المارونية
التعريف:
المارونية، طائفة من طوائف النصارى الكاثوليك الشرقيين، قالوا بأن للمسيح(*) طبيعتين ومشيئة واحدة(*)، ينتسبون إلى القديس مارون ويعرفون باسم الموارنة متخذين من لبنان مركزاً لهم.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
تنتسب هذه الطائفة إلى القديس مارون الذي انعزل في الجبال والوديان مما جذب الناس إليه مشكِّلين طائفة عرفت باسمه، وكانت حياته في أواخر القرن الرابع الميلادي فيما كان موته حوالي سنة 410م بين أنطاكية وقورس.
وقع خلاف شديد بين أتباع مارون وبين كنيسة الروم الأرثوذكس مما اضطرهم إلى الرحيل عن أنطاكية إلى قلعة المضيق قرب أفاميا على نهر العاصي مشيدين هناك ديراً يحمل اسم القديس مارون.
وقع كذلك خلاف آخر في المكان الجديد بينهم وبين اليعاقبة الأرثوذكس من أصحاب الطبيعة الواحدة عام 517م مما أسفر عن تهديم ديرهم فضلاً عن مقتل 350 راهباً(*) من رهبانهم.
خلال فترة الرحيل نالهم عطف الإمبراطور مرقيانوس الذي وسّع لهم الدير عام 452م. وعطف الإمبراطور يوستغيان الكبير 527-565م الذي أعاد بناء ديرهم بعد تهديم اليعاقبة له. وكذلك عطف الإمبراطور هرقل الذي زارهم سنة 628م بعد انتصاره على الفرس.
احتكم الموارنة واليعاقبة عام 659م إلى معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – لإنهاء الخلاف بينهم، لكن الخصومة استمرت، إذ حدثت حروب انتقامية بين الطرفين مما أسفر عن هجرة الموارنة إلى شمالي لبنان وهو المكان الذي أصبح موطناً لهم فيما بعد.
ظهر في موطنهم الجديد بلبنان القديس يوحنا مارون الذي يعتبر صاحب المارونية الحديثة ومقنن نظريتها ومعتقدها، وتتلخص سيرة حياته فيما يلي:
ولد في سروم قرب أنطاكية، وتلقى دراسته في القسطنطينية.
عين أسقفاً على البترون على الساحل الشمالي من لبنان.
أظهر معتقد الموارنة سنة 667م الذي يقول بأن في المسيح طبيعتين ولكن له مشيئة واحدة لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد.
لم تقبل الكنائس النصرانية هذا الرأي، فدعوا إلى مجمع القسطنطينية الثالث الذي عقد سنة 680م وقد حضره 286 أسقفاً وقرروا فيه رفض هذه العقيدة وحرمان أصحابها ولعنهم وطردهم وتكفير كل من يذهب مذهبهم.
يعد يوحنا مارون أول بطريرك لطائفة الموارنة وبه يبدأ عهد البطاركة المارونيين.
تصدى بجيش من الموارنة لجيش قاده يوستغيان الثاني الذي أراد هدم معابدهم واستئصالهم إلا أن الموارنة هزموه في أميون مما أظهر أمرهم كأمة جبلية ذات شخصية مستقلة.
لقد تحايلت كنيسة روما بعد ذلك عليهم في سبيل تقريبهم منها حيث قام البطريرك الماروني أرميا العمشيتي بزيارة لروما حوالي سنة 1113م وعند عودته أدخل بعض التعديلات في خدمة القداس وطقوس العبادة وسيامة الكهنة.
ولقد زاد التقارب بينهما حتى بلغ في عام 1182م إعلان طاعتهم للكنيسة البابوية، أما في عام 1736م فقد بلغ التقارب حد الاتحاد الكامل معها فأصبحت الكنيسة المارونية بذلك من الكنائس الأثيرة لدى باباوات روما.
