من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
عاش طفولة غريبة حيث مات أخوه وأخته غرقا.iiii
وحين بلغ راسبوتين الثلاثين من عمره كان زوجا وأبا لأربعة أطفال، إلا أن ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائما ما يتناقض وأصول الحياة العائلية التقليدية. وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان نقطة تحول في حياته، هرب على أثرها من القرية ولاذ بأحد الأديرة حيث اتخذ صفة الرهبانية التي لازمته بعد ذلك طيلة حياته.
ومع تأثره بتجاربه الروحانية ، رحل راسبوتين عن قريته ليصبح مسافرا جوالا في أنحاء روسيا وخارجها. وخلال هذه الرحلات لم يغتسل أو يبدل ملابسة لفترات بلغت عدة أشهر، وكان يرتدي قيودا حديدية زادت من المعاناة. وقد شملت هذه الرحلات الدينية الشاقة رحلة إلى جبل اثوس باليونان وساعدته على اكتساب أنصار ذوي نفوذ مثل " هيرموجن، أسقف ساراتوي".
وأثناء فترة تجواله، أصبح راسبوتين تحت تأثير طائفة متطرفة غير شرعية تعرف باسم خاليستي، وتنزع إلى الجلد والممارسات الجنسية. ولعل سمة الجمع الشاذ بين الورع والأفعال الجنسية غير الشرعية، وخاصة الفاضح منها، هي التي شكلت القاعدة التي ارتكزت عليها ممارسات راسبوتين الدينية فيما بعد. فلم تفارقه أبدا فكرة أن الفرد يمكن أن يصبح أكثر قربا من الله إذا ارتكب عمدا ذنبا شهوانيا ثم تاب توبة نصوح.
نفوذ وشهرة
ومثلما ذاع صيت راسبوتين، خلال جولاته التي استقطب فيها إعجاب الأرستقراطيين ورجال الدين، ازدادت أيضا قوة يصيرته. ففي إحدى المناسبات، ظهرت له السيدة مريم العذراء وحثته على الذهاب إلى سان بطرسبرغ لمساعدة العائلة الملكية. وفي عام آلف وتسعمائة واثنين كان أول تحرك لراسبوتين باتجاه العاصمة، حينما زار مدينة كازان الواقعة بالقرب من نهر فولجا. وبدأ سريعا في تكوين أكبر مجموعة من الحواريين والمعارف على مستوى الطبقات العليا. ولم يعوقه عن ذلك عيناه المغناطيسيتان، ولحيته الطويلة القذرة، وشخصيته المشبوهة. إذ نظر"مجتمع موسكو المهذب" إلى راسبوتين باعتباره "مرشدا روحيا" أو (رجلا مقدسا).
جاهز للجني
وبحلول عام آلف وتسعمائة وثلاثة وصل إلى سان بطرسبرغ كلاما عن قوى صوفية قادمة من سيبريا ذات عيون وحشية مضيئة، ونظرة مجنونة. وبدا أن راسبوتين كان قد حدد موعدا لدخوله المجتمع الراقي في الوقت المناسب،. وقد ساهم في ذلك أن الطبقة الأرستقراطية كانت مولعة بمسائل السحر والتنجيم، و كانت عمليات تحضير الأرواح أمرا مألوفا.
وفي عام آلف وتسعمائة وخمسة قابل راسبوتين عالم لاهوت كان يعمل رئيسا لأكاديمية دينية وكاهن اعتراف للإمبراطورة، إلكسندرا فيودوروفونا. وقدم للبلاط من خلال تزكية مسئولي الكنيسة العليا وراهبتان سوداوتان الشعر – كانتا تعرفان باسم الغرابان- كانتا فعالتان بإمداد البلاط بالصوفيين. وكان للأسرة الملكية الروسية في الماضي تقليد استقبال الرجال المقدسين من أجل مناشدة تدخلهم بعدة طرق ، خاصة تلك التي تؤمن مولد ذكر يرث عرش روسيا.
حبيب ملكة روسيا
سجل القيصر نيقولا الثاني في مذكراته اللقاء الأول براسبوتين في الرابع عشر من نوفمبر عام آلف وتسعمائة وخمسة، قائلا "تعرفنا على غريغوري، رجل الرب، من أبراشية توبولساك". وبنجاحه المعهود مع النساء، ترك راسبوتين انطباعا عميقا لدى الإمبراطورة ألكسندرا فيوديوروفونا. إذ اقتنعت تماما بقدراته حين استطاع بإعجاز أن يخفف من المعاناة والنزيف الذي أصاب أليكسيس نيكوليافبتش، وريث عرش روسيا المريض بسيلان الدم قد ورثه عن أمة حفيدة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمي، والمرض الذي عاني منه ولي العهد، ومات به من قبل أخ الملكة، واثنان من أبناء الاخوة، وخالها، يبدأ بنزيف تحت الجلد، ثم يظهر ورم يتصلب، يتبعه شلل مصحوبا بآلام شديدة. ولم يمضي وقت طويل منذ أثبت راسبوتين قوته الخارقة للأكسندرا، حتى أصبح مستشارها الشخصي المؤتمن على أسرارها، يزورها في القصر في موعد أسبوعي محدد.
حياة غير مقدسة
وبذيوع شهرة راسبوتين، نجح في جذب المزيد من الأنصار من جميع الطوائف الاجتماعية. وقد تطوع هؤلاء " البلهاء" كما كان يطلق عليهم "لارتكاب الخطيئة من أجل التطهر من آثامهم" مع رجل بدوا عاجزين أمام جاذبيته.
تحت المراقبة
يزغ نجم الراهب راسبوتين في سان بطرسبرغ، وبالمثل زاد عدد أعدائه. إذ رآه كثيرون خارج حدود البلاط يحيا حياة السكر والعربدة، وغالبا ما يكون بصحبة العاهرات. وحين علم مسؤولون سياسيون كبار بهذه الشائعات، كلفوا شرطة سرية بتعقبه.
