﴿ وَقُلِ اعْمَلُوْا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُوْله وَالمُؤْمِنُوْنَ ﴾ التوبة: آية 105
الكدح الكدح .. فقد كان نبيك يرعى الغنم
*^*^*^*^*^*^*^*^*^*^*
أخي المسلم لقد أمرك الإسلام أن تعتدل في حياتك وأمرك أن تتحرى طرق العمل الحلال عملاً وإنتاجًا – بيعًا وشراءً – ؛ لأن العمل في الشيء المحرم يجلب الخراب ويحقق للإنسان الشقاء ويدفع به إلى التعاسة .. ومما قاله لقمان لابنه في هذا المقام "يابني استعن بالكسب الحلال على الفقر؛ فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابته ثلاث خصال: رقة في دينه – وضعف في عقله – وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به" .
ولقد عرف الأنبياء قيمة العمل على هذا النحو..
وكان لكل نبي حرفة يعمل فيها ويعيش منها مع عظم مسؤولياته.. وخذ مثلاً :
*سيدنا إدريس عليه السلام كان خياطاً يكسب بعمل يده.
*وداوود عليه السلام كان حدادًا كما ذكر القرآن في قول الله سبحانه وتعالى:
﴿ وأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيْدَ أَنِ اعْمَلْ سـٰـبِغـٰـتٍ وَقَدِّرْ فِىْ السَّرْدِ وَاعْمَلُوْا صَالِحًا ﴾ سبأ: الآيتان 10، 11، وهناك بعض الروايات تؤكد أنه كان خوَّاصًا يعمل من الخوص – القفة – وغير ذلك .
*ونوح عليه السلام كان نجارًا .
*كما أنّ زكريا عليه السلام، وإبراهيم عليه السلام كانت عندهم الجمال والخيل والأغنام..
*وأنّ موسى عليه السلام عمل أجيرا عند رجل يعمل في رعي الغنم،
أما سيدنا محمد صلـى الله عليه وسلم خير خلق الله وصفيه وخليله ؛ فقد أخبرنا عن نفسه الكريمة وعن إخوانه من الأنبياء أنهم رعوا الغنم ، ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلـى الله عليه وسلم: "ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم" فقال: أصحابه: وأنت؟ قال: "نعم, كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة "
وفي ذلك حكمة إلهية وهو كما قال ابن حجر ( قال العلماء : الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبـوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم ، ولأن مخالطتها ما يحصل لهم من الحلم والشفقة )
فنبينا صلـى الله عليه وسلم كان عمه أبو طالب مُقلاًّ في الرزق فعمل برعي الغنم مساعدة منه لعمه وإن ذلك يشير إلى دلائل هامة في شخصيته المباركة منها: الذوق الرفيع والإحساس الرقيق اللذان جمّل الله تعالى بهما نبيه صلـى الله عليه وسلم ، لقد كان عمه يحيطه بالعناية التامة، وكان له في الحنو والشفقة كالأب الشفوق ، ولكنه صلـى الله عليه وسلم ما إن آنس في نفسه القدرة على الكسب حتى أقبل يكتسب ويتعب نفسه لمساعدة عمه في مؤونة الإنفاق ، وهذا يدل على شهامة في الطبع وبر في المعاملة، وبذل للوسع.
ومن جانب آخر فأن رعي الغنم أتاح للنبي صلـى الله عليه وسلم الهدوء الذي تتطلبه نفسه الكريمة، و المتعة بجمال الصحراء، و التطلع إلى مظاهر جلال الله في عظمة الخلق، و مناجاة رب الوجود في هدأة الليل وظلال القمر ونسمات الشجر، مما كوّن لديه لونًا جميلا من التربية النفسية في الصبر والحلم والأناة, والرأفة والرحمة, والعناية بالضعيف حتى يقوى, وزم قوى القوي حتى يستمسك للضعيف ويسير بسيره، وارتياد مشارع الخصب والري وتجنب الهلكة ومواقع الخوف كل ذلك من سياسة هذا الحيوان الأليف الضعيف والذي كان تدريبا ومرانًا له على سياسة الأمم والذي لم يكن لتتيحه حياة أخرى بعيدة عن جو الصحراء وهدوئها.
ولا شك أن الاعتماد على الكسب الحلال يكسب الإنسان الحرية التامة والمقدرة على قول كلمة الحق والصدع بها وكم من الناس يطأطئون رؤوسهم للطغاة ، ويسكتون على باطلهم ، ويجارونهم في أهوائهم خوفًا على وظائفهم…
فالكدح الكدح اخي المسلم ولا تحتقر عملا ..
واجتهد وثابر حيثما انت
فقد كان نبيك أعظم خلق الله يرعى الغنم
اللهم صلّ وسلم وبارك عليه
أحسن النية وادع الله نعم المولى ونعم المجيب وقل :
اللهم ارزقني رزقا حلالا طيبا مباركا فيه
رزقا واسعا نصون به وجوهنا عن التعرض لسؤال خلقك
اللهم آمين