وما دام الإنسان الواحد المنفرد يتعرض للأمر والنهي، فأولى بالمجتمعين أن يكون بينهم أمر ونهي، سواء كانوا اثنين، أو أكثر من ذلك بقليل، أو مجتمعا كاملا، أو أمة. بيد أن هناك ثلاث حالات للمجتمعات في مجال الأمر والنهي:
الحالة الأولى:أن يتآمروا بالمعروف، ويتناهوا عن المنكر، وهذه هي الحالة التي وصف الله تعالى بها المؤمنين فقال (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) {سورة آل عمران، الآية:110}وقال سبحانه (والمؤمنون والمؤمنـات بعضهـم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر) {سورة التوبة،الآية:71}.
الحالة الثانية: أن يتآمروا بالمنكر، ويتناهوا عن المعروف، وهذه حال المنافقين (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) {سورة التوبة، الآية:67}.
وهنا وقفة مع سر بلاغي في الآيتين السابقتين، حيث قال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، وقال سبحانه: (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض)، وقد يتبادر إلى الذهن أن يكون التعبير: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض"."والمنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض"، لأن علاقة المؤمنين بعضهم ببعض أمتن وأقوى، فيعبر معها بـ"بعضهم من بعض"، ويعبر مع علاقة المنافقين بعضهم ببعض بـ "بعضهم أولياء بعض ".
والسر في هذا التعبير القرآنيّ – والله أعلم أن علاقة المؤمنين بعضهم ببعض علاقة اتفاق على الدين الذي يدينون به، ولذلك يتوالون فيه، وليست علاقة تناصر على الباطل.
أما المنافقون فهم لا يتوالون من أجل دين أو عقيدة، وإنما يتوالون ويتناصرون على الباطل، فكلما ذهب بعضهم إلى شيء وافقهم الآخرون وناصروهم، مهما كان ذلك الشيء.
الحالة الثالثة: أن يتآمروا ببعض المعروف، وببعض المنكر، ويتناهوا عن بعض المعروف، وعن بعض المنكر، فيقع منهم حق وباطل، ويلتبس هذا بذاك. وهذا هو حال المقصّرين والعصاة والمسرفين على أنفسهم.
وبناء على ما سبق نعلم أن المجتمع إما أن ينتشر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ينتشر فيه الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، أو يكون خليطا من ذلك.
وانحسار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع من المجتمعات ذو خطورة مضاعفة، على خلاف ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، فإن بعض الناس إذا رأوا غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ضعفه في مجتمعات المسلمين اليوم ظنوا أن المشكلة هي فقط أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد زال أو ضعف.
والواقع أن المشكلة أبعد من ذلك وأكبر، فإنه إذا ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوي الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، فالمصيبة مضاعفة.
وهذا أمر يشهد له الواقع. وإذا أردنا أن نمثّل لذلك فلنأخذ مثلا وضع الفتاة المتحجبة المتسترة في بعض مجتمعات المسلمين التي يشيع فيها التبرج والسفور، إننا نجد تلك الفتاة تعاني معاناة شديدة من الكلام والنظرات، سواء من الأبوين أو من الزميلات، أو من القريبات، أو من غيرهن
وذلك لأنها تسبح ضد التيار، إذ المنكر له قوة في ذلك المجتمع لأن المعروف فيه ضعف. فصار اتجاه المجتمع يضغط بشدة على كل من يخالف مألوفاته وعوائده مخالفة شرعية، ومن العجيب أن ذلك المجتمع يتفهم ويتقبل من يخالفه إلى تقاليد الأمم الكافرة وعوائدها ويعد هذا ضربا من التقدم و"التحضر" و "المعاصرة" وهكذا يصبح المعروف منكرا، ويصبح المنكر معروفا! إذن فوضع المجتمعات لا يقف عند حد، فإما أن يهيمن الخير والمعروف، فيستخذى المنكر، ويستسر ويستخفي لأن القوة الإجتماعية والسلطة السياسية تقاومه وتحاربه، وإما أن يسيطر وينتفش ويستعلي المنكر، فينحسر المعروف، ولذلك شرع في الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المصدر :موقع السنة