بسم الله الرحمن الرحيم
أصول السنة
[عقيدة الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد حنبل – 241 هـ -]
أصول السنة عندنا :
التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإقتداء بهم ، وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة ، وترك الخصومات ، والجلوس مع أصحاب الأهواء ، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين .
والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسنة تفسر القرآن ، وهي دلائل القرآن ، وليس في السنة قياس ، ولا تضرب لها الأمثال ، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء ، إنما هو الاتباع وترك الهوى .
ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة – لم يقبلها ويؤمن بها – لم يكن من أهلها :
الإيمان بالقدر خيره وشره ، والتصديق بالأحاديث فيه ، والإيمان بها ، لا يُقال لِـمَ ولا كيف ، إنما هو التصديق والإيمان بها ، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كُـفِيَ ذلك وأُحكِمَ له ، فعليه الإيمان به والتسليم له ، مثل حديث " الصادق المصدوق " ومثل ما كان مثله في القدر ، ومثل أحاديث الرؤية كلها ، وإن نأت عن الأسماع واستوحش منها المستمع ، وإنما عليه الإيمان بها ، وأن لا يرد منها حرفاً واحدا ً ، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات .
وأن لا يخاصم أحداً ولا يناظره ، ولا يتعلم الجدال ، فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه ، لا يكون صاحبه و إن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلم ويؤمن بالآثار .
والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ، ولا يضعف أن يقول : ليس بمخلوق ، فإن كلام الله ليس ببائن منه ، وليس منه شيء مخلوق ، وإياك ومناظرة من أحدث فيه ، ومن قال باللفظ وغيره ، ومن وقف فيه ، فقال : لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق ، وإنما هو كلام الله فهذا صاحب بدعة مثل من قال : ( هو مخلوق ) ، وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق .
والإيمان بالرؤية يوم القيامة ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه ، فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صحيح ، رواه قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ ورواه الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ ورواه علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والكلام فيه بدعة ، ولكن نؤمن كما جاء على ظاهره ، ولا نناظر فيه أحداً .
والإيمان بالميزان يوم القيامه كما جاء ، يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة ، وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر ، والإيمان به ، والتصديق به ، والإعراض عن من ردّ ذلك ، وتركُ مجادلته .
وأن الله يكلم العباد يوم القيامه ، ليس بينهم وبينه ترجمان ، والتصديق به .
والإيمان بالحوض ، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا يوم القيامة تَـرِدُ عليه أمته ، عرضه مثل طوله ، مسيرة شهر ، آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجه .
والإيمان بعذاب القبر ، وأن هذه الأمة تُـفـتَـن في قبورها ، وتُسأل عن الإيمان والإسلام ، ومن ربه ؟ ومن نبيه ؟
ويأتيه منكر ونكير ، كيف شاء الله عزوجل ، وكيف أراد ، والايمان به والتصديق به .
والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقوم يخرجون من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما ، فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر ، كيف شاء الله ، و كما شاء ، إنما هو الإيمان به ، والتصديق به .
والإيمان أن المسيح الدجال خارج ، مكتوب بين عينيه كافر ، والأحاديث التي جاءت فيه ، والإيمان بأن ذلك كائن ، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لُـدٍّ .
والإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، كما جاء في الخبر : (( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا )) .
ومن ترك الصلاة فقد كفر ، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة ، من تركها فهو كافر ، وقد أحل الله قتله .
وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ، نُـقـدّم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يختلفوا في ذلك ، ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة : علي بن أبي طالب ، وطلحة ، والزبير ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد ، كلهم يصلح للخلافة ، وكلهم إمام ، ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر : ( كنا نعُـدُّ ورسول الله حي وأصحابه متوافرون : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نسكت ) … ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين ، ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة ، أولاً فأولا ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القرن الذي بعث فيهم .
وكل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة ، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع الأعمال ، كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه ، ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة ، أفضل لصحبتهم من التابعين ، ولو عملوا كل أعمال الخير .
والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البَـرّ والفاجر ، ومن ولي الخلافة ، واجتمع الناس عليه ، ورضوا به ، ومن عليهم بالسيف حتى صار خليفة ، وسمي أميرالمؤمنين .
والغزو ماض مع الأمير إلى يوم القيامه البَـرّ والفاجر لا يُـترَك .
وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ، ليس لأحد أن يطعن عليهم ، ولا ينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة ، من دفعها إليهم أجزأت عنه ، بَـرّاً كان أو فاجراً .
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه ، جائزة باقية تامة ركعتين ، من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار ، مخالف للسنة ، ليس له من فضل الجمعة شيء ؛ إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم ، فالسنة : أن يصلي معهم ركعتين ، ويدين بأنها تامة ، لا يكن في صدرك من ذلك شك .
ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين – وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة ، بأي وجه كان ، بالرضا أو بالغلبة – فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين ، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية .
ولا يحل قتال السلطان ، ولا الخروج عليه لأحد من الناس ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق .
وقتال اللصوص والخوارج جائز ، إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن نفسه وماله ، ويدفع عنها بكل ما يقدر ، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ، ولا يتبع آثارهم ، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين ، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك ، وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً ، فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول ، وإن قُـتِـل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله ، رجوت له الشهادة ، كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أُمِر بقتاله ، ولم يُـؤمَـر بقتله ولا اتباعه ، ولا يجهز عليه إن صُرِع أو كان جريحا ، وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله ، ولا يقيم عليه الحد ، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله ، فيحكم فيه .
ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار ، نرجو للصالح ونخاف عليه ، ونخاف على المسيء المذنب ، ونرجو له رحمة الله .
ومن لقى الله بذنب يجب له به النار تائبا غير مُصـرٍّ عليه ، فإن الله يتوب عليه ، ويقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ، ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا ، فهو كفارته ، كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لَـقِيـَه مُصِـرّا غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله ، إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له ، ومن لَـقِـيَـه وهو كافر عذّبه ولم يغفر له .
والرجم حق على من زنا وقد أُحصن ، إذا اعترف أو قامت عليه بيّنة ، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدون .
ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أبغضه بحدث كان منه ، أو ذكر مساوئه ، كان مبتدعا ، حتى يترحم عليهم جميعا ، ويكون قلبه لهم سليما .
والنفاق هو : الكفر ، أن يكفر بالله ويعبد غيره ، ويُـظهِـر الإسلام في العلانية ، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كن فيه فهو منافق )) هذا على التغليظ ، نرويها كما جاءت ، ولا نفسرها .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا ترجعوا بعدي كفارا ضُلالا يضرب بعضكم رقاب بعض )) ، ومثل : (( إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار )) ، ومثل : (( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر )) ، ومثل : (( من قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما )) ، ومثل : (( كُـفـرٌ بالله تَـبَـرؤٌ من نَـسَـبٍ وإن دَقّ )) ، ونحو هذه الأحاديث مما قد صح وحُـفِـظ ، فإنا نُـسَـلم له ، وإن لم نعلم تفسيرها ، ولا نتكلم فيها ، ولا نجادل فيها ، ولا نفسّر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت ، لا نردها إلا بأحق منها .
والجنة والنار مخلوقتان ، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دخلتُ الجنة فرأيت قصراً … )) ، و (( رأيت الكوثر )) ، و (( واطلعت في الجنة ، فرأيت أكثر أهلها… )) كذا ، و (( واطلعت في النار ، فرأيت … )) كذا وكذا ، فمن زعم أنهما لم تُخلقا ، فهو مكذّب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار.
ومن مات من أهل القبلة مُـوَحِـداً يُـصلّى عليه ، ويُستغفر له ، ولا يُحجب عنه الاستغفار ، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا ، أَمــرُهُ إلى الله تعالى . والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله وسلم تسليما .