لقد كان لهم دور بارز في خدمة الصليبيين من خلال تقديمهم أدلاء لإرشاد الحملة الصليبية الأولى إلى الطرق والمعابر، وكذلك إرسالهم فرقة من النشابة المتطوعة إلى مملكة بيت المقدس.
لقد بلغ رجالهم القادرون على القتال 40.000 على ما ذكر مؤرخو الحروب الصليبية.
احتل الموارنة في الممالك التي شيدّها الصليبيون المرتبة الأولى بين الطوائف النصرانية متمتعين بالحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الفرنجة كحق ملكية الأرض في مملكة بيت المقدس.
لويس التاسع كان أول صديق فرنسي لهم، إذ تقدم إليه عندما نزل إلى البر في عكا وفدٌ مؤلف من خمسة عشر ألف ماروني ومعهم المؤن والهدايا، وقد سلمهم بهذه المناسبة رسالة مؤرخة في 21/5/1250م فيها تصريح بأن فرنسا تتعهد بحمايتهم فقد جاء فيها: "ونحن مقتنعون بأن هذه الأمة التي تعرف باسم القديس مارون هي جزء من الأمة الفرنسية".
استمر هذا التعاطف من الغرب مع الموارنة في الأجيال التالية وذلك عندما أرسل نابليون الثالث فرقة فرنسية لتهدئة الجبل عام 1860م وكذلك بعد الحرب العالمية الأولى عندما صار لبنان تحت الانتداب الفرنسي.
تيوفيل (تيوفيلوس) بن توما من شمال سوريا، ماروني، كان يعمل منجِّماً في قصر الخليفة العباسي المهدي 775-785م كما قام بترجمة إلياذةهوميروس.
المؤرخ اسطفانوس الدويهي المشهور، ماروني، توفي سنة 1704م.
البطريرك جرجس عميرة، ماروني، ألّف أول غراماطيق سرياني واضعاً قواعده باللاتينية تسهيلاً على المستشرقين دراسة هذه اللغة.
من مشاهيرهم يوسف حبيش وبولس مسعد ويوحنا الحاج والبطريرك إلياس الحويك.
ومن الأساقفة المطران جرمانوس فرحان ويوسف سمعان السمعاني ويوحنا حبيب ويوسف الدبس.
ومن بيوتاتهم المعروفة آل خازن ودحداح وحبيش والسعد وكرام والظاهر والبستاني والشدياق والنقاش والباز..
ومن زعاماتهم المعاصرة: آل جمَيِّل، وشمعون، وفرنجية، وإده..
من تنظيماتهم السياسية الحزبية العسكرية حالياً: حزب الكتائب وحزب الأحرار.
منذ عام 1943م حتى اليوم استقر الأمر بأن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية من الطائفة المارونية وذلك بموجب الميثاق الوطني الذي تم فيه الاتفاق شفوياً بين المسلمين والنصارى حول توزيع المناصب الرئيسية للدولة اللبنانية على مختلف الطوائف الدينية فيها.
الأفكار والمعتقدات:
أهم نقطة تميزهم عن بقية الطوائف النصرانية هو معتقدهم بأن للمسيح طبيعتين وله مشيئة واحدة وذلك لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد.
عقيدة المشيئة الواحدة قال بها بطريرك الإمبراطور هرقل أيضاً 638م ليوفق بين عقيدة أصحاب الطبيعة الواحدة الذين يشكلون الأكثرية من رعاياه النصارى في سوريا وبين أصحاب العقيدة الأرثوذكسية للكنيسة البيزنطية، إلا أن هذه المحاولة لم تفلح في سد الثغرة بينهما.
يعتقدون أن خدمة القداس عندهم مأخوذة عن تلك الخدمة التي ينسبونها إلى القديس يعقوب، كما يعتقدون أن هذه الخدمة إنما هي أقدم خدمة في الكنيسة المسيحية إذ إن أصولها ترجع إلى العشاء الرباني الأخير.