تحالف الأعداء
وكان اثنين من أنصار راسبوتين السابقين هما راهب يميني متعصب يدعى ليودور، وهيرموجان أسقف ساراتوف، على اقتناع تام بأن راسبوتين ما هو إلا تجسيدا للشيطان. وفي عام آلف وتسعمائة وإحدى عشر استدرجاه إلى طابق سفلي حيث اتهماه باستخدام قوى الشيطان للقيام بمعجزاته وضرباه بصليب. وأبلغ راسبوتين الإمبراطورة بالواقعة وادعى أنهما حاولا قتله، ومن ثم تم نفي الرجلين. وفي السابع والعشرين من يونيو عام آلف وتسعمائة وأربعة عشر عاد راسبوتين إلى قريته في سيبريا. وفي اليوم التالي تلقى برقية، وبينما كان في طريقه لإرسال الرد هاجمته عاهرة سابقة مشوهة مجدوعة الأنف، تدعى شيونيا جاسيايا، بوحشية مستخدمة سكينا، دفعها ليودور لقتل راسبوتين.
الموت وإبليس
مدينة الشيطان
وبينما كان راسبوتين يتعافى في المستشفى من الطعنات التي أوصى بها ليودور، كان القيصر نيقولا يحشد قواته استعدادا للحرب العالمية الأولى، التي جلبت كارثة على وطنه، حيث فقد أكثر من أربع ملايين روسي أرواحهم. وبالعودة إلى سان بطرسبرغ ومع غياب القيصر، استطاع راسبوتين اكتساب المزيد والمزيد من القوى السياسية، وساهم في تعيين وطرد الوزراء. وبنفوذه الطاغي على قرارات القيصر السياسية، زاد اللوم الموجه للراهب السيبيري على المشاكل التي عانت منها البلاد، حتى أن مدينة سان بطرسبرغ أصبحت تعرف باسم " مدينة إبليس".
نبؤته بالقتل
وفي ديسمبر عام آلف وتسعمائة وستة عشر كتب راسبوتين خطابا للقيصر يتنبأ فيه بقتله. وعن قتلته المحتملين، كتب يقول" إذا قتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حيا لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أي من أولادك أو أقاربك، فسوف يقتلهم الشعب الروسي.. سأُقتل، لم يعد لي وجود في هذه الحياة. صلي أرجوك، صلي، وكن قويا، وفكر في عائلتك المصونة".
وبعد ثلاثة وعشرين يوم فقط، قتل اثنان من أقارب القيصر نيقولا الثاني راسبوتين. وبعد مرور تسعة عشر شهرا على مقتله، أعدم قيصر روسيا وعائلته بأيدي الثوار البلشفيين. فقد تزامن مع نبوءته أن حضر راسبوتين لمقابلة الأمير فيليكس يوسوبوي، الزوج لإيرينا ابنة أخ القيصر. وأراد يوسوبوي قتل راسبوتين، شأنه شأن ابنا عم القيصر الغراندوق ديميرتي بافالويتش، والسياسي فلاديمير بيرشيكفيتش. وتآمر الثلاثة معا على قتل راسبوتين والحفاظ على سلالة العائلة المالكة.
كعك وخمر
وفي ليلة السادس عشر من ديسمبر عام آلف وتسعمائة وستة عشر دعا يوسوبوي راسبوتين إلى قصر مويكا بحجة أن إيرينا التي يشاع عنها أنها أجمل امرأة في سان بطرسبرغ تريد مقابلته. وبينما كان ينتظر ظهورها، قدم رجل لراسبوتين كعك وخمر مدسوس بهما سما مميتا. وقد أصيب المتآمر بالهلع لما بدا من حصانة راسبوتين ضد السم، ولم يستطع يوسوبوي السيطرة على نفسه فنزع مسدسه وأطلق النيران على راسبوتين. وبصعوبة بالغة ترنح راسبوتين خارجا إلى ساحة القصر حيث كان بفالوفيتش وبيرشيكفيتش يستعدان للمغادرة، فأطلق يرشيكفيتش النيران ثانية على راسبوتين المترنح، وضرباه بهراوة وقيداه قبل أن يلقيا بجسده في نهر نيفا. وعندما تم العثور على الجثة بعد يومين دل تشريحها الذي كشف عن وجود مياه في الرئتين أن راسبوتين كان ما زال حيا عندما ألقى به في النهر. وكانت نهاية راسبوتين علامة على بداية النهاية للقيصر نيقولا والإمبراطورة ألكساندرا. فبعد عشر أسابيع فقط من وفاته، أطاحت الثورة الروسية التي اندلعت عام آلف وتسعمائة وسبعة عشر بأخر جيل من سلالة رومانوي. وبعد مرور أقل من عامين قامت فرقة معزولة بإعدام القيصر نيقولا وعائلته بأكملها في سيبريا. وبعد حوالي قرن ما زال السؤال مطروحا، هل كان راسبوتين معجزة حقيقية، أم نصاب بارع؟ سواء كان فلاح غامض، أم شيطان في جسد إنسان، فما زال إرث راسبوتين الأسود موجودا حتى الآن.
راسبوتين: حقائق
راسبوتين راهب روسي، " فاجر".
ألكسندرا كانت إحدى الحفيدات المفضلات للملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى، ابنة العم الثالثة للقيصر نيقولا. وكانت ألكسندرا واحدة من عدة حفيدات قضين بمرض سيلان الدم الذي توارث في العائلة ووصل إلى الأبناء.
كان القيصران نيقولا الثاني ووليم قيصر ألمانيا، الذي حاربت ضده روسيا، أبناء عمومة.
دارت الشائعات بأن راسبوتين ووأكسندرا فيدوريونا زوجة القيصر كانا قائدين للمجموعة المؤيدة لألمانيا وكانا يسعيان لسلام منفصل مع قوى مركزية لمساعدة الناجين من الحكم الاستبدادي الروسي.
في السبعينيات قدمت فرقة البوني إم الشهيرة عملا كوميديا جمعت فيه مآثر راسبوتين، " نظر إليه معظم الناس من خلاله بخوف ورعب، ولكنه كان بالنسبة لأطفال موسكو، شخصا محبوبا".
تقول إحدى النظريات المتعلقة بقدرة راسبوتين على وقف النزيف الذي أصيب به أليكسيس، ابن القيصر، بأنه استخدم التنويم المغناطيسي لإبطاء النبض، ومن ثم تقليل القوة التي تدفع الدم إلى الدوران في جسده.
فسر العلماء عدم تأثرة بالسم بمإصابته بنقصان الحمض المعوي ويقول البعض ان معاقرته للخمر ابطلت مفعول السم … ولكن انتشرت الاشاعات انه كان يتعاطى كميات ضئيلة من السم يوميا ليحمي نفسه في حالة ان حاول أحدا قتله..
كما اعتقد البعض ان قتله على يد العائلة المالكة كان نذير الشؤم لها والذي ادى إلى اندلاع الثورة وقتل جميع افراد العائلة على يد الثوار.
وكان لراسبوتين جاذبية هائلة للنساء وهذا هو السبب الرئيسى الذى اثار ضدة حفيظة الرجال بالولاية التى كان يقطنها وما ان يذهب الية اشد النساء اخلاصا الا ويوقعهن في الغواية بمحض ارادتهن وهذا هو الذى دعا أحد الامراء إلى ان يدس لة السم لقتلة الا انة لم يمت وفى نهاية الامر فقد تم قتلة غرقا في البحيرة الجليدية
تم الاحتفال بنبأ موت راسبوتين ونظر إلى القتلة على أنهم أبطال أنقذوا روسيا من نفوذ ألكساندرا الألمانية و الراهب المجنون راسبوتين.
نفي نيقولا قتلة راسبوتين، ومن العجب أن هذه العقوبة أنقذتهم في النهاية من السجن أو الاغتيال بأيدي البلشفيين.
قام الناس خلال ثورة فبراير عام آلف وتسعمائة وسبعة عشر بإخراج جثة راسبوتين وحرقها"
المعلق:
إنّها واحدة من أشنع جرائم القتل في القرن الماضي: قتل "غريغوري راسبوتين" في "سان بطرسبرغ" عام 1916.
كان "راسبوتين"، المعروف بفسقه ومجونه، يظن جاهلاً بأن الخطيئة تقرّبه أكثر إلى الله.
قدرته العجيبة على المعالجة أوصلته إلى قلب الحكم الملكي الروسي.
يُزعم أن "راسبوتين" سُمّم ثم أُطلق عليه النار وأُغرق. وقد دبّر له هذه المكيدة أحد الأمراء الروس وذلك بفعل الغيرة.
كالن:
ما يثير العجب هو اختفاء الجثة.
المعلق:
يشكّك المحقّق السابق "ريتشارد كالن" في الرواية التي سُلّم بها كحقيقة في مقتل "راسبوتين".
كالن:
ثمة أمر يشوب وقائع الجريمة والتفاصيل أيضًا، ما يدفعني إلى التفكير في وجوب النظر بدقّة أكبر إلى كيفية موت "راسبوتين".
المعلق:
فقد رفع النقاب عن معلومات جديدة تربط بين المخابرات الإنكليزية ومقتل "راسبوتين".
كالن:
هذا دليل يثبت تورّط الإنكليز في تدبير المكيدة لـ"راسبوتين".
المعلق:
اليوم وبعد مرور تسعين عاماً، يعيد برنامجنا فتح ملفّ القضية لمعرفة من قتل "راسبوتين".
هذه الجثة المرضرضة والمكسّرة والمشوّهة جُرّت من نهر متجمّد في "روسيا" شتاء عام 16. إنّها جثة "غريغوري إفيمافيتش راسبوتين"
كان القائد "ريتشارد كالان" أحد ضباط دائرة المباحث الإجراميّة في شرطة "لندن". لقد قامت هذه الدائرة التي تدير تدريبات التحقيق في الجرائم المتطوّر والشرعية بالتحقيق في أشهر وأشنع جرائم القتل التي وقعت في "لندن".
بطلب من البرنامج وافق "كالان" على إعادة فتح الملف. يبدأ بالعودة إلى الجسر الذي رُميت من فوقه جثة "راسبوتين" .
كالن:
تشير الأدلّة المدوّنة والصور إلى أن الدماء غطّت الطريق والى وجود قدر كبير من الدماء والقشّ المغطّى بالدماء فوق حافة الجسر، كهذه الحافة.
أظنّ أن جثة "راسبوتين" وضعت هنا، بعد ذلك رميت جثة "راسبوتين" إلى مياه نهر "نيفكا" الجليدي. عُثر في اليوم التالي على آثار الدماء وعلى فردة حذاء "راسبوتين" ولكن استغرق الأمر يوماً آخر لإيجاد الجثة.
المعلق:
لـ"ريتشارد كالن" علاقات وطيدة بالشرطة الروسية. لقد كان خلال الأعوام السبعة الماضية عضواً في الشرطة التي بادرت الحكومة البريطانية إلى إرسالها إلى "بطرسبرغ" عبر الفيدرالية الروسية، وقد كان يساعد الروس في تدريب المحقّقين على تقنيّات شرعية متطوّرة.
هذا هو أرشيف الدولة الروسية. هنا تحفظ ملايين الوثائق المهمة منذ قرون بما فيها ملف اغتيال "راسبوتين".
لقد حاز "كالن" على الإذن بالإطلاع على هذا الأرشيف، حاملاً الملف الأصلي لقضية الاغتيال يبدأ رحلته لكشف حقيقة اغتيال "راسبوتين".
كالن:
الأمر مذهل إنّها الوثائق الأصلية التي كتبت في الأيام التي تلت اختفاء "راسبوتين" وإيجاد جثته لاحقاً. إنّه أساسي في التحقيق إنّها بداية الطريق إنّه الإثبات الذي سيعطينا فكرة عن المكان الذي يجب أن نبحث فيه عن معلومات استخباراتية إضافية متعلّقة بعملية الاغتيال.
المعلق:
يتبع التحقيق في أي جريمة قتل نمطاً معيّناً. الهدف هو معرفة وسيلة القتل وحافز القاتل ومصلحته.
إن مهمة "كالن" هي جمع معلومات عن الضحية.
كالن:
إن ضحيّتنا هو "غريغوري راسبوتين". قُتل بوحشية بعمر سبعة وأربعين عاماً في كانون أوّل 16 فما الذي نعرفه عن "راسبوتين" وحياته؟
المعلق:
وُلد "راسبوتين" في قرية سيبيرية منعزلة، كانت عائلته مكوّنة من مزارعين أميّين. كان شابّاً طائشاً فعادةً ما كان يشرب الكحول كما كان يُتّهم بالسرقة.
لكن حياته انقلبت فجأة بعد أن قضى عدة أشهر في أحد الأديرة. وكانت بداية لحياة جديدة كرجل دين نصراني. من بين القوى التي ادّعى التحلّي بها كانت قدرته على معالجة المرضى.
بعد أكثر من عقد من الوعظ ذاع صيته في العاصمة "سان بطرسبرغ" التي دخلها أخيراً عام 1903.
أصبح الراهب الغامض أحد مشاهير "سان بطرسبرغ". كان موضوعاً مشوقا في الأخبار والموضوع المفضّل لدى الصحافة المحلية. بدأ ينخرط في أعلى طبقات المجتمع في "سان بطرسبرغ". هذا ما مهّد له الطريق إلى العائلة المالكة في "روسيا".
بعد أن تعرّف إلى القيصر "نقولا" وزوجته الإمبراطورة أصبح "راسبوتين" من زوّار القصر الدائمين. كان "ألكسي" ابن القيصر الوحيد ووارث العرش يعاني من مرض تميّع الدم أي من نوبات نزيف مستمرّ كان ليقتله في أي وقت.
وسط شعورها بالحزن أصبحت الإمبراطورة شديدة الثقة بـ "راسبوتين". فقد صدقت قدراته المزعومة.
وكان "راسبوتين" يستدعى مباشرة إلى جانب الصبيّ كلّما أصابته نوبات النزيف، وقد تبيّن أنّه أنقذ الصبيّ من الموت مراراً بإذن الله تعالى.
كالن:
وهكذا كان "راسبوتين" يكتسب مزيداً من السلطة. لقد بنى علاقات مع المجتمع الروسي وبدأ يكوّن له تأثيراً سياسياً. ولكن ماذا عن حياته الشخصية؟.
منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى "سان بطرسبرغ" كان له تأثيراً قويّاً على الطبقة الأرستقراطية. كانوا كلّهم يقفون إلى جانبه. وقد ناسبه ذلك تماماً.
المعلق:
لم يُعجب "راسبوتين" بنساء الطبقة العليا من المجتمع. دارت إشاعات تشهّر بزياراته المتكرّرة لأماكن مشتبه فيها بالمدينة حيث كان يمارس شبقه ومجونه.
كان لدى "راسبوتين" ولع باحتساء الكحول، وسرعان ما ذاع صيته كسكير فاسق.
لكن تصرفاته هذه بدأت تقلب الصحافة ضدّه. وقد بات بطل الكاريكاتير السياسي كان يظهر كمتلاعب مجنون وحقود بالعائلة الروسية الحاكمة التي ترعاه.
وبدأ أعضاء البرلمان المبغضين له ينعتونه بـ"القوى السوداء"، وما لبث أن أصبح الوضع خطيراً لدرجة أن وُضع "راسبوتين" تحت رقابة شرطة القيصر السريّة "أوكرانو" لمدة أربع وعشرين ساعة.
كان الوضع السياسي في روسيا دقيقاً. مع حلول العام 1916 كانت "روسيا" على حافة الثورة. وقد كانت الحرب العالمية الأولى مشتعلة بعد مضي سنتين على نشوبها. كان آلاف الجنود الروس يقاتلون الألمان في نزاع مر.
كانت "روسيا تتعرّض للهجوم على الجبهة الشرقية وهو خط امتد أكثر من ألف ميل من الشمال إلى الجنوب.
لم تكن الحرب تسري لصالح "روسيا". وقد بات الوضع خطراً لدرجة أن القيصر تولّى قيادة المعارك بنفسه. أي إنّه ابتعد عن "سان بطرسبرغ" وترك تولّي أمرها لزوجته الإمبراطورة.
بوجود القيصر خارج العاصمة حاز "راسبوتين" اهتمام الإمبراطورة كاملاً. ادعى بأنه متحمّس لإنهاء قتل الروس العاديين معارضاً بذلك وجهة نظر الأرستقراطيين الداعية للحرب.
كالن:
في هذه المرحلة لم يكن "راسبوتين" يسعى إلى مصالحه الخاصة ولم يكن يكسب صداقة أي من الأرستقراطيين. وكان تقريباً عضواً من حرم العائلة المالكة وقد حاز على إذناً مفتوح في التعامل مع القيصر وزوجته. مع الوقت أصبح ذا سلطة وقد عيّن أصدقائه في المراكز العليا في الحكومة والكنيسة على السّواء. وقد كان للنبلاء الحق في الاحتراز منه.
كان "راسبوتين" يجرف بقوّة أساس قوّتهم.
المعلق:
يبدو كافياً الحافز الأرستقراطي لتدبير مكيدة له. فمن بدأ كراهب بات صاحب سلطة واسعة. إن ثاني خطوة من التحقيق تتمثّل بمراجعة الأحداث التي وقعت ليلة تنفيذ الجريمة كما ذكرت في الرواية المزعومة.
سيزور "كالن" موقع الجريمة قصر "يوسوبوف" الذي كان عام 16 منزل الأمير "فيليكس يوسوبوف" الذي اعترف باقترافه الجريمة.
