في بحث جديد نشرته مجلة الطبيعة الأمريكية (19-1-2015) اندهش العلماء لدى رؤيتهم النسيج الكوني المحكم في صورة جديدة تبين مدى الدقة والتعقيد في حبك هذه المجرات. إنها أكبر سحابة كونية تمت رؤيتها حتى الآن.
ويقول العلماء إنهم تمكنوا من التقاط صورة حقيقية لأول مرة تظهر جزء من النسيج الذي يربط المجرات. وعلى الرغم من المسافات البعيدة التي تفصلنا عن هذه الحبك الكونية، إلا أننا تمكنا من رؤيتها بفضل نجوم شديدة اللمعان يطلق عليها Flashlights أي المصابيح الكاشفة، فوجود مصباح لامع بالقرب من هذا الخيط الكوني وبفض الإضاءة الشديدة رأى العلماء قسماً من هذا النسيج المبهر.
عندما ننظر إلى السماء في ليلة صافية نرى هذا المشهد، إنه جزء صغير جداً من مجرتنا (درب التبانة) والتي تحوي أكثر من مئتي مليار نجم. إنها جزء صغير من الكون الذي يحوي أكثر من مئة مليار مجرة!!
هكذا تبدو المجرة من قريب.. قرص يحوي مليارات النجوم تتركز معظم النجوم في المركز وتدور بحركة عنيفة وسريعة جداً… مئات الآلاف من الكيلومترات في الساعة.. وعلى الرغم من هذه السرعة الهائلة للنجوم فإن النجم يستغرق ملايين السنين حتى يتم دورة كاملة حول مركز المجرة.. فتصوروا كم هذه المجرة ضخمة وكبيرة… وسبحان الله، إنها لا تكاد ترى عندما نبتعد عنها..
صورة لمجموعة من المجرات البعيدة التي تبعد عنا ملايين السنوات الضوئية.. هكذا تبدو المجرات من بعيد.. كل مجرة قد تكون أكبر أو أصغر من مجرتنا وتحوي مليارات النجوم…
وكل نقطة مضيئة تمثل مجرة في هذه الصورة.. وحتى عهد قريب لم يتمكن العلماء من رؤية الخيوط التي تربط هذه المجرات ضمن نسيج مذهل إلا بواسطة الحسابات والسوبر كمبيوتر.
صورة حقيقية للمصباح الكوني الكاشف Quasar الذي يضيء جزءاً من الخيط الكوني.
يقول الباحثون Sebastiano Cantalupo – Xavier Prochaska وفريق البحث من جامعة كاليفورنيا University of California إن الشعيرة الكونية المكتشفة تمتد لأكثر من مليون ونصف سنة ضوئية (السنة الضوئية الواحدة تساوي 9.46 مليون مليون كيلومتر) .. إنها مسافة هائلة جداً (تساوي عشرة أضعاف طول مجرتنا) ولكنها لا تكاد تساوي شيئاً أمام النسيج الكوني الذي يمتد لمليارات السنوات الضوئية.. سبحان الله خالق هذا الكون!
صورة لجزء من الكون يبلغ عرضه عشر ملايين سنوات ضوئية (بواسطة المحاكاة بالكمبيوتر) تظهر شعيرة كونية تربط بين المجرات.. ويقدر العلماء كمية المادة في الشعيرة الكونية (جزء صغير من الخيط الكوني) التي تم رصدها بأكثر من تريليون شمس!
صورة للحبك الكونية التي رآها العلماء من خلال عمليات المحاكاة بالكمبيوتر العملاق.. النقط الحمراء هي عبارة عن مجرات.. كل مجرة تحوي مليارات النجوم.. أما النقط الصفراء المتوهجة فهي تجمعات لمجرات، كل تجمع ربما يحوي عشرات أو مئات المجرات… سبحان الله، إن العقل يعجز عن الإحاطة بهذا النسيج.. فكيف بعقولنا إذا أرادت أن تتخيل من هو الله!! لذلك فإن أروع كلمة نرددها ويتجلى معناها في هذا المشهد هي "الله أكبر"..
يقول العلماء إن الكون يحوي ملايين الخيوط الكونية، وكل خيط يمتد لمئات الملايين من السنوات الضوئية وكل سنة ضوئية تساوي 9.46 تريليون كيلومتر… فكم هذا الكون كبير.. ولكن الله أكبر عز وجل!
في هذا البحث يتحدث العلماء عن عملية "بناء" حقيقية للكون في بداية خلقه، وليس انفجار عشوائي. فقد بدأت النجوم القديمة بالتشكل والتي بدورها تجمعت ضمن مجرات.. وبدأت ببث الضوء وبدأت السحب الكونية تتشكل من غاز الهيدروجين وتشكل جسوراً كونية تربط بين المجرات.. وبدأت ملامح لنسيج هائل تتشكل من خيوط وشعيرات كونية… وكل ذلك يحدث مع توسع الكون بهدوء .. إنها عملية منظمة جداً ومحكمة جداً.
كيف تناول القرآن هذا البحث العلمي؟
عندما نقرأ مثل هذا البحث في مجلة علمية شهيرة مثل مجلة الطبيعة وتاريخ نشر البحث هو بداية عام 2024 نتوقع أنه لا يمكن أن نجد مثل هذه المعلومات الحديثة جداً في كتاب قديم! ولكن المفاجأة أننا نجد بدقة مذهلة نفس المعلومات في القرآن الكريم الذي أنزل قبل 1400 سنة ولكن كيف؟
البحث يتحدث عن عملية بناء منظمة للكون مع عملية توسع تسير وفق نظام.. القرآن تحدث عن هذا البناء وعن هذا التوسع في آية واحدة، قال تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47].. ومعنى بأيد أي بقوة. وكما نلاحظ من البحث أن هناك قوى جاذبية هائلة تحكمت في بناء الكون.
البحث العلمي يتحدث عن الخيوط الكونية والنسيج.. وعن أول صورة لخيط كوني صغير (شعيرة كونية) والقرآن أشار إلى ذلك بدقة مذهلة في آية عظيمة يقول فيها تبارك وتعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]. ومعنى الحبك أي النسيج المحكم.
البحث العلمي تحدث وبالصور عن مصابيح شديدة الإضاءة كشفت لنا أكبر سحابة كونية يعود تاريخ تشكلها لمراحل مبكرة من خلق الكون (قبل أكثر من عشرة مليارات سنة) ..
القرآن يتحدث عن هذه المصابيح وعن سحب دخانية انتشرت بكثرة في بدايات خلق الكون.
قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) [فصلت: 11].. ثم يقول: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) [فصلت: 12]… سبحان الله، هذه الآيات وردت في أثناء الحديث عن بداية خلق الكون بشكل يطابق الحقيقة العلمية الحديثة.
ونقول بالله عليكم: ألا يدل وجود هذه الحقائق في القرآن على أنه كتاب الله؟!
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل