المراد بهذه المسألة معرفة الحكمة التي قال لأجلها جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن).
فشبّه جابر رضي الله عنه تعليمهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الاستخارة والدعاء كما كان يعلمهم السورة من القرآن.
وقيل: ( وجه التشبيه عموم الحاجة في الأمور كلها إلى الاستخارة كعموم الحاجة إلى القراءة في الصلاة) (22).
أي كما أنه يحتاج إلى قراءة القرآن في الصلاة، فكذلك يحتاج إلى الاستخارة في الحياة.
هذا ( فيه إشارة إلى الاعتناء التام البالغ بهذا الدعاء، وهذه الصلاة لجعلها تلوين للفريضة والقرآن) (23).
ولعل هناك حكمة أكبر ومعنى أغزر في هذا التصوير والتشبيه وهي: عدم جواز الابتداع في صلاة الاستخارة وهيئتها بشكل عام، وألفاظ دعائها بشكل خاص، فلا تدخل الألفاظ المستحدثة، والأفعال المبتدعة فيها، ويجب الاقتصار على ما ورد النص به من قول وفعل.
فيكون المعنى والحكمة: كما أنه لا يجوز التغيير في القرآن عموماً ومطلقاً، فلا يزاد فيه، ولا ينقص منه، كذلك صلاة الاستخارة وألفاظها لا يزاد فيها ولا ينقص منها كالسورة من القرآن تماماً، والله أعلم.
وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فقد حذر من ذلك بإشارة لطيفة، ومع ذلك فقد استحدثت اليوم أنواع مبتدعة وجديدة للاستخارة، كاستخارة الكف والفنجان والأبراج وغير ذلك كما سيأتي طرحه في مبحث مستقل بإذن الله تعالى.
قال العلامة محمد بن عبد الله بن الحاج المالكي رحمه الله وهو يتحدث عن عدم جواز إضافة شيء إلى الاستخارة ليس منها، فبعد أن منع ذلك ونبه عليه قال: ( فيا سبحان الله ! صاحب الشرع اختار لنا ألفاظاً منتقاة جامعة لخيري الدنيا والآخرة حتى قال الراوي للحديث في صفتها على سبيل التخصيص والحض على التمسك بألفاظها وعدم العدول إلى غيرها ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ) والقرآن قد علم أنه لا يجوز أن يغير ولا يزاد فيه ولا ينقص منه، وإذا نص فيه على الحكم نصاً لا يحتمل التأويل لا يرجع لغيره) اهـ (24).
أو متى يبدأ وقتها ؟
المراد بهذه المسألة: تحديد الوقت الذي تشرع في الاستخارة، يبدأ وقت الاستخارة عند العزم على فعل شيء من الأشياء، والإقدام على أمر من الأمور المباحة.
ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق من رواية جابر رضي الله عنه حيث جاء فيه: ( إذا همّ ) ؛ أي: إذا قصد وعزم.
وقيل: إذا ورد على قلبه الخاطر للفعل أو فعل الشيء فإنه يستخير فيظهر له ببركة الدعاء والصلاة ما هو خير له.
ولكن الاستخارة عند العزم على الأمر والتصميم على فعله وقبل الشروع أرجح؛ لأن الخواطر التي ترد على القلب كثيرة، فلو استخار في كل ما بدا له وخطر على قلبه لضاعت عليه أوقاته.(25)
ومما ينبغي التنبه له أن المستخير حال استخارته ينبغي أن يكون خالي الذهن غير متعصب لأمر بعينه، أي: لا يميل لهواه ورغبته، بل يتجرد من ذلك ويكل الأمر لله سبحانه ليظهر له الخير فيما عز وأراد.
الحواشي:
(22) الفتح (11/220).
(23) المصدر السابق.
(24) المدخل (4/37 – 38).
(25) الفتح (11/220).
يتبع….