كانت عائلة "يوسوبوف" إحدى أغنى العائلات في "روسيا". كان غناهم الفاحش هذا سبب شعورهم بخطر مركز "راسبوتين" الذي كان يقوى أكثر فأكثر.
يشكّّل موقع لجريمة اليوم معلماً سياحيًّا جاذبًا.
كالن:
إنّنا ندرس "فيليكس يوسوبوف" الآن. بحسب الرواية المزعومة هذه هي غرفة المتآمر. في هذه الغرفة كان يجتمع المتآمرون الأربعة الآخرون.
يجلس إلى يميني "بوراسكافيش" أحد أعضاء البرلمان الروسي، وإلى يميني إلى جانب الباب يجلس الدكتور "لازافرت". كان دوره في هذه المكيدة أن يدسّ السمّ في قطع الحلوى الذي كان "راسبوتين" سيتناولها بحسب ما زُعم.
على الناحية الأخرى من الطاولة كان يجلس الدوق العظيم "ديميتري بافلوفيتش" القريب المفضّل لدى القيصر وقد كان في أحد الأيام خطيب كبرى بنات القيصر.
إلى جانب النافذة كان يقف الملازم "شاكوتين" الذي لا نعرف عنه سوى أنه صديق مقرّب من "فيليكس يوسوبوف".
المعلق:
لقد حصلنا على هذه الرواية المزعومة حول مقتل "راسبوتين" من مذكّرات الأمير "فيليكس يوسوبوف" .
يوسوبوف:
كانت الأفكار تدور في رأسي خلال زيارتي الأخيرة لـ"راسبوتين". كان هدفي إبقائه في مزاج جيّد وإبعاد الشكوك عنّي.
المعلق:
لقد صادق الأمير "يوسوبوف" "راسبوتين" ليجرّه إلى منزله من دون حرّاس.
يوسوبوف:
لقد شعرت بالقرف والخزي من الأسلوب الخبيث الذي تبعته لاستدراج هذا الرجل إلى منزلي، حين دخلنا إلى البيت سمعت أصوات أصدقائي.
المعلق:
لقد انتظر المتآمرون في الأعلى. وفي الطابق السفلي كانت قطع الحلوى والنبيذ مشبعة بالسم.
يوسوبوف:
تساءلت هل يشكّ بشيء؟ ثم قرّرت أنّه مهما كان الأمر فيجب ألا يخرج من البيت حيًّا. توقّف "راسبوتين" ليسمع. "ما الذي يجري؟" لدى زوجتي بعض الضيوف. سوف يغادرون قريباً.
حملت صحن الحلوى وناولته إيّاه. كان في رأسي فكرة واحدة هي أن أدفعه إلى الشرب من أحدى الكؤوس المسمّمة والأكل من الحلوى المسمّمة أيضاً.
قال لي: إنّها حلوة جدّاً، وقفت أمامه مراقباً كلّ حركة كان يقوم بها متوقّعاً أن تكون إحداها حركته الأخيرة. نظر إليّ فبدا لي أنه يقول :أترى، مهما حاولت لن نتمكن، من إيذائي.
المعلق:
بدا أن السمّ لم يأخذ أي مفعول. هرع "يوسوبوف" مذعوراً إلى المتآمرين معه حاملاً الخبر وقد خشي من قدرات "راسبوتين" الغامضة التي كان يؤمن بها.
يوسوبوف:
قلت لهم: لم يُعطِ السمّ أي مفعول. وبدأنا بمناقشة الخطوة التالية. أخيراً أخذت مسدسي من غرفة الطعام. شعرت بصاعقة من البرق تعبر جسدي، كان الأمر مفاجئاً بالنسبة إلي.
المعلق:
عاد "يوسوبوف" إلى غرفة المتآمرين راضياً بإنجاز المهمة. ولكن حين سألوه عمّا إذا كان "راسبوتين" قد مات بدأ "يوسوبوف" يتساءل عمّا إذا كانت الرصاصة التي أطلقها عليه قاتلة.
يوسوبوف:
ضربني فجأة شعور ينذرني من شيء ما. كانت لديّ رغبة قويّة بالنزول إلى غرفة الطعام، أردت أنا أرى "راسبوتين" جثة هامدة.
كالن:
إلى هنا تبدو مذكّرات الأمير "يوسوبوف" معقولة.. ولكن من هنا تبدأ الأمور تتعقّد. يقول "يوسوبوف" إن أحد المتآمرين وهو "فلاديمير بوروسكافيتش" أصبح الآن أكثر تورّطاً بالمكيدة.
يوسوبوف:
كانت عينا "راسبوتين" الخضراوان المرقّطتان كالأفعى مثبتتان نحوي. حاولت أن أبتعد لكن ملقاطاً حديديّاً تمسّك بي بقوة هائلة. ركضت إلى الأعلى لأنادي "بوروسكافيتش" تحرّك "راسبوتين" للمرة الأخيرة نحو الباب. كان كحيوان مجروح. لحق به "بوروسكافيتش" مسرعاً.
كالن:
إذاً لدينا الآن مسدسين وقاتلين. لقد كتب "بوروسكافيتش" أيضاً عن أحداث تلك الليلة. وقارنت بين مذكّرات الرجلين ووجدت عدداً هائلاً من الفوارق الأساسية والمهمة.
أمّا الأمثلة على هذا فهي أن "يوسوبوف" يقول أنّه عاد إلى الغرفة توجّه إلى طاولته أخذ من الدرج رصاصة. يقول "بوروسكافيتش" في ما يلي أنّه بعد أن أطلق النار على "راسبوتين" في الحديقة وقف إلى جانب الجثة مدة دقيقتين. لم يرَ "يوسوبوف".
أمّا "يوسوبوف" فيقول أنّه كان موجوداً في الحديقة. هذه الاختلافات تدفعنا إلى عدم أخذ كلام هذين الرجلين بالحسبان.
إن هذا التناقض الذي ورد في مذكرات الرجلين دفعني إلى أن أدقق أكثر في تفاصيل الجريمة.
