السلام:" بينما أنا أسير اذا بامرأة حاسرة على ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد انظرني أسألك! فلم أجبها, ولم أقم عليها..".

قال جبريل: تلك الدنيا, اما أنك لوأجبتها, لو أقمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة, وأما الشيء الذي ناداك من جانب الطريق فهو ابليس.

ثم قدّم جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم اناءين في أحدهما خمر, وفي الآخر لبن, وقال له:

اختر ما شئت, فاختار ؤسول الله اناء اللبن فشربه, وأعرض عن الخمر, ولم تكن الخمر قد حرّمت في الاسلام حينئذ, فلما اختار الرسول اللبن قال له جبريل: هديت الى الفطرة, ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك.

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر الله أكبر".

وقد قصد جبريل عليه السلام بهذا أن الخمر كانت في أصلها عصيرا طيّبا أو نقيعا نافعا للبدن؛ ثم تحوّلت عن هذا الأصل الطيب النافع في اللون والطعم والريح وتحول كل هذا من شيء طيب نافع مفيد للجسم والبدن الى عصير خبيث يذهب بالعقل, ويدمّر الجسم, ويفسد الارادة, ويتلف البدن, والأدهى من ذلك كله أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس..

فلو أن الرسول قد شرب الخمر لكان ذلك قبولا منه لشيء صار خبيث, ورفضا لكل ما هو طيب نافع, وتفضيلا للخبيث على الطيب, وهذا لا يقبله منطق رسول الله ودعوته وخلقه الكريم, فهو لا يهوى الخبائث, بل يدعو للطيّب والطاهر وبذلك يثبت عليه السلام على الأصل النافع الطيّب..

واللبن الذي اختاره صلى الله عليه وسلم شراب أصيل لم يتغيّر لونه ولم يتحول الى شراب خبيث يذهب العقول كالخمر, فهو نافع للصحة والبدن, فلما شربه صلى الله عليه وسلم آثر الصالح على الفاسد وهذ سنة الله التي فطر الله الناس عليها, وهي سنن دائمة الوجود باقية بقاء الناس لما فيها من نفع للناس أجمعين, ولذا فقد قال له جبريل عليه السلام: هديت الى الفطرة, فما فعله رسول الله من شربه للبن هو منهج يسير على سنة الله في خلقه, الذين يعيشون الآن على وجه المعمورة والذين خلو من قبل.

نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بيت المقدس, وصلى بالأنبياء اماما, وربط البراق بحلقة باب المسجد.

3. مشاهد المعراج

المشهد الأول

قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم معراج جميل والمعراج "سلم" لم تر الخلائق مثله, فصعد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل فوق المعراج حتى بلغا السماء الأولى, وهي سماء الدنيا, وطلب جبريل من ملائكة هذه السماء أن يفتحوا له أبوابها, فناداه مناد: من أنت؟ فقال: أنا جبريل. قال المنادي: ومن معك؟ قال جبريل: معي محمد. قال: أوقد بعث محمد؟ قال جبريل: نعم.

وفتح له, فتحت لهما السماء والدنيا, ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا رجل تام الخلقة عن يمينه أسودة (أرواح), وعن يساره أسودة. فاذا نظر الى التي عن يمينه تبسم, وقال: روح طيبة اجعلوها في عليين فيفتح باب ويخرج منه ريح طيبة, فتدخل فيه, واذا نظر الى التي على يساره حزن وقطّب جبينه وقال: روح خبيثة اجعلوها في سجيّن, فيفتح باب ويخرج منه ريح خبيثة, فتدخل فيه.

سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشخص التام الخلق وعن هذه الأسودة, وعن هذين البابين فقال جبريل عليه السلام:

أما الشخص التام الخلقة فهو أبوك آدم.

واما هذه الأسودة عن يمينه وعن يساره فهي أرواح بنيه؛ أهل يمينه هم أهل الجنة, وأهل شماله هم أهل النار, فاذا نظر الى أهل الجنة تبسم واذا نظر الى أهل النار حزن وابتأس.

وأما البابان فالباب الذي الى اليمين باب الجنة, والباب الذي الى اليسار باب جهنّم.

رحّب آدم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.

فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التحية بأحسن منها. ومضى الى مشهد آخر من مشاهد المعراج. التي تعدّ درسا من دروس الدعوة العظيمة وقدوة حميدة للناس أجمعين.

