" كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"والإنسان بطبعه ضعيف الإرادة، وقد تغلبه نفسه، ويضعف أمام الشهوات والمغريات، ويميل إلى المعصية فتذكر قبل ارتكاب المعصية أن الله يراك ومطلع عليك؛ فهو العليم الخبير، وهو السميع البصير قال ـ تعالى ـ:
{يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}[البقرة:77]،ويسمع كلامك، ويرى مكانك، ويعلم سرك ونجواك،فهو ـ سبحانه ـ معك بعلمه وإطلاعه:
ولا تحـسبـن الله يغــفل ســـاعـة *** ولا أن مـا تخفي عليه يغيب واحــذر أيضاً أن تـكون ممن يراقبون العـباد، وينـسون رب العباد، يخشون الناس، وينسون رب الناس قال ـ تعالى ـ:
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَمَعَهُمْ [النساء:108]
يستعظمون نظر المخلوق على هوانه، ويستخفون بنظر الخالق مع علو شأنه.
فيا من تعصي الله ، أي أرض تقلك وأي سماء تظلك إلا أرض الله وسماؤه، وأيمكان يحميك من أن يراك الله ويطلع عليك وينظر إليك فـهو ـ تعالى ـ يراك،فـاجعل لـه في قـلبك وقاراً، وإذا حدثتك نفسك بالمعصية أيا كانت هذه المعصية فقل لها:
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]
أخي في الله .أختي في الله:
قبل أن تعصي الله تذكر من أنت.
من أنت أيها الضعيف الذي لا تملك لنفسك نفعاً، ولا ضراً، ولا حولاً، ولاطولاً حتى تعصي القوي العـزيز الذي خـضع لـه كل شيء، وملأت كل شيء عظمته،وقهر كل شيء ملكه، وأحاطت بكل شيء قدرته، تذكر من أنت ومن هو العظيم الذي تعصيه، وأنت فقير محتاج إليه؟ وبقدر ما يعظم قدر الله في قلبك يعظم مكانك عنده قال ـ تعالى ـ:
وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَرَبِّهِ [الحج:30]
أخي في الله .أختي في الله:
قبل أن تعصي الله تذكر نعمه الكثيرة عليك يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ*الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار:7،6]
خلقك الله من عدم، وشفاك من سقم، وأسبغ عليك وافر النعم، أطعمك من جوع وكساك من عري، وأرواك من ظمأ قال ـ تعالى ـ:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [ابراهيم:34]
فكيف يا عبد الله تبدل نعمة الله كفراً؟!
وفضله وجوده عليك جحوداً ونكراً ؟!
كيف تقابل الإحسان بالنكران؟!
وال****ا بالخطايا؟!
كيف تعصي الله وأنت تتقلب في نعمه؟وهل تعصيه إلا بنعمه؟فبأي وجه تلقى الله وقد أعطاك ومنحك وأكرمك ووهبك هذه النعم ثم تأتي وتعصيه بها؟!
أما تخاف من عقابه؟وتجزع من عذابه وهو القادر على أن يسلبها منك كيفما شاء ومتى شاء، فكم من نعمة أسبغها الله صاحبها فبدلها كفراً وأعقبها نكراً فكانت نهاية صاحبهاخسراً:
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سـبأ:17].
أخي في الله .أختي في الله:
يا من تعصي الله تذكر أنك تعصي الله في ملكه، وفوق أرضه، وتحتسمائه، فهل ترضى أنت أن تعصي في بيتك وملكك وسلطانك؟! أما تخاف أن يطردك الله من رحمته ويحرمك من مغفرته بعد أن بارزته في ملكه بمخالفة أوامرهوارتكاب محارمه؟ أما تخاف أن يكون الرب المنتقم قد غضب عليك عندما تطاولت على حدوده، وقدمت مرادك على مراده، وقال: اذهب فبعزتي وجلالي، لا أغفر لك أبداً. تأكل وتشرب، وتضحك، وتفرح، وتمرح، والله من فوق سمواته وعرشه غاضب منك ساخط عليك؛ فويل لمن كان له الويل وهو لا يشعر!!
أخي في الله .أختي في الله:
تذكر أن الله شديد العقاب، وأنه عزيز ذو انتقام، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين، وأنه يغار إذا انتهكت محارمه، وما أهلك الأمم السابقة إلا أنهم تعدوا حدود الله، وانتهكوا حرماته، وبارزوه بالمعاصي، وما من مصيبة تلم بالعبد ولا عقوبة تقع عليه إلا بسبب بعض ذنوبه ومعاصيه، ولويؤاخذ الله العبد بكل سيئاتهمَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ [النحل:61]
ولكنه ـ سبحانه ـ أهل التقوى وأهل المغفرة.. وما أكثر أولئك الذين اعتمدواعلى رحمة الله ـ تعالى ـ وعفوه وكرمه وجوده فضيعوا أوامره، وارتكبوانواهيه، ونسوا أنه أيضاً شديد العقاب، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب، فهو كالمعاند؛ لأن حسن الظن بالله ورجاء العفو والمغفرة تنفع من تاب، وندم، وأقلع عن الذنب، وبدل السيئة بالحسنة، أما من يرجو رحمة اللهوهو لا يطيعه ولا يتمثل أمره فهذا من الخذلان والحمق.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليبس
وإن من أعظم الاغترار طلب دار المتقين المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاءبغير عمل، ويستحيل في حق الله العادل أن يساوي بين البر والفاجر وبينالمحسن والمسيء قال ـ تعالى ـأَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثـية:21]
وقال ـ تعالى ـأَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [صّ: 28].