المعلق:
بسبب عدم وجود جثة ليتم فحصها ثاني أفضل خطوة يقوم بها المحقق هي الوصول إلى صور الجثة. يُحتفظ بتسجيل كامل لها في معرض "سان بطرسبرغ" للتاريخ السياسي.
وعلى الرغم من نشر بعض الصور لم تنشر المجموعة الكاملة أبداً.
كالن:
ما يثير العجب اختفاء الجثة فلم يعثروا عليها إلاّ بعد ستة وثلاثين ساعة من وقوع الجريمة. إذا قارننا بين هذه والصور التي أُخذت بعد إخراج الجثة من نهر "نيفكا" المتجمّد، كان جسده متجلّداً. كان من الأفضل لو أُخرج في فترة أقصر من هذه الفترة.
معي مجموعة من مصوّري مواقع الجرائم، تبيّن الصورة الأولى جرح الرصاصة إلى الجهة اليسرى من الجثة مباشرة تحت الصدر وهو مشابه للرمية التي قال "يوسوبوف" إنّه أطلقها في البهو.
الصورة الثانية تبيّن جرح الرصاصة إلى الجهة اليمنى من ظهر "راسبوتين" وهي تتماشى مع الطلقة التي قال "بوروسكافيتش" إنّه أطلقها في الحديقة.
ولكن عند المراقبة عن كثب تدلّ الصور والعلامات حول حافّة الجرح على أن إطلاق النار كان عن قرب. ما يعني أن الجرح لا يتطابق مع وصف "بوروسكافيتش".
كان "بوروسكافيتش" قد أبعد "راسبوتين" عن الحديقة حين أطلق عليه النار.
المعلق:
يواجه "كالن" الآن أدلّة لا تفسير لها مطلقاً.
كالن:
الجرح الثالث كان على جبهة "راسبوتين". لم يذكر "يوسوبوف" ولا "بوروسكافيتش" أي شيء عن جرح في الجبهة.
المعلق:
بما أن الاثنين لم يذكرا شيئاً عن إصابة في الجبهة فما حقيقة هذا الجرح الثالث؟
حان الوقت للاستعانة بالروس.
خلال سنوات عمله في أكاديمية الشرطة في "سان بطرسبرغ" عثر "كالن" على بعض المحقّقين الشبّان الواعدين. من بين أفضلهم "إليا غافرينول" الذي اختاره "كالن" للمساعدة في التحقيق.
يعتقد "كالن" الآن بوجود مسدس ثالث مجهول من الممكن أن يكون قد استعمل فيء الجريمة.
ما يحتاج إليه هو دليل أكثر حسماً يساعد في إثبات نظريّته.
توجّه "كالن" و"إليا" إلى "موسكو".
كشف "إليا" عن قصة تشير إلى أن الأخصائي البروفسور "فلاديمير زهاروف" قد قام بدراسة مفصّلة عن مقتل "راسبوتين" منذ عشرة أعوام. كواحد من أهم المحققين في "روسيا" كان لـ"زهاروف" الحق بالإطلاع على كل الوثائق المتعلقة بالجريمة. لكن تقريره لم يُنشر يوماً. لكن إليا" علمت بأنّه تحدّث عن إمكانية وجود مسدس ثالث يورّط قاتلاً ثالثاً.
كالن:
حضرة البروفسور لقد قرأت في ترجمة تقريرك أنّك واثنين من زملائك أعدتم التحقيق بمقتل "راسبوتين" . كما يقترح التقرير ضلوع شخص ثالث في الجريمة. هل لي أن أعلم كيف توصّلت إلى هذه النتيجة؟
المعلق:
أخبر البروفسور "زهاروف" "كالن" أن القياسات المجهرية لثقوب الرصاصات تثبت أن الرصاصات الثلاثة كانت من قياسات مختلفة. كلّها إشارات إلى وجود مسدس آخر.
كالن:
كنت استمع إليهم بانتباه شديد.
المعلق:
مقتنعاً بأن "يوسوبوف" و"بوروسكافيتش" لم يقتلا "راسبوتين" استنتج "زهاروف" ضلوع شخص ثالث في الجريمة.
كالن:
عندما سألته أيّ جرح نتج عن رصاصة المسدس الثالث أهو جرح الجبهة؟
قال لي: نعم على الأرجح إنّه الجرح وسط الجبهة، وهذا ما أكد لي وجود شخص ثالثًا شارك في الجريمة.
المعلق:
أكّد الأخصائي الروسي أن مسدساً ثالثاً أطلق الرصاصة التي في الجبهة، إن تصويب الرصاصة الثالثة مباشرة وسط جبهة "راسبوتين" يدلّ على وجود قاتل مستأجر.
إنّها سكة تعيده إلى "بطرسبرغ".
في زمن اغتيال "راسبوتين" كانت "سان بطرسبرغ" عاصمة روسيا، مع احتدام الحرب العالمية الأولى وصل إلى هنا جواسيس القوى العظمى لمراقبة الأحداث ولمحاولة التأثير عليها. كان للاستخبارات البريطانية قاعدة هنا.
يوشك "إليا" على كشف رابط بين الاستخبارات البريطانية ومقتل "راسبوتين".
إليا:
هل ترى هذا المبنى الأصفر الموجود أمامنا هناك "ريتشارد"؟ هذا هو قصر "يوسوبوف". وهناك يقع فندق "أستوريا" حيث كان مركز الاستخبارات البريطانية.
المعلق:
كما كشف "إليا" لـ"كالن" أنه حين اغتيل "راسبوتين" انتشرت شائعات تقول إن الاستخبارات البريطانية كانت ضالعة بتدبير المكيدة.
هل يُعقل أن من يبحث عنه "كالن" هو رجل انجليزي؟ تذكّر أن رجلاً إنجليزيًّا غامضاّ بان في موقع الجريمة بحسب مذكّرات "يوسوبوف".