ما تزال الكنيسة المارونية تحتفظ باللغة السريانية في القداس إلى يومنا هذا.
وما يزال الطابع السرياني سارياً حتى في الكنائس التي تعترف بسلطة البابا.
منذ أوائل القرن الثالث عشر تم إدخال بعض التعديلات على الطقس الماروني القديم وذلك في عهد الباباانوسنت الثالث ليكون أكثر تلاؤماً مع الطقس اللاتيني ومن ذلك:
تغطيس المعمود ثلاث مرات في الماء.
طلبة واحدة للثالوث.
تكريس الأحداث على أيدي المطارنة فقط.
لقد صار الكهنة يتبعون الزي اللاتيني في لبس الخواتم والقلنسوة التي تشبه التاج والعكاز.
استعمال الأجراس بدلاً من النواقيس الخشبية التي تستعملها سائر الكنائس الشرقية في الدعوة إلى القداس متبعة بذلك التقليد اللاتيني.
الجذور الفكرية والعقائدية:
الموارنة فرع عن الكاثوليك الشرقيين الذين هم بدورهم فرع عن النصرانية بشكل عام لذا فإن جذورهم هي نفس الجذور النصرانية.
يمتازون بالمحافظة الشديدة على تراثهم ولغتهم السريانية القديمة، وقد اقتربوا على مدار الزمن من الكنيسة البابوية بروما بعد إدخال عدد من التعديلات على الطقوس المارونية القديمة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
البداية في أنطاكية، ومن بعدها رحلوا إلى قلعة المضيق، وأخيراً صاروا إلى جبال لبنان موطنهم الحالي منذ النصف الثاني من القرن السابع الميلادي.
منذ القرن الخامس عشر الميلادي أصبح دير قنُّوبين شمالي لبنان فوق طرابلس المبني في صخر من صخور وادي قاديشا (أي المقدس) مقراً للبطريركية المارونية، كما أصبحت بكركي المبنية فوق جونية المقر الشتوي حتى يومنا هذا، إذ لا يزال سيد بكركي. يلقب ببطريرك أنطاكية وسائر الشرق ؛ ذلك لأنه مستقل عن سائر البطاركة الشرقيين، كما تخضع لإدارته مطارنة وأبرشيات وجمعياتٌ رهبانية مختلفة.
عندما استرد صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس غادر الملك غوي دي ليزنيان إلى قبرص فتبعه جمهور كبير من الموارنة، لوقوفهم إلى جانب الصليبيين إبان الاحتلال، مستوطنين هناك الجبل الذي يقع شمالي نيقوسيا.
لقد فرَّ كثير من الموارنة من لبنان بسبب الحروب والهجرة فوصلوا إلى تكريت وغيرها من المدن بين دجلة والفرات منذ القرن الثاني والثالث عشر، كما ذهب بعضهم تجاه سوريا الداخلية مستوطنين دمشق وحلب، وفريق ذهب إلى القدس وهبط بعضهم الآخر إلى مصر ورودس ومالطة، وهاجر آخرون إلى أمريكا وأفريقيا واندونيسيا وما يزال أغلبهم يعيشون في لبنان ولهم أكبر الأثر في توجيه السياسة اللبنانية المعاصرة.
ويتضح مما سبق:
أن المارونية طائفة من النصارى الكاثوليك الشرقيين، الذين كانوا دائماً على خلاف مع معظم الطوائف الأرثوذكسية، لأنهم يقولون بأن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة، وهم يتخذون من لبنان مركزاً لهم، وقد أعلنوا طاعتهم لبابا روما عام 1182م، وقد تعاونوا مع الفرنجة إبان الحروب الصليبية، ومنذ عام 1943م تم الاتفاق بين المسلمين والنصارى في لبنان، على أن يكون رئيس الدولة مارونياً.
للامانة منقول للافادة
بارك الله فيك على الطرح المميز واصل تميزك