من روائع وصايا الآباء للأبناء
(الحلقة الأولى)
(مقدمة الوصايا)
إن الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فهذه طاقة عطرة من وصايا آباء أَلِبَّاء: صلحاء وأتقياء، وعلماء وحكماء، وأدباء وشعراء… يَقْدُمُهم الرسل والأنبياء [1].
إنْ كُلٌّ إلا بَعَج بطنَه لولده[2]؛ كي يكملَ أدبُه، وتحسنَ رِعَتُه، ويصير من النجباء النبلاء…
فمِن الأبناء مَن اتبع فاستقام، وكان منهم كهيئة الأصم لا يسمع أُذُنًا جَمْشًا[3]، فَعَشَا عن النصح عَشْوًا؛ فأضحى سَدْمَان ندمان.
ووصايا أولئك وإن كانت قليلة المباني، إلا أنها جمة المعاني.. وكلامهم يخرج كالضوء يتلالأ ينير القلوبَ ويجلو صدأها؛ لتعودَ كالمرآة المصقولة.. ويتدفق في النفوس كتدفق أمواه النهر تسري ساقية تَنَائِفَ وسَبَاسِبَ ومَهَامِهَ عِطاشًا لتُخرج نبتها كريمًا باسقًا، الأصل ثابتٌ، والفرع في السماء.. ويملأ جَعْبَةَ مَن كان خاليَ الوَفْضَةِ ليفيضَ مِن بعدُ على مَن وراءه..
وأنت -حفظك الله- قسيم في المعرفة بأنه لا يؤثر إلا المتأثر، ومَن نصح قلبه لله ومحضه؛ أقبل الله عليه بقلوب عباده وهيأها. فإذا كان اللسانُ قويمًا، وصاحبُهُ حَدُِثًا عليمًا؛ خط بالكلام على رَقِّ القلوب بمداد نوراني أذكى رائحة من المَيْعَة والحَبَق، فلا يزال يسطع فيها ويعبق؛ حتى يُفتح لها رِتاج ما استغلق عليها، وأعظم ذلك أن تلج باب الأنس بمعبودها، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
وصدق أبو عثمانَ عمرو بنُ بحرٍ الجاحظُ[4]إذ يقول [5]:
((أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكأن الله -عز وجل- قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة، على حسب نية صاحبه، وتقوى قائله.
فإذا كان المعنى شريفًا، واللفظ بليغًا، وكان صحيح الطبع، بعيدًا من الاستكراه، ومنزهًا عن الاختلال، مصونًا عن التكلف؛ صنع فى القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة.
ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة؛ أصحبها الله من التوفيق، ومنحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة.
وقد قال عامر بن عبد القيس:
((الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان)).
وقال الحسن وسمع متكلمًا يعظ فلم تقع موعظته بموضع من قلبه ولم يرق عندها، فقال له: (( يا هذا! إن بقلبك لشرًّا أو بقلبي )) انتهى.
ومع ذا فإذا أنت رأيت -خُطِّئَ عنك السوء- كلامًا تستحسنه قد سيق على لسان مَن فيه غميزة، فلا يجرمنك علمُ ذلك منه على ألا تنتفع، ولكن خذه، فلك غُنمه وعليه غُرمه، والحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها جذبها، ولا تنسَ قولَ ابنِ المقفع [6]: ((لا يَمْنَعَنَّكَ صِغَرُ شَأْنِ امْرِئٍ من اجتناءِ ما رأيتَ من رأيه صوابًا، والاصطفاءِ لما رأيت من أخلاقه كريمًا؛ فإن اللؤلؤة الفائقة لا تُهَانُ لهوان غائصها الذي استخرجها)).
وقال الحسن:
((لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج)). فقيل له: وإن كلام الحجاج ليقذك؟! قال: ((نعم، سمعته على هذه الأعواد يقول: إن امرءًا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خُلق له لَحَرِيٌّ أن تطول عليها حسرته)) [7].
وقبل أن أذكر ما انتقيته لك من وصايا أبعث برسالة إلى كل والد مكرم، فأقول:
رسالة إلى والد
أيُّهذا الأبُ الكريم!
ابنك فلذة كبدك، إن يك صالحًا كريم الجِرِشَّى؛ فمثل ثواب عمله يكون لك؛ فإنه من كسبك.
وهو أمانة لديك، فينبغي أن تقوم عليه في أدبه، وتنظر في أََوَده، وتلهمه حلمك، وتمنحه علمك، حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله، ويقوى نظره وفكره؛ ((فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته)).
ولله در مَن قال:
يجاري بالخطى مَن أدبوه
على ما كان عوده أبوه
وما نَوْلُك [8] أن تمهل حتى يشتد الولد ويجمع جراميزه ويمتطي جواد الشباب، ولئن فعلت إنك لنادم ولات حين مندم، ثم تعذله، ورُبَّ لاَئِمٍ مُليمٌ.. وأعيذك بالله من أن تَقول لولدك يومًا: ((أعييتني بأُشُرٍ، فكيف بِدُرْدُرٍ)) [9].