تقول هذه المذكّرات أن رجلاً اسمه "أوسوالد راينر" وصل لحظة وقوع الجريمة. وصفه "يوسوبوف" بأنّه صديق التقاه في جامعة "أوكسفورد"، هل يعقل أن يكون هذا هو الرجل الثالث؟ وهكذا يعود "كالن" إلى "انجلترا" ليبحث عن "أوسوالد راينر".
سرعان ما اكتشف أن أحد أقرباء "أوسوالد راينر" هو "غوردن راينر".
كالن:
كان شخصاً غامضاً بعيداً عن الناس. لم يكن يتكلّم حتى مع أبناء جيله في روسيا. من المعروف اليوم أنّه كان يعمل مع الاستخبارات البريطانية.
للأسف لقد أحرق أوراقه كلّها كي لا يبقى في سجلاّت العائلة ما يشير إلى ما كان ينوي فعله، لقد كان رجلاً غامضاً وحذراً فيما يفعله.
حين توفّي عرفنا حين نعتنا قريبة أمّه، وقد قرأنا تفاصيل موته في الصحف، وقد عرفنا أن "أوسوالد" كان في القصر ليلة مقتل "راسبوتين".
لقد شغّل "غوردن راينر" أجهزة الإنذار. فواقع أن عمّه كان رجل استخبارات في "سان بطرسبرغ".
لقد علمنا أنه كان يعمل مع الاستخبارات البريطانية.
يبقى السؤال الكبير لماذا أحرق أوراقه كلّها عن حياته في "روسيا"؟ وماذا كان فيها يا ترى؟ أظنّ أن ما عليّ القيام به هو البحث في سبب وجود الاستخبارات البريطانية في سان بطرسبرغ" في ذلك الوقت.
المعلق:
"أندرو كوك" هو خبير في تاريخ الاستخبارات البريطانية. أراد "كالن"أن يعرف ما إذا كان "أوسوالد راينر" وزملائه مهتمّين بـ"راسبوتين" .
كوك:
بالطبع كانوا مهتمّين لأمره خاصة بعد أن لاحظوا تأثيره الكبير على القيصر وزوجته وفي المحكمة الروسية ودوره الكبير في اتخاذ القرارات الروسية. ونعلم من خلال وثائق محطة الاستخبارات في "بطرسبرغ" أنّهم يشيرون إلى "راسبوتين" في تقاريرهم بالرمز أو بعبارة "القوى السوداء".
كالن:
من بحثك المفصّل هل كان بين رجال الاستخبارات في سان بطرسبرغ" لاعباً أساسيًّا؟
كوك:
أظن أن أحد أهمّهم كان "جون سكايل". يبدو أنّه كان على صلة بالطبقة العليا في المجتمع الروسي على مستوى المحكمة والحكومة وعلى المستوى الدبلوماسي.
كان يفضّل أن يقوم بالأمور بنفسه. لذا أعتبره من اللاعبين الأساسيين. توفّي عام 47 لكن له ابنة لا تزال حيّة يبلغ عمرها تسعين عاماً وهي تعيش الآن في "سكوتلاندا".
كالن:
أتساءل ما إذا كانت ابنة"سكايلز" تحتفظ بوثائق أبيها التي تعود إلى أيامه كعميل في الاستخبارات أو إذا كانت ستتذكّر أي شيء عن الموضوع.
ابنة سكايلز:
ذهب إلى "روسيا" وتعلّم الروسية، لكنني لا أظنّ أنّه كان يعمل مع الاستخبارات وقتئذٍ لكنّه عمل فيها فيما بعد. ثم أصبح على علاقة طيبة بالقيصر. بدا لي من أحاديثه أنه سكن في القصر فقد كان يعرف الجميع جيّداً.
كالن:
ما كان شعوره ناحية "راسبوتين"؟
ابنة سكايلز:
كان يقول إنّه لم يعرف أحداً بمثل شرّانيّته وبأنّك تشعر بشرّه أينما كان. أعلم أن أبي كان من بين الذين دبّروا لقتله. لم يكن هناك حين حصل الأمر فقد كان مع القيصر في مكان ما. لكنّه كان ممّن خططوا لقتله.
كان يقول إن "راسبوتين" مسيطر على قرارات القيصر الروسي والإمبراطورة.
كالن:
أنا مصدوم تماماً ممّا قالته "موريال"، لم أكن أظن أن الاستخبارات الروسية ضالعة بتدبير المكيدة لـ"راسبوتين" لكنّها كانت متأكدة جدّاً من تورّط أبيها.
ابنة سكايلز:
لقد كان مع الناس الذين خطّطوا لقتله، خطّطوا لقتله.
كالن:
ومدى كرهه لـ"راسبوتين"
ابنة سكايلز:
لم يتعرّف إلى أحد بمثل شّّّّّرّانيته، كان يعتبره ذكياً جداً.
كالن:
هذا يضيف إلى التحقيق اعتباراً آخراً. عليّ الآن أن أبحث عن الأسباب التي جعلت الإنجليز يرغبون بقتل "راسبوتين". أين كانت مصلحة الإنكليز في ذلك؟
المعلق:
بحسب تفسير "أندرو كوك" أن السبب مرتبط بسياسة الحرب العالمية الأولى.
كوك:
كان لدى الإنجليز شعوراً عامّاً ولدى الحكومة نظرة بأن "راسبوتين" يتمتّع بتأثير سلبي. فقد كان القيصر يأخذ برأيه وبنصائحه وينفّذها بحماسة شديدة.
المعلق:
كان القيصر في ذلك الوقت يقود جيوشه على الجبهة الشرقية في "سان بطرسبرغ" وكانت الإمبراطورة مستلمة زمام الأمور. استفاد "راسبوتين" من الوضع. ضغط عليها لتسحب روسيا من الحرب.
إنّ اتفاق سلام فرديّ يعني أمراً واحداً بالنسبة لبريطانيا وفرنسا وباقي دول الحلفاء وهو أن ألمانيا سوف تملك القدرة على توجيه ضربة قوية بنقل جنودها من الجبهة الشرقية إلى الجبهة الغربية.
