الميزان الصحي:
نجد البُعْد الأول في كلام ربنا – عز وجل -، متحدثًا عن هذا التوازن الذي وضعه الله في طبيعة هذا الكون بمختلف منظوماته ومنها الإنسان: "…وَوَضَع الميزان * ألا تَطْغَوْا فِي الْمِيْزان * وَأَقِيْمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوْا الْمِيْزَان" (الرحمن: 7 – 9)، فلفت – سبحانه – النظر إلى هذا التوازن الذي ينظم كل شيء، ونَبَّه إلى أن أي انحراف ـ أيًّا كان اتجاهه، طغيانًا كان أم إخسارًا ـ يمكن أن يُخِلَّ بهذا الميزان ويفضي إلى أسوأ العواقب: "يَا أَيُّها النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُم…" (يونس: 23).
ولقد فهم الطبيب العربي والمسلم ذلك واستوعبه وطبَّقه في مجال الصحة مُعَبِّرًا عن هذا التوازن الديناميكي بتعبير الاعتدال، فقال علي بن العباس مثلاً بكل إيجاز: "والصحة هي اعتدال البدن"، وعبَّر عن ديناميكية هذا التوازن ابن سينا بقوله: "الاعتدال الذي للإنسان له عرض (مجال)..وله في الإفراط والتفريط حَدَّان".
* الرصيد الصحي:
أما البُعْدُ الثاني فينطلق في الأساس من قول النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه البخاري عن ابن عمر: "وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِك"، وهذا حديث عن "رصيد صحي" يحافظ عليه المرء ويُنَمِّيه؛ ليستعين به على مجابهة المرض، فالمرض كما تقدم إخلال بالميزان الصحي، ومجابهته تكون بالمحافظة على الميزان الصحي، ومنع اختلاله، واستعادة التوازن الصحي كلما اخْتَلّ، ولن يتأتى ذلك ما لم يكن لدى الإنسان مثل هذا الرصيد الصحي الذي يستعين به ويتسلح به.
وقد أطلق المحدثون عبارة "تعزيز الصحة" على مجموعة الوسائل المُتَّخَذة لتقوية الرصيد الصحي وتنميته للحفاظ على كَفَّة الصحة راجحة، فأما من ثقلت موازينه الصحية فهو في خير صحة وعافية، وأما من خَفَّت موازينه الصحية فهو فريسة للأمراض والأسقام.
أنماط الحياة من أجل صحة أفضل:
لأن الإنسان المسلم يعتبر الصحة نعمة؛ لقوله – عليه الصلاة والسلام – فيما رواه البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما -: "نعمتان مَغْبُونٌ فيهما كثير من الناس: الصِّحَة والفراغ"؛ لذا فهو يحافظ عليها عن طريق:
1 – التغذية الحسنة: وهي التغذية المتوازنة تحقيقًا للميزان الذي وضعه الله في كل شيء، ويكون ذلك:
أولاً: بتَحَرِّي الغذاء الطَّيِّب: "كُلُوْا مِنَ الطَّيِّبَات" (المؤمنون: 51)، واجتناب الغذاء الخبيث: "وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِث" (الأعراف: 157)
وثانيًا: بعدم الامتناع عن الغذاء لقوله – سبحانه -: "لا تُحَرِّمُوْا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُم…" (المائدة: 87).
وثالثًا: بعدم الإسراف فيه لقوله – تعالى -جَلَّ شأنه: "وَكُلُوْا وَاشْرَبُوْا وَلا تُسْرِفُوْا" (الأعراف: 31).
ورابعًا: بعدم تناول ما نَصَّ أهل الذكر من الأطباء على أن من شأنه أن يُحْدِثَ الضرر؛ فيكون بذلك معتديًا على الصحة: "وَلا تَعْتَدُوْا".
2 النظافة العامة: لقوله – عليه الصلاة والسلام -: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإيْمَان" رواه مسلم، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا يُحافِظ على الوضوء إلا مؤمن" رواه الدارمي، وقوله: "حَقُّ الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام: يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَه" رواه مسلم.
وبالنظافة الموضعية، كغسل اليدين؛ فقد كان – صلى الله عليه وسلم – "إذا أراد أن يأكل غَسَل يديه"، ونظافة الفم والأنف والأذنين والعينين والرأس واليدين والقدمين، وقد ورد في ذلك من فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آثار كثيرة مباركة، ومثل ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الله بن بشر المازني: "قُصُّوا أظافيركم، وادفنوا قُلاماتكم، ونَقُّوا براجمكم…"، وكالتنظيف من البول والغائط لقوله – صلى الله عليه وسلم -: "إذا تَغَوَّط أحدكم فليمسح ثلاث مرات" رواه ابن حزم.
3 – العناية بصحة الفم: بالسواك لقوله – عليه السلام -: "السِّواك مَطْهَرة للفم مَرْضَاة للرَّب" رواه ابن ماجه، وبالمحافظة على تنظيف اللِّثة؛ لقوله – عليه الصلاة والسلام – فيما رواه الحكيم الترمذي عن عبد الله بن بشر: "نظفوا لِثاتكم من الطعام، وتسنَّنوا، ولا تدخلوا عليها قحرًا (قَلْحًا) بَخَرًا".
4 – تقوية الجسم: ولا سيما بالرياضات المناسبة للجسم ككل، ولكل عضو من الأعضاء؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف". ويندرج ذلك تحت قوله – عليه الصلاة والسلام -: "احْرِصْ على ما يَنْفَعُك" رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة.
5 – عدم إرهاق البدن وإعطاء كل عضو فيه حقه؛ لقوله – عليه الصلاة والسلام -: "إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" رواه البخاري، وقوله: "إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"، وقوله: "إِنَّ لِعَيْنَيْكَ عَلَيْك حقًّا" رواهما مسلم.
6 – اتخاذ جميع أسباب الوقاية من الأمراض: بحسب وصية أهل الذكر من الأطباء؛ لأن التوقي يؤدي إلى الوقاية، فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: "ومن يَتَوَقَّ الشر يُوقَه" أخرجه الخطيب في تاريخه عن أبي هريرة (رضي الله عنه) ويدخل في ذلك التطعيم لاتقاء الأمراض المعدية، والابتعاد عن كل مصدر من مصادر العدوى لقوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا يوردن ممرض على مصح" رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد.
منقول للامانة
يعطيك العافية
تقبلي شكري