أخي في الله .أختي في الله:
تذكر يوم تشهد عليك الشهود وتفضحك فيه الجوارح والجلود! فأين يكون مهربك؟ وإلى أين يكون الملتجأ؟ والشهود منك والشهادة عليك، فتأمل يامسكين!! تعصي الله بها ومن أجلها، وتذود عنها، ثم تأتي يوم القيامة تشهدعليك! وتذكر أيضاً المكان الذي عصيت الله فيه يأتي يوم القيامة شاهداًعليك، وتذكر أن الزمان شاهد عليك! وتذكر أن الله أرصد لك وبك ملائكة كراماًيرونك من حيث لا تراهم، ويعلمون ما تقول وما تفعل:
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[الانفطار:12]
ويوم القيامة يشهدون عليك،فأين المهرب من كل هؤلاء الشهود؟!
تذكر الإحصاء والكتابة عندما يذوب قلبك كمـداً وحـزناً، وينحـرق أسفـاًولوعـةً عندمـا تـنشر صحفك المطوية بأعمالك المخزية، أنت نسيتها، ولكنالدين لا ينسى قال ـ تعالى ـ: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوه} [المجادلة: 6]
. لم ينسه الملكان حــــين نسيته *** بل ســــجـــــلاه وأنت لاه تلعب
سترى هذه الأعمال حين تأتي ساعة الندم، حينما تذهب اللذات وتبقى الحسرات! حينما تذهب الشهوات وتبقى التبعات! فتذكر كتاباً يبسط وينشر بين يديك، وكلما فيه لك أو عليك، وتذكر أن كل لفظ تقوله ولك فعل تفعله، ولك حركة تصدرهامسجلة عليك، وستراها يوم القيمة أمام ناضريك، فاعمل وقل ما يسرك أن تراهيوم أن تلقى الله يـــــــوم القيامـــــــــة
. أخي في الله .أختي في الله:
تذكر الاستدراج من الله وأنه ـ سبحانه ـ يمهل ولا يهمل،فاحذرأن تكون من أولئك الذين أمدهم الله بالصحة والنعم وهم مقيمون على المعاصي والزلل ويحسبون أن لهم كرامه ومنزلة عنده وهم سقطوا من عينه وهانوا عليه، قال تعالى ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون:55 ،56) فلا يغررك من الله طول حمله عليك وستره إياك ، فربما كان إمهاله لك مكر بك واستدراجا حتى تزداد بالإمهال إثما فيزداد عذابك، واحذر أن يكون الله قد مكر بك في إحسانه لك فتناسيت وأمهلك في غيك فتماديت وسقطت من عينه فما دريت ولا باليت
تذكر الموت وسكرته، والقبر وظلمته ، والميزان ودقته، والصراط وزلته والحشر وأهواله
تذكر يوم القيامة يوم الحشر والندامة الذي تكون دعوى الأنبياء وهم الأنبياء في ذلك اليوم نفسي نفسي لا أسالك إلا نفسي ، اللهم سلم سلم ، فأي حال يكون حالك أنت ؟ وأي مقال يكون مقالك في تلك اللحظات الرهيبة التي تأتى فيها تحمل وزرك الذي بارزت الله به ليلا ونهارا ، سرا وجهاراً، انه موقف الذل والخزي ، فبأي وجه تلقى الله وأنت قد خالفت أوامره وانتهكت حدوده، فهل أعددت الحجة وجهزت الجواب للسؤال
أخي في الله .أختي في الله:
إن طريق الجنة محفوف بالمكاره، وهو عقبة كؤود ومرتقى صعب لا يتجاوزه الأكل مخفف من الذنوب والسيئات فهل تريد أنت الجنة وما فيها من النعيم وأنت على المعاصي مقيم وهل تريد سعادة الدنيا والآخرة وأنت متنقل من معصية إلى معصية.
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجى ****** درج الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله اخرج ادم ****** منها إلى الدنيا بذنب واحد
أخي في الله .أختي في الله:
قد أن لك آن تقلع وتتوب من كل الذنوب وان تلتزم بالطاعة التي يعزك الله بها والتي فيها سعادتك في الدنيا والآخرة ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )(الحديد: من الآية16) ….. بلى والله قد آن…… قد آن… قد آن
وختاما
أخي في الله .أختي في الله:هذه نصيحتي لنفسي ولك وكلنا ذوو خطأ.
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسن فقط.
عسى الله أن ينفعنا بها جميعا وان يجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه انه ولي ذلك والقادر عليه
من كتاب ( أيها العاصي ) – عبداللطيف بن هاجس
جعلها الله في ميزان حسناتك و نفع بك
رفع الله قدركم وحقق سؤلكم.