بسم الله الرحمن الرحيم
إن الذي ينبغي لكلٍ منا أن يُعنى به في شهر رمضان[ ] هو:
أولاً: وفي كلمة جامعة مختصرة: أن يجعل من نفسه محلاً قابلاً لتنزُّل الرحمات والمغفرة والعتق من النار[ ] :
اجعل من قلبك وواقعك موقعاً صالحاً لفضل الله؛ تصيبه الرحمة وتَحُل عليه المغفرة، وهذا؛ لأن هذا الشهر من جهةٍ شهر فضل عظيم من الله جل وعلا ومن الجهة الأخرى أن هذا الفضل ولا بد إنما يذهب لأهله، فأما أنه شهر فضلٍ ومِنَح من الله جل وعلا، فلأن لله عتقاء في كل ليلة من ليالي
رمضان[ ] وعند كل فطر؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عند كل فطر عتقاء» (أخرجه:أحمد:22202، وصححه الأرنؤوط).
وروى ابن ماجه بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: دخل رمضان[ ] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرِمها، فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحرَم خيرها إلامحروم» (أخرجه: ابن ماجه:1644). وأما أن هذا
الفضل إنما ينال أهلَه، فلأن الله تعالى أعدل وأحكم من أن يكرم بهذا الفضل من ليس له أهلاً ويدع من هو أهل له، ومن ثَمَّ كان علينا أن نجتهد في جعل أنفسنا أهلاً لفضل الله جل وعلا في هذا الشهر؛ علَّنا نكون بذلك من عتقاء الرحمن في هذا الشهر الكريم.
وأول ما يطهِّر به كل منا نفسه استعداداً لهذا الشهر الكريم التغافر، وإزالة الشحناء، وصلة الأرحام؛ فإن الخصام يؤخر الغفران، ولهذا جاء في الحديث: «تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه
شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا، وفي رواية: أركوا هذين حتى يصطلحا» (أخرجه: مسلم:2565).
وجاء في الحديث الآخر: «إن الله لَيطَّلعُ في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» (أخرجه ابن ماجه:1390، وصححه الألباني[ ] في الصحيحة:1144). فظهر من هذا بجلاء أن من أسباب المغفرة من الله جل وعلا في مواسم المِنَح والنفحات أن يخلِّص العبد نفسه
من الخصومات والمشاحنات، كما يجب أن يتخلص خاصة من قطيعة الرحم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «لايدخل الجن[ ] ة قاطع» (أخرجه: البخاري[ ] :5984، ومسلم:2555)، أي قاطع رحم، فظهر من هذا بجلاء أن قطع الأرحام من موانع نيل فضل الله؛ فكيف يطمع قاطع الرحم
أن يكون من عتقاء الله من النار[ ] في هذا الشهر؟ ومن ثَمَّ وجب على كلٍّ منا أن يزيل كل سبب كان من جهته؛ أدى إلى قطع رحِمه.
فليكن رمضان[ ] شهر بِرٍّ وصِلَة وتسامُح؛ فينبغي لك بين يدي هذا الشهر أن تزور أقاربك وأصهارك وأرحامك، وتصِلَهم وتتودد إليهم، وأعظم الصِّلات وأرفع القربات بِرُّ الوالدين[ ] والحنو عليهما وإكرامهما وإرضاؤهما.
وليتنازل الإنسان، وليعفو وليصفح: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]، {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237]، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأُحسن إليهم ويسيؤون إليَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن كنت كما قلت، فكأنما تُسفُّهم المل أي كأنما تؤكلهم الرماد الحار ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» (أخرجه: مسلم:2558).
وما أجمل قول أحد الحكماء وهو يذكر طريقة تعامله مع أقاربه وموقفه مع عشيرته بأبيات من الشعر! يقول فيها:
وإن الذي بيني وبينَ بَنِي أبي *** وبين بَنِي عمِّي لمختلفٌ جِدا
إذا هتكوا عِرضي وَفَّرتُ عروضَهمُ *** وإن هدموا مجدي بَنَيتُ لهم مَجدا
ولا أحملُ الحقدَ القديمَ عليهِمُ *** وليس رئيس القومِ من يحملُ الحقدا
فينبغي أن يكون شهر رمضان[ ] شهر تآخٍ ووحدة وائتلاف، لا سيما والمسلمون جميعاً في هذا الشهر يقومون بعبادة واحدة في وقت واحد، وفي لحظة واحدة؛ لحظة الإفطار تجد الصمت الجميل يعم بلادهم.. وانتظر الجميع تكبير المؤذن، فيحمدوا الله على إتمام صومهم، ويفرحوا بفطرهم،
وفي الليل يقومون خلف إمام واحد يقف كلٌّ منهم إلى جانب أخيه؛ فليكن هذا التوحد بين القلوب[ ] كما هو في المظهر والصورة.
موضوع مميز ومفيد للأعضاء المارين
وطرح اروع واميز من قبلكم…..
اتمنى أن يستفاد منه الجميع
بارك لله فيك …واصل مواضيعك المميزة
،،،
تحياتي