المشهد الثاني

نظر الرسول صلى الله عليه وسلم فرأى موائد كثيرة, عليها لحم مشرّح جيّد ولا يقربها أحد, وموائد أخرى عليها لحم نتن كريه الرائحة وحول هذا اللحم النتنة أناس يتنافسون على الأكل منها ويتركون اللحم المشرّح الجيّد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ومن هؤلاء يا جبريل"؟

قال جبريل: هذا حال ناس من أمتك يتركون الحلال الطيّب فلا يطعمونه, ويأتون الحرام الخبيث فيأكلونه!!.

المشهد الثالث

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد ناسا شفاههم كمشافر الابل, فيأتي من يفتح أفواههم, فيلقي فيها قطعا من اللحم الخبيث, فيضجون منها الى الله لأنها تصير نارا في أمعائهم فلا يجيرهم أحد حتى تخرج من أسفلهم فقال عليه الصلاة والسلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟

قال جبريل: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى بالباطل ظلما, انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.

المشهد الرابع

رأى الرسول صلى الله عليه وسلم طريقا ممتدا الى النار يمر فيه آل فرعون, فيعرضون على النار غدوّا وعشيّا, وأثناء مرورهم يجدون على الطريق أقواما بطونهم منتفخة مثل البيوت, كلما نهض أحدهم سقط يقول: اللهم أخر يوم القيامة, اللهم لا تقم الساعة فيطؤهم آل فرعون بأقدامهم, فقال عليه السلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟

قال جبريل: هؤلاء هم الذين يتعاملون بالربا من أمتك.

{ولا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.

المشهد الخامس

مضى الرسول فرأى أقواما يقطع اللحم من جنوبهم ثم يقال لكل منهم:

كل من هذا اللحم كما كنت تأكل لحم أخيك ميتا.

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" من هؤلاء يل جبريل"؟

قال جبريل: هؤلاء هم الذين يغتابون الناس من أمتك, كان كل منهم يأكل لحم أخيه ميتا.

المشهد السادس

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد أقواما تضرب رؤؤسهم بالصخر كلما ضربت تحطمت, وكلما تحطمت عادت كما كانت فترضخ من جديد بالصخر فتتحطم.. وهكذا, فقال عليه الصلاة والسلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟

قال جبريل عليه السلام: هؤلاء من أمتك هم الذين تتثاقل رؤؤسهم عن الصلاة المكتوبة.

المشهد السابع

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد أقواما يسترون عوراتهم من الأمام والخلف برقاع وهم يسرحون كما تسرح الابل. يأكلون الضريع والزقزم ورضف جهنم وحجارتها؛ فقال عليه السلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟

قال جبريل عليه السلام: هؤلاء هم الذين لا يؤدون صدقات أموالهم, وما ظلمهم الله تعالى شيئا, وما الله بظلام للعبيد.

المشهد الثامن

في هذا المشهد يأتي رسول الله على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها هو يزيد عليها, وذلك دليل على كثرة الذنوب التي ارتكبها والمعاصي التي اقترفها, ومع ذلك فهو يزيد منها ويثقل على نفسه بالذنوب فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما هذا يا جبريل"؟

قال جبريل: هذا الرجل من أمتك تكون عليه أمانات الناس, لايقدر على أدائها وهو يزيد عليها أمانات اخرى, وقد دعا الاسلام الى ردّ الأمانات.

المشهد التاسع

في هذا المشهد الذي لو تخيّلناه لكان مرعبا بحق, ولكنه يعبر بصدق عن دور اللسان في حياة المؤمن, فقد مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوام تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد, كلما قرضت عادت كما كانت لا يفر عنهم من ذلك شيء وهذا جزاء من يتكلم بالشر, ويخوض فيه بين الناس فلما رأى رسول الله ذلك قال لجبريل:" ما هذا يا جبريل"؟

قال جبريل: هؤلاء خطباء الفتنة.

المشهد العاشر

هذا المشهد يثير في نفوسنا الراحة ويبعث فيها الاطمئنان والسكينة, فقد مرّ الرسول على أقوام يحصدون في يوم؛ كلما حصدوا عاد كما كان. وكثرة الحصاد والمحصول على هذا الوجه رمز لجزاء الله سبحانه الذي لا يتناهى, فلما رآهم رسول الله صلى الله ليه وسلم على ذلك سأل جبريل:" ما هذا يا جبريل"؟

قال جبريل: هؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله, تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف.

