وكنت فيما مضى أشهد مجالس العزاء وأسمع أسئلة وأجوبةً لا أرتاح لبعضها لعدم التأكد من صحتها, ممّا جعلني أشعر بالحاجة للوقوف على الصحيح والاقتصار عليه ونبذ ما سواه من أخبار الموت والحياة البرزخيّة والحشر واليوم الآخر حتى وقفت على كتبٍ عديدة في هذا الباب
من أشهرها كتاب «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للإمام القرطبي -رحمه الله- وهو من أجود ما كتب في الموضوع إلا أن مؤلفه لم يخرج الأحاديث والآثار الواردة فيه وتوسع في بعض أبوابه، وبالتالي فإن القارئ غير المتخصص لا يتمكّن من الإفادة الكاملة من الكتاب المذكور.
كما اطلعت على كتاب «الروح» للإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- فوجدته مثل سابقه يحوي عدداً كبيراً من الأحاديث غير المخرجة إضافة إلى أن كلاً من الكتابين كبير الحجم مما يجعل همم الكثيرين من أهل زماننا تقصر عن مطالعته ، و اطلعت على غيرهما مما تناول الموضوع فوجدت في معظمها التهاون في اختيار الصحيح من الأخبار في كل باب.
وقد دل عليه النقل من القرآن والسنة والإيمان به ركن من أركان الإيمان،كما دل عليه العقل لأن تكرار ما هو موجود ممكن ففي هذه الدنيا مظالم لا يعاقب الظالم فيها على ظلمه وإنما جعل الله يوم القيامة
لذلك قال تعالى: [فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم] [محمد: 18]،
وقال تعالى: [ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون] [يس: 51]،
النفخة هي النفخة الثانية نفخة البعث.
وإذا كان خاصة الناس يتمكنون من تمييز الحديث الصحيح من الضعيف فإن ذلك ليس بوسع العامة,
من أجل ذلك كتبت هذا البحث واقتصرت على الاستشهاد ببعض آيات الكتاب المبين وببعض ما صح عن رسول الله.
الـــحــلـــقـــة الأولـــــى
1- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: « لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به, فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي, وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي» أخرجه البخاري ومسلم.
يـــتـــبـــع بــمـــشــيـــئــة الــرحـــمـــن
قريبا جدا مع الحلقة الثانية
2- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: « لا يتمنين أحدكم الموت, إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً, وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب» أخرجه البخاري.
ويستعتب: يرجع عن الإساءة ويتوب.
3- وعنه قال: قال رسول الله: « لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه, إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله, وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراًً» أخرجه مسلم.