يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: 1]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن هذا الموضوع سيكون عبارة عن باقة مشكلة من أزهار قطفتها من محاضرات سلسلة شرح كتاب حقيقة التوحيد لفضيلة الشيخ محمد حسان، و ما ارتأيت كتابتها و نقلها إلا لأن ذلك يثبت المعلومة و يظل مرجعا نفيسا، فإن وقع التدوين على القلب و الذاكرة كمثل من يروي زهرة، ما دمت ترويها و تتعهدها ستظل يانعة يفوح عطرها بين أقرانها، كذلك تدوين العلم فإنه يثبت المعلومة في العقل و القلب حتى تنبت و تزهر و تعطي ثمارها بإذن الله.
و ما إن تتعود على إمساك قلم وورقة حتى يصير ذلك جزءا لا يتجزأ منك، تخشى أن تطير عن مسامعك كلمة رقراقة قد تحتاج إلى قراءتها و استنشاقها في يوم من الأيام، بعد أن تكون قد أبحرت بعيدا.
و إن كان التدوين عادة العلماء فكيف يكون حال العامة؟
نعم،إن العلم لا يقيد إلا بالكتابة
كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه
و كان الإمام أحمد بن حنبل يقول: مع المحبرة إلى المقبرة
و بعد هاته المقدمة هيا بنا لكي نستنشق هاته الأزهار الجميلة و نستمتع بأريجها العطر.
يتبع إن شاء الله تعالى
حسنا، كما قلت لننطلق لقطف أجمل الأزهار من هذا البستان، و لنتمتع بأريجها العطر.
و لكن قبل ذلك، قد يسأل سائل : ما أهمية الوقوف في بستان التوحيد؟ يجب علينا أن نقف في بساتين أخرى كبستان الجهاد أو بستان العمل أو بستان العبادات…
لماذا التوحيد؟ كل المسلمين يوحدون الله عز و جل، و ما داموا قد نطقوا الشهادتين فهم موحدون فلم نقف هنا، يجب أن نهتم بأمور أخرى…
و لعلك أيها السائل لا تختلف معي في أن الأمة أصبحت اليوم وراء الركب ببعيد بعد أن كانت الدليل الحاذق الأرب في الصحراء المهلكة والدروب المتشابكة، و أصبحت الأمة الآن تتسول على موائد الفكر والعلم و تتأرجح في سيرها.
1-لماذا هزمت الأمة؟ و لماذا ذلت الأمة؟ و لماذا و لماذا و لماذا؟
تتعدد الأسئلة و الجواب واحد:
لقد انهزمت الأمة لأنها ابتعدت كثيرا عن التوحيد بشموله و كماله، بصفائه ونقائه، على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، و حاشا أن يكون هذا اتهاما لأمتنا بالشرك، كلا كلا، و لكن ما أحوجنا إلى التوحيد كاملا شاملا.
نعم، إن الخطوة العملية الأولى على طريق النصر والسعادة والتمكين في الدنيا والآخرة هي تحقيق التوحيد.
2-كما أنه لا ينبغي أن تختزل قضية التوحيد في شرك القبور أو في الحاكمية أو في جانب التعليم أو الإعلام أو التربية…بل إن التوحيد كل وهو منهج حياة، كل هذا من التوحيد، فالإسلام كله عقيدة:
التوحيد أولا والتوحيد آخرا،
يجب أن يكون التوحيد في كل مرحلة من مراحل البناء، فالتوحيد لا ينتقل منه إلى غيره بل ينتقل معه إلى غيره.
التوحيد ابتداء والتوحيد انتهاء
التوحيد بشموله وكماله
التوحيد على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
3-لماذا التوحيد؟
إن أول ما دعا إليه الأنبياء والرسل جميعا هو التوحيد، لقد دعوا إلى إفراد الله تعالى بالعبودية، و أول ما حذروا منه هو الشرك بالله تعالى.
قال تعالى:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(النحل:36)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ [الأعراف:65]
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73]
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85].
4-لماذا التوحيد؟
هل تعلم أن التوحيد هو قضية القرآن الأولى وقضية الأمة الأولى؟
نعم، إن أعظم كتاب للتوحيد هو القرآن الكريم و هو أول كتاب يجب أن نتعلم منه التوحيد، بل إن القرآن من أوله إلى آخره في قضية التوحيد، حتى الشرائع فإنها تدخل في التوحيد.
قال تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]
فالقرآن الكريم:
+إما حديث مباشر عن الله جل وعلا، عن أسمائه الحسنى وصفاته العلا وهاته هي الغاية وهي أن يتعرف الخلق على الله لكي يعبدوه ويوحدوه ويفردوه بذلك.
و الجنة والنار و الأنبياء والرسل والكتب السماوية هي كلها من أجل هاته الغاية.
+و إما حديث عن التوحيد و من وحد الله تعالى وعن جزائه في الدنيا والآخرة.
+و إما حديث عمن أعرض عن التوحيد وأشرك بالله تعالى وعن جزائه في الدنيا والآخرة.
+و إما حديث عن مكملات الإيمان، فالأعمال (صلاة، صيام،…) من الإيمان، و لا يجوز أن نخرج الأعمال من حقيقة الإيمان، وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله بابا سماه الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فالإيمان يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية، و الإيمان قول وعمل، قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان*1
قال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه : ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال .2*
قال الإمام ابن القيم: الإيمان أصل له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيماناً، فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة، والحج، والصوم، والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل…إلخ. كتاب الصلاة لابن القيم ص 53. *3
5-لماذا التوحيد؟
هل تعلم ما حق الله عليك؟
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: ( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ ) ، فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ) ، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: ( لا تبشرهم فيتكلوا ) . رواه البخاري ومسلم.
*****************************
إضافات لم ترد في المحاضرة:
1-هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة على خلاف المرجئة الذين أخرجوا الأعمال فلم يدخلوها في مسمى الإيمان
و المرجئة أربعة أقسام:
– مرجئة الجهمية أو المرجئة المحضة: يعتقدون أن إيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب.
-الكرامية: الذين يقولون الإيمان هو النطق باللسان، فمن نطق بلسانه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو مؤمن عندهم، ولو كان مكذبا بقلبه
-والطائفة الثانية الماتريدية والأشعرية يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب
-مرجئة الفقهاء وهم من أهل السنة ويوافقون أهل السنة في المعنى دون اللفظ، وإن كان له آثار تترتب عليه.
-مقتطف من شرح كتاب أصول السنة للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي-
بارك الله فيكي يا ناصرة السنة
نسأل الله الواحد الأحد أن يثبتنا على توحيده حتى نلقاه
اللهم آجمعيـــــــن
وفيكي بارك الله اختي العفيفة بلبلة الجزائر
وفقك الرحمن لما يحبه ويرضاه ونصرك