ولذلك يشبه الله العمل الصالح في الآية:{ كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}.

المشهد الحادي عشر

هذا مشهد من مشاهد الجنة التي وعد بها المتقون والصالحون, فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على واد فسيح, فهبت عليه منه ريح باردة طيبة, ورائحة مسك أزكى من مسك الأرض, وسمع من جهته صوتا, فقال عليه السلام:" يا جبريل.. ما هذا الريح الطيبة الباردة؟ وما هذا المسك؟. وما هذا الصوت؟".

قال جبريل: هذا صوت الجنة تقول: رب ائتني بما وعدتني, فقد كثرت غرفي, واستبرقي, وحريري, وسندسي, ولؤلؤي, ومرجاني وفضتي, وذهبي, وأكوابي, وصحافي, وأباريقي, وكؤؤسي, وعسلي ومائي, وخمري, ولبني, فائتني بما وعدتني.

فقال عز وجل: لك كل مسلم ومسلمة, ومؤمن ومؤمنة, ومن آمن بي وبرسلي, وعمل صالحا, ولم يشرك بي شيئا.. ولم يتخذ من دوني أندادا.. ومن خشيني فهو آمن, ومن سالني أعطيته, ومن أقرضني جزيته, ومن توكل عليّ كفيته, اني أنا الله لا اله الا أنا لا أخلف الميعاد وقد أفلح المؤمنون, وتبارك الله أحسن الخالقين.

قالت الجنة: قد رضيت..

المشهد الثاني عشر

هذا المشهد عن جهنم أعاذنا الله من شرها, ومنعنا من لهيبها, وجنبنا غيظها وفورانها, فقد جاء صلى الله عليه وسلم على واد فسيح, فسمع صوتا منكرا, ووجد ريحا خبيثة فقال:" ما هذه الريح يا جبريل؟ وما هذا الصوت؟".

قال جبريل: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بما وعدتني فقد كثرت سلاسلي, وأغلالي, وسعيري, وحميمي, وضريعي, وغسّاقي, وعذابي, وقد بعد قراري, واشتد حرّي, فائتني بما وعدتني.

فقال لها رب العزة: لك كل مشرك ومشركة, وكافر وكافرة, وكل خبيث وخبيثة, وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب.

قالت النار قد رضيت.

أعاذنا الله من شرها, وجنّبنا المعاصي وحبّب الينا الطاعات حتى نكون من أهل الجنة بعيدا عن النار وعذابها.

هذه مشاهد السماء الأولى, ترى ماذا في السماء الثانية, هذا ما سنعرفه في الصفحات التالية.

من السماء الثانية الى السابعة

صعد جبريل الى السماء الثانية وقد صحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاستفتح كما فعل في السماء الأولى.. فقال خازن السماء الثانية:

من هذا الذي معك يا جبريل؟

فقال جبريل: هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: أوقد بعث؟

قال جبريل: نعم.

فقال: حيّاه الله من أخ, ومن خليفة, فنعم الأخ ونعم الخليفة, ونعم المجيء جاء.

دخل النبي صلى الله عليه وسلم فاذا بشابين, فسأل جبريل:" من الشابان يا جبريل؟".

قال جبريل: هذان عيسى بن مريم, ويحيى بن زكريا عليهما السلام, وكل منها ابن خالة الآخر, فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم قالا: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فحيّاهما عليه السلام, ثم صعد جبريل الى السماء الثالثة برسول الله صلى الله عليه وسلم قاستفتح, فقالوا: من هذا؟ قال جبريل: أنا جبريل, فقالوا: من معك؟ قال جبريل: محمد رسول الله. قالوا: أوقد أرسل اليه؟ قال جبريل: نعم. قالوا: حيّاه الله من أخ وخليفة, فنعم الأخ, ونعم الخليفة, ونعم المجيء جاء.

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو برجل قد فضّل على الناس في الحسن والجمال, فقال عليه السلام:" من هذا يا جبريل الذي فضّل على الناس في الحسن؟".

قال جبريل: هذا أخوك يوسف عليه السلام.

فحيّاه الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رآه يوسف عليه السلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح.

ثم صعد به جبريل الى السماء الرابعة فاستفتح, ففتح له ولقي تحية وترحيبا كعادته فاذا هو برجل عليه علامات الوقار والجلال, ورفعة الشأن فقال عليه السلام:" من هذا يا جبريل؟".