أو أن يُقال لك: ((سبق السيفُ العَذَلَ)) [10].
ثم احذر أن يخالف عملُك قولَك، فلسان الحال أفصح من لسان المقال، وخير المقال ما صدقته الفعال.
فالزم هذا؛ ينجب ابنك ويحمدكَ، وإلا كنت يا صاح ملومًا، وتحملت من إثمه كفلاً وذَنُوبًا.. وصار هو وَصْمًا، يولد عارًا، وينتج شنارًا… وهَلُمَّ جرًّا،مِن شُبَّ إلى دُبَّ [11].
• وقد قال ربنا (جل ثناؤه): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم:6]. قال غير واحد: معنى قوله (تعالى ذكره): ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ أي: علموهم وأدِّبُوهم.
• وعن عثمانَ الحاطبيِّ قال: سمعت ابنَ عمر (رضي الله عنهما) يقول لرجل: ((أدِّبِ ابْنَكَ؛ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ مَاذَا أَدَّبْتَهُ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ؟، وَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ)). أخرجه الإمام البيهقي في "السنن الكبير" (ج3/ص84).
• وقال ابنُ الْمُقَفَِّع: ((أَفْضَلُ مَا يُورِثُ الآبَاءُ الْأَبْنَاءَ: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالْأَدَبُ النَّافِعُ، وَالْإِخْوَانُ الصَّالِحُونَ)) انتهى. "الأدب الصغير" [(ص44-45) بتحقيقي، الطبعة الأولى].
• عن حَبِيْب الْجَلاَّب قال: قيلَ لابن الْمبارك (رحمه الله): ما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: ((غرِيْزَةُ عَقْلٍ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((أَدَبٌ حَسَنٌ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((أَخٌ صَالِحٌ يَسْتَشِيْرُهُ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((صَمْتٌ طَوِيْلٌ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((مَوْتٌ عَاجِلٌ)) ا.هـ أخرجه ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص17) ط/ دار الكتب. [12].
وأخيرًا:
لا تغفل الدعاء لولدك، فقد قالوا:
"الأدب من الآباء، والصلاح من الله عز وجل"
(الحلقة الثانية)
عشر وصايا من وصايا نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم).
وإنما ابتدأت بتلك الوصايا الفائقات من وصايا رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- وإن كانت مقالاتنا هذه في الأصل تجري على سنن اختيار روائعَ من وصايا الآباء للأبناء؛ لأمرين:
الأول: تبركًا بذكر كلامه -صلى الله عليه وسلم-، ورجاء أن تصيبني دعوته التي دعا بها لمن يبلغ للناس سنته، وينشر مقالته، حيث قال: (( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ)).
وفي لفظ: (( رَحِمَ اللهُ مَنْ سَمِعَ… ))[1].
الأمر الثاني: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبٌ لجميع المؤمنين؛ قال ربنا – تبارك وتعالى -: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب:6].
وقد رُوِيَ عن أُبي بن كعب، وابن عباس – رضي الله عنهم – أنهماقرءا: ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ﴾.
ورُوي نحو هذا عن معاويةَ، ومجاهد، وعكرمة، والحسن…[2].
وروى الإمام أبو داودَ – رحمه الله – في "سننه "[3] بسند جيد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ…)) الحديثَ.
الوصية الأولى
عن أَبي ذَرٍّ جُنْدَبِ بنِ جُنَادَةَ – رضي الله عنه – قال: قلت: يارسولَ اللهِ، أوصني، فقال: (( اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ[4])).
أخرجه الترمذيُّ في "جامعه – سننه" (كتاب البر والصلة- باب ما جاء في معاشرة الناس- حديث رقم1987]، وقال: "حديث حسن صحيح"، والإمامُ أحمدُ في "المسند" (ج5ص153،ص158،ص177)، والدارمي في "سننه – مسنده" (كتاب الرقاق- باب في حسن الخلق- حديث رقم (2791)]، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (ج1ص54) وصححه على شرط الشيخين (!)، ووافقه الذهبيُّ في "تلخيص المستدرك"، وله شواهدُ.
الوصية الثانية
عن أبي العباس عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ:
(( يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )).
أخرجه الإمامُ الترمذيُّ في "جامعه"، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حديث رقم (2516)، وقال: (( حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ))، والإمامُ أحمدُ في "المسند" (ج1ص293، 303، 307)، بأرقام (2669، 2763، 2804- ترقيم الشيخ أبي الأشبال أحمد شاكر). وراجع "جامع العلوم والحِكَم" للحافظ ابن رجب الحنبلي (رحمه الله) شرح الحديث التاسعَ عشرَ (19).
