تخطى إلى المحتوى

من تاريخنا : أحتلك باسم الدين !!! : 2024.

  • بواسطة
وبدأ الغزو العثماني لمصر : كان سلطان مصر في هذا الزمان قنصوة الغوري ، وكان قد تحمّل ، شأن الكثير ممن حكموا مصر ، مسؤولية رعاية الأماكن المقدسة سواء في مكة أو المدينة أو القدس ، وكان مسؤولاً عن صناعة كسوة الكعبة وإرسالها مع المحمل ، وأسمى نفسَه " خادم الحرمين الشريفين " . لما علم قنصوة الغوري بحشود العثمانيين التي تستعد لغزو مصر ، أرسل إلى السلطان سليم الأول رسالة جاء فيها " عَلِمْنا أنك جمعتَ عساكرك ، وأنك عزمتَ على تسييرهم علينا ، فتعجّبتْ نفسنا غاية التعجّب لأن كلنا ، والحمد لله ، من سلاطين أهل الإسلام وتحت حُكْمِنا مسلمون موحدون " . وجاء رد سليم الأول … ولم يكن صادقاً في رده : " يعلم الله ، وكفى به شهيداً ، أنه لم يخطر ببالنا قط طمعٌ في أحد سلاطين المسلمين أو في مملكته ، أو رغبةٌ في إلحاق الضرر به ، فالشرع الشريف ينهى عن ذلك " !!! .
وكان سليم الأول يُعد العُدة للغزو ، إذ كان الرجل مصمماً على غزو مصر . وبحث ونقّب فلم يجد ناقصاً لإتمام " الغزو " إلا فتوى دينية تبيح له " غزو بلدٍ مسلم ، سلطانه " خادم الحرمين الشريفين " وعلى أرضه أقدم جامعة إسلامية في العالم الإسلامي : الأزهر ، بل وتحمل أرضه أولَ مسجد بُني في إفريقيا : الفسطاط (= عمرو بن العاص ) .
بحث " قاضي عسكر الأناضول " كمال باشا زادة ، فوجد الحل الذي به يُجاز غزو مصر!!! وبه يمكن إصدار فتوى بهذه الإجازة !!! … فتّش الرجل في " القرآن الكريم " إلى أن وجد قوله تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذِّكْر أن الأرض يرثها عباديَ الصالحون "… وتم اعتساف التفسير بتوظيف الدين نفعياً ، فأصبح تفسير هذا القول الكريم " الأرض هي مصر " ، قياساً على أن الأرض وردتْ في آية أخرى مشيرةً إلى مصر ، و " عباديَ الصالحون " هم – بطبيعة الحال – العثمانيون … وذلك في نظر قاضي عسكر الأناضول " .
وكان في الأستانة مفتٍ لقبُه " مفتى الأنام شيخ الإسلام " !!!!! دخل هو الآخر حلبة المغانم الدنيوية / السياسية ؛ فأصدر فتوى تبيح للعثمانيين غزو مصر … التي مدحها الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، غير مرة ، وجاء بشأنها " " حدثت مجاعةُ الرمادة في الجزيرة العربية ، فاستغاث عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، بوالى مصر عمرو بن العاص ، وكتب له يقول ( من عبد الله أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي … سلام عليك … ، أما بعد ، فتراني هالكاً ومن قبلي ، وتعيش أنت ومن قبلك ، فياغوثاه ياغوثاه ياغوثاه ) . فكتب له عمرو : لأبعثن لك بِعِيرٍ أولها عندك وأخرها عندي . فبعث له بالطريق البري ألف بعير بالدقيق والمؤن ، وبعث له بالطريق البحري عشرين سفينة محملة بالغذاء " .
قالت الفتوى " يجوز غزو مصر ، لأن أهلها قُطّاعُ طُرُق ( = رعاع ) ، والحربُ والقتال ضدهم غزوٌ وجهادٌ ، والمقتول في هذه الغزوة شهيد ومجاهد " !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!!! .
ولا نعجب من الفتوى أعلاه بقدر أن نعجب لرسالة سليم الأول المسؤول عن " ديار الإسلام " إذ يغزو بلداً مسلماً عبر تأويل النص الشرعي ، ذلك النص الذي يجعل دمَ المسلم على المسلم حراماً ، بل ويجعله ، الدم ، أعز عند الله من البيت الحرام نفسه !!! . تقول رسالة سليم الأول " إن الله قد أوحى إليّ بأن أملك الأرض والبلاد من الشرق إلى الغرب كما ملكها الإسكندر ذو القرنين ، وأنا خليفة الله في أرضه ، فأنا أولى منك بخدمة الحرمين الشريفين " !!!!!!!!!! .
وكان أول خير من خيرات سليم الأول " خليفة الله في الأرض " أن شنق طومان باي على باب زويلة .
لكن المصريين ، وهم أذكياء بالفطرة ، لم ينسوا تلك الفعلة الشنيعة ، فظلوا ، وليومنا هذا ، يقرأون الفاتحة لطومان باي ، وأَسْمَوْا المكان الذي شُنق فيه البرئ " بوابة المتولّي " … إذ كان المتولى أحد أسماء طومان باي .

جاء في كتب التاريخ " اتجه العثمانيون إلى الطحانين فأخذوا البغال والخيول ، وأخذوا جِمالَ السقّايين ، ونهبوا كل ما في شِوَن القمح من غِلال ، ثم صاروا يأخذون دجاجَ الفلاحين وأغنامَهم وأوزَّهم ، وحتى أبواب بيوتهم وخشب السقوف أخذوه. ثم صاروا يخطفون العمايم ويعرّون الناس في الأماكن المفردة من بعد العشاء . وأرسل السلطان أحد أكثر قواده توحشّاً ، وهو جان بردي الغزالي ، إلى الشرقية ، فوصل إلى نواحي التل والزمرونين والزنكلون ونهبَ ما فيها من أبقار وأغنام وأوز ودجاج ، وقام بأسر الصبيان وسبي الفتيات ، باعتبار أنهم أبناء كفّار ، وراح يبيعهم في المحروسة بأبخس الأثمان ، وسارع المصريون بشراء هؤلاء الصبية من سوق العبيد والجواري ، ثم يهبونهم لأهاليهم ؛ فاشترى أحدهم بنتاً بأربعة أشرفية (= جنيهات ) ووهبها لأمها . وفوق ذلك كله فإن العثمانيين طفشتْ في العوام والغلمان ولعبوا فيهم بالسيف ، وراح الصالح بالطالح ، وصارتْ جثثهم مرميةً من باب زويلة إلى الرميلة إلى الصليبية فوق العشرة آلاف إنسان . ثم أحرقوا جامع شيخو فاحترق الإيوان والقبة. وكان الوالي الذي تركه سليم الأول ليحكم مصر يصبح وهو مخمور ، فيحكم في الناس بالعسف والظلم " .
وعسانا أن نكون قد أدركنا – الآن – الدعاء المصري " يا رب يا متجلّي إهلكْ العثمانللي " .

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.