هكذا أدبتني شريعة الحياة
إنَّ الإسلامَ هو الدينُ الكامل، والنعمةُ التامة، والشرعةُ والمنهاج لأمةٍ وسط، هي خيرُ أمة أخرجت للناس.
قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وقال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، وقال تبارك وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110].
وما اكتسبت هذه الأمةُ ذلك الفضلَ المبين، وتلك الخيريةَ المطلقة، إلا من خلال انطلاقها وَفق تعاليمَ وأُسُسٍ وقواعدَ ربانيةِ المصدرِ، حاكمة لكل شاردة وواردة في السلوك البشري، وتكوّن في مجموعها منهجَ حياة كامل شامل، ومنظومة متكاملة متناسقة متوازنة.
وما اكتسبت هذه الأمةُ ذلك الفضلَ المبين، وتلك الخيريةَ المطلقة، إلا من خلال انطلاقها وَفق تعاليمَ وأُسُسٍ وقواعدَ ربانيةِ المصدرِ، حاكمة لكل شاردة وواردة في السلوك البشري، وتكوّن في مجموعها منهجَ حياة كامل شامل، ومنظومة متكاملة متناسقة متوازنة.
إن الشريعةَ الإسلامية شريعةٌ متفردة في كل شيء، إنها شريعة وُجدت لتبقى، وأنزلت لتحيا ويحيا الناسُ بها، وشُرعت لتعيش ويعيش الناسُ في ظلها.
قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].
إنها شريعةٌ جاءت لتحققَ كلَّ مصلحة، وتدرأ كل مفسدة، تهبُ سعادةَ الدارين لمتبعها، وتصونُ دينَه ودمَه وعقلَه وعرضَه ومالَه ونسلَه، وتهذّب خلقَه وسلوكَه، وتسمو بروحه ونفسه، وترقى بوجدانه وشعوره، وتطهره من أدران الشرك والكفران، ورهج الفسوق والعصيان.
ومن تمام هذه الشرعة المباركة: أنها جاءت متوازنةً لم يطغَ جانبٌ فيها على آخر، ولم تذهب بانيةً معمرة في نواحٍ مورثةَ الخراب والدمار في نواحٍ أُخَر، ولا تنمي عضوًا وتغذيه في مقابل ضمور عضوٍ وذبوله، وإنما هو التكاملُ في الجوانب كافة، والتوازن في النواحي عامة، فما من مطلب مادي أو معنوي محترم إلا لبّته على أكمل وجه، وما من رغبة رُوحية أو جسدية مستقيمة إلا فسحت أمامها أهدى السبل للوصول إلى أكمل الغَايات.
لقد خاطبت الإنسانَ بكل ما يملك من جسد ورُوح وعقل وفكر وشعور ورغَبات وتطلعات، وعاملت المجتمعَ بكل عناصره: البر والفاجر، الذكر والأنثى، الكبير والصغير، القوي والضعيف، الغني والفقير، فلم تُغفل كبيرة أو تقصر عن صغيرة.
إنها ليست رهبانية منعزلة في الكهوف والجحور تتمردُ على الفطرة والطبيعة وتدعي مثاليةً زائفة تنهارُ تحت مطارقِ الواقع، وليست صرحًا ماديًا قد انسلخ من عباءة الإنسانية وأسَّس بنيانَه على شفا هوةِ الأهواء والشهوات، فانهار صريعًا تحت براثن الإلحاد والشهوة.
إن من تمام تلكم الشريعة: أنها احتوت في نفسها مقوماتِ بقائها، وسبلَ استمرارها، وطرائقَ انتشارها، وأسبابَ انتصارها، فجاءت أحكامُها بحيث تناسب كل مكان، وتلائم كل زمان، وتتوافق مع كل الأحوال، وتعددت أساليبُ نشر الشريعة وصيانتها فشملت القولَ باللسان، وإقامةَ الحجة والبرهان، وجهادَ السيف والسنان، مستمدة قوّتها من الحق الذي تصدر عنه وتدعو إليه.
ومن تمام هذه الشريعة: أنها لا تضطربُ معانيها، ولا تتباينُ مبانيها، ولا تختلف مقاصدُها، ولا تتناقضُ في كلياتها أو جزئياتها، بل هو ذاك النسق الرباني المتفرد في كل أحكامه جملة وتفصيلاً، وذلك التنظيم الإلهي الذي توافقت أجزاؤه تفريعًا وتأصيلاً.