قال جبريل: هذا ادريس نبي الله عليه السلام رفعه الله مكانا عليّا فلما رآه ادريس عليه السلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فردّ عليه السلام التحيّة.

ثم صعد النبي صلى الله عليه وسلم الى السماء الخامسة فاستفتح ففتح له, ولقي من التحيّة ما اعتاد عليه في السموات السابقة, فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فاذا هو برجل جالس وحوله قوم يقصّ عليهم من أمر الله ما شاء الله؛ فقال: "من هذا يا جبريل؟".

فقال جبريل عليه السلام: هذا المحبب الى قومه هارون بن عمران, وهؤلاء بنو اسرائيل, فلما رأى هارون محمدا عليه الصلاة والسلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فحيّاه الرسول عليه السلام.

ثم صعد به جبريل الى السماء السادسة فاستفتح, ففتحت السماء له, ورحّب به عليه السلام ولما دخل عليه السلام فاذا برجل جالس فمرّ به فبكى الرجل, فقال الرسول عليه السلام:" يا جبريل من هذا؟".

قال جبريل: هذا موسى ابن عمران.

فقال عليه السلام:" فماله يبكي؟".

قال جبريل: انه يقول: تزعم بنو اسرائيل أني أكرم بني آدم على الله عز وجل, وهذا رجل من بني آدم قد فاقني في رتبته, فلو أنه بنفسه لما اهتممت, ولكنه مع كل نبي أمّته.

ثم صعد به جبريل عليه السلام الى السماء السابعة فاستفتح ففتحت له, ودخل عليه السلام فاذا به يرى البيت المعمور, وهو بيت في السماء السابعة يقوم في سمت الكعبة الشريفة في أرضنا هذه يدخله كل يوم للصلاة فيه سبعون ألف ملك لا يعودون اليه الى يوم القيامة, ورأى عليه السلام رجلا أحسن ما يكون الرجال قد أسند ظهره الى البيت المعمور فقال عليه السلام:" من هذا الرجل يا جبريل؟".

قال جبريل: هذا أبوك ابراهيم عليه السلام, خليل الرحمن. فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّ عليه الخليل السلام.

ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم حول ابراهيم الخليل قوما جلوسا بيض الوجوه أمثال القراطيس.. وقوما في ألوانهم شيء, فدخلوا نهرا اغتسلوا فيه, فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء, ثم دخلوا نهرا آخر, فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلصت ألوانهم, فصارت مثل ألوان أصحابهم, فجاؤؤا فجلسوا الى أصحابهم.

فقال عليه السلام:" يا جبريل من هؤلاء البيض الوجوه؟ ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؟ وما هذه الأنهار التي دخلوا فيها فجاؤوا وقد صفت ألوانهم؟".

قال جبريل: أما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا ايمانهم بظلم, أي أنهم أخلصوا دينهم لله؛ فليس في قلوبهم شيء من شك أو ميل الى الاثم والبغي, فكان ايمانهم نقيا صافيا.

وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؛ فقوم خلطوا عملا صالحا, وآخر سيئا, قتابوا فتاب الله عليهم.

وأما الأنهار فهي: نهر الرحمة, ونهر النعمة, والثالث: شراب طهور.

هذه هي معجزة الاسراء والمعراج, معجزة مشاهد الطريق العظيمة, ومشاهد العروج الى السماء معجزة الخروج من مكة ليلا والوصول الى بيت المقدس في لحظات سريعة, وكان البراق هو الأداة التي سخرها الله ضمن أدوات انصرفت مشيئته أن تكون, فكان لونه معجزة, يضع قدمه في محل رؤيا العين أو على امتداد البصر خافت من حس أقدامه الابل وهربت في الصحراء ولم يكن البراق الشيء العجيب الوحيد, بل ما شاهده الرسول صلى الله عليه وسلم يعد معجزات متعددة واحدة تلو الأخرى تقدم النصح والارشاد للناس أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

صدق الله العظيم

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد أقواما تضرب رؤؤسهم بالصخر كلما ضربت تحطمت, وكلما تحطمت عادت كما كانت فترضخ من جديد بالصخر فتتحطم.. وهكذا, فقال عليه الصلاة والسلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟

قال جبريل عليه السلام: هؤلاء من أمتك هم الذين تتثاقل رؤؤسهم عن الصلاة المكتوبة
مشكوووووووووووووووووووووووووور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.