لو نجح مخطط "راسبوتين" لكان حرّر ثلاثمائة وخمسين ألف جندي ألماني. وهو أمر كارثيّ بالنسبة إلى بريطانيا. مع ارتفاع احتمال حصول ذلك، كان أمام الاستخبارات البريطانية حلاً وحيداً.
كوك:
كان للرجال العاملين على الأرض كـ"سكايل" و"راينر" وجهة نظر قوية وخاصة حول تأثير "راسبوتين" فلابدّ من أنهم شعروا بأن تأثيره مضرّ وأن عليهم أن يتخلصوا من "راسبوتين" على الفور.
المعلق:
كان هدف الإنجليز من قتل "راسبوتين" يتضّح وقد كشف "أندرو كوك" عن أمر أقوى بكثير. فمن بين أوراق بحوثه ورقة مروّعة تحمل دليلاً جديداً: مذكرة سريّة بامتياز تعود إلى عام 1916.
كوك:
تعطينا المذكرة إثباتات رائعة مكتوبة بخط أحد رجال الاستخبارات في "سان بطرسبرغ" وهو "جون سكايل". تقول الورقة:
جون سايكل:
على الرغم من عدم سير الأمور وفق المخطط إلاّ أن هدفنا تحقق بنجاح. لاقى الجميع خبر موت "القوى السوداء" بسرور. "راينر" يتابع الأمر وسوف يزوّدكم بملخّص عند عودتكم.
كالن:
هذا أيضًا إثبات دامغ على تورّط الإنجليز في تدبير المكيدة لـ"راسبوتين".
لقد لاقى الجميع خبر موت "القوى السوداء" بسرور.
كوك:
من بين رجال الاستخبارات الذين علموا بالمكيدة رجل كان متورّطاً فيها هو "أوسوالد راينر".
جون سايكل:
"راينر" يتابع الأمر وسوف يزوّدكم بملخّص عند عودتكم.
المعلق:
كان "ريتشارد كالن" يتجوّل في المكان الذي بدأت به المكيدة ألا وهو فندق "أسطوريا" المركز السابق للاستخبارات البريطانية في "سان بطرسبرغ".
كالن:
هذا هو المكان الذي وضع فيه الإنكليز خطّتهم لقتل "راسبوتين". وهنا كان "أوسوالد راينر" عمل كرجل استخبارات مع المسئول عنه "جون سكايل". أعتقد أن العملية كانت عملية احتيال خبيثة نُفّذت بموافقة رسمية من الاستخبارات البريطانية.
بوجود "جون سكايل" خارج المدينة، أظنّ أن "راينر" كان الحاضر هنا ليلة الجريمة ليتأكد من القضاء على "راسبوتين".
المعلق:
من المركز السابق للاستخبارات البريطانية عاد "كالن" ماشياً إلى موقع الجريمة.
بعد كشف كل هذه الأدلّة سيكشف الآن عمّا جرى برأيه في ساعات "راسبوتين" الأخيرة.
أعلن "كالن" عن ارتيابه بصحة بعض ما ورد في مذكرات الأمير "يوسوبوف".
كالن:
أعتقد بأن الأمير "يوسوبوف" قد صعد في وقت معيّن إلى غرفة المتآمرين وأخذ رصاصة. وعاد بهذه الدراسة. هذا ما فعله "يوسوبوف":
أطلق "يوسوبوف" الرصاصة الأولى التي اخترقت معدة "راسبوتين" وبلغت كبده مسبّبة أذًى كبير. أمّا الرصاصة الثانية فقد أطلقت بحسب الخبير الأساسي عام 16 من الخلف عن مسافة قصيرة فأصابت الكلية، كانت إصابة مباشرة.
المعلق:
بحسب الرواية المزعومة فإن "بورويكافيتش" هو من أطلق الرصاصة الثانية عن بُعد. لكن الخبراء الشرعيين اليوم يقولون إنّها أُطلقت عن قُرب.
كالن:
أنا متأكد من أن الرصاصة الثانية أُطلقت عن قُرب وبما أنّها تلت الرصاصة الأولى بسرعة فإنّ مطلقها هو "بورويكافتش" في القبو.
إن كل من الإصابتين كانت لتقتل "راسبوتين" في غضون عشرة أو عشرين دقيقة. لابدّ من أن صدمة تلقّي رصاصتين متتابعتين أسقطته مباشرةً أرضاً.
المعلق:
بحسب الرواية المزعومة، فإن "راسبوتين" كان يتمايل عبر الحديقة محاولاً الهرب. لكن الصور الشرعية التي أخذتها الشرطة في تلك الأيام تشير إلى انجرار الدم من الباب.
كالن:
إن الطريقة المتوقعة التي نُقلت بها جثة "راسبوتين" إلى الحديقة كانت بأنّهم لفّوا جسده بقطعة قماش وجرّوه إلى الخارج معتقدين أنه مات. ثم حمله المتآمرون إلى مدخل الحديقة حيث كانت سيارة متوقّفة وجاهزة لنقله إلى نهر "نيفكا".
كان بالكاد حيّاً. كان ينزف بقوة من الجرحين. لمّا بلغوا البوابة أدركوا بأنّه حيّ لابدّ من أنّه أنّ أو تحرّك.
في تلك اللحظة، وصل رجل يحمل مسدساً مختلفاً عن الأوّلين وأطلق النار عليه فأرداه قتيلاً.
أعتقد أن "أوسوالد راينر" رجل الاستخبارات البريطاني هو من قتل "راسبوتين".
أظنّ أن بركة الدم هنا تدلّ على المكان الذي أطلق فيه "راينر" النار على رأس "راسبوتين" ليتأكد من موته نهائيّاً.
المعلق:
بعد أربعة عشرة شهر على مقتل "غريغوري راسبوتين" عقدت "روسيا" اتفاق سلام مع "ألمانيا". ولكن حينها كان خطر نصر ألمانيا على الجبهة الغربية قد زال. وهكذا يكون الهدف من قتل "راسبوتين" قد تحقّق.