ومن تمامها أيضًا: أنها ارتبطت في جُل أحكامها بالأخلاق الفاضلة العظيمة والآداب السامية الجليلة، ويظهر ذلك من وجوه كثيرة؛ منها:
أولا: تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها، والعمل على إصلاح ما أفسدته الجاهلية منها؛ فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"
أولا: تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها، والعمل على إصلاح ما أفسدته الجاهلية منها؛ فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"
وهذا يعني: أن حسن الخلق ركن الإسلام العظيم الذي لا قيام للدين بدونه.
ثانيًا: تعريف البر بأنه حسنُ الخلق، وهذا يدل على أن حسن الخلق جامع لكل أقسام الخير وخصال البر؛ فعن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: "البر حسنُ الخلق، والإثمُ ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
ثالثاً: أن حسنَ الخلق من أكثر ما يرجّح كِفة الحسنات ويثقل موازين الأعمال يوم الحساب؛ فعن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة"
ثالثاً: أن حسنَ الخلق من أكثر ما يرجّح كِفة الحسنات ويثقل موازين الأعمال يوم الحساب؛ فعن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة"
رابعًا: أن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم، ولكن أفضل المؤمنين في إيمانهم هم أحسنهم أخلاقًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا".
بل إن من أهم عناصر الخيرية المطلقة بين المؤمنين تحليهم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أخيركم أحسنكم خلقًا".
خامسًا: أن كل المؤمنين يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتمنون قربهم منه يوم القيامة، وأكثر المسلمين ظفرًا بحب رسول الله والقرب منه مجلسًا يوم القيامة هم الذين حسنت أخلاقهم حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم؛ ففي الحديث الشريف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة"، فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: "أحسنكم خلقًا".
سادسًا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بأن يحسّن خلقه -وهو ذو الأخلاق الحسنة- وأن يهديه لأحسنها؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "اللهم أحسنت خَلقي فأحسن خُلقي"، ويقول: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها؛ فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت".
بل إن من أهم عناصر الخيرية المطلقة بين المؤمنين تحليهم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أخيركم أحسنكم خلقًا".
خامسًا: أن كل المؤمنين يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتمنون قربهم منه يوم القيامة، وأكثر المسلمين ظفرًا بحب رسول الله والقرب منه مجلسًا يوم القيامة هم الذين حسنت أخلاقهم حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم؛ ففي الحديث الشريف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة"، فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: "أحسنكم خلقًا".
سادسًا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بأن يحسّن خلقه -وهو ذو الأخلاق الحسنة- وأن يهديه لأحسنها؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "اللهم أحسنت خَلقي فأحسن خُلقي"، ويقول: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها؛ فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت".
ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدعو إلا بما يحبه الله ويقربه منه، وهذا يدل على فضل الأخلاق العظيم.
سابعًا: مدح الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق؛ فقد جاء في القرآن الكريم في وصف النبي الكريم قوله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، والله تعالى لا يمدح رسوله إلا بالشيء العظيم مما يدل على عظيم منـزلة الأخلاق في الإسلام.
ثامنًا: كثرة الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع الأخلاق، أمرًا بالحسن منها، ومدحًا للمتصفين به، ومع المدح الثواب، ونهيًا عن القبيح منها وذمًّا للمتصفين به، ومع الذم العقاب، ولا شك أن كثرة الآيات في موضوع الأخلاق يدل على أهميتها.
ومما يزيد في هذه الأهمية: أن هذه الآيات منها ما نزل في مكة قبل الهجرة، ومنها ما نزل في المدينة بعد الهجرة، مما يدل على أن الأخلاق أمر جد مهم لا يستغني عنه المسلم في أي وقت، وأن مراعاة الأخلاق تلزم المسلم في جميع الأحوال فهي تشبه أمور العقيدة من جهة عناية القرآن بها في السور المكية والمدنية على حد سواء.
تاسعًا: كثرة الأحاديث في موضوع الأخلاق التي تمدح حسن الخلق إجمالاً وتفصيلاً، وتذم سيئ الأخلاق إجمالاً وتفصيلاً، وهذا يقطع بأهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام.
عاشرًا: على جهة التفصيل لم يترك الإسلام خلقًا صالحًا إلا ودعا إليه وأمر به ونهى عن ضده من الأخلاق الذميمة، فمثلاً أمر بالصدق والأمانة والكرم، ونهى عن الكذب والخيانة والشح والبخل؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا".
وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك "وعن سعد بن أبي وقاص: "إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجَوَدَة، يحب معالي الأخلاق ويكره سَفْسافَها".
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أن أباه سعدًا كان يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بهن: "اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن…".
وهذا الاهتمام التفصيلي -ومن قبله الإجمالي- بالحث على حسن الخلق يظهر المكانة العلية للأخلاق وارتباطها بشريعة الإسلام.
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أن أباه سعدًا كان يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بهن: "اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن…".
وهذا الاهتمام التفصيلي -ومن قبله الإجمالي- بالحث على حسن الخلق يظهر المكانة العلية للأخلاق وارتباطها بشريعة الإسلام.
حادي عشر: أن كثيرًا من الأخلاق الإسلامية دلت نصوصُ الشرع كتابًا وسنةً أنها مندوبة محبوبة لكونها مـن صفات الله عز وجل وأن الله سبحانه وتعالى يحبها ويحب فاعلها ويجزيه على هذا الخلق بمثله.
فالله كريم يحب الكرم ويحب الكرام ويكرمهم، وجواد يحب الجود ويحب الأجواد ويجود عليهم، ورحيم يحب الرحمة ويحب الرحماء ويرحمهم، ورؤوف يحب الرأفة ويحب من يتصفون بها ويرؤف بهم، وعفوّ يحب العفو وأهل العفو ويعفو عنهم… وهكذا دواليك.
فعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة، يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شُجْنة من الرحمن؛ فمن وَصَلَها وَصَلَه اللهُ، ومن قطعها قطعه الله".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني".
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال".
وكفى بالأخلاق شرفًا أن ترتبط بصفات الله، وأن تحظى بحب الله، وأن يحظى أصحابُها بثواب عظيم من جنس أخلاقهم.
ثاني عشر: أن هذه الأخلاق الحميدة كان رسولُ صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة لغيره فيها، فما أمر بخلق إلا وقدم التطبيق العملي في أرفع صوره لهذا الخلق، ولهذا اهتمت كتبُ السير والشمائل بتخصيص مباحث في دراسة خلق النبي صلى الله عليه وسلم نظريًا وعمليًا، وهذا يوضح مدى المكانة العلية للأخلاق في الإسلام.
ثالث عشر: أن الشريعة ارتبطت في كل أحكامها بالأخلاق، فلا تكاد تجد حكمًا واحدًا لا تظهر له علاقة جلية بخلق كريم، فإن كان حكمًا اعتقاديًا فإن الإذعان له يكون بدافع من قاعدة أخلاقية جذرية هي حب الحق وإيثاره، وإن كان حكمًا تعبديًا فإن موجبه طاعة من يستحق الطاعة، وشكر المنعم، وإيثار الحق.. وتلكم مكارم أخلاقية لا تخفى.
وأما أحكام المعاملات فتدور رحاها على قواعد أخلاقية أصيلة؛ كإقامة الحق وتحقيق العدل.
بل قد يبدو من العجب -بحسب الأعراف البشرية- أن تتحقق تلك العلاقةُ الأخلاقية ويبرز ذاك التلازمُ الأدبي حتى في ميدان المعركة الذي اعتاد فيه الجميعُ اعتبارَ الأسسِ الأخلاقية أوزارًا يجب التخلصُ منها، أو ربما مثالبَ ينبغي التبرؤُ منها والقضاءُ عليها.
ففي وقت سُودت فيه الصحائف بشعارات باردة واتفاقات جامدة سرعان ما تذوب كجبل الجليد تحت وطأة نيران أسلحة الدمار، كاشفةً عن الوجه القبيح لحضارة مزعومة ورقي مدعًى ومثالية مزيفة، قد أصاب أصحابَها فصام وتناقض فج بين أقوالهم المعسولة، وأفعالهم الأفنة الضاجرة بكل المثل والقواعد الأخلاقية، نجد شريعة الإسلام علَّمت المسلم كيف يكون خلوقًا في الحرب كما علمته مثل ذلك في السلم؛ لأنه حين يمسك سيفًا بيد يستمسك بروحه ووجدانه بحبل الله المتين الذي لا يقطع وصلاً بكل خلق كريم.