الوصية الثالثة
عن أبي هريرة[5] – رضي الله عنه – أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -: أَوْصِنِي، قَالَ: (( لاَ تَغْضَبْ ))، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: (( لاَ تَغْضَبْ )).
أخرجه الإمامُ البخاريُّ في "صحيحه"[6]، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، حديث رَقْم (6116).
الوصية الرابعة
عن أبي جُرَيٍّ جابر بن سُلَيْمٍ – رضي الله عنه – قال:
رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ[7]، لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا صَدَرُوا عَنْهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَرَّتَيْنِ.
قَالَ: (( لَا تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلَامُ؛ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ، قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ )).
قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ؟
قَالَ: (( أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إِذَا أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ[8] فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ – أَوْ فَلَاةٍ – فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ)).
قَالَ: قُلْتُ: اعْهَدْ إِلَيَّ.
قَالَ: (( لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا )).
قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا شَاةً.
قَالَ: (( وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنَ المَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ، وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ، فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ )).
أخرجه الإمام أبو داودَ – رحمه الله – في "سننه"، كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، حديث رقم (4084)، وصحح إسنادَه الإمامُ النوويُّ – رحمه الله – في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (14/140)، وكذا في "رياض الصالحين" (803).
وخرجه الإمامُ الترمذيُّ في "جامعه" (2722) مختصرًا، وقال: (( حديثٌ حسنٌ صحيحٌ )).
الوصية الخامسة
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أن رجلاً جاءه فقال: أوصني.فقال: سألتَ عما سألتُ عنه رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- من قبلك، فقال:
(( أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ؛ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُالْإِسْلَامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وذِكْرُكَ فِي الْأَرْضِ )).
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3/82). وانظر "فيض القدير" (الجزء الثالث – شرح الحديث رقم (2791))، و"مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للحافظ نور الدين الهيثمي رحمه الله (4/215، 216)، و"السلسلة الصحيحة" للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله (555).
الوصية السادسة
عن أبي ذَرٍّ جُنْدَُِبِ بنِ جُنَادَةَ – رضي الله عنه – قال: أَوْصَانِي خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم- بِخِصَالٍ مِنَ الْخَيْرِ:
(( أَوْصَانِي بِأَنْ لاَ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي وَأَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي[9].
وَأَوْصَانِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ.
وَأَوْصَانِي أَنْ أَصِلَ رَحِمِي وَإِنْأَدْبَرَتْ.
وَأَوْصَانِي أَنْ لاَ أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
وَأَوْصَانِي أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا.
وَأَوْصَانِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: " لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ "؛ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ )).
حديث صحيح: أخرجه ابن حبان (449-إحسان) (2041- موارد الظمآن) واللفظ له، وأحمد(5/159).
الوصية السابعة
عن أبي يوسفَ عبدِ الله بن سَلَامٍ – رضي الله عنه – قال:
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ:
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلَامٍ )).
حديث صحيح: أخرجه الإمامُ الترمذيُّ في "جامعه" (2485)، وقال: (( حديثٌ صحيحٌ ))، وابنُ ماجه (1334، 3251)، والإمام أحمدُ (5/451)، والدارميُّ في "مسنده" (1460)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين"، وقال: (( صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه ))، وأقره الإمامُ الذهبيُّ – رحمه الله – في "تلخيص المستدرك".
الوصية الثامنة
عن أبي نَجِيح العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صَلَاةَ الْفَجْرِ ثُمَّ وَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ:
(( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ )).
حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (4/126، 127)، وعنه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجة في "المقدمة" (42، 43، 44)، والدارمي في "المقدمة" (95)، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/617، 618،…..)، والآجُرِّيُّ في "الشريعة" (92، 93، 94، 95)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2303، 2304، 2305، 2310)، وابن أبي عاصم في "السنة" (26، 27، 28،…. إلى 34) وغيرهم، وصححه الترمذي، وابن حبان (5)، والحاكم (1/95-97)، والبزارُ، وغيرُهم.
الوصية التاسعة
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عُمَرَ بن الخطاب – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – قال:
أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَنْكِبِي، فَقَالَ:
(( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )).
وكان ابن عمر – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – يقول:
(( إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ)).
أخرجه الإمامُ البخاريُّ – رحمه الله – في "صحيحه"، كتاب الرِّقَاق، حديث رقم (6416).
الوصية العاشرة
عن سفيانَ بن عبد الله الثَّقَفِيِّ – رضي الله عنه – قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ (وَفِي لَفْظٍ: غَيْرَكَ )، قَالَ:
(( قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ )).
أخرجه الإمامُ مسلمٌ في "صحيحه"، كتاب الإيمان، باب[10]: جامع أوصاف الإسلام، حديث رقم (38).
allah yaj3alna mina alradon