وحين يحمل سلاحًا فإنه يحمل في الوقت نفسه في قلبه ولاءً وانتماءً وانقيادًا لتلكم الشريعة الخُلُقية الطاهرة التي كتبت عليه الإحسان في كل شيء، حتى حين يقتل أو يذبح حيوانًا.
قال المعصوم –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
لا غرو إنها لجديرة أن تحترم وحرى أن تعظم وتجلّ هذه الشريعة الغـراء التي جاءت لتتمم مكارم الأخلاق، وتدعو لكل مبدأ راق، لكن ما يزيد التبجيل تبجيلاً والتعظيم تعظيمًا أن نرى تلك الشريعة داعية لمكارم الأخلاق مع الأعداء في ساحة الحرب والقتال التي توطأ فيها القيم وتداس فيها المكارم ويستحل فيها كل خلق ذميم، وتمهد الطرق للدناءة والخسة بأحكام مقننة وتشريعات منظمة.
لا غرو إنها لجديرة أن تحترم وحرى أن تعظم وتجلّ هذه الشريعة الغـراء التي جاءت لتتمم مكارم الأخلاق، وتدعو لكل مبدأ راق، لكن ما يزيد التبجيل تبجيلاً والتعظيم تعظيمًا أن نرى تلك الشريعة داعية لمكارم الأخلاق مع الأعداء في ساحة الحرب والقتال التي توطأ فيها القيم وتداس فيها المكارم ويستحل فيها كل خلق ذميم، وتمهد الطرق للدناءة والخسة بأحكام مقننة وتشريعات منظمة.
ثم إن من كمال هذه الشريعة وتمامها أيضًا: أنها لم تكتف بتحقيق الكمال في التشريع حتى قدمت مثالاً تطبيقيًا حيًا في أعلى درجات الشموخ هو نبي الله ورسول رب العالمين محمد المختار المصطفى –صلى الله عليه وسلم– الذي كان واقعًا مشاهدًا لتلك التعاليم العلية، وتطبيقًا محسوسًا لهذه الأخلاق السامية، وتوثيقًا عمليًا لكل ما احتوته هذه الشريعة من وصايا وأحكام؛ ليقطع كل سبيل للظن أنها أحكام حبيسة الصحائف لا تلبث أن تتحطم حين تصادمها أعاصير الواقع، ويُكشف عوارها وعجزها حيث تطأ ساحات التنفيذ.
ففي ثلاثة وعشرين عامًا قدّم الرسول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم البراهين الثابتة والحجج البينة والدلائل الواضحة على تمام هذه الشريعة علميًا وعمليًا، وما يصدر عنها من كل خلق كريم شهد به كل من له من الإنصاف نصيب، ولم يكن غريبًا نعتُ زوجه وأكثر الناس قربًا به عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه فقالت: "كان خلقه القرآن".
ولذا فإننا لنبلغ غاية التعظيم وقمة الإجلال لتلكم الشريعة حين نشهد هذه الأخلاق والمبادئ السامية واقعًا محسوسًا عمليًا في سيرة رجل هذه الأمة الأول وقائدها ومعلمها محمد صلى الله عليه وسلم.
فالسعيد الموفق من نال حظًا وافيًا من تعلم هذه السيرة العطرة، واجتنى من ثمارها اليانعة ما استطاع حمله، وكما قال ابن قيم الجوزية: "وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه وسيرته ونشأته ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل في عداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في هذا بين مستقلّ ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم"[23].
ومما سبق يتبين لنا بجلاء لا ريب فيه ولا دخن: أن الذين يرفعون عقيرتهم تطاولاً على تلك الشريعة الغراء وانتقاصًا لصاحبها ومعلمها، هم بلا شك قد جاوزوا حدود الإنصاف بل باينوها، وأبعدوا النجعة في مراتع الأكاذيب والجهالات، ومراعي الجور والضلالات، ساقهم إليها حادي الهوى المتبع، والشهوة المطاعة، والجهل المردي، وقد عميت أبصارهم عن نور الحق، وانطمست بصائرهم عن ضياء الوحي، قد ران على قلوبهم ما يكسبون، وغلفت أفئدتهم بما كانوا يعملون.
فعلى قلوبهم أكنة فهم لا يفقهون، قتلهم ظمأ الهوى وهم على مشارب الوحي في ورود وصدور، وإنها لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور.
ولله در القائل:
قد تنكرُ العينُ ضوءَ الشمس من رمدٍ … وينكرُ الفم طعمَ الماء من سقمِ
منقول للأمانة العلمية
والسلام